البلطجي من العدين بكّر !!
بقلم/ صدام أبو عاصم
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 25 يوماً
الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2012 01:55 ص

سنغير رأينا حول براعة القاضي الحجري في احتواء أزمات محافظته، إب. ذلك أن الرجل الذي عرف عنه التعامل الايجابي مع كل الأحداث التي عاشتها المحافظة الخضراء، منذ بداية الربيع اليمني، لا يجب أن يصمت حيال مأساة دامية في العدين، ولاسيما أن فصولها الهمجية لازالت تتلاحق حتى اللحظة .

باستطاعة المحافظ الحجري أن يفتح نهائياً، طريق (العدين – إب) قبل التفكير في فتح ملف للتحقيق في قضية مقتل رجل ووالده بأسلحة شيخ نافذ لا يزال وبتواطىء من قبل مسئولين أمنيين في المديرية، محصن لدى أولاد الشيخ الباشا، وبالتحديد، جبران الباشا، رئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي للمحافظة .

تقول الرواية أن شيخ نافذ وبرفقته مسلحين، تلاسن صبيحة إحدى أيام الأسبوع الفائت، مع أحد المواطنين الذين يرعون قطعة أرض تابعة له، في قرية قريبة من مدينة العدين، قبل أن يطلق عليه الرصاص الحي ليرديه قتيلاً، وبينما هم الابن الذي رأى والده قتيلاً بعمل أي شيء، وجد نفسه هو الآخر، مقتولاً بجانب والده وبرصاص أحد مرافقي الشيخ النافذ أيضاً .

الغريب في الأمر، أن هؤلاء لم يسلموا للسلطات الأمنية لاتخاذ إجراءاتها اللازمة في جريمة قتل متعمد.. إذ تؤكد الروايات المتطابقة، أنهم بعد الحادثة، لاذوا جميعاً بالفرار إلى مبنى حكومي قريب من المكان، قبل أن يتدخل مسئول الأمن بالمديرية ونجل شيخ العدين صادق الباشا - وهو قريب للقتلة حد بعض الروايات - بتهريبهم إلى منزله ليرفض فيما بعد تسليمهم للدولة، وهذه الرواية إن صحت حقاً، فلنقرأ على العقل والأخلاق السلام .

هذا الحدث، عوضاً عن كونه مشين ومستفز، فقد دفعت تفاصيله غير الأخلاقية، بالمواطنين من أبناء القرية تتقدمهم ابنة القتيل (بشرى الجعوش) التي حلقت شعر رأسها بعد أيام من فرحة زواجها، وخرجت بسلاحها لقطع الطريق أمام المارة وبشكل متقطع، وذلك للمطالبة بتسليم قتلة والدها وأخوها ومحاكمتهم في القضاء.. ورغم كل المساعي المتقطعة التي تنتج من وقت لآخر حولاً آنية تتعلق بفتح الطريق لبعض الوقت، إلا أن لا جديد يذكر في حادثة تنتج كل يوم مشاعر غضب ضد سلطة المشايخ الذين لم يؤمنوا بعد، أن الوقت لم يعد يصب في صالحهم بعد انهيار مهندسهم الكبير صالح، لم يعد مجدياً لهم ولغيرهم أي نشاط صبياني، طالما وحواجز الخوف تتكسر يوماً عن آخر، أمام طموحات الناس جميعاً، بحياة كريمة في كل أرجاء البلاد .

ثمة شكاوى يومية عديدة، تدفقت ولا تزال إلينا، باعتبارنا صحفيون ومراقبون، جراء المعاناة التي تكبدها المواطنون والمسافرون بعد أن قطع أولياء الدم الطريق العام لأيام وانضم إليهم كل حر من أبناء المنطقة الذين وجدوا في الأمر فرصة مواتية لإشعال ثورة ضد كل ظلم وتهميش يمارس ضدهم من قبل المشايخ .

لكن وإن كان لهؤلاء الحق في هذا الاحتجاج المطلبي المشروع، فإننا نستهجن الأسلوب وحسب.. فقطعهم للطريق الرئيسي وجعل آلاف المسافرين يتضررون، لم يكن موفق في تقديري، لأن ثمة أخلاق ومعايير حتى في انتزاع الحق من أصحابه. لكننا في كل الأحوال، مع أن يتحرك حتى المتضررون من تبعات الحادثة، وليس أولياء الدم وحسب، لعمل شيء يصب في مصلحة الانتصار للمظلوم .

لا أدري صراحة، إن كان هؤلاء بحاجة لأن يقطعوا الطريق الرئيسي ويعيقوا حركة الناس، ويتحولوا من مظلومين إلى ظالمين، أم كان بإمكانهم أن ينظموا مسيرة احتجاجية غاضبة باتجاه حوش مبنى المحافظة ويخيموا فيها، طالما وابن الباشا، المتهم بإخفاء الجاني، مسئول في محلي المحافظة، وستكون هذه الطريقة، مجدية بالنسبة لتحرك المحافظ وغيره من مسئولي إب وثوارها، طالما وهناك حديث عن تعاطف آلاف شباب الثورة في إب مع أولياء الدم في هذه القضية الجنائية التي لا تحتاج للدفاع الغبي عن مرتكبيها .

أتذكر أني قرأت مطلع الثورة المباركة، خبر استقالة جبران باشا من المجلس المحلي بمحافظة إب، وإعلان انضمامه لثورة الشباب السلمية، لكن الشيخ المسئول تراجع، حد علمي، بعد زيارة لصنعاء جمعته بمسئولين دافئي الأيادي والهبات. وبعيداً عن أنه لا يزال ثائر أو أنه أصبح بلطجي، فهو بحاجة لأن يدرك أن خير التغيير لن يتوقف عند حد، وأن من كان بالأمس يشجعه وغيره، على ظلم الناس وعلى الهنجمة والبلطجة، فقد شرعيته وأصبح مكبلاً بخيالات الموت كل لحظة، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من حضن المنفى، بعد أن صحا له ولزمرته أبناء الشعب. ذلك أن سلطة المشايخ التي استند عليها الرجل كثيراً لضمان بقاء حكمه كل هذه المدة المشئومة، انتهت وانتهت قواعدها، ولم يعد بوسعها التمادي في الظلم أكثر فأكثر، ولم يعد بوسع أبناء الوطن أيضاً، أن يصمتوا حيال أي ظلم لأي مواطن في أي مكان كان .

نبيل باشا، البرلماني الفصيح، والشيخ المتمدن، بحاجة هو الآخر، لأن يتدخل لدى أخوه، في تسليم الجناة إلى الدولة، لتأخذ التحقيقات مجراها مع المتهمين، دونما إحداث جلبة ضدهم. إن البرلماني القريب من الصحفيين والمثقفين إذا ما التزم الصمت والتحيز في هذه القضية، عليه أن يدرك حقيقة أنه لم يعد هناك أي مجال لأن يكون صوته مسموع وحضوره مشفوع، كأن يعترض مثلاً مثلاً، على مرور خيط الكهرباء العمومي إلى عزلة المزاحن في طريقه الطبيعي والمفترض على بقية المناطق المتناثرة على طول خط العدين – الجراحي، وذلك بحجة أن لدى أبناء هذه المنطقة شبكة كهرباء خاصة، تتبع أحد النافذين أيضاً، ممن لا يجرؤون على الاعتراض سوى بصوت هذا البرلماني الذي شوشت هذه المعلومة فكرتنا عنه كرجل أضحى خارج مألوف المشيخة .

باختصار، لم تكن العدين بحاجة لهكذا سمعة رديئة في خاتمة التغيير الذي عم ولا يزال ربوع اليمن بسلام. لكنها كانت ولا تزال ككل مناطق البلاد، بحاجة لأكثر من نشاط ثوري ضد بقايا النظام الفاسد وضد أنصارهم من المشايخ والمتنفذين، وذلك بما يثبت صورتها الطبيعية الخضراء والفاتنة وبما يبعث لنا بأنسامها الطرية ويمد لنا لحنها الطروب من شفاة المغنين وألسن الشعراء. إننا بحاجة إلى "عدين" تبعث لنا بريح جلاب للفرح والحب والتسامح والإخاء والطيبة والطرب، "عدين" لا تجبرنا على التغني بـ"وامخيم بوادي الدور..!!" أو "البلطجي من العدين بكر ..!!".