عام الأمهات
بقلم/ حسين الصوفي
نشر منذ: 7 سنوات و 7 أشهر و 3 أيام
الخميس 20 إبريل-نيسان 2017 09:07 م
قائمة طويلة تحضرني الآن من الذين تعرضوا للتعذيب, قائمة من الأبطال بعضهم لا يزالون خلف قضبان السجون المعروفة منها والسرية، تتزاحم أسماءهم وأوجاعهم بين هذه الحروف بينما نحاول الحديث عن "الأمهات" بعد مرور عام على تأسيسهن الرابطة لمتابعة قضايا المختطفين بكل تفاصيلها.
تحضر الآن أنّات البطل المختطف جمال المعمري، أحد أبناء محافظة عمران، وهو في زاوية زنزانته مقعدا مشلولاً بعد تعذيب وحشي تعرض له طيلة أزيد من عامين، يجب أن تتذكروا جيدا هذا التاريخ : 13 مارس 2015م هذا اليوم بالنسبة للبطل جمال المعمري وأسرته بداية رحلة العذاب يوم ألقى الحوثيون القبض عليه من أحد فنادق العاصمة المحتلة صنعاء!!
الثالث عشر من مارس هو يوم أسود بالنسبة لأسرة المعمري، أرجوكم احفظوا هذا التاريخ جيداً 13 مارس 2015م، وتذكروا أيضا أن عاصفة الحزم انطلقت في 26 مارس 2015م، وبين الرقم 13 والرقم 26 نصف شهر إلا يومين!! لقد اختطفوا المعمري وعذبوه قبل انطلاق عاصفة الحزم بنصف عام، تذكروا هذا جيدا أرجوكم!.
****
قبل عام من الآن كانت السجون تكتظ بالمختطفين، لقد اختطفت عصابة الحوثي والمخلوع ما بين اثنا عشر ألف إلى أربعة عشر ألف يمني، عذبوا منهم الكثير، قتلوا منهم نحو مائة يمني، قتلوهم تحت التعذيب، وما أبشع جريمة التعذيب، منذ خلق الله آدم لا يمكن أن تجد جريمة توازي جريمة التعذيب، كانت الأمهات وحدهن من يطبب جراح أبطالهن خلف القضبان، وحدهن يستمعن لأنينهم، يسمعن شكواهم، يصغين لآثار سياط الجلادين الأوغاد!.
ذات صباح خرجن يبحثن عن فلذات أكبادهن يتنقلن من سجن إلى آخر، ومن زنزانة إلى غيرها، وقفن أمام سجن هبرة سيء الصيت، كانت أفئدتهن تشع بالحب لأبنائهن وأزواجهن وذويهن، أخترقت كل السياج والحواجز والجنود المدججين، ذلك اليوم كان من أشق الأيام على المختطفين خلف جدران السجون، قال لي بطل محرر: يوم أضربنا جاءت الأمهات فكنا نسمع هتافاتهن وكأنها جرعة حياة وصبر وصمود، كم زادتنا قوة وانتصرنا على الوجع وقسوة السجن والسجان!.
*****
عند أسوار بوابة سجن "الأمن السياسي" حيث العذاب والوحوش الضارية التي تنهش في أجساد الأبطال دون رحمة أو إنسانية أو ضمير، جلست مجموعة من الأمهات بعد أن منعهن حراس السجن من الزيارة للأبطال من أبنائهن، جلسن يرددن أغاني للمختطفين: 
يا مظلوم ارتاح ... عمر الحق ما راح .. ليك يا ظالم يوم 
كان إصرارهن وإيمانهن بعدالة قضية أبنائهن أقوى من كل سجن وسجان، أعظم من كل حاجز وجدران، هن العظيمات الماجدات، هن صانعات الأبطال ومنبع البطولة الحقيقية، إنهن أمهات المختطفين.
****
يخرجن للبحث عن أولادهن وأزواجهن، ليس هذا فقط، بل تنقلن خلف أبواب السجون، طيلة عام، ووقفن أزيد من 40 وقفة عند مختلف الأماكن والمباني، وتم الاعتداء عليهن في 10 وقفات ، أمام عشرة أماكن أحدها كان أمام مبنى الأمم المتحدة في إحدى زيارات ولد الشيخ إلى صنعاء، انتشر مقطع الفيديو وجنود مليشيا الحوثي والمخلوع يطاردونهن ويشهرون أسلحتهم ضدهن، ولم يفعل ولد الشيخ شيء، أي لم يكتب حتى بيان إدانة أو حتى تعبير عن"قلق"!!، مضت الأمهات وأكملن طريقهن لأن درب الحرية طويل ولا يجيد السير فيه سوى العظماء! سوى الأمهات بالأحرى.
***
يتعذب المختطفون في السجون والزنازين لأنهم يدافعون عن "الشرعية"، أحد المختطفين حدثني عن جلسات تحقيق تعرض لها وهم يستجوبونه عن الرئيس هادي، قالوا له أنه بلا شرعية، قال لهم أنتم انتخبتموه، ثم قضوا جدلا صبوا فوقه ألوان العذاب، لأنه جادلهم بالحق.
أمام الشرعية اليوم امتحان حقيقي، أن يقوموا بواجبهم الحقيقي تجاه قضية المختطفين، هذا عام الأمهات بامتياز، وبقي دور مؤسسات الشرعية..
بقي دور السلك الدبلوماسي، بقي دور السفراء في دول أوروبا وأمريكا، هل يعقل أنهم عجزوا عن التواصل مع نظرائهم في دولهم، مع المنظمات المؤثرة؟ هل عجزوا أن يعرضوا مظلومية الأبطال في السجون؟ هل عجزوا عن طباعة صور لضحايا التعذيب وارسالها إلى المحافل الدولية التي لا تزال لم ترفع الغطاء عن مليشيا الحوثي الإرهابية؟!
بقي الدور على وزارة حقوق الإنسان، لتشكيل وحدة طوارئ في الوزارة وخط ساخن أولا بأول وبشكل يومي للضغط على المنظمات الدولية وعلى الدول في المقام الأول من أجل إنقاذ المختطفين كواجب إنساني!.
بقي الدور على وزارة الخارجية وفريقها في تحمل مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية تجاه قضية المختطفين، وعلى الحكومة والرئيس في رعاية المختطفين وأسرهم وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، والصحي، وإعادة تأهيل من خرج من السجون ودمجهم في المجتمع من جديد!
هذا عام الأمهات بامتياز، عام الماجدات اللواتي أثبتن للعالم أنهن الأقوى في إيمانهن بعدالة قضاياهن والأكثر تمسكا بالحق دفاعا عنه، ولن يضيع حق وراءه الأمهات.
هذا عام الأمهات، وغدا سترتدين تاج الحرية أيتها الماجدات.