أفكار حول المساعدات الخارجية
بقلم/ أحمد بازرعه
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
الثلاثاء 07 فبراير-شباط 2012 08:14 م

إلحاقاً بالمقال السابق بعنوان " المساعدات الخارجية .. إلى أين؟" أحب في هذه الأسطر أن أتناول آليات عملية للإستفادة من المساعدات المختلفة.

فعلى سبيل المثال، إذا تلقت اليمن وعداً بمساعدة عينية )نفط أو محطة كهربائية أو قمح ... إلخ( أو مساعدة مالية، فالواجب التعامل معها وفق الآتي:

• ينشأ صندوق )كيان قانوني( يتملك أصول هذه المنحة وهناك تفاصيل كثيرة لإنشاء هذا الصندوق وأهدافه وآليات –عمله. ومسمى صندوق هو من باب تجسيد الفكرة ويمكن أن يكون مؤسسة أو هيئة أو ما شابه ذلك من الكيانات القانونية المناسبة مع علمي المسبق وجود حساسية عند البعض من فكرة "صندوق" بسبب بعض التجارب السلبية في السابق.

• يكو ن فريق عمل )مجلس إدارة لهذا الصندوق لا يتجاوز خمسة أشخاص( يتولى المسئولية الكاملة عن إكمال شروط

المنحة وتفاصيلها بما في ذلك الجوانب القانونية مع الجهة المانحة، وله أن يستعين بجهة أو جهات فنية واستشارية.

• تكون مسئولية إدارة الصندوق تنمية هذه المنحة بما في ذلك إستثمارها بالطرق المختلفة بحيث تنفق عوائد هذا

الإستثمار على المجالات المختلفة التي أنشيء من أجلها الصندوق، وهذا يعني أننا بصدد إنشاء عدد من هذه

الصناديق ... ربما كان بعضها متخصص في مجال عمل محدد.

• إستخدام الموارد المتاحة في الصندوق لتمويل مشاريع لها طابع الاستمرار ووفق خطط التنمية المختلفة. المستشفيات والجامعات والمعاهد والطرقات والموانئ والمطارات أمثلة جيدة لنوعية المشاريع التي يمكن أن تمول من صناديق المنح والمساعدات.

ضرب مثل عملي لما ذكر أعلاه ربما يقرب الصورة أكثر. فلو تصورنا أن هناك منحة نفطية تقدر بمليون برميل. فإن من الضروري أن يقوم الصندوق ببيع )والمتاجرة( بهذه الكمية بالأسعار السائدة وعائد هذه العملية يتم إستخدامه في مشروعات تنموية مختلفة وبما يتوافق مع أهداف الصندوق المحددة عند إنشاءه. ويجب أن تستثمر هذه الإيرادات أثناء فترة الإنتظار) المدة التي بين إستلام قيمة المنحة بعد بيعها وبين إستخدامها في المشاريع المختلفة( وذلك بأفضل الوسائل وبعقلية إستثمارية تجارية لتحقيق أكبر عائد من هذه المبالغ.

فتصور معي أخي القاريء الكريم لو أن ثلاثة مليون برميل منحة تلقتها اليمن في النصف الأول من عام 1122 )متوسط سعرها 211 دولار للبرميل( من دولة شقيقة لو طبقنا هذه الآلية لكان هذا الصندوق في رصيده 011 $ مليون دولار، ولو أضفنا منحة من القمح تقدر بخمسمائة ألف طن )متوسط سعر الطن 172 دولار( كانت هدية من دولة شقيقة أيضاً لأضافت إلى رصيد الصندوق مبلغ مائة وسبعة وثلاثون مليون دولار. كما أننا نسمع أن هناك منحة متوقعة من دولة شقيقة خمسمائة ألف طن من النفط وهي كمية كبيرة )الطن = 7.7 برميل( أي أننا ربما رفدنا هذا الصندوق المحظوظ بثلاثمائة وسبعون مليون دولار إضافية.

هذا الطريقة المحاسبية يجب أيضاً أن تنطبق على المنح الأخرى. فما ذً كر في نهاية الزيارة الرسمية لرئيس حكومة الوفاق الوطني والوفد المرافق له إلى بعض الدول الشقيقة من تقديم محطات إسعافية بقوة أربعمائة ميجاوات مثلاً يجب ألا يغيب عن بال حكومتنا الرشيدة أن تأخذ نفس المنهجية. فبعد تركيب هذه المحطات يجب أن يكون عائد هذه الطاقة بعد بيعها )وبيعها مضمون لأن هناك إحتياج وطلب شديد من قبل الأفراد أو المؤسسات( تورد العائدات إلى حساب الصندوق وسيرفد الصندوق بمبالغ هائلة لا يتسع المجال هناك للدخول في تفاصيل هذه العمليات الحسابية.

ماذا يمكن أن يصنع هذا الصندوق؟ أعتقد أن هناك الكثير من المشاريع التنموية المجمدة نستطيع أن نمولها من هذا الصندوق، فعلى سبيل المثال ما تزال الحاجة ماسة وبادية للعيان لإنشاء مركز متقدم لعلاج أمراض القلب ، كذلك مركز متقدم لعلاج أمراض السرطان. هذه الأمراض التي تحصد ارواح ألاف اليمنيين ربما أكثر من الحروب التي مرت على – مدى العقود الماضية. وهناك العشرات من المعاهد الفنية والتقنية تنتظر التنفيذ في المديريات المختلفة من وطننا الغالي، وهناك

الطرقات التي تحتاج إلى بناء والموانئ التي بحاجة إلى تحديث مثل المخاء والمكلا فضلاً عن بناء الموانيء الجديدة )نشطون في محافظة المهرة كمثال(. وللقاريء العزيز أن يضيف إلى هذه القائمة عدد من المشاريع.

نحن بالتأكيد بحاجة إلى إنشاء عدد من الصناديق المشابهه، ولا بأس أن تسمى بعض المشاريع أو حتى الصناديق بأسماء المانحين من باب الإعتراف بالجميل لاصحابه. وللقاريء الكريم حرية السؤال أين عائدات بعض المنح التي ذكرتها أعلاه..

ولن أخوض في ذاكرة المساعدات الخارجية في التاريخ اليمني، لأن ذاكرة الكاتب لا تستوعبها. لكن ما لا يصح بحال من الأحوال أن تستقبل اليمن مساعدات ومنح سواء مالية أو عينية كانت كبيرة أو صغيرة ولا يرى الناس أثرها. بل إن العقل والمنطق السوي لا يستسيغ أن تأتينا منحة قيمتها مئات الملايين من الدولارات ثم نحرقها في الهواء )مثل منحة النفط( ولا يلحق الصغير والكبير من خيرها شيء إلا ما ندر... ألا يتفق القاريء معي أننا بحاجة إلى تغيير منهجية التفكير والنظر في أمر المساعدات الخارجية؟

الله أعلم ..

وهو من وراء القصد.