ولاية علي بن أبي طالب بين تزوير الإمامة والحقيقة التاريخية - الحلقة السادسة
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: سنتين و 4 أشهر و يوم واحد
الأحد 24 يوليو-تموز 2022 03:18 م

علي لا يستمع إلى الناصحين لم يكن علي - رضي الله عنه - يسمع كثيراً من النصائح المسداة له من بعض الصحابة وأصحاب الرأي والمشورة والعقل في كثير من الأشياء، وربما اكتفى برأيه فيها، فكان بعضها سبباً في تغير الناس عنه، وكذلك في ظهور المشاكل عليه، ومن ذلك نصيحة ابن عباس السابقة، وكذلك نصيحة الصحابي الجليل عبدالله بن سلام في عدم الخروج إلى العراق وترك المدينة، حيث أمسك بخطام فرسه وقال له: "يا أمير المؤمنين لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً"( ). وكذلك نصيحة ابنه الحسن كذلك في أمر عدم الخروج عن المدينة، ولزوم بيته عند فتنة عثمان، وعدم أخذ البيعة في المدينة حتى تأتيه بيعة العرب والأمصار، وغيرها كثير من النصائح أيضاً، والعجب العجاب كان يسمع بعض النصائح التي تودي بخلافته كنصيحة محمد بن أبي بكر وعبدالله بن جعفر في عزل قيس بن سعد عن مصر وتوليته إياها. وهناك رواية أخرى في هذا الأمر، وهي أن علياً كتب إلى قيس أن يقاتل بعض أهل مصر ممن لا يطيعونه، وظلت المراسلات في ذلك بين قيس وعلي رسالة تأتي وأخرى تذهب، وكان رأي قيس أن يتألف قلوبهم ويشير عليه أنه طالما أنهم كافون أيديهم وسلاحهم عن مشاغلة علي في قتال أعدائه في العراق فذلك خير له من استعدائهم ويفتحون له جبهة رابعة هو في غنى عنها، ومازال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن أبي بكر يحرضان علياً حتى عزله من مصر واستبداله بمحمد بن أبي بكر، وقد كان الرأي السديد مع قيس( ). وقد صور هذا الأمر (عدم استماع علي للناصحين) المغيرة بن شعبة حين دخل عليه على إثر الكلام حول استبدال ولاة عثمان أو بقائهم كما هم عليه، "فقال له: إني أرى أن تقر عمالك على البلاد، فإذا أتتك طاعتهم استبدلت بعد ذلك بمن شئت وتركت من شئت، ثم جاءه من الغد فقال له: إني أرى أن تعزلهم لتعلم من يطيعك ممن يعصيك، فعرض ذلك علي على ابن عباس فقال: لقد نصحك بالأمس، وغشك اليوم، فبلغ ذلك المغيرة، فقال: نعم نصحته، فلما لم يقبل غششته"( ). لقد كان علي - رضي الله عنه- لا يسمع نصحاً من أحد، إلا قليلاً، وكان يكتفي برأيه ويميل غالباً إلى التحدي والإشارة باستعمال القوة، ولقد دار بينه وبين ابن عباس، وكذا المغيرة بن شعبة، حديث طويل في هذا الشأن وخاصة في أمور الحرب والمكر والسياسة والخديعة. قال ابن عباس لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما: "معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى ما ثبتهم فما يبالون بمن ولي هذا الأمر، ومتى تعزلهم يقولون: قتل صاحبنا فيؤلبون عليك فتنتقض عليك الشام وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك، وأنا أشير عليك أن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله"، قال علي: "والله لا أعطيه إلا السيف، ثم تمثل: وما ميتةٌ أن مُتها غير عاجزٍ بعارٍ إذا ما غالتِ النفسَ غَولُها فقلت يا أمير المؤمنين: "أنت رجل شجاع لست صاحب رأي في الحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحرب خدعة"؟، فقال: "بلى". فقلت: "أما والله لئن أطعتني لأصدرنهم بعد ورد، ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم عليك"، فقال: "يابن عباس: لست من هِنّاتك ولا من هِنّات معاوية بشيء"!( ). يدل كلام ابن عباس على أنه أيضاً كان رجلَ رأيٍ وداهيةَ تصرف وحكمة، وكان لا يرى علي رأياً إلا رأى ابن عباس عكسه تماماً، وقد أوضحت الأيام والأحداث بعد ذلك أن مجمل آراء ابن عباس كانت صائبة، تحقق معظمها ضد علي – رضي الله عنهما. وكان علي نفسه يكره المكر والخديعة ويقول عن نفسه: "والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غَدْرَةٍ فَجْرَة، وكل فجرة كَفْرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة. والله ما أُسْتَغْفَلُ بالمكيدة، ولا أُسْتَغْمَزُ بالشديدة"( ). أوتي علي بن أبي طالب من ورعه وزهده هو وأتباعه، وهو ما اعترف به قيس بن سعد وأدركه. ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضد معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم- وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يُمكن أن يودي بمعاوية وبمن معه في يومٍ أو بعض يوم، بَيْدَ أنَّه يتفحَّص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيِّئ الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه﴾ ( )، فيهبُّ من فوره مستنكرًا، ومستغفرًا، ولسان حاله يقول: "والله لئن قُدِّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا"!! ومن ذلك الورع والخديعة الذي أوتي علي من قبلهما أنه استمع من خصمه معاوية في قيس بن سعد فعزله عن مصر، وبذلك وجه ضربة قوية لأقوى ذراع له بنفسه. ولقد ولاه عليٌّ حكم مصر، وكانت عين معاوية على مصر دائماً، كان ينظر إليها كأثمن درَّة في تاجه المنتظر، من أجل ذلك لم يكد يرى قيساً يتولى إمارتها حتى ضاق به معاوية ذرعاً وأعجزته فيه الحيلة، وكايد فيه علياً، وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر إلى الأبد، حتى لو انتصر هو على عليّ انتصاراً حاسماً. فكايده معاوية فلم يظفر مِنْهُ بشيء، وقال قيس: "لولا أن المكر فجور، لمكرت مكراً يضطرب منه أهل الشام بينهم"، وإن معاوية وعمرو بن العاص كتبا إلى قيس بن سعد كتاباً يدعوانه إلى متابعتهما، وكتبا إليه بكتاب فيه لين، فكتب إليهما كتاباً فيه غلظة، فكتبا إليه بكتاب فيه غلظة، فكتب إليهما بكتاب فيه لين، فلما قرآ كتابه عرفا أنهما لا يدان لهما بمكره. فكايد معاوية عليًا - رضي الله عنهما-، وأظهر أن قيسًا قَدْ صار معه يطلب بدم عثمان، فبلغ الخبر عليًا، فلم يزل به محمد بن أبي بكر وغيره حتَّى عزله، فبعث محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة إلى مصر، واستعمل بعده الأشتر النخعي، فمات فِي الطريق، فاستعمل محمد بن أبي بكر، فلما قدم هو ومحمد بن أبي حذيفة على قيس بنزعه، علم أن علياً قد خُدع، فقال قيس لمحمد: يا ابن أخي احذر - يعني: أهل مصر - فإنهم سيُسلِّمونكما، فتقتلان"، فأُخذت مصر منه، وقُتل فعلاً، كما أمر معاوية عامله على الخراج في السويس أن يدس السم في العسل للأشتر النخعي فيقتله، فقد كان معاوية لا يخشى على مصر بعد قيس بن عبادة كخشيته من الأشتر، وقد خبره يوم صفين، وقد كاد يعلن النصر لصالح علي على يد الأشتر لولا خدعة رفع المصاحف والتحكيم التي ساقها عمرو بن العاص. يروي الطبري أن عمرو بن العاص خدع علياً مرتين؛ المرة الأولى أثناء ترشحه للخلافة منافساً لعثمان، والمرة الأخرى في قضية التحكيم في موقعة صفين، غير أني لا أرجح الأولى أبداً كون مقتل عمر وترشيح عثمان جاء في ثلاثة أيام متتالية كان فيها عمرو بن العاص في ولايته لعمر بمصر، فمتى لحق أن يكون موجوداً بالمدينة ولم يرد المدينة إلا بعد عزله من قبل عثمان كما عند بعض الروايات، وبعضها تقول عند خلعه من قبل علي بقيس بن عبادة؟! أما في الثانية فعلاً خدعه. فيروي أنه لما خطب عبدالرحمن بن عوف لمبايعة عثمان قال علي: خدعة خدعة. "قال عبدالعزيز: وإنما سبب قول علي: خدعة، أن عمرو بن العاص كان قد لقي علياً في ليالي الشورى، فقال: إن عبدالرحمن رجل مجتهد، وإنه متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك (يعني بالخلافة)، ولكن الجهد والطاقة، فإنه أرغب له فيك. قال: ثم لقي عثمان فقال: إن عبدالرحمن رجل مجتهد، وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة فاقبل، ولذلك قال علي: خدعة"( ). كما روى الطبري أن عمرو كان حاول تحريض علي على عثمان لأن عثمان عزل عمرواً عن مصر، وفي رواية الواقدي يظهر أن عمرو بن العاص هو صاحب المكيدة الثانية على عثمان بعد عبدالله بن سبأ( ). لكن الواقدي عند المحدثين غير ثقة وغير مؤتمن ومتهم بالكذب، لكنهم يستأنسون بآرائه في السير والمغازي كما قالوا، وكان عند بعضهم متهم بالتشيع. "فقال أبو حاتم وأبو بشر الدولابي والعقيلي ومسلم: "متروك الحديث"، وقال النسائي: "ليس بثقة"، وقال الحاكم أبو أحمد: "ذاهب الحديث"، وقال البخاري: "متروك الحديث، تركه أحمد بن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا"( ).