مرسي من السجن إلى القصر..الدلالات والتداعيات
بقلم/ ناجي منصور نمران
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 26 يونيو-حزيران 2012 05:19 م

كثيرة كانت هي التكهنات حول هوية ساكن قصر عابدين الجديد نظراً لإحتدام وطأة المنافسة في جولة الإعادة للإنتخابات الرئاسية المصرية وتزايد حدة التصريحات الإعلامية المتضاربة من قبل حملات كل من مرشحي الرئاسة مرسي وشفيق ،حتى جاءت جهينة بالخبر اليقين عندما تم إعلان النتيجة النهائية من قبل اللجنة العليا للإنتخابات المصرية لتحسم ذلك الجدل في مؤتمر صحفي كانت الأعصاب فيه مشدودة سيما وأن المستشار فاروق سلطان قد أسهب في تلاوة بيان النتيجة النهائية قبل أن يعلن أهم جملة في نهايته تحدد على إثرها إسم الرئيس المصري الجديد وهو الدكتور محمد مرسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي لطالما كانت محظورة الأنشطة وإلى وقت قريب ،وأغلب منتسبيها كانوا يقبعون في غياهب سجون أمن الدولة في عهد المخلوع مبارك، ولم يدر في خلد أحد بما فيهم الإخوان أنفسهم أن تتغير الأمور بهذه السرعة وتنقلب المعادلة رأساً على عقب في ليلة وضحاها و بحيث يصبح نزيل السجن بالأمس هو ساكن القصر اليوم والعكس صحيح ،فسبحان الله نازع الملك ممن يشاء وواهبة لمن يشاء من عباده.

مما لاشك فيه أن الإخوان المسلمين قد تربعوا بالفعل على هرم السلطة في مصر عقب إنتخابات تنافسية شهد لها العالم أجمع، وحبست أنفاس الجميع نظراً لأهميتها خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية الحساسة من تاريخ مصر و الأمة العربية جمعاء ، ولكن ما أود الإشارة إليه في هذه التناولة السريعة هو أن فوز الإخوان بالرئاسة لم يكن فوزاً سهلاً البته بدليل حصول مرسي على نسبة 51.5% بفارق ضئيل مقداره قرابة 3% فقط بينه وبين منافسة شفيق من إجمالي أصوات الناخبين والتي قد لاتعكس بدقة رأي الشارع المصري كون نسبة المقاطعة كانت كبيرة،إلا أن هذا الفارق الضئيل والحاسم في حد ذاته بين مرسي وشفيق يحمل في طياته مجموعة من الدلالات والتي يمكن إيجازها فيما يلي: 

1- الفارق الضئيل يعكس نزاهة الإنتخابات المصرية ،إذ تعتبرهذه المرة الأولى في تاريخ إنتخابات الدول العربية ،والتي كانت جميعها شكلية بلا إستثناء ،التي يكون فيها الفارق بين المرشحين قرابة 3% فقط حيث عودنا (السادة الزعماء) بنتائج فوزخرافية قد تصل أحياناً إلى 99%.

 2- حصول شفيق على نسبة 48.5% من إجمالي أصوات الناخبين يؤكد أحد أمرين ، فإما أن يكون هناك تواجد وتواجد كبير لمناصري النظام السابق أو من باتوا يعرفون بالفلول عكسته هذه النسبة المرتفعة ، أو أن هذه النسبة تعكس بإختصار نسبة أولئك المتخوفين من مختلف القوى والأطياف السياسية من وصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم، والذين آثروا بدافع ذلك التوجس الوقوف ضد الإخوان في معركة الإنتخابات الرئاسية الشرسة، ونعتقد أن الإحتمال الثاني هو الأكثر دقة من سابقة، ولذا فإننا نعتقد أنه لو كانت المنافسة بين شفيق ومرشح محسوب على تيارسياسي آخر غير إسلامي ،لكانت النتيجة ربما مختلفة ولصالح المرشح المنافس لشفيق بفارق كبير جداً، وعلى كل فالأمر المؤكد أن نسبة 48.5 % من إجمالي أصوات الناخبين المصريين قد قالت لا للإخوان وبغض النظر عن الدوافع التي تقف وراء ذلك الرفض سواء كانت التوجس والخيفة منهم أودعماً للنظام السابق، وهذا أمر لايستطيع إنكاره أحد وينبغي أخذه بعين الإعتبار كونه سيلقي بظلاله وبقوة على مستقبل المشهد السياسي في أرض الكنانة في قادم الأيام.

3- على الرغم من كل ما لحق بالقضاء المصري من إتهامات وشكوك حول نزاهته ومهنيته، إلا أنه يمكن القول أن القضاء المصري لايزال بخيرحتى وإن كانت هنالك بعض التجاوزات الطفيفة هنا وهناك ،فما تحلى به القضاء المصري خلال إشرافه على سير عملية الإنتخابات الرئاسية من حيادية، وتحمله المسئولية الكاملة عن هذه المهمة الصعبة يشفع لكل تجاوزاته.

إن وصل الإخوان في مصر للسلطة يحمل معه بكل تأكيد العديد من التحديات والصعاب أمامهم في المرحلة القادمة، وما أكثرها من تحديات يزيد من حدتها إستحواذ العسكر على صلاحيات الرئيس المنتخب بإستباقهم ذلك بإصدار القانون الدستوري المكمل والذي يتيح لهم الإحتفاظ بسلطة التشريع كاملة،علاوة على إدارة كافة شئون القوات المسلحة المصرية، الأمر الذي يكبل تحركات الرئيس الجديد ويجعل منها شكلية إن صح لنا التعبير، خصوصاً وأن تلك الإجراءات تجعل من سلطة العسكر دولة فوق الدولة.

لكن وبعيداً عن العراقيل الكثيرة التي ستواجة الدكتور مرسي في حكم مصر والتي نتركها لقادم الأيام لتكشف عنها، فإنه من الواضح الآن على الأقل أن هنالك بعض التداعيات التي تأتي نتاجاً طبيعياً لفوز الإخوان برئاسة مصر ،وهي الدولة العربية التي تلعب دوراً قيادياً وريادياً في المنطقة العربية ،كيف لا وهي أرض الكنانة خاصرة الأمة ومحور إرتكازها وهو مايجعلها تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على مجريات الأحداث في جميع الدول العربية، ولذا فإن هذا الإنتصار التاريخي لحركة الإخوان المسلمين المحظورة سابقاً والمحاربة من قبل أغلب الأنظمة العربية ،سيلقي بظلاله على كثير من أوراق المشهد السياسي ليس في مصر فحسب ،بل وفي محيطها الإقليمي والدولي، ومرد ذلك طبيعة توجهات وأيدولوجيات هذه الحركة، وأهم تلك التداعيات مايلي:

1-التأثير المباشر على الحوار الفلسطيني الفلسطيني والذي تم إرجائة سابقاً إلى مابعد إنتخابات الرئاسة المصرية، إذ لايوجد أدنى شك في أن فوز الإخوان في مصر يأتي في صالح حركة حماس في غزة و المحسوبة هي الأخرى على تيار الإخوان المسلمين مما يعزز من موقفها التفاوضي أمام حركة فتح ، الأمر الذي سيكسب حماس الكثير من التنازلات من الجانب الآخر سيما وأن أوراق اللعبة قد تغيرت تماماً ،فالجميع يعلم مقدار الدعم السياسي والإقتصادي الذي كانت تحظى به السلطة الفلسطينة في رام الله ممثلة بحركة فتح من النظام المصري البائد وكيف أن هذا الدعم سيتحول بمقدار أكبر لحركة حماس.

2-التأثيرات الغير المباشرة والمباشرة على الثورات العربية المتقدة ،ففي حين يتمثل التأثير الغير مباشر لإنتصار الإخوان المسلمين في مصر في كونه إنتصاراً حقيقياً للثورة المصرية والتي جاءت إمتداداً لثورات الربيع العربي، وهو مايعني إنتصار لكل الثورات في باقي الدول العربية الأخرى ،الأمر الذي من شأنه تحفيز الشارع العربي المتطلع للتغيير نحو المزيد من الحماس والإصرار على المضي قدماً في تحقيق أهدافه المنشودة والمتمثلة في إرساء مداميك الديمقراطية الحقيقية ،وبناء دول مدنية تحترم جميع مواطنيها، وتلبي تطلعاتهم، وتخدم آمالهم ،وبما يضمن للمواطن العربي العيش بكرامة، تتمثل التأثيرات المباشرة في الدعم المباشر لكل الإتجاهات الإسلامية والتي تسير على نفس خطى حركة الإخوان المسلمين في مصر،كحركات الإخوان في الأردن وسوريا واليمن والسودان وغيرها، وهو مايزيد من نفوذ الإخوان في تلك الدول ويعزز من فرص فوزهم سواء بالإنتخابات البرلمانية أو حتى الرئاسية التي ستشهدها تلك البلدان، أضف إلى ذلك أن العداء التاريخي بين حركة الإخوان ونظام البعث سيزيد من فرص الدعم لثوار سوريا ضد نظام الأسد والذي يبدو أنه يدافع بإستماته من أجل البقاء وخروجه يحتاج دعم مادي وعسكري.

3- نتوقع حدوث صدام بشكل أو بآخر بين النظام المصري الجديد ودول الخليج العربي والتي تكن عداء واضح للإخوان المسلمين بإستثناء قطر التي دعمت ثورات الربيع العربي ولها في ذلك مآرب خاصة لسنا بصدد الحديث حولها،وذلك سيظهر جلياً عندما تقدم الحركة على دعم الجماعات المحسوبة عليها في تلك الدول تلبية لطموحاتها التوسعية وهو ما لاترغبه دول الخليج وستعمل ضد حدوثه بشتى الوسائل.

بغض النظر عن دلالات وتداعيات نتيجة الإنتخابات المصرية ، فتلك النتيجة التاريخية جعلت من يوم الرابع والعشرين من يونيو يوماً خالداً في تاريخ مصر والأمة العربية ،فهو بحق عرس ديمقراطي بإمتياز قلما نجد نظيره ،عكس تطلعات الشارع المصري والعربي، وبعيداً عن هوية الفائز وتوجهاته الفكرية ، فالفائز الحقيقي في الأول والأخير هو الشعب المصري البطل، والخاسر هم أعداء التغيير سواء في مصر أو في باقي الدول العربية المتطلعة لغد مشرق وضاء.

مشاهدة المزيد