آخر الاخبار

بلا حياء.. الحرس الثوري الإيراني: أيدينا مكبلة ولسنا في وضع يسمح باتخاذ إجراء ضد إسرائيل تقرير أممي :8 % من الأسر بمناطق سيطرة الحوثيين تعتمد على التسول من أجل الحصول على الغذاء واشنطن تتحدث عن اصطياد هدفاً حوثياً إضراب شامل يشل مصانع المياة المعدنية في صنعاء ومصادر مأرب برس تؤكد : إضراب مرتقب لمصانع أخرى دعاية الحوثي فرط صوتية ..تقرير أمريكي ينسف رواية المليشيات:دولة عظمى أرسلت للحوثيين صواريخ كروز مضادة للسفن حملة عسكرية من قوات العمالقة ودفاع شبوة تصل الصعيد لإيقاف حرب قبلية تدور رحاها بين قبائل المقارحة والعوالق كيان موالي للمجلس الانتقال الجنوبي يعلن اعتزامه إنشاء شبكة حوالات موازية للشبكة الموحدة التي أسسها البنك المركزي مركز سعودي عالمي ينجح في إزالة أكثر من 18 مليون محتوى متطرف من «التلغرام» وزير الدفاع السعودي يصل تركيا وأردوغان يعقد معه لقاء مغلقا في المجمع الرئاسي . ملفات الأمن والتعاون المشترك .. تفاصيل الملك سلمان بن عبدالعزيز يصدر توجيهات ملكية بمنح 60 مواطناً ومواطنة بينهم أميرة وقيادات عسكرية ومواطنيين ميدالية الاستحقاق لتبرعهم بالدم

بدعة الشرعية الشعبية
بقلم/ فهمي هويدي
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 12 يوماً
السبت 20 يوليو-تموز 2013 05:03 م

أفهم أن يتداول بعض اللاعبين فى الساحة السياسية المصرية هذه الأيام مصطلح الشرعية الشعبية. وأن ينطلق منه شباب الميادين لكي يسوغوا لأنفسهم ما يعن لهم من أهداف.

لكن الذي لم أفهمه أن يتردد المصطلح على لسان من كان فى موقع رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلي منصور الذي صار رئيسا مؤقتا للجمهورية، إذ اتكأ عليه في خطابه الأول الذي وجهه يوم الخميس الماضي 18 /7، معتبرا أن الشعب حين مارس الشرعية المذكورة فإنه أعطى العالم درسا في الأمل.

كان لدي استعداد لتفويت العبارة الأخيرة التي ذكرتني بما قاله الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان ذات مرة عن «أستاذية العالم»، إذ لم أنزعج كثيرا من فكرة الدروس التي ما فتئنا نلقيها على العالم بين الحين والآخر. فلا نحن مللنا من القيام بهذا الدور المجاني ولا العالم أعرب عن ضجره منا، في الأغلب لأنه لم يأخذ كلامنا على محمل الجد. ناهيك عن أن الأمل موضوع الدرس الذي أشار إليه لم نر له ملامح بعد، وعلمه عند الله ثم عند الفريق عبدالفتاح السيسي.

أما الذي تعذر على تمريره وابتلاعه فهو استخدام الرئيس المؤقت لمصطلح الشرعية الشعبية، وهو تعبير إذا نطق به رجل قانون في مثل خبرته ومقامه فذلك يعني أنه تنكر لثقافته واستقال من وظيفته وترك منصة القضاء مؤثرا تمضية وقته على كرسي في أقرب مقهى.

إن الشرعية كما يعرفها أهل القانون تعني إتباع ما تعارف عليه المجتمع من إجراءات ونظم للحقوق والواجبات، ولذلك فإن كل مجتمع يلتزم بتلك النظم التي تم التعارف عليها يصبح ممثلا للشرعية الدستورية. لكن خبرة الثورات التي انطلقت في أرجاء العالم اقتضت اتخاذ إجراءات استثنائية مؤقتة لحماية الصالح العام، الأمر الذي كان وراء ابتداع مصطلح الشرعية الثورية، الذي يمكن أن يصاغ بطريقة أخرى من قبيل شرعية اللاشرعية. وقد فهم أن تلك إجراءات استثنائية مؤقتة، تنتهى بانتهاء الحالة الثورية والانتقال بعد ذلك إلى وضع الدولة التي تحكمها الشرعية الدستورية.

خطورة مصطلح الشرعية الشعبية تكمن في أمرين، الأول أنها تلغي النظم والقوانين وتطلق ما يمكن أن يسمى حاكمية الشارع، التي تمثل مغامرة كبرى تفتح الأبواب لشرور لا حدود لها. الأمر الثاني أنها يمكن أن تصبح حالة دائمة تتجاوز بكثير حدود فكرة الشرعية الثورية. بحيث يصح لأي جماعة من الناس صغرت أو كبرت أن تنزل إلى الشارع في أى وقت لتفرض ما تشاء على السلطة والمجتمع، باسم الشرعية الشعبية، أي إنها من قبيل الممارسات السائلة، التي لا يحكمها عدد ولا زمن ولا سقف.

صحيح أن الشعب مصدر السلطات. وتلك فكرة باتت مستقرة في الثقافة الديمقراطية منذ الثورة الفرنسية على الأقل. واستدعاؤها الآن بمثابة اختراع للعجلة من جديد. لأن العالم تجاوز الفكرة إلى آلياتها وطرق ممارسة تلك السلطات. بالتالى لن يضيف أحد شيئا إذا قال لنا إن الشعب هو مصدر السلطات، لأن السؤال المهم هو كيفية ممارسة الشعب لتلك السلطات من خلال الإجراءات والمؤسسات الشرعية القائمة. أما أن يتم العصف بكل ذلك بدعوى ممارسة الشرعية الشعبية فذلك جرم سياسي يصبح مضاعفا حين يصدر عن أحد من المنتسبين إلى أهل القانون.

مصطلح الشرعية الشعبية باب يضفي الشرعية على الحشود التي يستخدمها البعض لتسويغ التغيير. وهو أمر خطر لا ريب، وسلاح ذو حدين. وهذه الخطورة تتضاعف حين تتعدد الحشود معبرة عن معسكرات متعارضة، الأمر الذي يمهد الطريق إلى الفتنة الكبرى المتمثلة في الحرب الأهلية.

لقد جربنا ما سمي بالشرعية الشعبية في عام 1954 حين أطلقت في شوارع القاهرة جموع هتفت ضد الديمقراطية وقامت بالاعتداء على رئيس مجلس الدولة آنذاك الدكتور عبدالرزاق السنهوري. وأخشى أن يعتبر البعض أن حصار الحشود للمحكمة الدستورية وقصر رئاسة الجمهورية من قبيل ممارسة تلك الشرعية المبتدعة.

لقد انتهى عصر التنافس السياسي الذي يحتكم إلى الحشود، وأصبحت الصناديق هي الوسيلة التي ارتضاها العالم المتحضر لحسم التنافس بين القوى السياسية المختلفة. أما حين يخرج علينا رجل قانون مرموق ليحدثنا مجددا عن الشرعية الشعبية، فذلك من عجائب الدنيا التي تكاد تصنف ضمن علامات الساعة الصغرى.