إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024 الكويت تعلن سحب الجنسية من 2087 امرأة إنستغرام تختبر خاصية مهمة طال انتظارها حملة تجسس صينية ضخمة.. اختراق شركة اتصالات أمريكية تاسعة اشتعال الموجهات من جديد في جبهة حجر بالضالع ومصرع قيادي بارز للمليشيات الكشف عن إستراتيجية جديدة وضربات اوسع ضد الحوثيين قد لا تصدقها.. أطعمة خارقة تقاوم الشيب المبكر وتؤخر ظهور الشعر الأبيض مليشيا الحوثي تنقل الدورات الثقافية الى بيوت عقال الحارات وتفرض على المواطنين حضورها
في هذا الأسبوع تحل علينا الذكرى الثانية لثورة 11 فبراير الشعبية اليمنية، ومن قبلها مرت نفس الذكري للثورتين التونسية والمصرية، ومن بعدها ستمر أيضاً ذكرى الثورتين الليبية والسورية. وتأتي هذه الذكرى في اليمن ومازالت سلطات الدولة اليمنية رافضة الاعتراف بيوم انطلاق الثورة الشعبية ليصبح يوماً وطنياً للبلاد على الرغم من إسقاط الثورة للرئيس السابق وصعود رئيس جديد، وذلك بعكس تونس ومصر وليبيا التي جعلت من ذكرى انطلاق ثوراتها الشعبية أعياداً وطنية رسمية.
الثورتان التونسية والمصرية انطلقت فجأة وبصورة لم تكن متوقعة، وتداعت أحداثها بصورة متسارعة منعت القوى الإقليمية والدولية المتحكمة بمقدرات المنطقة العربية من التصدي لهما وأفقدتها القدرة على فرملتهما، وهو ما تناولناه في مقال سابق نشرته أسبوعية اليقين في شهر فبراير 2011م بعنوان (ثورات التغيير العربية وغول المصالح الغربية)، وقد استفادت قوى الهيمنة من ذلك الدرس لتكييف الثورات اللاحقة بما لا يتعارض مع مصالحها، حيث مكنها التدخل العسكري لصالح الثوار في ليبيا من فرض إرادتها على توجيه مصير الثورة الليبية، وكذلك الثورة اليمنية التي انتهى بها المطاف في أحضان المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن التي تنفذ بواسطة وصاية إقليمية ودولية معلنة.
تلك الوصاية رغم مساوئها وتسليمها للقرار الوطني ليدار من خارج البلاد إلا أنها منعت الأطراف المتنافسة والمتصارعة في اليمن من الاتجاه بمواقفهم صوب الاصطدام المدمر، وذلك خوفاً من عقوبات يصدرها مجلس الأمن ضد هذا الطرف أو ذاك بسبب عرقلته لعملية الانتقال السلمي للسلطة التي رتبتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وقد تجعلنا مشاهدة الأوضاع المتشنجة في مصر وتونس هذه الأيام نقول: رب ضارة نافعة، خصوصاً ونحن نلاحظ حجم الضغوطات الرهيبة التي تمارسها القوى الإقليمية والدولية للضغط على السلطات المصرية والتونسية - التي نتجت عن ثورتي البلدين - لمنعها من تحقيق أي نجاحات تذكر نحو تكريس الديمقراطية والحرية والازدهار الاقتصادي والمعيشي لشعبيهما، خوفاً من أن يؤدي ذلك لدفع الشعوب العربية الأخرى نحو الثورة، ويخرج البلدين من ربقة قوى الهيمنة والاستكبار، حيث تمارَس على الدولتين أشد أنواع الضغوطات لفرملة قطار التغيير فيهما ومنعه من التحرك.. حتى وإن أدى ذلك لتدمير البلدين!
أما ليبيا فربما يدفع التدمير الذي تعرضت له خلال الحرب التي أعقبت ثورتها قواها السياسية بالانشغال بعملية التعمير الذي سيشمل معظم أنحاء البلاد المدمرة، وربما يساعدها على ذلك التوازن الذي أفرزته انتخاباتها البرلمانية بين القوى الإسلامية والقوى اللبرالية، حيث فاز المرشح المدعوم من الإسلامين برئاسة البرلمان بينما فاز المرشح المدعوم من اللبراليين برئاسة الحكومة.
ونتابع جميعاً هذه الأيام غليان الأوضاع في مصر وتونس بين قوى التيار الإسلامي من جهة وقوى تيار الحداثة من جهة أخرى (مع تحفظنا على التسميتين لرفضنا احتكار أي طرف على الساحة تمثيل الإسلام أو الحداثة أو المدنية من دون الأطراف الأخرى) وهي القوى التي تشاركت في تفجير ثورتي البلدين، ولا يخفى دور فلول النظامين السابقين في إشعال أوار ذلك الصراع الذي يوشك على تدمير العلاقة بين قوى الثورة من الإسلاميين والحدثيين، ويبدو لنا في الأفق تحالف جديد يجمع قوى الحداثة في البلدين بفلول النظامين السابقين لمواجهة ما يسمونه هيمنة الإسلاميين على السلطة وممارستهم الإقصاء ضد شركائهم في الثورة بحجة حصولهم على الأغلبية في الانتخابات التي أجريت عقب نجاح الثورتين.
دعونا نقول أيضاً بأن إقصاء أعضاء الحزبين الحاكمين السابقين في مصر (الحزب الوطني) وتونس (التجمع الدستوري) من الحياة السياسية ساعد على دفعهم لتدمير الحياة السياسية في البلدين من منطلق \"عليً وعلى أعدائي\"، وربما لا نجافي الحقيقة إن قلنا بأن ذلك كان بمثابة خطأ استراتيجي للثورتين المصرية والتونسية، لأنه ليس من الصواب اعتبار كل رجالات مبارك وبن علي أناس أشرار؛ فمنهم الطالح ومنهم الصالح، وكان يمكن استبعاد من يثبت فساده واستبداده فقط عن طريق وضع معايير تضبط عملية تولى المناصب المختلفة سواء عن طريق الترشح أو التعيين، وتتعامل مع أفراد وليس مع تنظيمات.
ويحسب للثورة اليمنية أنها تجنبت مثل ذلك المصير، وربما ستسير على خطاها الثورة السورية التي توشك على الدخول في النموذج اليمني.. ولكن بعد خراب (مالطا) مع الأسف الشديد، لأن ثورات الربيع العربي التي يفترض أنها قامت ضد سياسات الإقصاء ما ينبغي لها أن تقصى الآخرين لمجرد انتماءاتهم السياسية السابقة أو الحالية، ونشاهد هذه الأيام ما فعلته سياسة الإقصاء في العراق ضد المحسوبين على النظام السابق التي دفعت بعض مناطق البلد لتفجير ثورة شعبية عارمة.
ما نراه في مصر وتونس بعد نجاح ثورتيهما يجعلنا نقول بحزن شديد: بأنه لا الحكام أجادوا الحكم، ولا المعارضون أجادوا المعارضة، فقد صارت السلطة لكلي الفريقين غاية وليس وسيلة، الأمر الذي يتطلب من كل الأطراف إعلاء مصلحة الأوطان على مصالح الأشخاص والأحزاب والجماعات، والاتجاه نحو سياسة المشاركة وليس المغالبة؛ على الأقل خلال فترة انتقالية من عمر الثورة لا تقل عن خمس سنوات.. نعم الاحتكام للصندوق شرط أساسي للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة المدنية الديمقراطية، لكن من الصعوبة أن يجد شركاء الثورة أنفسهم وقد أصبحوا خارج إطار السلطة لمجرد أن الطرف الآخر حصل على أغلبية نسبية في الانتخابات، وإن كان ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال شرعنة الانقلاب على الرؤساء والمجالس المنتخبة لمجرد أن النتائج أتت بما لا تهوى أنفسنا.
ما سبق يحتم على دول الربيع العربي الأخرى ومنها اليمن الاستفادة من تلك الدروس لنضمن بأن تضحيات الشهداء والجرحى وكل الثوار لم تضع هباءً، وأن أحلامهم التي أخرجتهم لبناء دول مدنية ديمقراطية مزدهرة لن تذهب هدرا. أما قوى الهيمنة الإقليمية والدولية التي تركز جهودها لتفجير ثورات مضادة لفرملة ثورات الربيع العربي، مستغلة فقر دول الربيع وعجزها المالي، فيمكننا التغلب عليها بإطلاق الطاقات الإبداعية والاستثمارية، وتصحيح معايير التنافس، وإغلاق مواخير الفساد والعبث وسوء الإدارة التي ما زالت تلتهم معظم مدخولات تلك الدول وتعيق حركة التطوير والبناء فيها.
وإذا كانت ثورات الربيع العربي قد اشتعلت في بداية أمرها في الجمهوريات العربية التي اتجه رؤساءها لتوريث السلطة لأبنائهم (مصر واليمن وليبيا) أو لأحد أقاربهم (مشروع توريث بن علي السلطة لزوجته وعائلتها)، أو دول كان قد نجح فيها مشروع التوريث (سوريا) فلا يعني ذلك أن الربيع العربي سيتوقف عند ذلك الحد، فها هي مراجل الثورة تغلي في العديد من الأقطار العربية، الجمهورية منها والملكية، مثل العراق وموريتانيا والسودان والبحرين والأردن والكويت وغيرها.
وحتماً لن تتوقف ثورات الربيع العربي عند ذلك الحد وستمتد في نهاية المطاف لتشمل كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج. وفي حقيقة الأمر نستطيع القول بأن آثار الربيع العربي قد وصلت إلى جميع الدول العربية دون استثناء، سواء من خلال الحركات الاستباقية للتغيير التي شهدتها بعض الأقطار العربية وعلى رأسها المملكة المغربية، أو من خلال تسابق الأنظمة العربية لتحسين أوضاع شعوبها ومنحها مزيداً من الحرية والحياة الكريمة.
فلولا الربيع العربي لما شاهدنا المرأة في مجلس الشورى السعودي، ولما شهدنا انتخابات بلدية تنافسية في سلطنة عمان، ولما سمحت الإمارات لمواطنيها بحق انتخاب نصف مجلسها الاستشاري، ولما تسابقت الحكومات في مشرق الوطن العربي ومغربه لتحسين الأوضاع المعيشية لمواطنيها.. والبقية أتية لا محالة، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.