جلس العلماء في البيوت...فخرجت توكل للنضال
بقلم/ عبد الملك المثيل
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 17 يوماً
الثلاثاء 08 فبراير-شباط 2011 05:12 م

اليوم...حدث تبادل للأدوار بين من وصفهم المولى عز وجل بأنهم أكثر العباد خوفا وخشية منه ، كما قال تعالى ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) وبين مجموعة من البشر لا يملكون سوى الكلمة والأقلام ، ولا يسعون إلّا لصون كرامة الإنسان ومنحه حقوقه الإنسانية ووجوب الحفاظ عليها ، في ظل الأنظمة التي تملك سجلا حافلا في انتهاك حقوق الإنسان والعبث بأيام حياته .

الصحفيون والكتاب وقادة منظمات المجتمع المدني ، تبادلوا المقاعد مع علماء الدين ، الذين آثروا الصمت وفضلوا السكوت أمام المشاهد الكارثية التي تعصف بالوطن اليمني ، ثم مع كل دعوة توجه إليهم بضرورة قول أو فعل شيء أو توجيه انتقاد إليهم ، يسارعون في إشهار سيوف التهديد بأن لحومهم مسمومة ولا يجوز أبدا التعرض لهم وللحومهم ، وكأن لحوم ما تبقى من العباد مباحة ، ومسموح للسلطة وأدواتها البغيضة تقطيعها وهتك كرامتها وتجريب أبشع أساليب الذل والتعذيب والجوع والحرمان فيها .

لاحظوا أن السجون والمحاكم صارت مكانا لكثير من الصحفيين والكتاب ، الساعين لإنتزاع العدالة والمساواة وحقوق الإنسان ، ومن بقي منهم ( أقصد الشرفاء والوطنيين الصادقين ) يواصلون مسيرة النضال من أجل تحقيق تلك المثل والقيم السامية ، بينما العلماء وما أكثرهم في بلادنا لا أثر لهم في معمعة الظلم والفساد والقتل والخراب ، لكنهم بالطبع يسارعون في الخروج والظهور والتصريح وإصدار البيانات لحظة إشارة واحدة من اصبع الحاكم ، الذي يقف على رؤوسهم أحيانا ليلقي على مسامعهم محاضرات وخطب دينية يضحك المرء منها حتى يغمى عليه.

حاشا وكلا أن أكون هنا في موقع التطاول على العلماء ، لكنني وانا أقف أمام بوابة التاريخ ، أراهم في الصفوف الأولى مدافعين عن الحق وقائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يلبسون ملابس البسطاء ويأكلون من ما يأكله الفقراء ، أراهم يتصدون للحكام الظلمة ويصارعونهم بردعهم عن الظلم ونصرهم للمظلومين ، حتى انني أسمع دوي كلمات الحق التي كانت تخرج من أفواههم ، ترعب الحكام وتثير الناس فيقف كل عند حده.

كان الناس يبحثون عن العالم فيجدوه بينهم ، فيلتفون حوله ويستمعون إليه لأنه صدق مع الله فصدق معهم ، وانظروا كيف كان العالم يعيش معهم ويبحث عن أنسب الطرق الموصلة إليهم وإرشادهم إلى طرق البر والصلاح ، تأدية لواجبه الذي حدده المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله ( العلماء ورثة الأنبياء ) .

يا الله كم يشعر المرء الخائف من الله بالرعب وهو يقرأ كلماته صلى الله عليه وسلم ( ورثة الأنبياء ) ولنا في أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، المثل الأعلى والقدوة الحسنة في مقارعة الظلم والإنتصار للضعفاء ، فأين العلماء من ذلك كله ، أم انهم لا يعلمون ولا يبصرون بما يدور في بلادنا الحبيبة ؟.

لقد انتشر الظلم في كل مكان ، واستوردت السلطة الحاكمة المفاسد بمختلف أنواعها الفكرية والثقافية ، وصارت ثروة البلاد مرتعا للصوص ينهبونها ويصرفونها كيفما شاؤوا بدون رقيب او حسيب ، بينما تدخل الخمور والمخدرات إلى البلاد من كل المنافذ ، وتفتح المراقص والملاهي تحت رعاية الأمن وحمايته ، ولا عجب أن يصبح المواطن عرضة للسلب والنهب والإبتزاز من النافذين والحاكمين الذين ينهبون الأراضي ويصادرون المزارع ويتاجرون بسيادة الوطن ، ونتيجة لسكوت العلماء أصبح الشعب سلعة تباع وتشترى تارة باسم الإرهاب ومرة باسم إيران واخرى بعذر ليبيا وقطر ، ليسقط آلاف القتلى والجرحى في الحروب التجارية ، والعلماء مع ذلك كله غائبون عن المشهد ، لكن البعض منهم يحرصون على الحضور دعما للسلطة ، محذرين من الفتنة وتقسيم البلاد عند حضور الرفض الشعبي لما يمارسه الحاكم ، وكانهم ينادون الناس بقبول الظلم ونهب الأراضي والتغاضي عن هتك الكرامة والموت جوعا ، وهي أمور ما وردت في أي شريعة سماوية ، خاصة وتلك الشرائع توضح مهمة الحاكم ووظيفته حيث وجد للحفاظ على الإنسان وصون كرامته وكفالة حقوقه ، ولحظة نسيانه وتقصيره ومخالفته لتلك الوظيفة وجب على العلماء قبل غيرهم تذكيره وتحذيره لأن المظالم وحدها كفيلة بتفتيت وتقسيم أعتى الدول ، ووحدها العدالة طريقا للبقاء والحصول على معايير النصر الإلهي ، حسب المقولة او الفتوى الشهيرة ( إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويهدم الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة ) .

ذكرت وتذكرت العلماء واستعرضت تاريخهم المشرق وبكيت على حالهم اليوم ، وأنا أتابع يوميا الإشراقات النضالية المتواصلة للأخت الثائرة / توكل عبدالسلام كرمان ، والتي تصدرت أقوالها وأفعالها البطولية وسائل الإعلام وأفواه وألسنة المتحدثين.

لست هنا في موقع الثناء والمدح لحفيدة بلقيس ، ولا في موقع البحث عن الكلمات وانتقائها ورصها في أسطر الموضوع لوصف الثائرة اليمنية الأصيلة ، فهي بما قدمته وتقدمه وستقدمه تجاوزت ذلك بكثير ، ولا أعتقد أن وصفا معينا أو كلمات مهما أجدنا تنميقها قادرة على منحها ولو جزء يسيرا من الإستحقاقات المترتبة علينا تجاهها ، لكنني هنا حرصت ولو متأخرا بسبب انشغالي الشديد بعملي ، على إعلان تضامني ودعمي لمواقفها وشد أزرها كسائر أبناء الشعب اليمني ، والذين يكنون لإبنتهم وأختهم توكل من المشاعر الصادقة أعزها وأغلاها وأعظمها ، كما أنني حرصت أيضا على الرد والتصدي لأولئك المفلسين الذين لا يمتلكون من القيم والأخلاق البشرية ما يساوي حبة رمل واحدة تدوس عليها قدمها الطاهرة ، فهم بالكتابة الرخيصة عنها والجرأة على الله أولا ، ثم على كرامة البشر في اختطافها ، أعلنوا بكل وقاحة واستكبار إنضمامهم إلى نادي الشيطان وعالمه المليء بالمعاصي والقاذورات.

إن الأخت العزيزة والأستاذة القديرة توكل كرمان ، تؤدي كل يوم واجبها الكبير تجاه وطنها المغتصب من عصابة الفساد والمفسدين ، ولأن أفعالها نابعة من منابع الصدق والتضحية فقد وصلت شظاياها إلى قلوب وأرواح أركان السلطة ، لتوزع قشعريرة الرعب والخوف في أجسادهم المثخنة بالمال الحرام ، فسعوا من هول الفجيعة إلى ارتكاب الأعمال الشنيعة تجاه فتاة لم تقل سوى ( أحبك يا وطني ) ، فاختطفوها وهددوها ليمنحوها في التاريخ الدرجة المستحقة ، بينما نالوا معايير الخزي والذل والعار.

ستواصل الأخت توكل مسيرتها ، ويعلم الله وحده أننا لو كنا في الوطن لدافعنا عنها بسلاحنا ، وعليه فحمايتها والدفاع عنها مسؤولية كل مواطن يمني حر وغيور وشريف على كرامة أمه وأخته وإبنته ، وحري بالرجال الصادقين أن ينتصروا لقيمنا الخالدة بكسر يد كل شيطان تمتد إلى النساء وقطع لسان كل خبيث يتطاول عليهن ، وللتذكير فقط نقول لأولئك المتشدقين بالآيات والأحاديث أن يعوا ما يقولوه وان لا يشتروا بأيات الله ثمنا قليلا ، ووجب عليهم الكف عن تحريف آيات القرآن وأحاديث المصطفى طمعا في الحصول على فتاة ما يرميه الحاكم وزبانيته لهم بين فترة وأخرى ، وعليهم أن يعلموا أن الأمر الإلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيظل ساري المفعول ، مثلما أن أعظم الجهاد صار طريق توكل وطريقنا لقول كلمة الحق عند سلطانهم الجائر ، الذي وزع المظالم والقهر والحرمان ونشر الدماء والقتل والخراب في ربوع الوطن الجريح ، وليعلموا لا بارك الله فيهم أن سلطانهم جعل منا مسخرة حتى عند الأمريكان ، الذين يقولون في محاضراتهم وندواتهم التاريخية عن اليمن ، أن الملكة بلقيس وملوك سبأ الذين سادوا وكان لهم شأن عظيم ، أنهم لو عادوا إلى الحياة لماتوا مباشرة من الرعب لحظة مشاهدة وطنهم المدمر بأيادي من يحكم اليوم.

أخيرا وجب علينا القول أن توكل ستعود إلى البيت حال خروج العلماء لأداء واجبهم وقول كلمة الحق أولا ، ثم الوقوف مع المظلومين والفقراء والعمل على حقن الدماء ، ولن يتم ذلك سوى بنزولهم إلى الناس والبحث عن حقيقة أحوالهم واكتشاف مآسيهم ، دون الحاجة لإصتحاب المرافقين الذين ينتشرون حولهم حال نزولهم من مواكب سيرهم المعروفة بأحدث السيارات ، فكيف لعالم أن ينتصر لدينه ويؤدي رسالته وهو يمشي في مواكب هائلة وحوله تلتف البنادق المحمولة بين أيادي عشرات المرافقين ، بينما يضع على رأسه وكتفيه وخاصرته عشرات " الشيلان " التي تحتاج لعدة مرافقين ليعينوه على حملها ، وليتذكر أولئك العلماء أن المصطفى عليه الصلاة والسلام كان يتكأ على حصير ترك أثره على كتفه الشريف ، وهو الذي لو أراد لوهبه الله ملك ونعيم الدنيا .

*** إيمان حسب الحاجة والطلب...

يستشهد أعداء الحرية والكرامة ومزيني سوء عمل الحاكم وسلطته بقوله تعالى ( وقرن في بيوتكن ) صدق الله العظيم ، عند ظهور توكل وقيامها بواجبها ، وكانهم لم يحفظوا أو يعرفوا من القرآن والشريعة سوى تلك الآية ، ولذلك لا بد من تذكيرهم أن الإسلام دين متكامل وجب على كل مسلم تنفيذ كل أوامره وترك نواهيه ، وعليه فهم في محل التوبيخ من الله والتهديد بالعذاب الشديد ، نتيجة إيمانهم المصلحي والمنقوص كما قال عز وجل ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) صدق الله العظيم.

ما رأي أولئك في الآيات اللاعنة للمنافقين والكاذبين ، وما قولهم في الكذب الهادر والمتدفق من وسائل الإعلام الحكومية يوميا والله عز وجل يقول ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) صدق الله العظيم ، وما قولهم في حديثه عليه الصلاة والسلام ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وما يزال العبد يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) ، ثم لماذا نسوا وتناسوا الآية التي تستوجب على الجميع تذكرها اليوم وتنفيذ حكم الله الوارد فيها حتى يستعيد الإنسان والوطن اليمني عافيته من الآفة التي تنهشه كل لحظة ، أم أنهم من حرصهم على الكذب ينكرون وجود السرقة والفساد في البلاد خوفا من خسارة بعض ما يحصلون عليه من وراء سرقة البلاد ، ألم يحن الوقت لنسمعهم يرددون قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) صدق الله العظيم.

*** اللهم إن أنزلت علينا العذاب فابدأ بالعلماء...

ورد حديث للمصطفى عليه الصلاة والسلام فيما معناه ، أن المولى عز وجل أمر ملائكته بإنزال العذاب على قرية أفسد أهلها وارتكبوا الفواحش والمحرمات ، فقالت الملائكة يا رب إن فيها عبدك الصالح فلان فقال عز من قائل فبه فابدؤوا لأن وجهه لم يتمعر ويخجل من الله فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، أي انه صمت وسكت وذلك إسقاط لمعايير دينية يؤدي القيام بها الى رضا الرب والخير والعدل كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة ، بينما يؤدي التعامي عن تلك المعاصي إلى سخط الرب ونزول العذاب فهل وصلنا اليوم الى هذه المرحلة في بلادنا ؟ .

الجواب متروك للقارئ الكريم .

aalmatheel@yahoo.com