عندما لا تكمن المشكلة في المشكلة .. فما نتيجة الحوار ؟
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 4 أيام
الخميس 21 مارس - آذار 2013 09:25 م

انطلاقا من المنطق يقال: كل حوار لا بد وأن يسبقه مشكلة أو مشاكل ؟ وكل مشكلة لها حل وعليه كل حوار سينتهي إلى حل أكيد. لكن ما هي مشكلة أو مشاكل اليمنيين ؟ هل النظام (أم ما وراءه) ؟ هل المشكلة الجنوبية أم (ما وراءها) ؟ هل مشكلة حروب صعدة أم (ما وراءها )؟ الخ .. فإن كانت (ما وراء) هو المشكلة فإنه مطلوب من الحوار أن يحل شيئا لا يراه بل شيئا هو وراءه فهل سيكون هناك حلا باعتقادك (!)

اعتقد أن المشكلة ليست هي السبب في تعقد الأمور في اليمن وفي الحوار فيما لو تعقدت حلول الحوار؛ فمشكلة الجنوبيين –مثلا- يمكن تسويتها بكل سهولة بإرجاع الحقوق الى أهلها وما استحال إعادته يعوض بقدره، وهناك ما لا يصلح فيه إلا التنازل المؤلم [لأن فقدان حبيب لا يساويه عوضا كل ما في الأرض]، وليس مثله فقدان وظيفة أو عقار؛ فالإنسان لا يقدر بثمن ومن ثم يستحيل تعويضه، وما عداه فيما يتعلق بالعقارات والوظائف سهل التعويض. وعليه قس بقية المشاكل. وترجع السهولة هنا إلى أن المشاكل بارزة وواضحة يدركها كل المتحاورين، ومن هنا يكون حلها بسيطا وسهلا بقليل حوار لا يمتد أمده إلى أكثر من شهرين فكيف بستة شهور لكن فيما لو المشكلة لا تكمن في المشكلة إنما في ما وراءها من هنا يتعقد الحل وقد يستحيل.

لكن ، وما أصعب ما يأتي بعد لكن، الشيء القريب من المستحيل معه خروج الحوار إلى نتائج طيبة؛ هو الكامن والخفي [وراء المشاكل] لأنه يحس ولا يرى ويلسع ولا يمس يصعب على العين رؤيته وعلى الأنف اشتمام راحته، وعلى الفكر كبح نشوته، يمثله أناس عبر رشتة محدودة مكتوب في أخرها مرض مستعصي على الحل ويعجز الأطباء أن يصفوا له دواء لأنه مرض مجهول. ومن هنا يبدو للمتحاورين صعوبته وحتى محاولة تسويته إنه أشبه بالأمر المستحيل لأنه مطلوب منا أن نحل شيئا هو وراء الحل؛ لأنه ليس المشكلة إنما يتخفى وراءها. فالحوثيون – مثلا – سنجد مشكلتهم خافية ومثلهم الحراك المسلح، والنظام لا يختلف عنهم إنما هم بعض إفرازاته على مر سنوات حكمه.

وهنا على المتحاورين الوطنيين أن يدركوا ما يتحاورون عليه لأنني متأكد أن من يحاور أو يعكر مزاج الحوار لا يمتلك مشكلة داخلية (يمنية) بل هناك مشكلة تتجاوز حدود اليمن وحتى حدود الجوار وحتى حدود القارة، وهي ما اصطلحت عليها بما وراء المشكلة، ومن هنا نستطيع أن ندرك حجم تناقض المجتمع الدولي عندما كان راعيا لحوار اليمنيين وهو في الوقت نفسه يقتل السورين، فكيف يكون راع وفي الوقت نفسه مفترس وبناء عليه كيف نضمن لمسيرة الحوار في اليمن ونحن نعلم يقينا أن ما يستنزف دماء السوريين هو نفسه قد حقن دماء اليمنيين ولم يعط "الرئيس السابق" الضوء الأخضر لإعمال آلته الحربية والله ليس حبا في اليمنيين ولا لأن دماءهم نفيسة دون دماء السوريين وإنما لأن مصالح المجتمع الدولي والإقليمي سوف تتضرر لو قامت حرب أهليه في اليمن فلا ننسى أن اليمن يمر بها طريق التجارة الدولي، (باب المندب) ومثلها مصر (قناة السويس) لأجله فضل المجتمع الدولي اللعب بالورقة السياسية لأن استخدام رقة الحرب مضر بمصالحه وسوريا غير مصر وغير اليمن.

وفي الوقت نفسه لو ترك الحوار وشأنه ومثله أناس وطنيون لأفضى إلى نتائج طيبة لن ترضي المجتمع الدولي (قاتل السوريين) كما أن المجتمع الدولي لا يريد لليمن الاستقرار الإيجابي ولن يترك الخيار للشعب اليمني كما لم يعجبه خيار الشعب المصري، فهو على أية حال لا يريد للوطنيين أن يتلوا زمام الأمور لا في مصر ولا في تونس ولا في ليبيا ... الخ وعليه لا بد له من ممثلين في الحوار وبالطبع لن يكونوا ملائكيين وإنما قتلة فالقاتل لا يمثله إلا قاتل، ومن هنا الحوار سوف يطول في جمهورية اليمن لأنهم يريدونها هادئة وفي الوقت نفسه جائعة وتفريغ الثورة من أهدافها أو إعاقتها وإبطاء مسارها باختلاق مسارات سياسية من شأنها أن تبطئ بنهضة اليمن ومصر و.... .. سنين عديدة لأنهم يريدون في النهاية أن يصدروا أحكاما مجحفة على ربيع الثورات من مثل أنه ربيع متخلف وأن عصر ما قبل الثورات أفضل وما بعده أسوأ وهو ما يسعون إليه بكل الوسائل فمشكلتنا مع مصالح المجتمع الدولي وليس مع من يمثلونه في الحوار فالمفترس لن يكون راعيا فإلى متى نظل نمني أنفسنا بالوهم؟.