الإصلاحيون والدور المطلوب
بقلم/ د.صالح الحازبي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 14 سبتمبر-أيلول 2010 07:50 م

في الثالث عشر من سبتمبر هذا العام يكون التجمع اليمني للإصلاح قد أكمل عشرين سنة منذ تأسيسه في عام 1990، و بعيداً عن المناكفات والمزايدات وبروح الواقعية المحايدة فان الإصلاحيين اليوم ونظراً للواقع الذي تعيشه البلاد بحاجة ماسة للوقوف أمام تجربتهم و تقييمها بما يتناسب مع المتغيرات الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها اليمن, وفي تقييمهم لتجربتهم هم أيضاً بحاجة للاستماع للآخرين و محاولة الاستفادة من النقد البناء بغض النظر عن مصدره.

بعيداً عن كل المزايدات الحزبية والسياسية، لن يستطيع أحد أن ينكر أن الإصلاح اليوم يمثل الحزب السياسي الأول على الساحة اليمنية بما يمتلكه من انتشار شاسع على مستوى اليمن ككل وبما يمتاز به من صلابة الترابط التنظيمي الذي استعصي علي كل محاولات الحاكم لتفريخه. كما أن تجارب الحزب السابقة منذ 1990 وقبل ذلك كحركة اسلامية سرية شاركت في كل احداث اليمن الكبرى بأدوار متباينة كل ذلك منح الإصلاح مناعة وقدرة كبيرة علي الاستعصاء على محاولات التمزيق أو محاولات جره لللدخول في متاهات غير محسوبة النتائج كما حدث مع الكثير من الحركات الإسلامية.

إلا أنه مما يجب علي الإصلاحيين مثل غيرهم في كل الحركات الإسلامية أن يدركوا جيداً أن جهدهم البشري محل الخطأ وأن النية الصادقة ليست المعيار الأوحد للنجاح وتحقيق الأهداف ما لم يصحبها العمل المتقن الذي يأخذ بأسباب وسنن الكون التي تنطبق علي البر والفاجر وهو دائما ما يلخصة القران بالإيمان والعمل الصالح وصلاح العمل كما يشمل توافقه مع الشرع يشمل أيضاً توافقه مع الواقع وسنن الكون والتي من أهم سننه التغير والتحول وهو ما يستلزم تغيير الوسائل بما يتناسب مع الزمان والمكان. هذا التغيير يتطلب من قواعد الإصلاح إعادة إنتاج كثير من الوسائل بما يتوافق مع الحجم الذي يمثلونه في مجتمعاتهم وبما يتناسب مع البيئة التي يعملون فيها وأهداف المرحلة، فخطاب إصلاحيي مأرب أو شبوه ينبغي أن يكون مختلفاً عن خطاب إصلاحيي عدن أو تعز وذلك أن لكل مجتمع مشاكله وأولوياته ومحاولة حل هذه المشاكل التي يعايشها الناس هو العامل الرئيسي الذي يجعلهم يلتفون حول الأحزاب والجماعات. و لتحقيق ذلك لا بد من ترسيخ مبدأ اللامركزية في العمل وتشجيع القواعد علي الإبداع والإبتكار واستحداث وسائل بما يتناسب مع كل بيئة.

لقد مثلت تجارب كل من حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وحزب العدالة والتنمية في تركيا نماذجاً للقدرة علي الاستحواذ على قلوب الناس وكسب تأييدهم مما منح هذه الجماعات حصناً منيعاً امام كل محاولات القضاء عليها. وقد ارتكزت كل هذه التجارب على مبدأ التميز عن الأخرين والإبداع في خدمة المجتمع والتوازن في جميع الجوانب السياسية والمالية والإعلامية والإجتماعية والعلمية التقنية. والإصلاحيون بحكم انتشارهم الواسع مطالبون بمثل هذا التوازن واستغلال الطاقات لديهم وتوزيعها في المجالات المختلفة وهو ما يتطلب من القيادات العليا والوسيطة القدرة علي الفرز والتوظيف للأفراد بما يتناسب مع مواهبهم وميولهم ومن ثم تنمية هذه المواهب وتوفير البيئة المناسبة للإبداع والإبتكار. يحتاج الإصلاحيون اليوم أن يغطوا اماكن يُفتقدوا فيها جزئياً أو بشكل كامل, ففي الجانب الإجتماعي يستطيع الإصلاحيون في الأرياف بحكم انتشارهم الواسع أن يقودوا حملة التغيير لكثير من القيم الخاطئة والوقوف والتصدي لعادات الثأر والمشاكل القبلية والعمل على حلها، وفي المدن يستطيع الإصلاحيون من خلال القيام بحملات تنظيف للشارع كسب قلوب الناس أكثر مما يمكن أن تفعله لهم الكثير من الخطب والشعارات والمهرجانات.

يستطيع الإصلاحيون أن يقدموا الكثير للمساهمة برفع المستوى العلمي للشعب وليس فقط في الجوانب الدينية وذلك من خلال ساعات قليلة من العمل التطوعي من قبل أفراد الإصلاح مع دعوة غيرهم لمحو الأمية في أوساط الرجال والنساء، ونشر الوعي الصحي وخصوصاً بين النساء. بل بقليل من تظافر الجهود يستطيع الإصلاحيون أن يقودوا حملة وطنية شاملة لمحو أمية الحاسب من أوساط الشباب من خلال مقراتهم المنتشرة في ربوع اليمن.

 وفي المجال الإعلامي فان الإصلاحيين ينبغي عليهم أن يتجاوزوا مخاطبة النخبة إلى خطاب المجتمع بكل فئاته بقبائله وصياديه وعماله نساءً ورجالاً شباباً وكباراً وهو ما يتطلب ابتكار وسائل مختلفة تتناسب مع كل طيف من أطياف المجتمع. أمام هذا كله فإن كثير من الإصلاحيين سيشكون من المعوقات والمصاعب التي تحول دون تحقيق الأهداف ولكن طبيعة التحدي والإبداع هو أن تحقق النجاح في ظل المعوقات وأن تستطيع أن تخلق الفرص وتستخدم الإمكانيات المتاحة لتحقيق أهدافك الكبري، أما عندما تكون كل الظروف ميسرة فلا معني للإبداع أو التحدي، ولعل تجربة حماس في فلسطين تؤكد أن الإصرار والأخذ بالأسباب يصنع المعجزات.

وغيرها من المجالات التي يجب أن يتواجد فيها الإصلاحيون مثل الجوانب الإقتصادية والتجارية والبحث العلمي وحقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين وغيرها.مما لا شك فيه أن الإصلاحيين اليوم أقدر علي تقبل النقد من غيرهم مما كانوا عليه قبل عشرين سنة، لكن هل يستطيع الإصلاحيون أنفسهم أن يطوروا مهارة النقد الذاتي البناء كممارسة عملية بما لا يتصادم مع صلابة تنظيمهم وقوة ترابطه وذلك تحت شعار "الدين النصيحة". بالتأكيد يجب أن يستطيعوا فهم دعاة تغيير ويجب أن يبدأوا بأنفسهم.