ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
لأن الأشياء تُعرف بأضدادها فمن المؤكد أن ثورة 25 يناير المصرية في خطواتها وتطوراتها هي شاهد حال، فهذه الثورة بقدر ماهي حاجة مصرية في الأساس إلا أنها كشفت بمساراتها عمق الاختلالات التي نعاني منها نحن اليمنيون، على مستوى الدولة بشكل عام وعلى مستوى مؤسسة الجيش بشكل خاص.
فالرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك عمل خلال فترة حكمه على استمالة قيادات الجيش وربطها بمصالح شخصية لضمان ولاءها الدائم له، ومع ذلك عندما اندلعت ثورة 25يناير 2011م، لم تحرك هذه القيادات وحدات الجيش لقمع المظاهرات السلمية وسفك دماء الشعب المصري من أجل الحفاظ على كرسي حسني مبارك رغم أنها – أي هذه القيادات- تدين له بالولاء فعلاً وظلت وفية له طوال فترة حكمه. ولكنها في هذه اللحظة احترمت شرف المهنة العسكرية وحافظت على تقاليد الجيش المصري وتاريخه العريق، وقدمت للأمة المصرية تأكيدات حقيقية أن جيش مصر هو لحماية السيادة ولا يمكن أن يشهر سلاحه في وجه أبناء جلدته.
وفي مقابل ذلك لم تتورع العديد من وحدات الجيش اليمني أن تواجه المسيرات السلمية بمختلف الأسلحة الفتاكة وأن تعمل على قمع الثورة الشعبية اليمنية بكافة الوسائل والأساليب وأن تشعل الحروب هنا وهناك وأن تتحول هذه الوحدات إلى أدوات شخصية لقيادات النظام السابق ضاربة عرض الحائط بكل التقاليد والأعراف العسكرية الوطنية ولم يعد يهمها أن ترى دماء الأبرياء تسيل بغزارة وأن ترى المساكن تدمر والأجهزة والمؤسسات تخرب، فالمهم بالنسبة لها هو الحفاظ على مصالح تلك القيادات ودونها فليذهب الشعب إلى الجحيم.
وما حدث منذ صدور قرار نقل مهدي مقوله من قيادة المنطقة الجنوبية (1مارس 2012م) وحتى الآن، من تمردات ضد تنفيذ قرارات التغيير العسكرية والأمنية، يعطي صورة أخرى من صور الإختلالات الهيكلية والتنظيمية التي تعيشها أجهزة القوات المسلحة والأمن اليمنية، ورغم محدودية القرارات التي صدرت خلال الفترة الماضية إلا أن كل قرار أخذ مدى كبيراً من الجدل، بحيث بدا أن كل واحد ممن شملتهم تلك القرارات أخذ يعمل على توظيف الوقت لتحقيق العديد من الأهداف والتي مثلت في مجملها ملامح التمرد ومقاصده وغاياته الكلية مثل:
-منع القيادات المعينة حديثاً من تسلم مهامها وقت صدور القرارات ووضع العراقيل المعيقة لممارسة إختصاصاتهم بصورة طبيعية بعد ذلك.
-العمل على إخفاء الوثائق وإفراغ المعسكرات ومكاتب إداراتها المركزية من محتوياتها.
-تهريب الأسلحة وذلك في إطار تخزين بعضها في أماكن مجهولة والعمل على بيع الخفيف منها وربما الثقيل أيضاً إلى بعض الجماعات الصديقة.
-الإستيلاء على المعدات والأجهزة الإلكترونية.
-إعطاء تسهيلات لوجستية للجماعات الإرهابية كما حدث في محافظة أبين.
-تشكيل عصابات تقطع تخريبية، كما هو الحال بالنسبة لمحطات الكهرباء وخطوط نقلها وكذا خطوط نقل النفط والغاز.
- إقتحام المنشئات والمؤسسات الحيوية والسيادية كما حدث لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع.
-العمل على إحداث حالة من الرعب بين المواطنين بإستخدام التفجيرات في بعض المناطق والأحياء بهدف الوصول إلى مرحلة الفوضى الأمنية.
وإلى جانب ما سبق هناك الكثير من الممارسات التي يقوم بها قيادات فلول الحكم السابق والموالين لهم، وذلك في سياق تأسيس عوائق مستقبلية على مستوى النظام العام وعلى مستوى الإنضباط الشخصي والمؤسسي وعلى مستوى النظر إلى مكونات الدولة وممتلكاتها.
وهنا يمكن العودة إلى الصورة المصرية المقابلة، فبعد أن نجحت ثورة 25 يناير في خلع حسني مبارك تسلم المجلس العسكري مهام السلطة مؤقتاً برئاسة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، حيث عمل هذا المجلس على إحتواء الموقف الأمني ولكنه لم يقم بقمع الثورة، وعمل على تعطيل الدستور بإصدار إعلانات دستورية بديلة تعطيه مساحة واسعة من السلطة ولكنه لم يمنع الشعب المصري من الوصول إلى إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية مفتوحة. كما عمل المجلس العسكري على دعم مرشح النظام السابق أحمد شفيق ولكنه لم يقم بفرضه عنوة وغصبا.
نعم حاول المجلس العسكري اللعب سياسياً بورقة الإعلانات الدستورية في إطار صلاحياته المرحلية والإستفادة من الثغرات القضائية، ولكن بمجرد إعلان لجنة الإنتخابات رسمياً فوز الدكتور محمد مرسي كرئيس لجمهورية مصر العربية انطلقت خطوات تسليم السلطة للرئيس الجديد بصورة سلسة وآمنة، بدءً بترتيب الوضع الدستوري والإداري في المكتب الرئاسي، وتعيين رئيس حكومة وتشكيل مجلس وزراء، مروراً بإجراء تغييرات عميقة في جهاز المخابرات وبعض قيادات الجيش وصولاً إلى إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإحالة رئيس المجلس العسكري نفسه حسين طنطاوي ونائبه سامي عنان إلى التقاعد وتعيينهما مستشارين للرئيس( 12 اغسطس 2012م ).
وفي إطار ما يجري في اليمن فان السؤال الذي فرض نفسه بالحاح هو : لماذا لم يتمرد المشير حسين طنطاوي ضد قرارات الرئيس محمد مرسي؟ كما فعل فلول القيادات العسكرية اليمنية؟.
-هل هؤلاء أذكى من المشير طنطاوي وجماعته؟ لا أعتقد.
-هل فلول القيادات العسكرية اليمنية أقوى من المشير طنطاوي ومعه المجلس العسكري وفلول القيادات العسكرية المصرية؟ والإجابة على هذا السؤال تعتمد على معيار القوة وطبيعتها.
-هل المشير طنطاوي ومعه أعضاء المجلس العسكري زاهدون في السلطة إلى هذا الحد؟ طبعاً واقع الحياة العربية يؤكد أن الزهد في السلطة أمر نادر وقد يكون مستحيلاً، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين ذاقوا حلاوة هذه السلطة في مستويات ما تحت قمتها.
إذاً فلنكرر السؤال: لماذا لم يتمرد المشير طنطاوي؟ حيث مرت أمامه فرص كثيرة، أولها بعد سقوط حسني مبارك مباشرة، وذلك من خلال توظيف الإعلان الدستوري في تمديد الفترة الإنتقالية وتأجيل إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى أجل غير محدد بما يمكنهم من إعادة ترتيب الأوضاع خلال تلك الفترة.
أما ثاني الفرص فكان يمكن أن تتم من خلال التلاعب بنتائج الإنتخابات الرئاسية في إطار العمل على إحداث فوضى تستدعي إلغاء الإنتخابات وفرض الأحكام العرفية وإعادة صياغة الإعلان الدستوري بما يحقق الهدف المبتغى. والفرصة الثالثة عندما تم إقالة المشير طنطاوي من وزارة الدفاع وسامي عنان من هيئة الأركان وإحالتهما إلى التقاعد، حيث كان بإمكانهما إعلان التمرد ولو من باب الإحتجاج الشكلي عبر التصريحات الإعلامية وإصدار البيانات المنددة بالرئيس محمد مرسي وقراراته والقول بأنه رجل إقصائي فهو لم يقدر جهود هؤلاء القادة وما قدموه من خدمات جليلة..الخ.
وربما كانت هناك فرص أخرى كثيرة يعرفها المصريون أنفسهم ومع ذلك لم يتمرد المشير طنطاوي وإلى جانبه أعضاء المجلس العسكري وفلول القيادات العسكرية الأخرى، ليس لأنهم زاهدون في السلطة كما أشرت سابقاً، ولكن لأنهم أذكياء فعلاً، قرأوا واقع التطورات السياسية التي تعيشها المنطقة واستوعبوا واقع التفاعلات التي تعتمل داخل تكوينات المجتمع المصري، ومن الغباء أن يقفوا في وجه حركة التاريخ ومتغيراته، فاحترموا أنفسهم واحترموا شعبهم واحترموا تقاليد ونظم الجيش الذي عاشوا في كنفه عشرات السنين، فالتبديل والتغيير هو أمر طبيعي ومن السخف أن يفكر أي قائد بأن إعتلائه في المناصب أعطاه حق إمتلاك هذا الجيش وتسخيره لمصالحه وطموحاته الشخصية، فهو جزء من منظومة إدارية متكاملة هم جميعاً بجهودهم وخبراتهم ملكاً للجيش وتابعون له، ولن يكون الجيش في يوم من الأيام ملكاً لهم.
Ahmdm75@yahoo.com