الصحوة السلفية في اليمن وتحديات المرحلة القادمة
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 29 يوماً
الأربعاء 28 مارس - آذار 2012 04:23 م

ولدت ثورات الربيع العربي فولدت معها الكثير من المواهب, وبرزت خلالها الكثير من الابتكارات, وخلقت حراكاً ثقافي وسياسي واجتماعي في الأوساط الراكدة, وأصبح الناس يفكرون بعقليات التحرر والإبداع والإنتاج بدلاً من عقليات العبودية والجمود والرضاء بالأمر الواقع, وأصبحت الأفاق تتسع أمام أصحاب النظريات الضيقة والرؤى القصيرة, وماكان بالأمس محرماً أصبح اليوم جائزاُ, وماكان بدعة أصبح ضرورة, واقصد بالمحرم هنا الحزبية والبدعة الديمقراطية, بالفعل الأحداث تصنع المعجزات والحاجة أم الاختراع وهذا مايستند إليه السلفيون اليوم في اليمن.

لقد كان للثورة الشبابية الشعبية الكثير من الحسنات والعديد من الانجازات, ولازالت الثورة تشق طريقها نحو الغد المشرق والمستقبل الأفضل الذي يحقق الكرامة لليمنيين, ولو لم تكن من حسنات الثورة في اليمن انها أخرجت السلفيين من شرنقة السمع والطاعة للولي ولو كان ظالماً إلى المطالبة بالحرية والعدالة وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطرق عصرية تتواكب مع الحاضر وتقنياته لكان هذا كافياً , أما أن يخرج السلفيون لتأسيس حزب سياسي في اليمن فهذا انجاز كبير بكل المقاييس, وخطوة جبارة لها مابعدها من المواقف والانجازات.

لقد صنعت الثورة ثورة داخلية في المواقف والتصورات والوعي وحتى في المؤسسات, وولدت الكثير من الأحزاب التي يدل وجودها في أي بلد على مدنية ذلك المجتمع فكان حزب العدالة والبناء والربيع العربي وحزب الرشاد السلفي وهناك أحزاب في طريقها للدخول إلى ساحة المعترك السياسي.

ليس دخول المعترك السياسي بالعملية السهلة بل هي عملية صعبة, وإذا كان السلفيون قد انتهوا من حيث بدء الإخوان المسلمين – بحسب تعبير سيد قطب – فان أمامهم الكثير من التحديات التي يجب أن ينتبهوا لها جيداً, والدروس التي يجب ان يقرئوها جيداً وخصوصاً من تجارب ودورس حزب التجمع اليمني للإصلاح ذات المرجعية الدينية, وبحسب المثل الشعبي القائل " اكبر منك بيوم اعلم منك بسنة" فانه يجب أن يتعلم السلفيون من تجارب الإصلاح الذي يخوض المعترك السياسي بصفته الحزبية أكثر من إحدى عشر عاماً.

ويجب ان نشير الى أن البدايات الأولى للعمل السياسي بالنسبة للسلفيين قد بدء منذ تنظيم الملتقى السلفي الأول والذي انعقد في صنعاء في مايو 2009م، تحت عنوان "الوحدة اليمنية من وجهة نظر شرعية وواقعية".

كذلك الملتقى السلفي الثاني الذي انعقد العام الماضي في مايو2011 تحت شعار "نحو كيانٍ موحدٍ للدعوة السلفية في اليمن" والذي خرج بإشهار الكيان الجامع للمؤسسات الدعوية للسلفيين (الائتلاف السلفي اليمني) .

بعد انطلاق الثورة الشبابية الشعبية في شهر فبراير من العام الماضي فان هناك فرصة تاريخية أمام الإسلاميين بشكل عام و السلفيين بشكل خاص للتأسيس للإسلام المشارك الذي يصبح جزء من الدولة وليس عنصراً خارجاً عنها, كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي الذي اقتحم الدولة بالرغم من التواجد العلماني الكبير في كل جزء من أجزائها, واستطاع مؤخراً أن يحجم من الدور العلماني بشكل لم يكن متوقع من ذي قبل.

ومع ذلك فان اهناك الكثير من النقاط التي يجب ان يوليها السلفيون جل اهتمامهم والوقوف امامها واعادة النظر في بعضها وهي:-

- قدرة حزب الرشاد على بناء خطاب جامع يعبِّر عن آمال المواطنين اليمنيين في الكرامة الإنسانية وفي العدل الاجتماعي وفي الحرية السياسية, ومعرفة الخطاب المناسب الذي يستطيع من خلاله الحزب جذب اكبر عدداً من المواليين.

- قدرة الحزب على بناء خبراته السياسية الجديدة القائمة على الرشد والعقلانية والتوفيق باعتبار أن السياسة في النهاية هي العمل في إطار الممكن من ناحية وأخذ التناقض والتنوع في الاعتبار لتحويله لقوة سياسية واجتماعية, وهي تجربة جديدة على السلفيين ان يتكيفوا معها جيداً.

- قدرة الحزب على بناء تحالفاته داخل المجتمع وَفْق برامج الحد الأدنى التي تحقق للمجتمع قدراً من التماسك وتخفيف الاستقطاب داخله, وخصوصاً في ظل التنافس والاستقطاب الحاصلين من قبل جماعة الحوثي والقاعدة لفئات عريضة من الشباب اليمني, واستقطاب القاعدة لعديد من شباب أهل السنة خصوصاً, وهو مايجب أن ينتبه له الحزب الوليد جيداً.

- أخذ حزب الرشاد للعامل الخارجي في حسبانه وهو يتحرك على الساحة السياسية، ومن ثَمَّ فإن العامل الداخلي يجب النظر إليه في ضوء تأثير العامل الخارجي عليه, ومن العوامل الخارجية التي قد يجد الحزب نفسه مضطراً للتعامل منها العلاقات الإقليمية والدولية التي يسعى كل طرف فيها إلى خدمة مصالحه وأمنه القومي.

- التعامل مع السياسة باعتبارها تدبير أمور الناس وتحسين معاشهم وأخذ إدارة أمور حياتهم اليومية في الاعتبار؛ وأن ذلك سيكون مدخلاً مهمّاً لتعزيز ثقة الناس في الحزب من ناحية، كما سيكون السبيل نحو رغبة الناس للتحاكم إلى الشريعة.

- بناء مصادر القوة السياسية عبر التحالف مع الإسلاميين الآخرين وإن كانت هناك بعض الاختلافات ؛ فاليمن اليوم بحاجة إلى تحالف إسلامييها جميعاً في وجه الخطر الاثنى عشري القادم من إيران؛ وأن تكون هناك رؤية إسلامية موحدة بين تلك القوى ليـس في مواجهة المد الشيعي فقط وإنما في ما بعده؛ حيث تحتاج المرحلة لوحدة الصف والرؤية الإسلامية كسباً لثقة الناس التي يحظى بها الإسلاميون بكافة توجهاتهم وأطيافهم في اليمن.

- التركيز على البرامج التي تحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لليمن من منظور إسلامي، والتركيز على العمل الدعوي والتربوي للأخذ بيد الناس من قِبَل الدعاة إلى الخير تمهيداً وتهيئة وحرثاً يفتح الباب واسعاً لعودة الدولة الإسلامية التي تحكمها الشريعة الإسلامية.

- التحول من الرؤى البسيطة إلى الرؤى المركبة عبر البحث والدراسة ومن ثَمَّ فإن الحديث عن قوة للإسلاميين وقوة غيرهم يجب أن تكون محسوبة على أسس علمية وليست وصفية وكلامية أقرب لروح الاستهتار وعدم أخذ الأمر بجدية؛ فسياسة الدول غير سياسة الجماعات وتحمُّل مسؤوليات الملايين من الخلق غير تحمُّل مسؤوليات العشرات أو المئات المنتمين للجماعات.

- الأحزاب والجماعات هي وسائل لتحقيق الأهداف السياسية وليست غاية في ذاتها؛ ومن ثَمَّ فإنه لا ينبغي أن يكون الولاء والبراء قائماً على أساسها؛ فهي أشبه بخطوط وهمية للتعريف أو التمييز دون أن تكون تعبيراً عن تترس خلفها في مواجهة مبادئ إسلامية حاكمة مثل اختيار الأكفأ والوقوف خلف الأمناء من خارج تلك الأحزاب والجماعات.

ومع حداثة التجربة السلفية في اليمن الا ان الحزب قد يحقق نجاحاً ملحوظاً اذا ما اعتمد على سياسة التعاون والشراكة السياسية وخصوصاً مع الأحزاب ذات التوجهات المماثلة, وثمة عوائق قد تقف في طريق النجاح نستعرضها في عدد قادم أن شاء الله.