عبدالحميد الحسامي: ناقدٌ بدرجة مجتهد
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 14 سنة و 3 أسابيع و 5 أيام
الإثنين 01 مارس - آذار 2010 06:03 م

تفرد- ولم يزل يتفرد- موقع مأرب برس الأجمل، بنشر أهم إبداعات وإنجازات وإضافات الدكتور الأديب والناقد والشاعر عبد الحميد سيف الحسامي ( أستاذ اللغة العربية والأدب العربي بـجامعة أبها بالسعودية)،خاصةً إضافاته النقدية ودراساته الأدبية الهامة والتي تأتي تحت لافتة أكاديمية بارزة وهي ( التأصيل والتجديد للنظريات النقدية الأدبية الكلاسيكية منها والجديدة)،مشروع الدكتور الحسامي للخروج بأفكارجلية وجديدة في مجال النقد الأدبي،إذ يعيب الحسامي أبداً على هذه النظريات غموضها أو عدم تناسبها مع واقع البيئة الثقافية العربية، ومن أهم مقالاته البحثية حول هذه النقطة تحديداً – للمثال لا الحصر- مقالة بعنوان: (( الحداثة.. ضبابية المصطلح وغموض المفهوم))،مما جاء فيها:

"يبدو أن مصطلح الحداثة من أكثر المصطلحات النقدية التي تعددت فيها اجتهادات النقاد بحسب مناهج الدراسة أو زوايا النظر

أو الخلفيات الكامنة وراء تحديد هذا المصطلح، ومع ذلك فإن مصطلح الحداثة يظل متمنّعاً على التحديد الجامع المانع،

وكثيرا ما نجد عددا من النقاد يعترفون بانطواء مصطلح الحداثة على قدر كبير من اللبس والغموض،

واللاوحدة والتناقض على المستويين الاجتماعي والإبداعي، إذ أن فيه كثيراً من الغموض والإبهام والتشويش

كما يُنظر إلى الحداثة على أنها كلمة رخوة ضبابية عرفت التمدد والانحسار حتى تحولت إلى كلمة تقول شيئا ولا تقول شيئا في آن واحد،

وأنها مصطلح مراوغ متقلّب وملتبس يتأبّى على التماسك والتحديد، ويمتلك خاصية الاستفزاز وإثارة الجدل،

وليس أدل على إشكالية هذا المصطلح من أن الشاعر السوري أدونيس وهو الذي بدأ ينظر لمفهوم الحداثة منذ أكثر من ثلاثين عام

يعترف بعد هذه المدة الطويلة بحيرته أمام دلالة هذا المصطلح ذاهبا إلى أن الحداثة إشكالية معقدة يصعب تحديد ماهيتها"...

 هكذا يؤكد الباحث والناقد الحسامي أن مصطلح الحداثة ذو إشكالية لم تحسم –بعد-كتعريفٍ جليٍ وحتى من قبل الذين (استوردوا أو تبنوا ) هذه المدرسة الوافدة أصلاً كنظرية أدبية غربية.. ويواصل الحسامي تفكيك هذا المفهوم "الضبابي" بوصفٍ آخريسميه (فوضى المصطلح)،فهو مصطلح غير مستقر وغير ذي شكلٍ ثابت،لم يتفق النقاد أنفسهم على أصح اسم للحداثة ،يقول الحسامي:

"أخذ النقاد العرب يعملون على ترجمة مصطلح الحداثة في ظل المثاقفة مع الآخر الغربي،

وقد أصيب هذا المصطلح بكثير من الخلط، فلم يجد له معادلا مستقلا،

فالناقد (كاظم جهاد) في ترجمته لكتاب (ما الحداثة) للناقد الفرنسي (هنري لويفر)، يتحدث عن (الحداثوية)،

بينما يتحدث صياح الجهيم في ترجمته لكتاب (نقد الحداثة) عن (الحداثية)،

أما سامي مهدي فيتحدث في كتابه (أفق الحداثة) عن (العصرية)، ويقترح الناقد فاضل ثامر مصطلح (الحداثانية)، ويرى نعيم اليافي أن مصطلح (المعاصرة) هو الأصح، وتتداخل جملة من المصطلحات

وتترادف مع بعضها ترادفا ينطوي على قدر كبير من الإبهام الذي يشكل خللا مفهوميا يشوش على القارئ

ويجعله في حيرة وارتباك، وتداخل بدأ منذ العشرينيات، ولا يزال إلى الآن..."

نود التأكيد هنا أن الجديد في أفكار وأبحاث الحسامي النقدية هو إتيانه بالجديد بعد هضمٍ واستيعابٍ للمدارس وسماتها والجدل الدائر بين الأنصار والمعارضين،وكأنه بهذا يعيب على كثيرمن الدوائر النقدية والثقافية العربية تسليمها بالوافد من غير تمحيص أو اعتراض،حيث يدرك الحسامي أن بلورة نظرية نقدية واضحة المعالم ( عربياً) لا يتأتى بمجرد التسليم والرضا بكل ما مايقال بل يحتاج الى جهدٍ مضنٍ للقراءة المتأنية والواعية حتى بلوغ " درجة الإجتهاد" في النقد، يقول في ختام مقالته النقدية - ضبابية مفهوم الحداثة:

"لا شكَّ أن وضعية الحداثة العربية وعلاقتها بالحداثة الغربية تمثل إحدى الإشكاليات التي توقف النقاد والمفكرون عندها كثيرا، وأثارت لديهم جدلا واسعا، وتتجلى هذه الإشكالية من خلال التقاء الثقافة العربية بالثقافة الغربية التي أفرزت حداثتها، وليست اللحظة الراهنة هي اللحظة الأولى التي تحقق فيها الالتقاء بالآخر، إذ كانت لحظة الالتقاء الأولى في العصر العباسي، بيد أن الأمر كان مختلفا تماما عن اللحظة الراهنة، إذ كانت الثقافة العربية الإسلامية يومها في موقف المهيمن الذي تتاح له عملية الاصطفاء بتلقائية تامة، وكانت هذه الثقافة في وضع يسمح لها بالامتداد، وكسب مواقع جديدة متقدمة بين الثقافات الإنسانية،

فتخيرت ما ينسجم مع هويتها وصهرته في نسيجها، لكن اللحظة الراهنة تعيش فيها الثقافة العربية والإسلامية حالة انحسار.

إذ كانت لحظة الالتقاء بين طرفين: طرفٍ غاز ومستعمر، وطرف آخر مستعمَر، فبرزت أزمة اختلاف حضاري وثقافي بالدرجة الأولى،

لكن الانبهار بإنجازات العقل الغربي بعد إحباطات المواجهة مع الحضارة الغربية أعمانا عن هذا الاختلاف.."

قرأنا كيف أبرز الحسامي أزمة النقد العربي والحداثة العربية وكيف أن"الحداثة العربية" المزعومة كان ينبغي أن تكون حاجةً أصيلةً لضرورةِ ثقافيةٍ وفكريةٍ وحضارية ،بمعنى أن يكون الجانب العربي أو الإسلامي عنصراً مؤثراً ومساهماً في إنتاج المفهوم ،لا مجرد متلقٍ سلبيٍ مبهورٍ بالنتاج الوافد..، بعد هذا هل أستطيع القول أن الدكتورعبد الحميد الحسامي "ناقدٌُ بدرجة مجتهد" ؟؟

 شاعر وناقد يمني مقيم في الهند

a.monim@gmail.com