كيف تواجه "حزب أعداء النجاح"؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و يوم واحد
الخميس 21 يناير-كانون الثاني 2010 04:43 م

وصلتني رسالة من طالب جامعي اسمه عبد العالي يقول فيها إنه يدرس الطب في إحدى الجامعات، وهو الآن في سنته الرابعة. ويحمد الله على أنه يحصل سنوياً على معدل عال جداً، لا بل إن أساتذته يعلقون عليه آمالاً عظيمة بأن يصبح نابغة في مجاله في المستقبل نظراً لما يتمتع به الآن من تفوق لا يضاهيه فيه أحد من المحيطين به في الجامعة، وذلك حسب الوثائق التي أرفقها برسالته والموقعة من أساتذته والمسؤولين في الجامعة. وأحسست من تعابير رسالة الطالب بأن صاحبها شاب متواضع للغاية، رغم تقدمه الهائل على الجميع في دراسته، ورغم إعجاب الكبار بتحصيله العلمي الرائع. ولا عجب في ذلك، فمن شيم المتفوقين بجدارة أن يكونوا متواضعين وغير مدّعين، وذلك على عكس الفاشلين والمتعثرين غير القادرين على الوصول إلى الأعالي. لكن الطالب روى تفاصيل محزنة للغاية عما يلاقيه من مضايقات بسبب تفوقه العلمي.

إن قصة الطالب الحزينة تلخص تجربة كل الذين تفوقوا في مجالاتهم في العالم العربي.

 ثم وجدوا أنفسهم فجأة يواجهون حزب أعداء النجاح من الحمقى والمتخلفين والمعتوهين الذين فشلوا في الوصول إلى أوطئ المراتب، فراحوا ينتقمون لتخلفهم وانحطاطهم من المتقدمين عليهم بطرق سافلة ودنيئة لا تنم إلا عن العته وعقدة النقص وقلة الأخلاق والأدب.

يذكر الطالب عبد العالي أن بعض زملائه لم يترك وسيلة في الجامعة إلا واستخدموها لتشويه سمعته والنيل من مكانته، بالرغم من أنه هو نفسه، كما يقول، يمضي جل وقته في البحث والدراسة، ويصل الليل بالنهار وهو يقرأ مراجع طبية عالمية بأكثر من لغة، حسب قوله في رسالته. لكن انزواءه وعدم اختلاطه بالوسط الجامعي، لم يغفر له أبداً، فكلما انطوى بعيداً عن زملائه، ازداد هجوم بعضهم عليه وإيذاؤهم المعنوي له بطرق ساقطة للغاية تنم عن نفسيات مريضة، فمنهم من يلفق لهم قصصاً وتهماً ما أنزل الله بها من سلطان، ومنهم من يعتبره متخلفاً عقلياً لأنه لا ينزل إلى ساحة الخائبين، ولا يختلط معهم. ومنهم من يحاول أن يرمي كل عاهاته النفسية، وأحقاده الصبيانية، وأمراضه الاجتماعية وغير الاجتماعية على الطالب المجد، كأن يصفه أحدهم، كما يقول عبد العالي في رسالته، بأنه معتوه ولا يفقه شيئاً. ولا داعي هنا لمعرفة من هو المتخلف شكلاً ومضموناً.

يسألني عبد العالي في آخر الرسالة عما يمكن فعله كي يتجنب سهام الحاقدين والمبغضين والحاسدين في الجامعة، خاصة وأن ليس لديه الوقت الكافي كي ينزل إلى مستواهم، ويبادلهم مشاعر الحقد والضغينة والانتقام. طبعاً لم أدّع، في ردي على رسالة الطالب عبد العالي، بأنني قادر على حل مشكلته، فاكتفيت بطمأنته، وهو الشاب الصاعد الذي لم يتمرس بعد على مواجهة الساقطين من بني آدم، بأن كل مجال من مجالات الحياة لا بد وأن تجد فيه الناجحين والفاشلين. وكي أقرّب له الأمر قليلاً نصحته بمشاهدة فيلم "أمادياس" الذي يروي قصة الموسيقار العظيم موتسارت وما لاقاه من تحديات ومؤامرات من أنصاف الموسيقيين في ذلك الوقت، وكيف كان أصحاب المواهب المتواضعه وقتها يحسدونه، ويضعون الأشراك في طريقه لا لشيء إلا لأن نجمه كان بازغاً، وموسيقاه تملئ الدنيا، وتشغل البشر، بينما لا يلتفت إلى أعمالهم الموسيقية أحد، ومازالوا يراوحون مكانهم رغم اشتغالهم في ذلك المجال منذ عشرات السنين.

وكي أواسي الطالب عبد العالي، لم يكن أمامي إلا أن أسرد له بعضاً من أمثالنا الشعبية المعروفة للقاصي والداني، فكررت له المثل القائل إن "الناس لا ترمي بالحجارة إلا الأشجار المثمرة فقط". كما ذكرته ببيت الشعر العظيم :"إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل"، مع الاعتراف طبعاً بأن الكمال لله جل جلاله فقط. كما قصصت عليه بأن اليابانيين الذين عانوا الويلات، وتحدوا القنابل الذرية لديهم مثل عظيم يقول: "لا أحد يركل قطاً ميتاً". فمن المعلوم أن الناس عادة تحب ركل القطط إذا مرت بين أرجلهم، لكنهم لم ولن يركلوا أبداً قطاً فقد الحياة، لا بل ربما يشفقون عليه، ويزيحونه جانباً رأفة بحاله. فلو كنت طالباًً عادياً، أخي عبد العالي، لما انتبه إليك أحد، ولتركوك في شأنك، ولما سلطوا عليك ألسنتهم القذرة وأنصاف عقولهم المريضة.

وأعلم أخي عبد بأنه إذا ركلك أحد من الخلف فاعرف بأنك في المقدمة. فكما هو معلوم فإن الذين يتقدمون الصفوف قلما ينظرون إلى الخلف، بل يثبـّتون أنظارهم إلى الأمام. وليس مطلوباً منك أبداً أن تلتفت إلى الخلف. وأنت كما تقول لي لا تعتدي على أحد، لكنهم يعتدون عليك. وهذا مفهوم طبعاً، فمن غير المعقول أبداً أن ترى شخصاً متفوقاً ومتقدماً يكيد للآخرين، أو ينال منهم. لماذا لأنه في المقدمة، وليس بحاجة لأن يفتري، أو يسيء لأحد كي يظهر على الساحة، أو يقوي مكانته على حسابهم، كما يفعل الحاقدون والمتخلفون في المظهر والجوهر. الفاشلون والمعتوهون فقط يعتدون على الآخرين. أما المتقدمون فليسوا بحاجة للاعتداء أو الافتراء على أحد. من الطبيعي أن لا تحقد على الآخرين أخي عبد لأن معدلك الدراسي هو الأعلى. هل وجدت يوماً إنساناً ناجحاً يحسد الآخرين؟ بالطبع لا. فالناجحون يعيشون في عالم مختلف تماماً عن عالم الساقطين والناقصين والمعقدين نفسياً. ومن حقك أن تضحك في سرك عندما يتهمك بعض المسمومين في الجامعة بأنك تكيد لهم، فهذا هو الهراء بعينه طبعاً. إنهم حالمون، ويحاولون أن يضفوا على أنفسهم أهمية وهمية لأنهم فارغون ومتعثرون، ويكاد الحقد والحسد يأكلان قلوبهم.

وأخيراً أخي عبد العالي كن كسائق البلدوزر في تعاملك مع الحاسدين والمتآمرين، فكما تعلم بأن سائق البلدوزر يتربع على عرش آلة عالية، وهو يرى الذين يحاولون عرقلة طريقه مجرد أشياء تافهة وصغيرة، فهو في الأعالي، وهم أقزام على الأرض، وفي أحيان كثيرة قد لا يراهم أبداً إلا بعد أن تكون جنازير البلدوزر قد داستهم، وحولتهم إلى هباء منثور. وأنا أنصحك أخي عبد العالي بأن لا تنظر إلى الأسفل كثيراً، وأن لا تحزن، ولا تشغل نفسك بالسفهاء والرويبضات. هل شاهدت سائق البلدوزر يوماً يخشى من بعض الصراصير والخنافس والحشرات الزاحفة والقاذورات وهو يشق طريقه بين الصخور والهضاب والجبال؟ بالطبع لا.

أخي عبد العالي، لعلك سمعت قصة الذين أرادوا أن يتسلقوا هضبة، كما تروي إحدى الحكايات الفارسية، فبدأ الواحد تلو الآخر يحاول صعود الهضبة، لكنه سرعان ما يكر ساقطاً. وهكذا كان الأمر بالنسبة للجميع باستثناء واحد تمكن من الوصول إلى قمة الهضبة، فتعجب الجميع من صموده، وأرادوا أن يعرفوا سر نجاحه، فوجدوا أنه أصم لا يسمع. والعبرة هنا أنه لم ينتبه لنقيق الضفادع من حوله، فوصل إلى مبتغاه. وأنت يا أخي عبد، كن كالقافلة التي تسير ولا تتوقف لهذا الصوت القبيح أو ذاك، لأنك إذا ألقمت أصحاب تلك الأصوات حجراً لازداد عواؤهم، ولأصبح مثقال الحجر بدينار. وعلى ذكر هؤلاء، سأل حكيم ذات يوم شخصاً جاء ليشتكي له من افتراء بعض أهل القرية عليه: هل إذا عضك الكلب تعضه؟ فأجاب الشاب: بالطبع لا، فرد الحكيم: هذا هو الموقف السليم.

كن واثقاً أخي عبد بأن من يبصق على النخل لا يسيل لعابه إلا على وجهه. واعمل بمقولة الشاعر: "واعرض عن الجاهل السفيه، فإن كل ما يقوله فهو فيه". وتذكر قول الله تعالى في كتابه العزيز: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً". وفقك الله يا عالي، يا عبد العالي في مواجهة أعداء النجاح!