عاجل الجيش السوداني يتقدم في ولاية الخرطوم والقوات الجوية تستهدف مواقع قوات الدعم السريع الحوثيون يوسعون دوائر الاعتقالات وألمانيا توجه تحذيرا لهم «هذه الإجراءات تضر بالبلاد» بريطانيا تعرب عن فزعها مما يجري في اليمن وفيات الكوليرا في اليمن تصل إلى أكثر من 800 حالة خلال 2024 تراجع مستمر في قيمة العملة اليمنية ''أسعار الصرف الآن'' انقطاع كلي للكهرباء في عدن وتوقف محطة بترومسيلة الإمارات تؤكد التزامها بدعم المجلس الرئاسي والحكومة.. والعليمي يثمن دورها في اليمن موقفان مشرفان لمصر والأردن رداً على خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين وحماس تثمن شاهد طوفان بشري.. مئات آلاف الفلسطينيين يعودون الى منازلهم شمال غزة كشف تفاصيل المنافسة القوية بين النصر وريال مدريد … من يضم دوران
منذُ بِدء حركة الثورة وانطلاق مسيرة التغيير واعتصامات التحرير، ومعها انطلاق شرارة الأمل في يمنٍ سعيدٍ من جديد، ثم الاحتقانات المتكررة التي تنقلت بين عدة أماكن، وكان ضحيّتها عدد من شهداء الوطن، وما واكب ذلك من انشقاقات غريبة لرموز الفساد وانقلابات في الرؤى والتنقّل بين موازين القوى، وربما قبل ذلك بكثير، نشأَ بيننا فنٌّ جديد مُبتكر وتفنّن العديد في إتقانه والحرص على تحريضه وتوطيده، ألا وهو \" فَنّ الاختلاف \"
ربما في العديد من المجتمعات وأيضاً في الكثير من القضايا يُعتبر الاختلاف ظاهرة صحية فعلى أساسها تنشأ الحوارات وتُتبادل الآراء ووجهات النظر وتُصحّح الكثير من القناعات وتنبثق العديد من النتائج وأهمها غالباً الاتفاق،
لكن.. في وطننا الغالي، وربما في مجتمعاتنا الصغيرة وعلى مستوى القضايا البسيطة بل والأفراد، أتقن العديد الفن الجديد للاختلاف، بل ربما أبدع البعض في (اختلاق الاختلاف) والتفنّن فيه، واستمرار إزكائه وبثّ الروح فيه بالعديد من الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة،
وكما أشرنا إلى أن هذه ربما تكون ظاهرة صحية، لكن حين يكون هذا بالأطُر الصحيحة للتعامل مع الخلاف، وحين يكون الهدف من ذلك الخلاف هو تصحيح المسار والوصول إلى نتيجة واتفاق، لا أن يكون الهدف هو الاختلاف بذاته وما يُجبَى منه من مصالح ذاتية لمختلقيه ومُؤَجّجيه،
ما يحزّ بالنفس أننا حين نعود للهدف الأسمى الذي يتغنّى به الجميع، نجده مُوحّداً بين كل تلك الأطراف - التي نجدها تتزايد يوماً عن يوم وتتكاثر بدلاً عن أن تجتمع وتتوافق-، فالهدف الأول للجميع كما يقولون هو مصلحة الوطن، ولكن ما نراه بالوضع الحالي يخيف ويقلق، فاختلاق الجميع لنقاط الخلاف، وبحث جميع الأطراف عن عيوب الآخرين، واصطياد عثراتهم، أغشى العيون عن رؤية الهدف المزعوم،
قبل عدة أيام ورغم اعتزالي للكثير من قنواتنا الإعلامية المحلية، كنت لدى أحد أساتذتي الأحبة وكنا نتنقّل بين بعض تلك القنوات، وآلمني كثيراً ما رأيت، فلقد كان كلٌ منها تصطاد عثرةً وتقتنص غلطةً في خطابٍ لأتباع الآخر فتحشد المحللين والأساتذة والمخضرمين ولساعاتٍ يخوضون في تحليل ذلك الموقف والاستهزاء به وهم بذلك يعملون على توسيع هُوّة الخلاف وتضخيم الفجوة بين فُرقاء الجسد الواحد،
ربما العديد لم ينتبه إلى ذلك، كونه يعتبر نفسه في طرفٍ ويستنكر متابعة إعلام الطرف الآخر، وهذا مَكمَن العِلة، فلو أننا حاولنا معرفة الآخر والتواصل معه ومحاولة فهم رأيه لوجدنا أن هناك من نقاط الوفاق والاتفاق الكثير، ولكننا حُوصرنا بنزعة العداء للآخر فلم نرَ بل لم ننظر إلا لعيوبه فقط،
وأتت المبادرة الخليجية، ورأينا العجب العجاب، حين أخذها الجميع بحذر وتوجّس وكأن كل طرفٍ ينتظر رأي الآخر لكي يطرح الرأي المناقض، وتابعنا التأرجح والتناقض العجيب بين تأييدٍ وقبول ثم رفضٍ واشتراط ثم عودةٍ بشروط وكل ذلك يثبت أننا نتحرّى فعلاً تفنن الاختلاف ونخشى أن ينتهي، ولن أستغرب حتى وإنِ اتفقَ الطرفان المفاوضان، أن تظهر العديد من الأطراف الأخرى الرافضة للاتفاق متفننين هم أيضاً باختلاق الاختلاف،
شبّهتُ كل هذا بأمٍّ ثكلى مريضة تئنُّ تحت وطأة الألم والسقم، تستدعي أبناءها لنجدتها وإسعافها، فيهبّون جميعاً لذلك، وحين يصلونها.. يختلفون ويتهاترون ويتقاتلون أمامها وكلٌّ منهم يلغي أحقية الآخر فيها، ويُقدّم حق إنقاذها لنفسه، وهي تجرّ الآهات حين تضاعفت آلامها مرّاتٍ ومرّات،
فيا تُرى .. هل ينتبه الأشقاء لمرض والدتهم ويتفقون لإسعافها وعلاجها قبل أن يستفحل داؤها ويصعبَ علاجها؟
هل يا تُرى نؤمن أن الوطن فوق كل شيءٍ فعلاً وأنه ليس مجرّد شعارات نرددها ونخفي وراءها مصالحنا ونزعاتنا؟
هل ندرك أننا جميعاً أخطأنا وأن الوطن كما قدّمنا له التضحيات ينتظر منا التنازلات، والعودة إلى أنفسنا والاعتراف بعيوبنا وأخطائنا، ومحاورة الآخر كبشر يخطئون ولكننا وإياهم على الهدف الأغلى والأسمى متفقون..!
أتمنى أن نكون كذلك، وأن لا يطغى صوت المصالح الشخصية والسيادة الذاتية فوق كل صوت.
*ملاحظة: نرجو ملاحظة الفرق بين فنّ وتفنّن، وبين الخلاف والاختلاف، فحتى وإن هَندَست الأحرف فلخبراء اللغة القول الأعرف.