قمة الرياض قد لا تكون استثنائية ولكنها مصيرية
بقلم/ الطيب فضل عقلان
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الإثنين 26 مارس - آذار 2007 09:00 م

مأرب برس - خاص

*هذه القمة أظنها ال19 في عدد القمم والتي بدأت في العام 1946 م شهر مايو بدعوة من فاروق ملك مصر آنذاك وكل تلك القمم أدانت الاحتلال الإسرائيلي وشجبت العدوان على لبنان ونددت بالحروب في السودان والصومال واستنكرت الاحتلال الأمريكي للعراق فقط استهلاك إعلامي (تنديد/شجب/استنكار) دون تفعيل صادق للكلمة والقرار, ورغم أهمية بعض تلك القرارات والتوصيات التي اتخذت في بعض تلك القمم أوردها للذكرى فقط فهي قرارات وتوصيات مع وقف التنفيذ ( ليس عجزا ولكن تخاذل) للأسف الشديد وطبعا تجنبت الحشو الصادر في تلك القمم من تلك القرارات:

• قمة القاهرة 1946 اعتبرت قضية فلسطين قلب القضايا العربية • قمة بيروت 1956 إنشاء قيادة عربية موحدة • قمة المغرب 1965 ميثاق التضامن العربي • قمة الخرطوم 1967 إنشاء صندوق الإنماء الاقتصادي العربي • قمة الرباط 1969 استراتيجية عربية موحدة بمواجهة إسرائيل • قمة الرباط 1974 إنشاء صندوق خاص للإعلام العربي • قمة عمّان 1980 المصادقة على إستراتيجية العمل الاقتصادي العربي • قمة فاس 1981 تنقية الأجواء العربية وحل الخلافات بين الأشقاء العرب • قمة القاهرة 1996 إنشاء محكمة العدل العربية ومنطقة التجارة الحرة العربية • قمة بيروت 2002 الإسراع بانجاز منطقة التجارة الحرة العربية.

وما أعظم هذه القرارات الرائعة ولكنها ظلت حبر على ورق وكلام في كلام رغم أهميتها ولو تم تنفيذها لكان الوضع في العالم العربي اليوم في حالة صحية رائعة, لقد شهد العالم خلال الأعوام المنصرمة كثير من مظاهر التغيير الايجابية قيام الاتحاد الأوروبي بروز الصين كعملاق اقتصادي قادم ينافس طاغية العالم أمريكا, التطور التقني للهند والثورة الإعلامية العالمية وانتشار البث المباشر والدخول إلى عصر العولمة والتطور وحال امتنا العربية يتطور ولكن في للاتجاه السلبي واقتصرت محنة الأمة العربية على الزعامات وقهر شعوبها فالقهر الأمني وتهميش المواطن العربي سبب رئيسي لتأخير نجاح دولنا العربية وتشتيت جهودها رغم امتلاكها للثروة والكادر الإنساني ولكنها أنظمة سلطوية تدفع المجتمع العربي إلى أن يتجسس نصفه على النصف الآخر حتى يظل الحاكم في أمان (يتمسك بالكرسي) حتى وان ذهبت الشعوب إلى جحيم المعاناة وقمة الذل والمهانة, لهذا تأتي قرارات القمم العربية باهتة..... بقية القمم العربية التي لم نأتي على ذكرها فهي متفقة ( على التنديد بإسرائيل) وإدانة الإرهاب بدءا بقمة عمّان 1987م واغلب تلك القمم لم تصدر عنها (بيانات) رسمية لاختلاف القادة العرب ( على ماذا لا ندري) بل وبدأ القادة العرب مقاطعة القمم بدءا من قمة الرياض 1976 التي حضرها الكويت/لبنان/مصر/سوريا/منظمة التحرير الفلسطينية والدولة المضيفة وتتوجت مقاطعة الزعماء العرب في قمة الخرطوم 2006 والذي غاب عنها 8 من الزعماء العرب من أصل 22 ومن البيانات التي لم تحمل بمضمونها (كذبا) .. قمة بغداد مايو 1990(الاحتفاء بتوحد اليمن)/ قمة عمّان 2001م اختيار السيد عمرو موسى أمينا عاما لجامعة الدول العربية خلفا للدكتور عصمت عبد المجيد وقمة شرم الشيخ 2003م قيام مملكة البحرين واختلاف القادة العرب أو تغيبهم عن حضور القمة تأكيد لخوفهم من تحمل المسئولية أو بصريح العبارة ( عجزهم عن ذلك ) رغم أن قرارات القمة العربية غير ذات جدوى وهي تأتي وتذهب ولا كأن شيء حدث وقد تعود المواطن العربي على ذلك والمواطن العربي لم يعد يهمه اعقدت قمة عربية أم لم تعقد لان جميع القمم عجزت طوال السنوات الماضية من مواجهة القضايا وإيجاد الحلول والمخارج لها واللوم هنا ليس على جامعة الدول العربية ككيان بل على تآمر العواصم العربية على بعضها البعض وقضايا الأمة العربية تراوح محلها ولا تجد الحلول المناسبة والحاسمة والمطلوب من هذه القمم العربية وضع آليات واضحة لتنفيذ وتفعيل ما يتخذ من قرارات حيث أن القرارات من السهل اتخاذها والمهم هو التنفيذ والتفعيل للتضامن العربي المنشود من هذه القمم وبلورة الموقفين العربي والإسلامي تجاه الغطرسة الإسرائيلية والاملاءات الاميريكية وصياغة موقف عربي إسلامي موحد تجاه كافة القضايا.

أن فرصة القمة العربية في النجاح مرتبطة بوجود بيت عربي موحد وأكثر اتفاقا ومما يفترض قبل انعقاد أي قمة التحضير الجيد لها على مستوى الوزراء بالجلوس مع رجال الفكر والمبدعين والاستشاريين والعلماء وطلاب الجامعات وعلماء الإسلام ونقابات العمال ومجالس المرأة لتدارس همومهم ومشاكلهم وآمالهم وتطلعاتهم لأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية وبلورة تلك الآمال والطموح والهموم والقضايا كبرامج تعرض على الوزراء والمسئولين وبدورهم يقوم الوزراء بعرضها على الزعماء والقادة.

والمواطن العربي أكثر إدراكا بمصالحه من الوزراء الذين لا هم لهم إلا المحافظة على البقاء في مناصبهم ولذلك يكذبون على زعماءهم وقادتهم بان جميع الأمور على ما يرام و(كل شيء تمام التمام) ومن المفروض النزول إلى المواطن العربي وترجمة تطلعاته وآماله وكيفية التكامل بين المواطن العربي في جميع دول الوطن العربي وتحاول الدول المقتدرة مساعدة الدول الأقل قدرة في التطور والنماء وذلك لتصل الى مستوى اتخاذ القرار والمشاركة بتنفيذ القرارات فلو أن كافة الدول العربية التي تشارك في القمة العربية في مستويات متقاربة في كافة الأصعدة ستكون المشاركة فاعلة لجميع الدول على مستويات اتخاذ القرار وتفعيله وبكل صراحة وشفافية المواطن العربي مهمش ولو بحثنا في جميع مؤتمرات القمة السابقة لم يتناول أي مؤتمر قمة هم المواطن العربي وآماله وطموحاته والعمل على إشراكه في طرح رأيه حتى تكتمل جهود الدولة فكل دولها يجب أن يكون همها الأول مواطنها وإصلاح ذاتها من الداخل فالتناقضات الرهيبة الموجودة في بعض بلادنا العربية من بطش وقهر لمواطنيها لا يجد زعيم أو قائد تلك الدولة من ينتقد أسلوب حكمه في تلك القمم(فالمهم سلامة رأسه) أما المواطن فمثل قلته فكيف لكم أن تجدوا مواطنا عربيا يتلهف لقيام قمة عربية تهدف أكثر ما تهدف من تمكين ذلك المسئول أو الزعيم أو القائد من استمرار بطشه وهتكه لكرامة وحقوق مواطنه والجامعة العربية هي الميت الحي أو لنقل الحي الميت لا يختلف الأمر والكل يطالب بتعديل لوائحها وأنظمتها التي عفا عليها الزمن. وكانت مبادرة اليمن حول الجامعة العربية رائعة ورغم قناعة الجميع بصدق الرؤية في تلك المبادرة إلا انه لم يتم الأخذ بها وتفعيلها لان كل دولة كانت ترغب أن تكون هي صاحبة هذه المبادرة وذهبت المبادرة أدراج الرياح مثلها مثل كل قرارات القمم العربية ومن خلال متابعتي للإعلام اتضح جليا أن الملفات الساخنة والتي تستدعي مناقشتها في القمة العربية هي:

فلسطين/ لبنان/ العراق/ الصومال/ السودان وكل هذه الملفات تديرها أمريكا والمجموعة الأوروبية وإسرائيل والدول العربية ليس لها (ناقة ولا جمل) وليس لها أي دور يذكر وأكثر ما يجعل تلك الدول العربية هكذا بعيدا عن الحدث ( رغم انها في صلبه) هو المبادرات الفردية ( مهما كانت ايجابياتها) مما يجعل بعض الدول العربية ترفض تلك المبادرات حتى لا تحسب للدولة صاحبة المبادرة – من باب العند والمكابرة- ولو تم في الأساس مناقشة الحلول والمبادرات بين القادة العرب وتم إصدارها بعد موافقة الجميع عبر جامعة الدول العربية سيكون حتما لها الأثر الايجابي وأود أن أضيف ملفا إلى تلك الملفات الساخنة/الباردة ملف المواطن العربي المذلول المهان الفاقد لإنسانيته حتى يرتقي دور جامعة الدول العربية بدلا من القوقعة التي هي فيها والمخيبة للآمال وحتى لا تبقى محتفظة بفشلها, كما أتمنى من القادة العرب أن ينتبهوا إلى أن أقوى الصراعات اليوم هو البعد المذهبي – سواء كان مكشوفا أو مستترا- والاقتتال الطائفي الشيعي والسني فكل تلك الامور رهينة للتجاذبات الإقليمية ورهان قواها النافذة.... وبطبيعة الحال فان للدول العربية مصلحة مباشرة في رعاية وتشجيع أي حوار بين أمريكا وكلا من سوريا وإيران لدرء انفجار أي انفجار عسكري وإعادة الأمن والاستقرار إلى الساحة المتفجرة في لبنان او العراق او فلسطين.

وقمة الرياض الحالية تمر بأصعب الظروف التي يعيشها الوطن العربي خاصة من ناحية الضغط الأمريكي الناتج عن ضعف إدارة القيادة العربية للمشكلات والقضايا وقمة الرياض تحمل مشاكل ستين عاما فرغم الدور التقليدي الذي تلعبه سياسة المملكة العربية السعودية إلا أن مناخ اليأس مسيطر على المواطن العربي ويتضح ذلك جليا... قمة الرياض التي ستعقد والحرائق تشب أو تكاد في العديد من أجزاء منطقتنا العربية وقد لا تأتي هذه القمة بالعصا السحرية لكنها بالتأكيد مؤهلة كي تضع لبنات بناء الجدار الذي يواجه العاصفة... وقمة الرياض قد لا تكون استثنائية عن القمم الأخرى ولكنها قد تكون مصيرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ... فقد انطلقت المبادرة السعودية في قمة بيروت عام 2002 م وهي مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله والتي تبنتها كافة الدول العربية والتي تنص بالاعتراف بإسرائيل مقابل جلاء إسرائيل عن كافة الأراضي المحتلة منذ عدوان 1967 م وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وضمان عودة اللاجئين ( وقدر رفضت أمريكا وإسرائيل ) هذه المبادرة في بعض بنودها إضافة إلى النجاحات العظيمة التي حققتها السياسة الحكيمة للملكة العربية السعودية في رأب الصدع بين الإخوة اللبنانيين وباتفاق الإخوة الفلسطينيين بخروجهم باتفاق مكة المكرمة المبارك وتشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية وهذه خطوات ايجابية تحسب لهذا البلد العظيم وسياسته الحكيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ولا ننسى دور المملكة العربية السعودية في قمة تونس 2004 حيث تبنت وثيقة العهد والوفاق والتضامن والالتزام بتطوير العمل العربي المشترك وكذلك مبادرة السلام في قمة الجزائر 2005م والتي تقدم بها الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية آنذاك كل هذا يؤكد حنكة القيادة السياسية للملكة العربية السعودية والتي ستعمل على إخراج قمة الرياض بأفضل مما يتوقعه الآخرون .

وستعمل القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية على تفعيل قرار عربي قوي بعدم قبول أي تعديل على المبادرة العربية التي انطلقت في قمة بيروت وعلى أن تعمل القيادات في القمة على البدء في تفعيل كل القرارات والتوصيات الناتجة عن القمة وتكون قضايا مهمة مرتبطة بهموم وتطلعات المواطن العربي والعلاقات العربية وكيفية تطويرها وتناميها والمشاركة الفعالة بكل مناحي الحياة حتى تنجح في كسب ود المواطن العربي.

آمالنا كبيرة بقمة الرياض ونسأل الله أن يوفق قادة وزعماء الدول العربية لما فيه الخير والصلاح.