المؤسسة الأمنية والعسكرية أولا وأخيرا
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و يوم واحد
الخميس 19 يناير-كانون الثاني 2012 05:13 م

أكدت الأيام وما أتت به من أحداث أن جراب علي صالح ومنظومته ليست خالية من المفاجآت غير السارة إلا لمن تبقى من هذا النظام، إذ تبين أن الرجل ومن يقف معه ما يزالون يتمتعون بقدرة فائقة على صناعة الألاعيب ونسج الحبائل وهندسة المكائد ليس فقط ضد خصومهم السياسيين ولكن ضد الوطن بكل من فيه لا بل وضد حزبهم وبقايا نظامهم نفسه طالما قبل بالتخلي عنهم والسير باتجاه تنفيذ تلك المواثيق التي وقعوا عليها بأنفسهم وهو ما يفهم منه أنهم لم يوقعوا عليها لتنفيذها بل لذر الرماد على عيون كل العالم معتقدين بأنهم ما يزالون يمارسون لعبة التذاكي على كل المجتمع الإقليمي والدولي، ويتناسون أنهم قد صاروا مكشوفين حتى لضعيفي البصر بعد أن حاصرتهم ممارساتهم وسلوكهم في زاوية ضيقة لم يعد فيها متسع للعبة الخدع البصرية والمغالطات اللفظية .

عندما وقع رأس النظام على المبادرة الخليجية كان يراهن على الأشهر الثلاثة التي تلي التوقيع حتى إجراء الانتخابات المبكرة، وهذا الرهان على أمور عدة منها: أن ينكث المشترك بوعده أو يرفض مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهما جديرتان بالرفض، وهو ما لم يتم، أو أن تفشل حكومة الوفاق ومعها الرئيس بالإنابة في أداء عملهما وهو أمر وارد لكنه لم يحصل بعد، أو أن يفعل علي صالح كل ما في وسعه لإفشال ليس فقط حكومة الوفاق، بل ورفيقه وأمين عام حزبه ونائبة على ما يقارب عقدين من الزمن، الفريق عبد ربه منصور هادي طالما قبل أن يكون بديلا له وهو صاحب الفضل عليه كما يتصور في الوصول إلى ما وصل إليه .

ولأن السيناريوهين الأولين قد فشلا أو على الأقل لم تتأكد بعد إمكانية تحقيقهما, فلم يبق أمام علي صالح وأنصاره إلا استخدام المؤسسة العسكرية والأمنية لإفشال كل مسعى للوصول إلى يوم21 فبراير بأقل قدر من المشاكل .

في هذا الإطار جاءت عملية التحالف المكشوفة مع التنظيمات الإرهابية وتمكينها من السيطرة على عدد من المدن اليمنية لإرباك الرئيس بالإنابة وحكومة الوفاق وخلط الأوراق قبل موعد الانتخابات وبالتالي ليس فقط إفشال المقاصد التي من أجلها جاءت المبادرة الخليجية بل والقضاء على الثورة الشبابية وعلى أي محاولة لإقامة حياة مدنية في اليمن من خلال الانتقال إلى الفوضى المدمرة التي كثيرا ما كان يكررها علي عبد الله وهو يتحدث عن الثورة الشعبية والحراك السلمي في الجنوب .

لقد أكدت الأيام أن تسليم المحافظات للجماعات الإرهابية ليس سوى تجل واضح للتحالف القديم غير المقدس بين التنظيمات الإرهابية ونظام على صالح هذا التحالف القائم منذ منتصف الثمانينات في القرن الماضي والذي كان قليلا ما يظهر إلى العلن وغالبا ما يبقى طي الكتمان .

إن بقاء المؤسسات العسكرية والأمنية بيد علي عبد الله وأقاربه يعني أنه ما يزال يسيطر على أهم مفاصل السلطة، بل على السلطة كلها، وبالتالي فإن أي عمل من أجل الانتقال السلمي للسلطة دون تسليم تلك المؤسسات إلى حكومة الوفاق الوطني لا يعني شيئا فالرجل يعلم منذ ثلث قرن أن السلطة هي البندقية والبارود والثكنات العسكرية، أما ما عداها فليس سوى نتائج عرضية، وها هو اليوم يؤكد صحة هذه المقولة بحيث اقتنع بنقل الصلاحيات إلى نائبه وقبل برئيس حكومة من معارضيه لكنه ما يزال هو من يتحكم بصناعة القرار، ببساطة لأنه يسيطر على المؤسسات العسكرية والأمنية ويستطيع استخدامها كيف شاء وأينما شاء .

المؤسسات الأمنية والعسكرية يجب أن تنتقل فورا إلى حكومة مدنية وأن تنتزع من خاطفيها، وأن تمتثل للسياسة العامة للبلد هذه السياسة التي يقودها الرئيس بالإنابة وتنفذها حكومة الوفاق الوطني التي يتمتع أنصار علي عبد الله بنصف مقاعدها، وبهذا سنأمن شر التحالفات المشبوهة مع العصابات والمجرمين والتنظيمات الإرهابية ما ظهر منها وما لم يظهر بعد .

برقيات :

* لم يعد أمام حكومة الوفاق الوطني إلا استدعاء القيادات والجنود الجنوبيين وإعادة دمجهم في الجيش الوطني لتولي المهمات الدفاعية والأمنية، خصوصا بعد تنبؤ الكثير من المحللين أن يذهب قيادات الحرس الجمهوري والأمن المركزي للالتحاق بتنظيم القاعدة أو أنصار الشريعة .

* الحديث الذي يبديه بعض أنصار علي عبد الله عن تأجيل الانتخابات يعكس الرغبة الدفينة في الهروب من هذا الاستحقاق، وتكمن وراءه الرغبة في المزيد من خلط الأوراق،. . إنه سلوك يشبه سلوك التلميذ الفاشل الذي يتحجج بمختلف المبررات من أجل عدم إجراء أي امتحان على الإطلاق .

* سألني أحد الصحفيين الأجانب: هل تعتقد أن عبد به منصور هادي سيكون يوم 22 فبراير في دار الرئاسة؟ لم يكن السؤال للاستفهام بل للاستنكار والاستبعاد. . قلت له: إما أن يكون عبدربه حينها في قصر الرئاسة أو أن يكون علي صالح قد أعلن الحرب على المحيط الإقليمي والدولي بعد أن أعلن الحرب على كل اليمن منذ سنة خلت .

* يقول الشاعر العربي الكبير نجيب سرور :

أفاتنتى .. فى احمرار الورود

على وجنتيك رأيت الدمــاء . . .

. . على مشــهدٍ من صراع الحيــاه . . .

ليبدأ في الصبح فصــلٌ جديد

فتمضى الجمــوع بمصباحها

لتبحث عن لقمــةٍ ضائعــه

فهـل أهب الكأس ألحانيــه

وقد زرعوا أرضــنا بالعذاب ؟

. . . فتاتى . . ما غيرتني السنون ولا غيرتك

أحبــك. . . ما زلت لكنني

وهبت النشــيد لهــذى الجموع !