وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين
مأرب بري ـ ـ بروكسل ـ خاص
فقبل الدخول بهذه المناقشة التي غايتها وضع النقاط على الحروف، وبدون تشنّج وإلغاء، ولكي ينجح الحوار وتنجح المناقشة يجب أن يتوفر عنصر الإحترام بيني كعربي ومسلم، وأنتمي الى أمة عربية لها حضارتها وتاريخها، وتحمل راية دينية وهي الإسلام، وأحمل أنا المحاور إضافة لذلك ثقافة معينة يتحكم بها الدين واللغة والموروث والبيئة، ولدي تصور معين عن موضوع ما يسمى بالإرهاب، وكذلك لدي تصوّر عن السياسات الأميركية في العالم والمنطقة العربية، وبين السيدة ( كارين هيوز) التي تحمل صفة رسميّة كونها جزء من الإدارة الأميركية، وأحد الذين أصبحوا يقررون السياسة الأميركية و العالمية، ولكني لا أعرف مديات ثقافتها عني وعن أمتي العربية، وعن تاريخي العربي والإسلامي، وكذلك لا أعرف مديات فهمها لديني الإسلامي، بحيث أنني لا أعرف حتى ديانتها ( مع إحترامي لديانتها وأفكارها وثقافتها سلفا) ولكني سأتحاور معها كأنسانة، وكمسؤولة وكأميركية ، وكذلك سأتحاور معها كونها غير مسلمة ومن باب الإحترام الذي فرضه علينا الإسلام عندما نحاور الذين هم من أديان أخرى.
فلو جئنا لمعرفة الغاية من هذه المناقشة مع السيدة كارين هيوز، فهي بسبب شهادتها الأخيرة التي أدلت بها أمام لجنة الإعتمادات الفرعية لعمليات وزارة الخارجية الأمريكية وغيرها من الوزارات في الخارج التابعة لمجلس النواب في 19/4/2007 ، وكانت الشهادة أمام المشرعين الأميركيين لحثهم على الموافقة على التمويل المطلوب لمشاريع الدبلوماسية العامة من الميزانية المقترحة للسنة المالية لعام 2008 ، وكونها وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية العامة أي هي معنيّة بالإحتكاك المباشر مع الشعوب، ومنها العربية والإسلامية.
فلو فحصنا معظم الشهادات التي أدلى بها كبار القادة السياسيين و الموظفين والدبلوماسيين والضباط والمسؤولين الأميركان أمام مجلس النواب الأميركي، سنجد أن معظمها يحركها هدف الحصول على المال ( التمويل المقترح)، ومن ثم الإستمرار في المنصب والطموح نحو الأعلى، والدفاع عن الأخطاء إن وجدت بطريقة مبطنة أو واضحة، مع الهمس ضد الخصوم والمنافسين، لهذا أصبح (الإسلام) والذي تمثله للأسف الشديد الحركات والأحزاب والمجموعات المتطرفة من وجهة نظر المنطق الأميركي مسرّعا بالموافقة على خطط التمويل، ومن خلال التجنّي على الإسلام والمسلمين أمام مجلس النواب والمشرعيّن الآخرين، وكذلك أصبح موضوع ما يسمى (بالإرهاب) هو الآخر عاملا مسرّعا بإنتزاع التصويت على الميزانيات التي تطرحها وتقترحها المؤسسات الأميركية ،أي من خلال الإسلام والإرهاب يتم إبتزاز مجلس النواب، ومن خلال التهويل بخطريهما ومستقبلهما المخيف من أجل الموافقة السريعة على التمويل المطلوب، والذي للأسف لا يقوم مجلس النواب بمتابعته ومتابعة صرفه، أي أن أعضاء مجلس النواب أمام واجب أخلاقي وإنساني وسياسي إتجاه العرب والمسلمين، وشعوب المنطقة ، وهو التحرك لمسح المنطقة مسحا كاملا لمعرفة حقيقة الإسلام وكذلك معرفة جغرافية ما يُسمى بالإرهاب ، ومن خلال الجلوس مع قادة المجتمع والسياسة والفكر في المجتمعات العربية، ومن مختلف الأطياف وصولا الى اللقاءات مع الأطياف العلمية والثقافية والفنية والفكرية، وحتى مع أطياف المعارضين والناقدين كي تتكون الصورة كاملة لدى النائب الأميركي كي يكون مرتاح الضمير عندما يؤيد أو يمتنع عن دعم الميزانيات المقترحة بحجة الخطر الإسلامي وخطر الخلايا الإرهابية.
فسياسة التهويل ضد الإسلام والمسلمين و المتبعة من قبل بعض السياسيين والمشرعين والمسؤولين الأميركيين تجيّش ضدهم الرؤوس العربية والإسلامية، أي تشحذ الأفكار والهمم عند الكثيرين ضد هؤلاء وطروحاتهم وضمن قانون الفعل ورد الفعل ، وبالتالي يكون النقد ضد الولايات المتحدة، والسبب سياسة وتهريج وتهويل هؤلاء ومن معهم والذين تحركهم إنتماءات معينة ،أو عقد نفسية معينة، أو ربما يستقون أفكارهم من جهات واحدة، وهي التي تكن الكراهية لكل ما هو مسلم وعربي.
لذا فالحوار يجب أن يكون مع الناس في الشارع والجامعات والمساجد والمؤسسات والقرى، ومع الطبقات الإجتماعية والسياسية والثقافية، وبدون مراقبة الحكّام وأجهزتهم القمعية، فمن غير الجائز أن يكون الحوار مع الحاكم والطبقات الحاكمة في المنطقة العربية ،والتي 90% منها جاءت بطرق إنقلابية وإلتفافية وإحتيالية، وإستمرت بسياسة الحديد والنار، والتجويع والقمع، والمطاردة والديكتاتورية، وبهذا أصبح من يُجيّش الناس والعقول ضد الولايات المتحدة والغرب هم هؤلاء الحكّام ودوائرهم وجلاوزتهم، ومعهم السياسيين الأميركان الذين يهولون بالخطر الإسلامي وبالإنسان العربي، ويضاف لهم طرفا ثالثا وهو الطرف الإعلامي الذي يكيل بمكيالين، بحيث أنه يغض النظر عن الحقيقة، وعن معاناة الشعوب والأفراد والجماعات والأقليات عندما يكون الحاكم صديقا للولايات المتحدة، وعندما يكون الظلم قادم نتيجة السياسات الأميركية وأصدقائها في المنطقة ضد هؤلاء.
فغياب أسس الحوار، ومنهجية الحوار، ومأسسة الحوار هو السبب الرئيسي، فنعم أن الولايات المتحدة تصرف ملايين بل مليارات الدولارات من أجل تحسين صورتها ، ومن أجل ترتيب العالم ضمن أسس تعتقدها إنسانية وشفافة،وفيها حرية للإنسان و للفرد والفكر، وهذا لا يُنكر، أي أن هناك إهتماما أميركيا ، ولكن هل سأل الأميركيون أنفسهم يوما : لماذا لا تفعل هذه الملايين فعلتها بين الناس في الشرق الأوسط وفي الجغرافيات العالمية الأخرى، ولماذا ورغم هذا البذخ هناك رفضا للولايات المتحدة وسياساتها؟.
فالجوب يكمن بطريقة إيصال أو تقديم هذا العطاء، أي أن آلية وطريقة العطاء خاطئة، فمن يجرؤ أن يأخذ الهبات والتبرعات من شخص يقف في الشارع وبيده سكينا أو مسدسا؟، فالولايات المتحدة تتبع هذا الإسلوب، وهو الإسلوب الذي يتنافى مع مبدأ إعطاء الخير والتبرع، والذي يجب أن يكون مقرونا بالإحترام للمحتاج، وليس من خلال إذلاله، ثم أن عنصر الإبتسامه مع العطاء مهم جدا فهي تزيل حرج المحتاج، فكيف وأن العطاء الأميركي معه قائمة طلبات من المحتاجين ( الشعوب) ،وأحيانا معه ركلة بمؤخرة المحتاج لهذه المساعدة.
و الخطأ الأميركي الآخر عندما تعتمد المؤسسات والدوائر الأميركية (وفي أغلب الأحيان) على الشخصيات و الأطياف الهزيلة والمأزومة أساسا في مجتمعاتها وقبائلها ودولها وبين شعوبها، وبذلك تشبه خطواتها خطوات الدوائر الديكتاتورية في منطقتنا ،عندما تعتمد على الناس الذين هم بلا قيّم، ومن مجتمعات مأزومة، وتعيش الحرمان الفكري والمعنوي والقيّمي، ناهيك عن الأزمات النفسية التي تعشعش فيهم ليكونوا ضباطا وأفرادا في أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات والدولة، وأخيرا أخذوا يزجون بهذه النوعيات في السلك الدبلوماسي لو أخذنا العراق الجديد والديموقراطي جدا مثالا على ذلك، فنتج عن ذلك خراب المؤسسات والدولة مقابل أنتشار الفساد الإداري والسياسي والإجتماعي، أي أننا بالأموال الأميركية نؤسس لخطأ يزيد بالفجوات مع الولايات المتحدة.
السيدة هيوز تبشرنا بقادة على نمط خمسينات القرن الماضي
تقول السيدة هيوز (( نريد أن يأتي قادة المستقبل الى هنا للدراسة وللتعرف علينا)) فلو سمحت لنا السيدة هيوز بالقول أن هذا المنطق لا يليق بها فهو منطق إمبراطوري، أي أنها تريد أن تصنع لللشعوب قيادات على مقاستها، وضمن أبعاد وقياسات الولايات المتحدة، و كذلك أن هذا التصريح تهب منه رائحة عزم الولايات المتحدة على إتباع سياسة خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، عندما لجأت الولايات المتحدة الى مساندة كثير من الإنقلابات في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وغيرها، أي سجنت الشعوب في سجن مديره من فاز بالإنقلاب.
ثم أن هذا التصريح إستفزازي، ولا يتلائم مع المنطق الدبلوماسي، والذي يجب أن تكون السيدة هيوز عبقرية فيه دبلوماسيا، ولكن للأسف نراها تستفز الشعوب والدول بهذا الكلام، خصوصا وأن الولايات المتحدة تعيش أزمة خانقة على المستوى السياسي والدبلوماسي والعسكري في المنطقة والعالم.
ولو سألت السيدة هيوز ( من أنتم ..الذين تريدون؟)
فلقد فشلتم فشلا ذريعا في العراق ولا تتشنجي، فالكلام ليس من عندي حيث سُرق العراق منكم، وتحول شعبه الى فريسة للبطش الإيراني، ولبطش المخابرات والدوائر السرية والتي تعود لدول مختلفة ، فهل إطلعت على التقرير السعودي الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست في الإسبوع الأول من مارس/ آذار 2007 والذي قال ( إيران أنشأت دولة داخل الدولة العراقية .. وأن إيران نجحت حيث فشلنا نحن والأميركيون) ولكن لو كنتم تسمعون أصواتنا ومنذ عام 2003 ولحد الآن لما حصل كل هذا، ولكنكم لا تسمعون إلا أتباعكم في المنطقة، لذا فأنتم مثل مدير الشركة الذي لا يسمع مستشاريه والحريصين عليه ويلجأ لسماع زوجته بكل صغيرة وكبيرة، وهل قرأت كلام وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي عندما قال في 3/3/2007 ( إن العراق على وشك التقسيم) فبربك من يقبل بديموقراطية وحرية تبشر بها الولايات المتحدة وغايتها تقسيم البلدان والشعوب؟
وهل قرأتِ تصريح المنسق الأميركي للتنمية الإقتصادية في العراق السفير ( تيموثي كارني) عندما قال بتاريخ 1/3/2007 ( إن سياسات الولايات المتحدة في العراق بعد غزوه في 2003 كانت حمقاء ومريبة ) ، وهل قرأت تصريح رئيس البرلمان العراقي الدكتور محمود المشهداني بتاريخ 1/3/ 2007 عندما قال ( جندي أميركي مع كلبه قادر على منع جلسة برلمانية) فهل هي صورة وردية أم قاتمة يا سيدة هيوز ؟
وهل قرأت تصريحات وزير الخارجية الأميركي الأسبق السيد هنري كيسنجر بتاريخ 26/2/2007 عندما ذكر بمقال نشر بصحيفة الهيرالد تريبيون ( أن واشنطن مدانة بسبب سلوكها الأرعن في العراق)، وهل قرأتِ ما صرحّت به السيدة مادلين أولبرايت بتاريخ 23/2/2007 عندما كانت خلال مناقشة في مركز جيمي كارتر في إتلانتا حيث قالت ( حرب العراق أسوأ كارثة في التاريخ الأميركي ، وأن جورج بوش بدد قوة السلطة الأخلاقية التي أرساها كارتر خلال فترة رئاسته حين أتبع سياسة خارجية تضع حقوق الإنسان كهدف رئيسي،فلقد فقدنا عنصر الخير في القوة الأميركية وفقدنا قوة السلطة الأخلاقية التي تمتعنا بها) فحتى السفير الأميركي السابق في بغداد خليلزاد قال في 23/3/2007 ( حرب العراق أذكت نار الطائفية وأن هذا الإنقسام قد يقوض إستقرار المنطقة) وأخيرا وكي لا أحرجك أكثر فهل قرأتِ ما قاله السيد زبيغنيو برجينسكي وهو مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس كارتر والذي صرح بتاريخ 24/3/2007 ما يلي ( أن الحرب على العراق لم تعد حربا من أجل المصلحة الوطنية، وإنما تحولت الى جهد لإشباع الغطرسة الرئاسية في واشنطن) وجاء ذلك من خلال صحيفة ليموند الفرنسية.
فوفق أي قانون و تحت أية سلطة, أدفع أنا وشعبي وشعوب المنطقة فاتورة أخطاء السياسيين الأميركيين، وتحت أي بند أخلاقي أو ديني, ندفع الثمن من دمائنا ومستقبل أجيالنا ومن دماء الأميركيين من أجل إشباع الغطرسة الرئاسية في واشنطن حسب تعبير المستشاربرجينسكي؟.
ولكن ألا يكفي مسلسل هروبكم من سماع صوت الحق نحو سماع النقد الحميد ، فأن أخطاءكم الشنيعة في العراق والمنطقة هي نتيجة لأنكم لم تدرسوا ثقافة ودين وحضارة وموروث وطريقة تفكير شعوب المنطقة، بل أعتمدتم على (كنّاتكم) أي الذين يعيشون على مخصصاتكم، والمستخدمين لديكم، والذين هم كالمستشارين عند الحكّام الديكتاتوريين، حيث لا يسمعوهم إلا ما يحبون , (( علاوة على ان تدخلكم في المنطقة واحتلالكم العراق كان غير قانونيا ومن خلال الألتفاف على الشرعية الدولية)).
فلقد جئتم بنفس المنطق وهو ( نحن هنا .. ونحن من يقرّر .. ألم يقول الرئيس الأميركي جورج بوش : أنا من يقرّر في العراق .. وقالها قبله حاكم العراق المدني السفير بول بريمر : أنا من يحكم في العراق) ومن ثم إعتمدتم على مجموعات معظمها ليست لها علاقة بالشارع العراقي، بل أن علاقتها مع بعض دوائركم، ومعظمها بشكل تكتيكي أي ( أنها ضحكت عليكم) عندما تبين أن علاقاتها الإستراتيجية وولاءاتها كانت مع دول إقليمية وعربية ودولية أخرى، فهؤلاء عملوا ولا زالوا يعملون على إتساع الأزمة الأميركية في المنطقة، ويعملون على توسيع الفجوات من خلال تصرفاتهم وأفعالهم وبطشهم وفسادهم ونهبهم، والتي كلها كانت بسبب دعمكم لهم، وأن المواطن العراقي والعربي وأينما كان ليس غبيا فهو يعرف ويدرك الحقيقة.
ثم ما فائدة تدريب حاكم مستقبلي لا يجد الحيز الملائم لتطبيق ما تعلّم، فقد قال العالم الأميركي أحمد زويل والذي هو من أصول مصرية والحائز على جائزة نوبل, عندما زار دول الخليج، وبعض الدول العربية كلاما كبيرا ومهما ( لا يمكنني العمل هنا ، ولو أني بقيت هنا لِما وصلت الى جائزة نوبل لأن البنيّة التحتية للمجال الذي تخصصت به ووصلت لجائزة نوبل غير موجودة في منطقتنا، وشكر الشيخ زايد بن نهيان رحمه الله حينها على دعوته وعرض الإقامة والعمل في الأمارات وعاد من حيث أتى) لذا فأن السياسة التي تُبشّرين بها يا سيدة هيوز عقيمة، فالدول فيها شعوب وبالملايين، لذا لن يغير القائد المدرب عندكم شيئا، عندما تسلّموه الحكم في الدولة سين أو الدولة صاد، بل سيكون معزولا وسوف يتحول الى ديكتاتور من خلال إستعمال السوط والتعذيب والقمع كي ينفذ ما يريد.
لهذا فالحل عندكم هو أن تأخذوا من كل عائلة عربية ومسلمة وغيرها في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية فردا ( شخصا) كي تدربوه ليكون هو المبشّر والقائد الذي تريدون تدريبه على مقاساتكم، فيعود كي يثقف عائلته بما تعلّم منكم والعملية تشبه عملية ( الإستنساخ) ولكن هو إستنساخ فكري وثقافي ، وهذا مستحيل وغير وارد، ويحتاج الى ميزانيات دول العالم كلها كي يكون على أرض الواقع ، فيا إخوتي بالإنسانية وأينما كنتم أن القضية معقدة لأنها تفتقد للأسس والأدوات والحيز الملائم ، وإن قالت لنا السيدة هيوز نحن مستمرون بنشر الثقافة من خلال وسائل الإعلام ، ومنظمات المجتمع المدني ،ومنظمات حقوق الإنسان والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وهذا صحيح، ولكن سلبياته أكثر من إيجابياته.
فلتسمح لي السيدة هيوز أن أطالبها ببحث ميداني عن النتائج الإيجابية التي حققتها هذه التسميات والمؤسسات والمشاريع، فسوف أجزم أن ضررها أكثر من نفعها، لأن أغلبها كان سببا بإتساع النقد والكراهية صوب الولايات المتحدة، ولكون معظم هذه المؤسسات والتسميات تحولت الى ديكتاتوريات ومقاطعات مالية وسياسية وجهوية، ناهيك عن الفساد الإداري والأخلاقي التي نخر وينخر بها، وأن المواطن لا يجد إلا تعليقا واحدا وبطريقة الإستهزاء وهو ( هذه المؤسسات الأميركية التي يريدونها أن تعلمنا وتثقفنا ففيها اللص فلان، والمنحرفة فلانه، وفيها الجلاد السابق في نظام فلان، وفيها الإنتهازي والسمسار للحاكم الفلاني، وفيها الحزب الإنتهازي كذا وفيه الحركة العلمانية كذا .... وهكذا)!! ولكن هذا لا يعني خلو هذه المؤسسات والمشاريع من الشرفاء والصادقين والعاملين بجد، ولكنهم ضحية المافيات والحيتان التي تتاجر بالكلام المعسول معكم، مثلما تاجرت مع غيركم في السابق.
لذا فأن معظم مؤسساتكم التي صرفتم عليها الملايين أصبحت غولا بوجه المواطن العربي والمسلم، وحتى المواطن من جغرافيات أخرى ،فبدل أن يكون العامل والباحث والكاتب والحقوقي والسياسي فيها نزيها مبشرا بالقيم الإنسانية يتحول الى متسابق يتسابق مع السياسي الفاسد، ومع الموظف والمسؤول الفاسد من أجل الكسب المالي، وإتساع النفوذ ،والسبب لأن مجتمعاتنا لا تمتلك خلفية أو قاعدة ذهنية صحيحة وسليمة ونقيّة عن العمل المنظماتي والحقوقي والإنساني والإغاثي ،وإن وجدت عند المتدربين فهي مساحة ضئيلة مقابل المساحة الديكتاتورية والإستحواذية والإقصائية المعشعشة في ذهن هذا المتدرب وغير المتدرب، خصوصا وهو إبن هذه البيئة التي عشعشت بها الديكتاتورية، وعشعش بها الظلم وإتباع سياسةالإحتقار من قبل الحاكمين والمتسلطين.
إن معظم مشاريعكم الإعلامية والفكرية والصحفية في منطقتنا إقصائية وديكتاتورية يا سيدة هيوز !!
وقالت السيدة ( هيوز) أن الولايات المتحدة تبغي الى نشر خطط جديدة لتعزيز التبادل الثقافي والفني وسكتت، فأين التبادل الحضاري وحوار الأديان، واللذان هما لب المشكلة والخلاف، واللذان لهما علاقة بالفكر والتنمية يا سيدتي؟
فالتبادل لا يجدي من خلال ترجمتكم لأغنية من أغاني الفنان المصري عمرو دياب، ومن خلال إستضافتكم للفنانة هيفاء وهبي والتي تريدونها ورغما عنّا أن تكون قدوتنا ، وبإعلان لمدة دقيقتين في شبكة الـ ( CNN )، وإجبار الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية التي تغذيها وكالة التنمية الأميركية على نشر الصور المثيرة للغريزة، ونقل الأخبار التي ترفضها مجتمعاتنا مثل أخبار المثيليين في أميركا والعالم.
أن هذه المؤسسات والتي يُفترض أن تكون عظيمة تحولت الى واجهة للوجوه المستهلكة حزبيا وسياسيا وحكوميا وصحفيا وأخلاقيا في منطقتنا، ولقد كانت طروحات أصحاب هذه الوجوه عقيمة ،وكالعجوز الشمطاء عندما تتصابى وتقدم نفسها بفساتين جيل اليوم كي نقبلها عشيقة وزوجة ورفيقه، وتحضر جميع الأمسيات وهكذا فإن ( معظم) الذين فرضتهم هذه المؤسسات وهذه الصحف وهذه الفضائيات وهذه المواقع الألكترونية التي تموّل من وكالة التنمية الأميركية والدوائر الأخرى، فبدلا من كسب الناس شحنوا الناس ضد الولايات المتحدة، ومن خلال طروحاتهم البالية، والتي لا تنفع معها الرتوش فهي أفكار وطروحات مريضة وإقصائية بنسبة كبيرة للفكر والطرح والرأي الآخر.
إن التبادل الثقافي محدود، وضمن نمط واحد وما تريدونه أنتم، فلو أحصينا أنا وأنت المدعويين والمحاضرين والمعقبين وفي جميع المؤتمرات والندوات التي تحدث في المنطقة، والتي أغلبها من ترتيب جماعاتكم، فسنجد أن نسبة 90% من الحاضرين وبشكل دائم ودوري في هذه المؤتمرات الثقافية والحوارية من المطبلين لما تريدون أنتم، وهذا بحد ذاته يزيل غشاء براءة الحوار الثقافي الذي تتحدثون عنه ،لأن الحوار الصحيح هو دعوة من تختلفون معهم وليست دعوة من تصرفون عليهم، وعلى مؤسساتهم وصحفهم وقنواتهم الفضائية ومواقعهم الإلكترونية، لذا وبهذه المناسبة ننصحكم نصيحة لوجه الله وهي ( لا تحاولوا إستغباء الشعوب، وخصوصا في منطقتنا العربية لأنها شعوب حرة وتفهم وتقرأ وتتابع وتحلل جيدا ....!)
وتقول السيدة هيوز أيضا ( أن مشاريعنا تشجع حرية التعبير التي تشكل شريان حياة الفنون وتذكير جماهير المشاهدين والمستمعين والقراء في جميع أنحاء العالم بأننا نشارك في إنسانية واحدة رغم الإختلافات في اللغة أو الثقافة أو السياسة)..
نعم فنحن نشاركك الرأي، فأن حرية التعبير مهمة جدا، ويجب أن تترسخ أكثر وأكثر، ولكن ليس من خلال الشتيمة والتسقيط بحق من يخالفكم ويخالف سياساتكم ويدافع عن وطنه ومبدأه ودينه وهويته الثقافية، لأن الشتيمة أصبحت هوية الكثير من المؤسسات والصحف والمواقع الألكترونية التي تمولها مؤسسة التنمية الأميركية، مما سبب كراهية وحقدا عند الكثيرين وضد الولايات المتحدة لأنها تدعم وتمول هؤلاء ومشاريعهم، لذا فالحل من خلال ثورة تصحيحية تعتمد على فضح الفاشلين والحيتان والفاسدين، وطردهم إن رغبتم بتحسين صورة بلدكم، وتشجيع الحوارات الحقيقية وبجميع الميادين، أي من خلال إتباع سياسة الإنفتاح على المعارضين والمعتدلين والمحايدين.
فلو صارحتك أنا كاتب المقال، فربما ستقولين أنني أكذب، أو أنني أبحث عن شهرة، ولكن هذه الحقيقة، ويشهد الله على قولي(( لقد أعتذرت بعض الفضائيات وبعض الصحف والمواقع الكترونية العربية التي تمولونها أنتم أو الحكومات الصديقة لكم في المنطقة من نشر مقالاتي ودراساتي وحتى إستضافتي ، والأخرى تحاول التأثير على الصحف و المواقع التي تنشر لي أو تلتقي بي ومن خلال نشر روايات التسقيط والشتم والتهميش من أجل فرض الحصار ضدي وضد من هم أمثالي، والسبب لأن هؤلاء لهم رأي آخر ، و لأنني أيضا لي رأي آخر و لا أوافق على بعض سياسات الولايات المتحدة، ولأنني أدافع عن هويتي وعروبتي وديني وحضارتي ووطني وشعبي بصوت مسموع وقوي وهذا حقي، علما أني أرفض وأحارب الإرهاب وبجميع ألوانه وأشكاله، وأرفض جميع أنواع التطرف، وأرفض هيمنة رجال الدين والفاسدين والمتطرفين على الحكم والمؤسسات الثقافية والفكرية، ولقد صدرت ضدي فتاوى بقتلي من بعض المنظمات المتطرفة .... فماذا تسمين هذا يا سيدة هيوز؟ ألم يكن هذا إقصاء وحصار ومحاربة للرأي الأخر؟ ..علما أنا واحد من مئات بل آلاف من الصحفيين والكتاب والمحللين المحاصرين من قبل جماعاتكم وأصدقائكم ،ومن قبل مؤسساتكم و بشكل مباشر))....
فالمشاركة الإنسانية لا تأتي من خلال دعم المغمورين والمحجمين والمأزومين ليكونوا قادة على المجتمع، وينضَُرّون بالفكر والثقافة، ففاقد الشيء لا يعطيه يا سيدتي، والمشاركة الإنسانية ليست من خلال دعم بائع الخيار ليكون رئيس تحرير لمجلة ، وليست من خلال دعم رجل دين مزيف , من أجل أن يكون رئيسا لمؤسسة فكرية عملاقة ولأن على رأسه عمامة وبأصابعه خواتم ، وليست من خلال دعم المشعوذ والفوّال والضابط المطرود لأسباب أخلاقية ليكون مديرا لموقع إلكتروني، فأن عملية التأهيل يجب أن تكون للمناضلين في مجال الكلمة والسياسة ومن أجل الشعوب والتنوير والحرية ، ويجب أن تكون للمهمشين من قبل الأنظمة الديكتاتورية وهم يحملون الشهادات والتجارب السياسية والفكرية ويحملون العلم والفقه والأدب والبلاغة والمنطق والتفكير السليم، فأنتم بهذه السياسة والتي من خلالها تدعمون هذه الشرائح المأزومة تصبحون كالشخص الذي يترك الطعام اللذيذ والصحي ليتناول علبة سردين تجاوزت تاريخ نفاذها وصلاحيتها....
إن المشاركة الإنسانية تأتي من خلال الميدان والإحتكاك ومعرفة النيات الطيبة، فالمشاركة الإنسانية لا تأتي من الحوار عن بعد أو من خلال مبعوثين أو معتمدين سيئيين ، بل تأتي عندما تعترف بإنسانيتي مهما كان لوني وخلفيتي الدينية والعرقية والجغرافية، وتأتي المشاركة الإنسانية عندما تعترف بحضارتي وتاريخي وثقافتي وديني كي أعترف ــ ورغما عني ــ بحضارتك وتاريخك وثقافتك ودينك، فكيف ونحن شعوب تؤمن بالحوار فطريا ،لأن ديننا الإسلامي يأمر بالحوار والجنح نحو السلام...
فنعم أنا معك، لو فكرنا نحن جميعا ومهما كانت ألواننا وأسمائنا ووظائفنا بأننا من أب واحد وهو ( سيدنا آدم) عليه السلام ،ومن أم واحدة وهي ( حواء ) وأنتم تسمونها ( أيفا) سوف ننسى جميع الفروع التي زرعت الخلافات بيننا ، لو فكرنا معا ومهما كنا , إذ أن بدايتنا نطفة تبقى مؤمنة في رحم لمدة تسعة أشهر ثم تنطلق لتكون إنسانا يحمل ميلادا وهوية فيكبر ليرسم الخط البياني ثم يعود الى القبر حيث التراب، فهل عندك خطا بيانيا غير هذا يا سيدة هيوز؟
الجواب: كلا .. وبدون شك ، إذن ما يربطنا بكم أكبر وأكثر من الذي يفرقنا معكم، خصوصا لو أننا تناقشنا إنسانيا في بادىء الأمر، فالقضية ليست بعدد التأشيرات الممنوحة للمسلمين أو للعرب، فأنت تقولين بإفتخار ( لقد تم إصدار رقم قياسي من تأشيرات الدخول للطلبة وزوار برامج التبادل في العام 2007 حيث بلغ العدد 591 ألف تأشيرة) فنحن نعتقد أنها ضئيلة جدا، وربما البرازيل والمكسيك منحت أكثر منها أو تقترب منها، ولو جئنا الى شرق آسيا ربما منحت أضعاف هذا العدد ،وهي لا تحمل مشروعا للمنطقة وللشعوب، فكيف لو فكرت بمشروع للمنطقة مثلكم!!!!!!!!!!!.
برنامجك ( حوار المواطنين) لا يجدي نفعا كونه لا يحاور المواطنين في الشارع والمؤسسات والحارات
أما موضوع الإحتكاك مع الناس من قبل الدبلوماسيين الأميركيين والذي نوهت عنه السيد هيوز ،فهذا عمل جبار ورائع،وخصوصا عندما يكون الدبلوماسي عارفا وبارعا باللغة العربية، أمثال السفير الأميركي الحالي في القاهرة، وسفير الرئيس بيل كلينتون للمعارضة العراقية في الخارج سابقا السيد ( ريتشارد دوني) فالرجل حلقة جيدة، ويتمتع بروح النكتة والتواضع والذكاء ، إضافة الى هذا فإنه يتمتع بفن المجاملة مع الإنسان العربي، فلقد قالت السيدة هيوز بشهادتها أمام مجلس النواب ( إطلاق العنان للسفراء والدبلوماسيين المحترفين للتعاطي مباشرة مع الجماهير الأجنبية) وهناك أيضا القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في صنعاء وهو السيد ( خوري) هو الآخر يتكلم العربية، ويتمتع بعلاقات واسعة مع الإعلاميين والمثقفين العرب، ويجيد الإحتكاك بالشارع العربي، ويضاف لهم السفير الأميركي الجديد في العراق السيد ( كروكر) هو الأخر خبيرا باللغة العربية، ويجيد الإحتكاك بالناس وبجميع الطبقات السياسية والإجتماعية، وهناك أعدادا أخرى منهم، ونحن نتمنى المزيد منهم لأنهم يسهلّون الحوار مع كافة الشرائح الإجتماعية والفكرية.
أما عن برنامج ( حوار المواطنين) الذي تحدثت عنه السيدة هيوز فقالت عنه ( هو برنامج يتم بموجبه إرسال مسلمين أميركيين كمواطنين مبعوثين الى البلدان الأخرى مثل الأردن وباكستان والهند والدنمارك ومصر، وضمت المجموعة التي أرسلت الى ماليزيا أخيرا إماما أميركيا ظهر في إحدى أبرز البرامج الصباحية التلفزيونية في ماليزيا).
..فأرجو أن تسمح لي السيدة هيوز بمناقشة هذا البرنامج ومن أكثر من زاوية ، لإنه بالتأكيد أن هؤلاء ذهبوا ليستقبلوا من قبل مؤسسات الدول الحاكمة، وهنا أول فتيل لنسف المهمة، لأنه لا يوجد نظام عربي واحد مرضي عليه ،أما في الدول الأخرى التي فيها جاليات إسلامية، فهناك نسبة من عدم الرضا بين المسلمين في الدول الأوربية ضد إدارات المجالس والمؤسسات الإسلامية و تفوق نسبة 70% لأن معظمها في طور الديكتاتورية والتكلس والنفعية، أي لو مسكت يدك وذهبنا لعمل إحصائي وإستفتائي من النرويج نزولا الى السويد الى الدنمارك الى ألمانيا الى سويسرا الى النمسا الى المجر الى فرنسا الى هولندا الى بلجيكا الى الدول الأخرى سنجد أن القيادات الإسلامية لا تختلف عن القيادات العربية من ناحية التشبث بالكرسي والدفاع عنه حتى الموت، وسنجد مافيات عجيبة غريبة، ناهيك عن الإمبراطوريات المالية والسياسية والنفعية، ورسم العلاقات مع الأنظمة الديكتاتورية والمتطرفة في المنطقة، وعلى حساب الجاليات الإسلامية والعربية، ومن وراء ظهرها وإستغلالا للمنصب والذي يجب أن يكون دوريا ومن خلال الإنتخابات الحرة، ولكن هذا غير موجود لأنه إستنساخ حكومي من الدول العربية.
أما الفساد الإداري والديني فحدث ولا حرج ( ولكن هذا لا يعني أن نسبة الشرفاء والمفكرين والمثقفين والمتدينيين غائبة فهي موجودة، ولكن محجّمة ومحاصرة ومحاربة من قبل الفئات الأولى) وبالتأكيد أن مبعوثيكم سوف يتعاملون مع هؤلاء لأنهم في الواجهة ومثلما تتعامل معهم الدول المضيفة والزائرة، لذا فهم يأتون ويعودون ولن يجنون غير أخذ الصور وتسجيل الجلسات البرستيجيّة.
فحوار المواطنين لا يتم بهذه الطريقة، بل يتم من خلال الحوارات الجامعية داخل بلداننا وبلدكم ، والحوارات الدينية من خلال تشجيع حوار الحضارات والأديان وإخراجه من الصالات والفنادق الراقية نحو الشارع والفضاء الخارجي،أي نحو المراكز الثقافية والمساجد والجامعات والحارات والتجمعات.
ولا أدري كيف أن هذا البرامج يكون مشابها الى برنامج ( القضاء على الرق في القرن التاسع عشر حسب قول السيدة هيوز) وكيف يكون هذا البرنامج مساعدا في ( نزع الشرعية عن الإرهاب حسب قول السيدة هيوز أيضا) فالبرنامج الذي قضى على الرق كان برنامجا إنسانيا ساميا، أما برنامج نزع الشرعية عن ما يسمى بالإرهاب فهو برنامجا سياسيا بحتا، لهذا فالبرنامج الذي يأتي ساميا ومن أجل البشرية وسعادتها فهو مرغوب فيه والكل معه ، فعندما جاءت الولايات المتحدة وأخذت اللاجئين الهائمين بالوديان والصحارى في بعض الدول، ونتيجة الفيضانات أو الحروب الداخلية أو نتيجة الكوارث البيئية فكانت أعمال عملاقة، ونالت التقدير والإحترام، وهكذا عندما تساعد الولايات المتحدة الشعوب والدول المنكوبة فهو عمل رائع أيضا ،ولكن عندما تتحرك الولايات المتحدة وتطارد ما يسمى بالإرهاب وتحشرنا رغم أنفنا كعرب وكمسلمين وكشعوب ودول في إتون هذا الإسم ،وهذا الوباء وهذا الخطر فالقضية غير جائزة وتحتاج لمزيد من النقاش والحوار، خصوصا وأن الإرهاب ليس له وطن، وكذلك ليست له جغرافية.
فبالأمس القريب حدثت مجزرة رهيبة بحق الطلاب الأبرياء في جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة ،فهل كان المجرم عربيا أو مسلما؟ : الجواب: كلا .. وهل أن الكوريين إرهابيين؟..فالجواب: كلا أيضا.
لهذا فالإرهاب ليس من الإسلام، فالإسلام دين يدين القتل والإرهاب والعنف، ويدين جميع أنواع الأذى بحق الإنسان والمجتمعات والدول ،فكيف يكون الإسلام خطرا مخيفا، فمن الخطأ الشنيع أن تضعون الإسلام مكان الشيوعية وتقررون ضده الحرب الباردة، فالواجب عليكم وعلينا معرفة أسباب الإرهاب ودون مجاملة أو مواربة، وعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها لنعرف كيف نشأ الإرهاب والعنف،وكيف ترعرع وأين ومن هم الذين دعموا وغذوا الإرهاب سواء كانوا دولا أو أحزابا أو قادة أو حكام، لذا لابد من تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، ولا يجوز اللف والدوران حول الحقيقة وتغطيتها بجذوع وأغصان الأشجار اليابسة.
فلا أعتقد أنكم ستوافقون على ذلك، لأنكم تتحملون جزء كبير من المسؤولية، لهذا فالتواضع والوضوح وإحترام الناس والشعوب هي الرافعة التي تنقذكم وتنقذنا معكم أيضا،خصوصا بعد أن أصبحت الرصاصة لا تفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي، وبين عراقي وأميركي، وبين غربي وعربي وإسلامي، فالعالم أصبح مخيّم واحد أو خيمة واحدة فعند إحتراق أي جزء منها سيؤذينا جميعا ،وسندفع الثمن جميعا ،وأن عملية إطفاء الحريق في الخيمة ليست بالضرورة من خلال تمزيق الخيمة، أو من خلال تكسير أعمدتها، بل من خلال حصار الحريق في بقعة معينة ،ومن خلال التعاون مع جميع الذين هم في الخيمة، فالحريق جار ومستمر فلسنا أمام البحث عن المتهم بيننا ،بل يجب إيقاف الحريق أولا ثم دراسة الأسباب، وليس الهروب من الخيمة الى أخرى بإنتظار وصول اللهب وهكذا وبعدها يحترق جميع المخيّم، لذا فبما أن الإرهاب داء حديث فيجب علينا البحث عن التشخيص، لأن التشخيص نصف العلاج ، لذا علينا معرفة أسباب الإرهاب ومديات خطورته كي نضع العلاجات تماشيا مع قوة الداء.
مناقشة (دبلوماسية الأفعال) التي أكدّت عليها السيدة هيوز في شهادتها
لقد حدّدت السيدة كارين هيوز ومن خلال شهادتها أمام مجلس النواب الدبلوماسية الأميركية الجديدة، والتي قالت أنها تركز على ( دبلوماسية الأفعال) ، وهي دبلوماسية فعالة من وجهة نظر السيدة هيوز، وهي الدبلوماسية التي تعمل الولايات المتحدة من خلالها لتوفير مزيد من البرامج التعليمية بكل أنواعها من ( تعليم النساء والقراءة والكتابة ، والشباب ، والتحدث بالإنجليزية) فلا بأس إن كانت هذه الدبلوماسية بالتوافق مع المجتمعات والشعوب ومؤسساتها الثقافية والإجتماعية والفكرية، كي توضع لأجلها إستراتيجية مشتركة من أجل أن لا تتحول الى عنصر فراق وتفريق وعداء، ولكن للأسف الشديد أن ما نراه عكس ذلك تماما، وهي دبلوماسية وبرامج تعليمية على طريقة الإقطاعي أيام زمان، عندما كان الآمر الناهي بالأرض ومن يعمل بها، فالأمر مختلف الآن وأن المنطق لا يجيز للولايات المتحدة أن تدخل الدول خلسة ومن دون إذن من حكّامها ( وإن كانوا من الديكتاتوريين) ومن شعوبها ومؤسساتها الفكرية والثقافية والدينية لتمارس نشاطها في الدول وبين الشعوب، فهذا نوع من الغزو وليس عملا دبلوماسيا، لأن الغزو يفرض برامجه و مفرداته بالقوة، أما الدبلوماسية فتفرض برامجها بالحوار والنقاش... اليس كذلك ؟.
وتقول السيدة هيوز ( أن تلك الدبلوماسية تعمل أيضا على عزل وتهميش من أسمتهم بالمتطرفين من خلال إسقاط المصداقية عن محاولاتهم تصوير الأمر على أنه نزاع بين الولايات المتحدة والإسلام)،
إسمحي لي أن أقول لك عكس هذا تماما، فالدبلوماسية ( دبلوماسية الأفعال) إن جاءت بعلم الناس ورغبتهم فهي محمودة وستدافع عنها الشعوب ويدافع عنها الناس لأنها إختيارهم وجاءت بعلمهم ، أما الدبلوماسية التي من وراء ظهرهم، ومن خلال التفاهم مع مجموعات مأزومة وأنتهازية وديكتاتورية ومرفوضه من الشعوب فسوف يقابلها رد فعل عنيف، وله أشكال مختلفة ،ولهذا من السهل إقتناصها من قبل المتطرفين والإقصائيين خصوصا وأنهم لديهم الخبرة باللعب على عواطف الناس دينيا ووطنيا ،وبالتالي تكون رصيدا وقوة لهم، والسبب لأن الولايات المتحدة جاءت من الشباك أو من باب الحديقة الخلفي، ولم تأت من الباب الرئيسي.
أما قول السيدة هيوز ( أن برامج المواطنين المتبادلة من بين أنجع أدوات الدبلوماسية العامة) وهذا كلام سليم في الظروف الإعتيادية، ولكننا لا نعتقد أن الرقم 591 ألف تأشيرة مناسبا مع دولة مثل الولايات المتحدة، فيفترض أن تكون هناك ملايين التأشيرات ودون أن يهان المواطن هناك حيث مطارادتكم ودوائركم نتيجة لون شعره وبشرته، وطول ذقنه ومسبحته، ونوع سجادته وخاتم إصبعه، وإسمه العربي والدولة التي أتى منها، ولا أعتقد أن هناك أميركيا واحدا ينكر هذا ولدينا آلاف الشهادات المنشورة وغير المنشورة على ذلك.
فالعربي والمسلم متهم من قبل دوائركم كونه مسلما وعربيا وهذه الحقيقة، ولن يكون هناك تعاونا إيجابيا ان لم تتغير هذه السياسة، ومن الألف الى الياء، فلو درستم الإسلام جيدا لعرفتم أنه دين حضاري وإجتماعي وإنساني، وهنا لست بصدد كسبك للإسلام بقدر ما هي دعوة للقراءة حول الإسلام ، ومن خلال دراسات وكتب إسلامية حقيقية، وليست كتب ودراسات شياطين الإسلام والذين شوهوا الإسلام والمسلمين والعرب، وقذفوا إنسانية الآخرين بالتهم والخزعبلات علما أنها مقدسة، خصوصا وأن الله حاشى أن يخلق النجاسة، لذا فالنجاسة بالأفعال وليست مقتصرة على مسلم أو مسيحي أو يهودي أو بوذي، فهناك المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي نجسين بأفعالهم عندما يفتي بقتل وتكفير وإقصاء الناس، وعندما يؤمن بالحلول الدموية والإقصائية، فهذا مجرم ومهما كان نوع دينة وجنسيته ويجب محاربته لأنه عدو الإنسان والذي هو خليفة الله في الأرض.
فالإسلام لا يقبل بهذا ،ولقد جاء بالقرآن المجيد نصا واضحا عندما قال الله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (المائدة 32) وقوله تعالى ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93).
لهذا فكم نحن بحاجة للحوار، وبشرط أن يكون المحاور من قبلكم ليس في فكره ومخيلته صورة سلبية عني وعن غيري وعن المسلم والعربي، لأن في حالة وجودها سوف ينسف الحوار من أصله ، لذا فمن الأفضل أن يتم الحوار على أسس إنسانية أولا، حيث نحن بشر وإخوة وأبونا آدم وأمنا حواء، وولدنا بطريقة متشابهة وأن إسمنا واحد ومشترك وهو عبد الله أو عبيد الله ، وسوف نموت وندفن بطريقة متشابهة، فبهذا نجسر الفجوات ذهنيا وقبل الشروع بالحوار وهو عنصر حميد إن شاء الله.
كاتب ومحلل سياسي
مركز الشرق للبحوث والدراسات
24/4/2007