لماذا يتأخر النصر
بقلم/ د . بلال حميد الروحاني
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 4 أيام
السبت 22 أكتوبر-تشرين الأول 2011 09:38 م

إن النصر لا يأتي إلا من الله تعالى ليس من الشرق ولا من الغرب ولا قادر على نزع الملك إلا الله وحده فلا ناصر ولا معز ولا مذل إلا هو, قال تعالى (وما النصر إلا من عند الله) لكن السؤال لماذا يتأخر النصر مع بذل كثير من الوسائل المتاحة لتحقيقه!! فالثورة اليمنية مر على عمرها أكثر من ثمانية أشهر ومع ذلك لم يتبق للنصر إلا يسير ولكنه تأخر وتباطأ فلماذا؟!

يذكر سيد قطب رحمه الله أن الإبطاء لا يكون إلا لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى, وذكر ثمانية أسباب:

أولها: قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات, فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً!

ثانياً: قد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله. فلا زال بعض أهل الحق لم يبذل من ماله وبعضهم لم يبذل جهده كله والبعض لم يستنفد كل طاقاته في سبيل الله.

ثالثاً: قد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر, إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله. فنحن لا زلنا في ثورتنا نناشد الخارج والداخل وهم لن يقدموا لنا أي شيء حتى نكل أمرنا خالصاً لله تعالى لا نستجدي أبداً بغيره.

رابعاً: قد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل؛ ولا تجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء, وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله, فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

خامساً: وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى فأيها في سبيل الله, فقال : « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ». فمنا من يريد وظيفة ومنا من يريد شهرة ومنا من يريد منصباً ومنا من لا يريد أن يحكم شرع الله بالتدرج إطلاقاً فحتى يتجرد الجميع لله وحده يأتي نصر الله.

سادساً: قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً، ويذهب وحده هالكاً، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!.

سابعاً: قد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة, فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!

ثامناً: قد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة, فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار, فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر، ولاستبقائه!

إضافة لما ذكره سيد قطب رحمه من الأسباب:

تاسعاً: يبطئ النصر حتى يميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض كما قال تعالى ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) فكم من الناس حاول التدليس أنه مع الثورة فلما تأخر النصر انكشف عوره وبانت حقيقته.

عاشراً: يبطئ النصر حتى يظهر للناس الصادق من الكاذب, فبداية الزخم الثوري يتصدر الكثير تفاعلاً مع البداية ومتابعة للربيع الذي يعمُّ المنطقة, فلما تأخر النصر تراجع وتكاسل البعض ولم يثبت إلا الصادقون, قال تعالى ( فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين), وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين).

يقول سيد: من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام, مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية .

وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه ، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر؛ ولله عاقبة الأمور }.