آخر الاخبار

بلا حياء.. الحرس الثوري الإيراني: أيدينا مكبلة ولسنا في وضع يسمح باتخاذ إجراء ضد إسرائيل تقرير أممي :8 % من الأسر بمناطق سيطرة الحوثيين تعتمد على التسول من أجل الحصول على الغذاء واشنطن تتحدث عن اصطياد هدفاً حوثياً إضراب شامل يشل مصانع المياة المعدنية في صنعاء ومصادر مأرب برس تؤكد : إضراب مرتقب لمصانع أخرى دعاية الحوثي فرط صوتية ..تقرير أمريكي ينسف رواية المليشيات:دولة عظمى أرسلت للحوثيين صواريخ كروز مضادة للسفن حملة عسكرية من قوات العمالقة ودفاع شبوة تصل الصعيد لإيقاف حرب قبلية تدور رحاها بين قبائل المقارحة والعوالق كيان موالي للمجلس الانتقال الجنوبي يعلن اعتزامه إنشاء شبكة حوالات موازية للشبكة الموحدة التي أسسها البنك المركزي مركز سعودي عالمي ينجح في إزالة أكثر من 18 مليون محتوى متطرف من «التلغرام» وزير الدفاع السعودي يصل تركيا وأردوغان يعقد معه لقاء مغلقا في المجمع الرئاسي . ملفات الأمن والتعاون المشترك .. تفاصيل الملك سلمان بن عبدالعزيز يصدر توجيهات ملكية بمنح 60 مواطناً ومواطنة بينهم أميرة وقيادات عسكرية ومواطنيين ميدالية الاستحقاق لتبرعهم بالدم

نظرية الفوضى و" الربيع العربي"
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 11 سنة و يومين
السبت 29 يونيو-حزيران 2013 04:29 م

" رفة جناح فراشة في بكين تتحوّل إلى عاصفة في برلين» هذه العبارة الأثيرة يستخدمها علماء «الكايوس» نظرية الفوضى للتدليل على تأثير «الهامشي» في إحداث التحوّلات الكبرى، ينظر علماء الأرصاد إلى خفقة جناح الفراشة على أنه في أساس أشد الأعاصير هولاً بالنظام الجوي الفوضوي.

التاريخ البشري يتصل أيضاً بقوانين نظام فوضوي، إحراق "البوعزيزي" نفسه في تونس تحوّل إلى ثورات متتالية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، والباب مفتوح على تأثيرات الحدث الصغير الذي يؤسس لأحداث متتالية قد تصل إلى حرب إقليمية وتحولات تشمل المنطقة كلها من الثورات إلى الحروب، إلى تغيير خريطة العالم الجويوسياسية كلها.

احترق جسد البوعزيزي فاحترقت معه المنطقة كلها؛ أنظمة تسقط، رؤساء ينقلعون، حروب تشتعل، طائفيات تتحفّز، ومذاهب تحتشد، وأحلاف إقليمية تتصادم، والأفق مفتوح على كل الاحتمالات.

في بداية القرن العشرين؛ وتحديداً في ربيع 1914م قُتل امبراطور النمسا فرانسوا فرديناند في سراييفو، وكان لهذا الحدث تأثيرات متتابعة رسمت ملامح القرن كلها بدايةً من الحرب العالمية الأولى التي جاءت ضمن تداعيات الحدث الصغير الهامشي والحرب العالمية الثانية. سقط ملك النمسا وسقطت معه أوروبا كلها، دارت حروب حامية وباردة وأحداث وتحوّلات ولم تنتهِ تأثيرات الحدث الصغير الأول إلا بهدم جدار برلين في نهاية القرن العشرين.

نظرية الفوضى ليست وليدة السياسة الأمريكية كما يتصوّرها بعض الكارهين لأمريكا والباحثين عن مُسير ومتآمر يحدّد أحداث التاريخ وتحوّلاته، النظرية جاءت أساساً من حقل الفيزياء، ونزحت إلى فروع العلوم الطبيعية كلها منذ سبعينيات القرن الماضي ويتم بواسطتها مقاربة حركة المجتمعات والشعوب التي تعجز العلوم السياسية والاجتماعية عن فهمها وتفسيرها.

ما لم يستطع العلماء والباحثون فهمه تفسره نظرية الفوضى، وكلمة الفوضى هنا لا تعني العشوائية المتعارف عليها؛ بل تعني أقصى حالات النظام المعقّدة والمركّبة التي تستعصي على الفهم ومن الصعوبة أن تُصاغ وفق قوانين ثابتة.

يكتب جيمس غليك مؤلّف كتاب نظرية الفوضى الذي عرض فيه لتاريخ تطور النظرية منذ السبعينيات قائلاً عن النظرية: تهتم بدراسة الظواهر التي لم يستطع العلم التقليدي تحديدها وقوننتها، تدرس الاضطراب، تدرس الحالات اللا متوقعة، والأمثلة كثيرة في كل الحقول والأنظمة الحركية؛ حركة الطقس وتقلباته، حركة أمواج البحر، التقلّبات في أنواع الكائنات الحية وأعدادها، والتذبذب في عمل القلب والدماغ، وتقلبات البورصة والأسعار.

 ويضيف غليك: «إن الجانب غير المنظم من الطبيعة، غير المنسجم وغير المتناسق والمفاجئ والانقلابي أعجز العلم دوماً» وباعتباره من الأنظمة الحركية، بل أكثرها حركية، يمثل المجتمع مجالاً خصباً للحركات الفجائية غير المتوقعة التي لا يمكن فهمها ودراستها بقوانين العلوم السياسية والاجتماعية التقليدية.

لو سألت أي مركز دراسات أو أبحاث أو أي مفكر عربي أو مهتم في نهاية عام 2010م عن توقعاته للمستقبل وتحديداً إمكانية قيام ثورات شعبية في أي بلد من بلدان «الربيع العربي» التي شهدت زلزال 2011م لاحقاً لكان جوابه طبعاً بـ«النفي» ذلك أن المدى المنظور آنذاك كان يقول إنه حتى في العشر السنوات القادمة من غير المتوقع حصول أي تغيير في الأنظمة وليس فقط حدوث ثورة شعبية، بل إن الانطباع السائد حينها زمن الثورات قد انتهى إلى غير رجعة.

كان استبعاد إمكانية التغيير وسقوط الأنظمة قائماً على الواقع الموضوعي، فالأنظمة في مصر واليمن وليبيا وسوريا وتونس كانت قد أنجزت سيطرة شاملة على المجتمعات وأكملت إخضاعها بعد عقود من الهيمنة والسيطرة والقصقصة، دمّرت الأحزاب وانتهى المنافسون وسيطرت النخب العائلية العصبوية على المؤسسات العسكرية والأمنية، وأفرغ القضاء من وظيفته «العدالة» وغدا حامياً للعصابات الحاكمة، وسيطر المهيمنون على السلطة على النشاط التجاري بواسطة النفوذ وريع الموقع السياسي الذي تراكم كرأسمال طفيلي في أيديهم، وإجمالاً كانت كل فضاءات المجتمع وقواه ومؤسساته ودولته قد أخضعت بشكل ممنهج لتضمن سيطرة الحاكم الفرد على الدولة والمجتمع وتأبيد حكمه وتوريثه من بعده لإبنه.

وخارج إطار الحسابات كلها هبّت رياح التغيير برفة جناح الفراشة جسد البوعزيزي لتتحوّل خفقته إلى إعصار عصف بعدد من الأنظمة ويزأر الآن في سوريا ، وتنذر حركته غير المتوقعة بفتح المنطقة العربية كلها والشرق الأوسط والعالم على حروب طائفية ومذهبية وإقليمية وتحولات مازالت في علم الغيب؛ غير أن المؤكد أنها تداعيات لحدث هامشي صغير هو وحده من سيرسم ملامح المنطقة والعالم لعشرات السنوات القادمة .. جسد البوعزيزي.

musraj2003@hotmail.com