القرارات الهادئة جداً وحكومة الترقيع الوطني ..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 23 يوماً
الثلاثاء 01 مايو 2012 05:26 م

ما أشبه حال السياسة اليمنية بمريض يحتضر على فراش الموت بعدما اصابته الجراح وسهام الغدر وعبث العابثين وتسلق المتسلقين و كيد الحاقدين على وطن جريح يئن من أقصاه الى أقصاه , وصار الوطن أشبه ما يكون بعالم مدينة أوكاندو الخيالية في الرواية النوبلية العالمية الشهيرة ’’ مائة عام من العزلة ’’ One Hundred Years of Solitude للمؤلف العالمي غابرييل غارسيا ماركيز , ربما تستمر أحداثها بواقعية اكثر في اليمن و تصور الصراع المرير بين المحافظين والأحرار على مدى عشرة عقود من الزمن لن تنفك من حكم العائلة بوينديا وتتوالى الشخصيات والأحداث في ذبح الوطن و ماعلى حكومة الوفاق الا الإسهاب في الترقيع الممل و إعطاء المسكنات والمهدئات لوطن جريح بحاجة لانتشاله من جميع الأمراض والعلل والنهوض به والتحليق به الى آفاق التطور والمدنية الحديثة , فهل نحن بحاجة الى مئة عام اخرى من العزلة الدولية , لتأتي ثورة وليدة قادمة من رحى المستقبل لتحرر الوطن وتنهض به مجددا , وتفك شفرة الوطن التي زادتها التدخلات الأجنبية والخارجية تعقيدا وتشابكا , وأصبحت اشبه ما تكون ب ’’ شفرة دافنشي’’  The Da Vinci Code المعقدة المثيرة المليئة بالالغاز والأسرار والخفايا والتي تستدعي مراجعة التأريخ لفك ألغازة التي طالت لعقود طويلة وتم اكتشافها مؤخرا .

وهذا حال اليمن دعوة للتأمل في التأريخ وسطر عناوين المستقبل برويّة وحكمة , والابتعاد عن الهروب السياسي وسياسة التركيع والتجويع والإخضاع لفئات الشعب المختلفة , وما حدث مؤخرا من قرارات هادئة هزيلة يعتبر مدعاة للسخرية والشماتة معا , فكانت ضمنيا في الأغلب قرارات ترقية سخية ومكافئات بمناصب مرموقة للقتلة والمجرمين وناهبي المال العام , وتعيين السفراء والقادة ممن ملفهم حافل بالقتل والإجرام في مراكز حساسة ومؤثرة في الدولة اليمنية , واتضح مؤخرا ان سيل القرارات المنتجة مصابه بداء العضال وشلل الأطفال المزمن وغير قادرة على التحرك بحرية والتنفيذ على ارض الواقع بجدارة , وإن نفذت بطريقه تفاوضية وتسويات سياسية فهي في اطار المكافئة السياسية البحتة , وكسب الرضا والإقناع بالتدوير الوظيفي ودمج عناصر النظام السابق في أطر سياسية مركزية وحساسة جدا , فإذا كان الرئيس السابق بحاجة الى عام كامل من الثورة والتضحيات والإقناع ليتنازل صوريا عن الحكم فكم سيحتاج أفراد عائلته وإمبراطوريته الحاكمة و العسكرية حتى تتنازل كليا عن الحكم بمحض إرادتها , وكم ستحتاج جدلا ان سلمت للقضاء والمحاكمة العادلة .

نحن نقف أمام معادلة صعبة جدا وما أشبة الليلة بالبارحة من التسويف والإرهاق والعبث الثوري والمماطلة الحاصلة في اجتثاث النظام كليا وتنفيذ الخيارات الشعبية والثورية , والقرارات الرئاسية المزعومة تلعب دور التخدير والتسكين الشعبي المؤقت لحين اشعار آخر , وتساهم تدريجيا في امتصاص الغضب والتذمر الشعبي بصورة دراماتيكية مخجلة , وتصور الامر للعالم ان هناك تغيرات ما تلوح في الأفق , وفي حقيقة الأمر ان هناك مؤامرة وتحايل كبير تدار في الخفاء على الوطن والانسان اليمني وتأريخه العظيم , فحتى اللحظة الراهنة كانت القرارات الهادئة هزيلة جدا , ولا ترقى لمستوى التغيير االجذري والمنشود , و تطبخ على نار هادئة في احدى غرف القصر الرئاسي في السبعين , وبعد طول انتظار وصبر يتم تقديمها للرأي العام بانها القرارات الحاسمة والجوهرية , وعلى ذات المنوال والسيناريو المتبع من التمرد والرفض والممانعة لتطبيق القرارات والتنازل وتسليم الألوية والوحدات العسكرية المرافقة لها , يتم التفاوض والمساومة والاستجداء والوساطات بصورة مهينة جدا , و يأتي مبعوث الامين العام للامم المتحدة جمال بن عمر ليكمل الدور الذي بدأه ليحدث التغييرات الدولية ويلوح بالعصا الدولية , ويتدخل سفراء الدول العشر وبعثة الاتحاد الأوروبي والتهديد بعقوبات قوية ضد المتمردين على قرارات الرئيس هادي , ولا ندري في اي بند تأتي هذه العقوبات الدولية هل في المحاكمة على الجرائم التي ارتكبت صراحة , ام في تجميد الأموال المنهوبة من خيرات الوطن والتي تعج بها البنوك الأوروبية ؟ وتكرر المشهد السياسي الدرامي التغييري اكثر من مرة .. قرارات ثم تمرد ثم تنازل ثم مكافئة سياسية باهضة الثمن , ناهيك عن الفترة الزمنية والمماطلة وكسب الوقت , وتبنّت هذه القرارات المزعومة استراتيجية الدوران في فلك العائله الحاكمة وعدم المس بجوهر وصلب التغيير و عدم الاقتراب من الساحات المقدسة للبلاط الحاكم , فكانت قرارات وهمية عن بعد غير صائبة ولا تصيب الهدف بإحكام , تدور في دوائر مغلقة ومخادعة للرأي العام , ولا تتم الا عن اتفاق مسبق بين أقطاب النظام وبعلم الرئيس السابق وموافقته ومباركته الشخصية , وصاحبت هذه القرارات الهادئة حملة ترقيع وتركيع وطنية كبرى قادتها حكومة الوفاق الوطني بصورة متوازية مع القرارات , وكانت الوسائل الاعلامية خير سلاح للترويج الاعلامي لهذ الحملة ومباركة القرارات بصورة مبالغ فيها , ومن سخرية الأقدار وعجائب الأزمان و قبل ان تصدر أية قرارات رئاسية بفترة تبدأ الصحف والمواقع الالكترونية المحسوبة على النظام بشقيه الموال والمعارض الترويج لهذه القرارات , وانها ستصدر قريبا قرارات حاسمة وقوية في اعادة هيكلة الجيش والتغييرات السياسية لمراكز ومواقع حساسة , وتستمر هذه الحملة الاعلامية والترويج المقيت , وينتظر المواطن كثيرا لتأتي بعد فترة وجيزة حزمة قرارات رئاسية هزيلة بتغيير قادة الوية او معسكرات او مدراء عموم ونوابهم و تضرب في صميم الخط السياسي الثاني او الثالث من التسلسل القيادي والوظيفي للنظام السابق دون الاقتراب من الصف الأول والقادة الفعليين , و غير قادرة على قطع الرأس و خطف جوهرة التغيير , وحالها كمن فسّر الماء بعد الجهد بالماء , وفي الوقت الذي كانت فيه هذه القرارات المضحكة تترنح على المشوار الوطني السياسي , كانت حكومة الوفاق حينها تلعب دور العجوز الذي لا حول له ولا قوة في تحريك البحر واصطياد اسماك القرش وحيتان النظام , كدور الشيخ المسن في رواية ’’ العجوز والبحر’’ The Old Man and the Sea الحائزة على جائزة نوبل للمؤلف العالمي إرنست همنجواي , حين اصبح سانتياغو عجوزا وشيخا كبيرا غير قادرا على اصطياد السمك في البحر , حتى وجد يوما ما سمكة قرش كبيرة فراح يصارعها ليظفر بها وبعد ايام انتصر وفي رحلة العودة يلقى اسماك القرش التي جذبتها رائحة الدم ليتصارع معها وفي النهاية تنتصر اسماك القرش ويبقى هيكلا عظميا فرجة للناظرين ومتعة للسائحين , فهل ستنتصر اسماك القرش الصغيرة وتتكاتف وتتعاون مجددا وتحكم السيطرة على الوطن وترهق حكومة الوفاق بعد سقوط السمكة الأم.

ما اشبه ما تقوم به حكومة الوفاق الوطني من سياسات و حلول ترقيعية بطيئة من انتهاج حقن الموت ’’ الحقن القاتل ’’ Lethal injection في القتل الرحيم وفي الانتحار للوطن , وما تتبعه من ’’ سياسة التجميل ’’ اشبه ما يكون بحقن البوتكس BOTOX التجميلية التي تؤدى الى الشلل التام و الموت المفاجئ , وتجر الوطن بأكمله الى النهاية المجهولة و المصير المظلم و الانتحار البطئ تحت طائلة سياسة العقاب الجماعي وتردي الأوضاع الخدمية والصحية والغذائية للمجتمع اليمني , فالأرقام الإحصائية المهولة الأخيرة والدراسات النهائية للأوضاع الكارثية اليمنية تكاد تضع اليمن في مقام الدول الفاشلة من تزايد الفقر والبطالة والمجاعة المستشرية وانتشار الأمراض والأوبئة في مختلف محافظات الجمهورية , حصيلة ناتجة للضعف والاحتضار السياسي , وانشغال الحكومة في سفاسف الأمور والبعيدة كل البعد عن معاناة المواطنين واحتياجاتهم الهامة , في ظل العبث السياسي الحاصل والتمرد المزعوم لأقطاب الاسرة الحاكمة والفوضي الأمنية في ابين والمحافظات الجنوبية الشرقية , وتآمر الخارج والجوار على الوطن اليمني والتلاعب بمصيرة ومستقبلة , ربما سياسة التجويع والتركيع المتبعه حاليا جعلت المواطن اليمني والرأي العام بعيدا كل البعد عن المسرح السياسي وتفاعلات الوطن والاسهام في متغيراته السياسية والوطنية , وهذا ما تريدة الفئات والنخب الحاكمة من الاستفراد بالقرار السياسي و الاستحواذ على منابع وخيرات الوطن وثرواته على حساب الشعب والأغلبية المكافحة , وحتى الآن كان الدور الوطني لحكومة الوفاق دورا سياسيا هزيلا جدا في لمس معانة الوطن واخراجه من عنق الزجاجة التي ساقته اليها , وتجلي ذلك واضحا في القرارات الأخيرة والأدوار الموسومة التي تلعبها حكومة الوفاق أشبه ما تكون بادوار عبثية استفزازية وخاسرة , من اعتمادات مالية هائلة لشيوخ القبائل ولبناء الجوامع ومشاريع وهمية وإقرار الجرعات السعرية العالية , والتصويت على قوانين عبثية لا تمس الوطن ومعاناته كما حصل مؤخرا من التصويت على قانون الإرهاب النووي ومخاطرة العالمية , بينما الشعب يرضخ تحت ديكتاتورية الحاكم وتفشي الجوع والأمراض حكومتنا الموقرة تناقش القضايا الدولية والعالمية وتبحث عن حلول ناجعه لها ياللعار , وهي الغير قادرة فعليا على انتشال الوطن من حضيض الاوضاع والسياسات المتردية التي أوصلتها إليه السياسات العاجزة والعابثة بمصير الوطن ككل .

وتداول مؤخرا عن تغييرات هيكلية قيادية قريبة في قيادة الحرس الجمهوري , وربما تأخر البت فيها لحين إيجاد مكانه مرموقة وعالية تليق بقائد الحرس الجمهوري وتسمو لمكانته وتحوز على رضاه , و ربما في حال عدم القدرة على تغيير الرأس سيحدث التغيير من القاعدة وإعادة هيكلة وغربلة الالولية وتدوير الدفة العسكرية والترسانة الحربية المرافقة لها , بحيث تتغير المسميات فحسب ويبقى الجوهر دون تغيير وتتحول الى ألوية عائلية لحماية الرئيس السابق مع الاحتفاظ بالقيادات والقواعد والكوادر المؤهلة والمدربة وهذا فعلا ما يتم الدعوة الية مؤخرا , ونستدل عليه من عمليات النهب الممنهجة للآليات العسكرية والعتاد الحربي من وحداتها واعادة دمجها او تهريبها الى مواقع وأماكن أخرى تحسبا لتغييرات مرتقبة تبدآ من القاعدة وتتسلسل الى قمة الهرم وتعيد من تكوينها الدفاعي بطريقة منظمة وخفية , فكما تم التزاوج سياسيا بين الحكومة السابقة والمعارضة للتتمخض عنها حكومة الوفاق الوطني , يتم الان بصورة مموهه وشبيهه التزاوج والاندماج العسكري والتغيير الشكلي وتصديره للرأي العام بأنه إعادة هيكلة وإقالة , لذا يبدو ان سياسة الاندماج وإعادة هيكلة الوطن بكافة مؤسساته الحكومية والعسكرية ليتناسب مع خيارات البقاء للنظام الحاكم , وتغيير المسميات بشقيها السياسي والعسكري والتلاعب بالمصطلحات بمكر و دهاء سياسي عال كان لها مفعول سحري قوي وفعّال جدا في قلب الطاولة الثورية و امتصاص الغضب الشعبي العارم .

وعليه ما نحن بحاجة اليه الآن هو صحوة ثورية كبرى , تعيد للثورة الشبابية وهجها وتألقها وسابق عهدها , تتبلور مجددا في إسقاط النظام الحاكم كليا , وهذا ما ساقته وجرته الإخفاقات السياسية المتكررة لحكومة الوفاق بالاتجاه الى صحوة ونهضة ثورية وشبابيه وشعبية عظمى , أيقنت مؤخرا ان إسقاط النظام كليا هو الهدف الأسمى و الحل الأنسب لمشاكل اليمن وأزماته المتفاقمة , وأن العودة الى أهداف الثورة المجيدة هو الخيار الأمثل والأفضل لفرض سيطرة الإرادة الشعبية والتغيير المنشود , الأمور ودون شعور وبفطره وطنية حية وصادقة تتجه الان في هذا الاتجاه في وجود بذور تكتلات شبابية واعية و تيارات شعبية انقاذية مستقلة تسلط الضوء على الساحة الوطنية وتحرك الطاقات الشبابية في هذا الاتجاة لتنقذ الوطن مما هو فيه قبل حين لا ينفع الندم , وما اتسمت به التحركات التوعوية و الثورية الأخيرة والتصعيد الثوري تصب في هذا الاتجاه السلمي والسليم , وطالما هناك وعي وأمل وتصميم و إرادة وعزيمة قاهرة فالتغيير قادم لا محالة .