إهداء:
الى صخر الوجيه –البرلماني الذي يشبه زهرة عباد الشمس- حيث اتجاه قضايا الناس يتجه قلبه إليها بصدق، متعافياً من لوث السياسة..
***
كل شيء في هذي البلد يصير سياسة!
فوق الدَّباب الكلام كله في السياسة.
الحلاق وهو يصفف شعرك يكلمك في السياسة.
في المقاهي والبوفيهات وفي أروقة المكاتب وحتى في يوم عيد الله، لاتسمع غير طنين أجنحة نحلة السياسة.
الطبيب يكلمك سياسة. المُعلم، البنشري، الشاقي، الضابط، وحتى استعلامات مركز الأمومة والطفولة، تجلس إلى أحدهم تكلمه عن جرعة مكافحة الحصبة، ويكلمك عن الجرع الاقتصادية التي فصعت ظهور الناس، و"ينبع لك"من فوقها إلى هيئة مكافحة الفساد، وإلى برويز مشرف!
سيذهب أحدكم لطلب يد عروس من أهلها، وفي المقيل أول ما سيفعله المعازيم أن يتكلموا في السياسة، ومن ثم "ينبعوا إلى موضوع الغلاء، ومن ثم سيدخلون أخيراً إلى صلب الموضوع ويقرؤون الفاتحة.
حتى لم تعد تعرف، هل قرأوا الفاتحة مباركة للخطبة أو العقد، أم قرأوها على روح الإنسان اليمني، أثابنا وأثابكم الله!
في ليلة الدخلة أيضاً، لا شك أن أفضل وأسرع نصيحة سيتلقاها أحدكم هي على نحو: "كما هااااه.. الأمور تشتي لها مُسايسة!؟...".
في مراسيم العزاء "نقطب" سورة ياسين فييييييييييسع، ونتلو من بعدها سورة السياسة!
قبل أسبوعين حضرت مقيل زفاف، كان الفنان يصدح بصوته الجميل ملء القاعة، وكان الذي يجلس إلى جواري واحد مُخزِّن ويعرق بحاله.
كنت أقله: أمانتك اسمع الفنان، صوته جميل.
وألقاه يهز لي راسه ويقربه من أذني هامساً:
- شوف، الاتحاد الأوروبي مابيتحمسش يدعم الانتخابات لو المشترك قاطعو! والمؤتمر لازم يقدموا تنازلات.
- شويه ونبع لي الى حرب صعدة.. قليل وقد هو عند أحمدي نجاد.. يا يوم الجن.
بسبب مكبرات الصوت في قاعة العرس كنت أسمعه بصعوبة، أهز له رأسي، وأنفض بين لحظة وأخرى رذاذ القات الذي يتطاير من فمه وهو منتشٍ يرغي في السياسة.
بصراحة.. اللي فطر لي قلبي من صدق، أن صاحبنا وبمجرد أن أنهى الفنان أغنيته وسكتت القاعة، وجدته يقُلي،كمن وصل الى الخلاصة:
ـ المهم،كلها معراصة في معراصة.
ومن ثم سكت! وغرق في نشوة القات.
*من سنتان تقريباً وأنا أحاول أن أكتب لزوجتي قصيدة شعر، وكلما أخلص من آخر سطر، وأعيد قرائتها أكتشف في الآخر أنها بيان تضامني.
من صبح الله وحتى المغيب تلوكنا "تلعصنا" السياسة. التعليم (الجامعي وفي المدارس) صار صراع سياسة! المساجد صارت سياسة! الزكاة والإحسان والجمعيات الخيرية وحتى جمعيات رعاية المكفوفين والصُم والبكم، كلها صارت أنشطة خلفية لرهبان السياسة.
وحتى المظلومين داخل السجون لا يصير لهم صوت إلاَّ حينما يكون في الأمر سياسة!
في البيوت على موائد الطعام تحضر السياسة قبل الشهية.
في المطاعم وعلى كراسي صالات الانتظار في المطار، وفوق سيارات البيجو، وحتى فوق الموترات (الدراجات النارية) كل الكلام في الغالب لا يخرج من حوش السياسة.
أثيرت في جامعة تعز قبل أشهر إشاعة اغتصاب طالبة داخل مصلى الجامعة من قبل أحد أفراد الحراسة.
ذهبت أيامها بصحبة بعض الطلبة إلى الجامعة لمعرفة الحكاية بالضبط، وبعد يومين من البحث خرجت بصُداع سيئ اسمه "المؤتمر والإصلاح".
الحكاية تحولت الى سياسة.
الفريق الاول قال بأن حزب الإصلاح في الجامعة يستخدم مُصلى النساء لاستقطاب الطالبات، وعشان يخوفوهن (أي الطالبات) أخرج المؤتمر حق الجامعة تلك الشائعة!
الفريق الثاني قال: إن السلفيين والإصلاحيين المتزمتين في الجامعة أرادوا ألا تكون هناك دراسة جامعية مختلطة، فأخرجوا تلك الشائعة عشان الطالبات يخافين ويبطلين دراسة.
هناك فريق ثالث قال – وأظنها الأقرب الى الصحة- إن بعض الجامعات الخاصة طلعوا تلك الشائعة عشان الآباء يخافوا على بناتهم ويروحوا يسجلوهن في جامعات خاصة مادام وقد الاغتصاب في الجامعات الحكومية وصل الى مصلى الطالبات!
أسألكم بالله..
هل هناك عبث أكثر من هذا؟
وسط هذا التطاحن السياسي الدائم، بين السلطة والمعارضة، تغيب الحقيقة غالباً، ويحضر لؤم السياسي العفن. يغيب الجمال ويحضر، بقوة، لؤم السياسي.
في مناخ بليد كهذا، تحضر الانتخابات دائما كماراثون سياسي، وتغيب عن كونها فرصة لجعل الإنسان اليمني يعيش حياة أفضل من حياة صراع الطبائن هذا.
fekry19@hotmail.com