وترجل الفارس السبئي
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 8 سنوات و شهر و 12 يوماً
الأربعاء 12 أكتوبر-تشرين الأول 2016 09:13 ص
لم تكن هناك محطة حزن في حياتي تشبه محطة الحزن على حارس العاصمة وبطل الجيش اليمني حميد القشيبي قائد اللواء 314 عندما اغتاله الانقلابيون في مدينة عمران, الا الحزن على البطل السبئي الشجاع حامل لواء الجمهورية الذي صمد في وجه الانقلاب وواجه مشروع الدمار والتخريب بعزيمة لن تلين وهمة تناطح قمم السحاب اللواء الركن / عبدالرب الشدادي قائد المنطقة العسكرية الثالثة.
لم يكن اللواء عبدالرب الشدادي هامة تفرد بها اقليم سبأ في زمن قل فيه الابطال وندر فيه الشجعان فحسب’ بل هو بطل الجمهورية الثانية , ومؤسس الجيش الوطني وقبلة الهاربين من جحيم الانقلاب, كان ركن يأوي اليه كل مضطهد وأسد يجمع في عرينه اسود الشرعية وابطالها من كل محافظات اليمن.
ماذا يمكن أن أقول عن الشهيد وكيف لاحد ان يملأ الفراغ الذي تركه في روحي وفي نفوس كل من عرفوه ، كان رجلا في أمة ، مبادرا لنجدة المظلوم والملهوف لايمكن لمن لجأ إليه في حاجة أن يعود خالي الوفاض ،ولم يعهده احد جبانا او ساعيا وراء منصب او شهرة أو مال ، كان كريما حد الاسراف وشجاعا حد التهور ووفيا لأصدقائه ويحترم كلمته ووعوده وفيا بعهوده، ما دخل في قضية الا حلها ولا في مشكلة الا أوجد لها حلا ، عاش للناس فترك في نفوسهم اثراً بعد رحيله, كان يحلم ان يرى دولة يسودها النظام والقانون فبذل جهده في طرد كابوس الانقلاب عنها’ وتطهيرها من جراثيم السياسة وادران الانقلاب ومخلفات الماضي , فكان لديه خياران لاثالث لهما اما النصر للجمهورية التي ضحى من اجلها اليمنيون في الثورة الام , وسكبت من اجل بقائها دماء الشباب في ساحات الحرية والكرامة في 2011م, فكان خيار النصر او الشهادة فحقق الله له ما اراد , استشهد وهو رافع الرأس مرفوع الهامة يزأر كالأسد وينازل العدو منازلة الابطال , تبحث عنه فتجد مكانه في الصفوف الاولى للمعارك , لأنها بالفعل مواقع الابطال فيها تتخندق الكرامة وتولد الحرية وتعطي صاحبها شهادة الصدق ووسام الشرف , استشهد في المكان الذي يليق به ان يستشهد فيه , ورحل عن الدنيا ولم يخون شرفه العسكري او يلوث سمعته بالتواطؤ مع الانقلاب.
لم يجرؤ خصوم الشدادي على منازلته في الميدان , ولم تكن لهم من الشجاعة مايمكنهم لان يحضروا يوماً واحداً في معركة من المعارك , لقد غادروا مواقع الشرف عندما عرفوا انهم ليسوا اهلاً لها , ولا رواد في مدرستها , فاختبؤ في الكهوف وتواروا خلف انابيب الصرف الصحي وذهب بعضهم ليلتقط الصور مع الفاتنات ويتمايل في المراقص , وفي الوقت الذي كان البطل الشدادي يظهر حاملاً سلاحه في قلب المعركة يقتحم الصفوف ويسابق الموت , يظهر خصومة في صور تذكارية مع الجميلات خارج اسوار البلد.
لقد تمرد الفقيد الشدادي على الانقلاب واوامر قادته , تمرد حين كان التمرد فضيلة, ورفض الاوامر العسكرية حين كانت ممهورة بالذل والخنوع , واجه الانقلاب عندما تعامل بعض قادة الجيش معه كأمر واقع , ونظم الصفوف حين كان كرسي الجمهورية يهتز وكرامة الجيش تهان تحت وطأة الغازين القادمين من الكهوف والخارجين من سراديب الانتقام , وجعل من ثباته وصموده مع أبطال المقاومة الشعبية من مأرب مأوى للمضطهدين وميدان للانطلاق نحو الهدف الاكبر المتمثل في استعادة الجمهورية وعودة الشرعية, وكانت مأرب بحق هي عاصمة اليمنيين حين ضاقت عليهم بعض المدن التي تمترست خلف الانتقام او انجرفت في سيل المناطقية , كانت صحراء مأرب رياض للهاربين من جحيم الانقلاب , وحرارة الشمس الساطعة فيها عطرا يفوح عبقه حرية ونضال.
في وداعه الاخير لا شيء سو الحزن يعم عاصمة اقليم سبأ , في حضرت روحه الطاهرة الدموع تغني عن الكلام, والصمت يسود الموقف , والاف من الرجال تتوق الى وسام الشهادة الذي ظفر به , وفي المقابل تتسابق همم الرجال الى استكمال نضال الشدادي , فمنه تعلموا ابجديات الحرية , ومن مدرسته تخرج الالاف من الابطال , وفي ظلال سيرته العطرة ستستلهم الاجيال القادمة روح الحرية وتردد الالسن اسطوراته التي ستفرد لها المجلدات , وسيكون لاسمه مكان بارز في سفر التاريخ ومجلدات الايام.
فتحية لمأرب الصمود ولرجالها الابطال الذين يجودون بأرواحهم في كل مكان دفاعاً عن الجمهورية التي ناضل من اجلها ابائهم واجدادهم , وسلاماً على مأرب التي فتحت ذراعيها لكل ابناء الوطن , وسلاماً على كل حر ابي يقاوم الظلم والتمرد ويناهض الانقلاب والامامة في كل مكان