لا أسوأ من الجلاد سوى الضحية التي تتحول إلى الجلاد
بقلم/ نبيل سبيع
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 31 يوليو-تموز 2012 03:49 ص

هذا هو العنوان العريض الذي شكلته في رأسي أخبار متفرقة عن حالات إنتهاكات لحقوق الإنسان تمارسها جماعة "أنصار الله" المعروفة بالحوثيين في محافظة صعدة والمناطق الخاضغة لسيطرة الجماعة، وآخر هذه الحالات الحالة التالية المتعلقة بقيام عناصر تابعة للجماعة باعتقال 4 نشطاء إصلاحيين لمدة يومين تعرضوا خلالها للإعتداء الجسدي على يد تلك العناصر.

الصورة المنشورة هنا هي لأحد النشطاء الإصلاحيين الأربعة، وقد التقطها له الناشط الحقوقي عبدالرشيد الفقيه أثناء مقابلته لهم أمس في أحد مستشفيات صنعاء حيث يرقدون الآن. الفقية، الذي يعمل في منظمة "هيومن رايتس ووتش" والذي زار النشطاء رفقة زميلته الناشطة الحقوقية رضية المتوكل، كتب على صفحته قائلا إن النشطاء اعتقلوا "من منازلهم في جمعة بني بحر بمديرية ساقين في محافظة صعدة قبيل مغرب الخميس 26 يوليو من قبل مجموعة من المسلحين التابعين لجماعة الحوثي، أًحتجزوا في زنازين إنفرادية في أحد سجون الجماعة وتم تعذيبهم ثم أُفرج عنهم مساء السبت 28 يوليو بعد يومين من الإعتقال، وبعد تقديم أهاليهم لضمانات بعدم ممارستهم لأي نشاط ثقافي أو سياسي أو اجتماعي". (تحدث الفقيه في صفحته عن 3 نشطاء لكنه أخبرني انهم 4 وأن أغفل ذكر أحدهم بسبب تحرجه من التحدث إليه بخصوص الحادثة).

سبب إعتقال الناشطين الإصلاحيين غير واضح على وجه التحديد والدقة. فوسائل الإعلام الإصلاحية أو المدعومة من الإصلاح تحدثت عن أن السبب يتمثل في ممارسة هؤلاء النشطاء لصلاة التراويح. لكن وسائل الإعلام هذه استغلت الحادثة على ما يبدو في إطار تعزيز حملة التحريض الطائفية التي يشنها الإصلاح على الحوثيين منذ وقت طويل. فالنشطاء أخبروا عبدالرشيد الفقيه أن الحوثيين لم يتطرقوا إلى "صلاة التراويح" من قريب ولا من بعيد كما قال لي اليوم في لقاء خاص، وتابع أن السبب يتعلق على الأرجح بممارستهم أنشطة مختلفة تمت الإشارة إليها في صيغة الضمانات التي قدمها الأهالي للحوثيين كما ورد في تعليق الفقيه المنقول هنا عن صفحته.

غير أن المهم هنا ليس الأسباب التي وقفت وراء إعتقال النشطاء الإصلاحيين والإعتداء عليهم، بل الحادثة نفسها. ليس من حق جماعة الحوثي ولا أية جماعة أو قوة أخرى في البلد أن تمارس إعتقالات وأعمال تعذيب لمواطنين يمنيين تحت أي مبرر أو سبب كان. وعلى الحوثيين أن يكونوا في صدارة الرافضين لهذه الممارسات غير المشروعة واللاأخلاقية.

حادثة إعتقال النشطاء الإصلاحيين الأربعة و"تعذيبهم"- أتحفظ هنا على كلمة "تعذيب" لأنها تعني ممارسات خاصة ومحددة لا تشمل الضرب وعدد من الإعتداءات الجسدية الأخرى ويجب أن يبت فيها مختصون- هذه الحادثة تذكرني بعشرات الحالات المشابهة التي غطيتها أثناء عملي الصحفي منذ إندلاع حرب صعدة الأولى عام 2004. كان ضحايا تلك الحالات جميعا من أبناء المذهب الزيدي الذين كان نظام علي عبدالله صالح يعتقلهم ويزج بهم في السجون حيث يتعرضون للإنتهاكات الواسعة التي تتضمن أعمال تعذيب مختلفة على ممارستهم حقوقهم الدينية.

لوهلة شعرت بالرعب وأنا أكتب آخر سطر في الفقرة السابقة. سبب شعوري هذا تمثل في التساؤل الذي تبادر لذهني وانا أتذكر دون تحديد الحالات التي غطيتها لناشطين "زيود" تعرضوا للإنتهاكات بسبب ممارستهم حقوقهم الدينية. هذا التساؤل يقول: هل صادف أن كان أحد الشبان الزيود الذين غطيت أنا قصة إعتقاله وإنتهاك حقوقه على أيدي أجهزة نظام صالح، هل كان هذا الشاب بين العناصر الحوثية التي اعتقلت النشطاء الإصلاحيين الأربعة ومارست الإعتداء الجسدي عليهم في المحتجز قبل أيام بسبب ممارستهم أنشطة ما، دينية أو سياسية أو إجتماعية أو أيا كانت طبيعتها؟ إنه تساؤل مخيف ومظلم جدا بالنسبة إلي شخصيا.

المؤكد أن جماعة الحوثيين التي مارست اليوم دور الجلاد على هؤلاء النشطاء الإصلاحيين تتكون من ضحايا الأمس. فعبدالملك الحوثي نفسه هو إبن قصة مأسوية يعرفها الكثير منا- كي لا أقول جميعنا. وهذا الشاب الذي تعرضت أسرته للتنكيل على مدى سنوات أصبح اليوم الممسك بزمام الأمور في صعدة والمناطق الأخرى الخاضعة لسلطة الجماعة التي يتزعمها. وعليه، فهو المسؤول الأول عن كل ما يجري هناك من ممارسات على أيدي جماعته. وهذا لا يشكل سوى الخبر السيء فقط.

الخبر الأسوأ هو أن حالة الناشطين الإصلاحيين لا تشكل سوى واحدة من حالات أخرى، أي أنها جزء من سياق أوسع من الإنتهاكات التي تمارسها الجماعة كما يبدو. يقول عبدالرشيد الفقيه: "تصلنا الكثير من الشكاوى من مواطنين في صعدة يشكون من انتهاكات يتعرضون لها من قبل عناصر جماعة الحوثي، وثقنا أكثر من حالة، بعضها وقائع اعتقال تعسفي وبعضها وقائع إعدام خارج إطار القانون، وبعضها وقائع تعذيب وسوء معاملة ـ الواقعة أعلاه نموذج لأحد أشكال الإنتهاكات". ويتابع: "نطالب بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تحقق في شكاوى المواطنيين توصياتها ملزمة للحميع".

يبدو أن جماعة الحوثي تشعر اليوم بنشوة الإنتصار الذي منحها سلطة شبه كاملة في صعدة وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرتها، لكن الإنتصار المطلوب من هذه الجماعة تحقيقه اليوم هو الإنتصار الأكبر والأهم: إنه الإنتصار على نشوة النصر هذه.

ففي نهاية المطاف، ومهما بدت الأمور جيدة وزمامها كلها في قبضتك، يتعين عليك يا عزيزي عبدالملك الحوثي أن تعرف بأن النصر الذي يحول المرء من ضحية إلى جلاد ليس نصرا على الإطلاق، بل هزيمة نكراء.

*نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك