فرص عمل لحكومة عاطلة
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 23 مايو 2012 05:50 م

استفزني كثيراً تصريح رئيس الجمهورية في لقاء مع مسئولة في البنك الدولي قال فيه "المسألة الاقتصادية تمثل 70% من المشكلة اليمنية عامةً" وقلت في نفسي "مادام الرئيس يعلم بهذا فلماذا لم يفعل شيئاً البتة تجاه 70% من المشكلة اليمنية" وقررت حينها القيام بالواجب الأصلي للصحفي في تبصرة من غفل بما يفعل. فرغم وقوع الرئيس السابق في الخطأ الأكبر المتمثل في عدم تقديمه أي إصلاح عملي لكسب تأييد الفقراء لاحباط ثورة الجياع واكتفائه بالاستجداء السياسي مع المشترك، لا يزال كافة الساسة والحكام الجدد اليوم منغمسون في ذات السياسة مديرين ظهورهم تماماً عن الوفاء باحتياجات ومطالب أولئك الفقراء الذين ثاروا وصبروا أمام البارود والغلاء وشح الخدمات وأفشلوا أجندات اشعال الحرب، من أجل أن يضعوهم على رأس السلطة.

وبعد خمسة أشهر من الحكم، لم يقدم حكام اليوم أي جهد لدفع التنمية والفقراء كما يفعلون مع السياسة، متحججين دوماً بغياب التمويلات أو "عاده بدري معانا سنتين قدام"، غير مدركين أن هناك عدة فرص للعمل الحقيقي والتزامات كبيرة ينبغي عليهم القيام بها دون أن تتطلب ميزانيات لتمويلها أو وقتاً طويلاً لأدائها.

لطالما كانت أحزاب المشترك المعارضة سابقاً تعزو فشل الحكومات السابقة في استيعاب تعهدات الممولين الى خلل في الهياكل الادارية والفنية ونقص الرؤية وقصور آليات العمل وبطء استخدام التمويلات لصالح التنمية، إلا انها ومع اقتراب اجتماع مانحي اليمن قريباً جداً لم تبذل أي تغيير يذكر إزاء عناصر الخلل تلك عدا ورقة عمل قصيرة تحكي الاحتياجات التنموية كمبرر للدعم.

لقد أظهرت نتائج دراسة أعدها مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن الحكومات السابقة استوعبت 5.6% فقط من إجمالي تمويلات المانحين البالغة 5.72 مليار دولار حتى منتصف 2009م. ومع توفر قروض للبلاد بمبلغ 1.5 مليار دولار حتى 31/3/2010م، لم يتجاوز معدل السحب الفعلي منها سوى 3.4% !

أمام هذه الأرقام المحرجة يتضح للجميع طبيعة مشكلة التنمية في البلاد. فتوفر التمويلات لا تعد مشكلة كبيرة بقدر غياب القدرة على إدارة مشاريع التنمية بشكل كفء وفاعل ووجود كثير من الفاسدين في مستويات قيادية في مؤسسات التنمية المختلفة ناهيكم عن أوجه انفاق تلك المصروفات الضئيلة وضعف أثر المشاريع المنفذة في تحسين حياة المجتمعات أو القطاعات الاقتصادية المستهدفة، وهي "فرص العمل" المنتظر منهم إصلاحها.

فلتعلم حكومة اليوم بشقيها أن الممولين لن يدفعوا الحد الأدنى الذي تتوقعه حكومة "بدأت تتـنظف" لكنها لم تقدم أي إثبات ولو مجرد وعد يقنعهم بقدرتها على تجاوز ما فشلت فيه سابقتها، فهي حتى اليوم لا تمتلك أية رؤية لمشاريعها ولا آلية كفؤة لتنفيذ المشاريع ولا سياسات تسير عليها ولا كادر نزيه وقادر على استخدام تلك السياسات والآليات للوصول الى تلك الرؤية. يشعر الجميع عدم قيام الوزارات الخدمية التنموية بممارسة أي أنشطة حتى الآن في وقت لا تمتلك فيه أي ميزانيات، لكن أليس الوقت الآن مناسباً لها أيضاً لأن تتولى إصلاح تلك العناصر استناداً إلى ورش عمل معدودة تضم خبراء محليين وأجانب أو إلى نتائج وتوصيات عشرات ورش العمل التي تمت مسبقاً دون تنفيذ، مع ضرورة تبني ومحاكاة تجارب عملية رائدة لمؤسسات تنموية ناجحة مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة.

من مميزات قيام الحكومة بتلك الإجراءات أنها لا تتطلب من الحكومة الالتزام بشروط الوفاق ولا ميزانية كبيرة ولا مشروعاً مستقلاً ولا وقتاً طويلاً، بل انه ينبغي على الحكومة سرعة تقديم الحلول المقترحة أعلاه أو غيرها أو تلك الحلول التي كانوا ينادون بها من قبل، كإجراء أولي وعاجل قابل للتطوير في الفترات القادمة.

للأسف، فما يزال هنالك تفاؤل رسمي وشعبي واسع حيال التفاعل للممولين مع اليمن في اجتماعاتهم لأصدقاء اليمن المقبلة مبرره الوحيد زوال رأس الفساد، لكن الممولين لن يقبلوا ذلك التبرير مقابل بقاء كل السلبيات الأخرى بسبب قلق الممولين من انتقاد دافعي الضرائب في بلدانهم لو أُسييء استخدام تمويلاتهم.

على ما يبدو، فالنظام السياسي الحالي لا يزال يستخدم طريقة سلفه في استغلال التهديدات الأمنية والاحتياجات التنموية من أجل جلب المساعدات الخارجية وتوظيفها لتحقيق أهداف سياسية بحتة. لكن ومن أجل جلب المساعدات، ينبغي على الحكومة القيام بأقدر من فن الممكن، في ظل شحة التمويلات، وذلك بتحفيز المانحين بقوة لجذب المساعدات. اليوم لسنا في موضع مناسب لاستقدام خبير تنموي كبير أمثال مهاتير محمد لأنه ببساطة لن يفعل لنا شيئاً مفيداً أكثر من تقديم خطة نظرية عظيمة وناجحة لتنمية البلاد، لكن نجاحها مرتبط بقوة بإجراءات شجاعة يجب على الحكومة الإقدام عليها وتتطلب حتماً كسر شروط وقواعد الوفاق من أجل أن تكون التنمية فوق كل شيء، فماليزيا لم يقفز بها مهاتير بمجرد خطط، بل بجعل الإمكانات والسياسة خادماً مخلصاً للتنمية.