ماذا يريد جفران الجدعان؟… إضاءة مأرب والجوف أولاً
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 19 يوماً
الجمعة 20 يناير-كانون الثاني 2012 12:53 ص

almaweri@hotmail.com

مشكلة الفيدرالية بالصورة التي يتخيلها الأكاديميون والسياسيون أنها يصعب فهمها على المواطن العادي، ولهذا سأطرح هنا على مؤتمر الفيدرالية الدولي في حضرموت نماذج مبسطة من المطالب والفوائد التي يتوقعها من الفيدرالية المواطنون العاديون من أجل إعادة صياغتهم بأسلوب الأكاديميين المعقد، أما المواطنون فهم أكثر صراحة وأكثر بساطة وأقل تلوثاً بالأجندات السياسية.

ـ جفران (شباب) الجدعان في مأرب على سبيل المثال لهم مآخذ على دولة الوحدة وحكومة الوفاق الجديدة أخطر من مآخذ شباب الحراك الجنوبي عليهما.

وصدقوني يا سادة يا كرام أن صنعاء لن ترى نور الكهرباء يوماً كاملاً أبداً منذ الآن، ما لم يلتفت الوزير صالح سميع والعم باسندوة لمطالب الجدعان وجهم ودهم وعبيدة ومراد.

لقد كان كاتب هذه السطور من أشد المعارضين للمحاصصة المناطقية والحزبية في التشكيلات الحكومية المتعاقبة، ولكني اكتشفت على بصيص شعاع من ضوء شمعة أن إلغاء المحاصصة في اليمن لا يعني سوى حرمان مأرب والجوف من المشاركة السياسية في التشكيلات الوزارية المتعاقبة، منذ أن اقتحم بطل مأرب علي عبدربه القاضي نوافذ سجن البشائر من داخله إلى خارجه متحدياً جبروت صنعاء قبل أكثر من ثلاثة عقود.

ولهذا كانت آخر مرة تنعمت فيها صنعاء بضوء الكهرباء دون انقطاع هي فترة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي - رحمه الله - ليس لأن الرجل كان مخلصاً ومحباً لبلده فهذا أمر معروف عنه، وليس لأن عدد سكان العاصمة كان محدوداً بالمقارنة مع عددهم الآن، ولكن لأن ابن مأرب المقدم محسن اليوسفي - عافاه الله - كان وقتها وزيراً للكهرباء، أقصد وزيراً للداخلية، فلم يكن لدينا في زمن الحمدي وزارة للكهرباء ولا للمياه، ولكن كان لدينا كهرباء ومياه، ومنذ أن استحدثنا لهما وزارة ثم وزارتين بدأت الكهرباء تترنح في مدننا والصنابير تتدلى في منازلنا تخرج لنا الهواء بدلاً من الماء.

ولكن ما علاقة كل هذا بالفيدرالية؟ العلاقة وثيقة جداً؛ لأن الفيدرالية تتضمن وصفة سأتحدث عنها في حلقات قادمة عن أهمية إشراك الجدعان في المصلحة، أي جعلهم يدافعون عن أبراج الكهرباء وأنابيب النفط؛ لأن لهم مصالح فيها.

أما أن تمتد أسلاك الكهرباء من مأرب إلى جميع أنحاء اليمن ومأرب نفسها لا يضاء فيها إلا المجمع الحكومي فهذا يعني أن حكومتنا الجديدة تخطط لمنح وكالات تصنيع أو استيراد الشمع لقبائل الجدعان.

ألا يكفي أننا أقصينا أبناء مأرب والجوف من أي منصب وزاري في التشكيل الوزاري الأخير، ونريد أن نقصيهم أيضاً من الكهرباء والغاز والبترول النابع من أراضيهم.

ولهذا أقترح على الوزير صالح سميع - إذا كان يريد النجاح لوزارته - أن يطلب تحويله إلى نائب وزير ويرشح شخصاً بديلاً له في منصبه من قبائل الجدعان، وسيرى حينها أن أبراج الكهرباء أصعب من أبراج دبي في إمكانية ثنيها، وإذا لم تعجبه الاستقالة فعليه أن يغير خطته تماماً عن طريق تأجيل موضوع إضاءة صنعاء ويبدأ بالتركيز على إضاءة مأرب والجوف أولاً. وعندما ينتهي من إضاءة مأرب والجوف يبدأ بإصلاح أبراج الكهرباء الممتدة إلى صنعاء ويعمل على إضاءتها.

ويجب أن يحمل الوزير معه حقيبة الزر الكهربائي مثلما يحمل الرئيس الأميركي حقيبة الزر النووي، وعلى حامل الحقيبة أن يكون جاهزاً لضغط زر إطفاء الكهرباء عن قبائل الجدعان في أية لحظة يسقط فيها أحد الأبراج، أما إذا ظلت مأرب مظلمة فلن يجد الوزير أية وسيلة يضغط بها لإيقاف العبث بأسلاك الكهرباء سوى محاولة تهديدهم بحجب ضوء القمر عن أجوائهم.

- جفران عدن من جانبهم يريدون أن ينظموا السير داخل مدينتهم بشرطة من بينهم، وأن يفرضوا النظام بقيادات من أبناء وبنات عدن يعيدون انتخابهم إن أحسنوا أو ينتخبوا غيرهم إن أساؤوا. ولا يحبذ أبناء وبنات عدن أن يعبث بمدينتهم جفران مستوردين من الجدعان أو من ردفان، ولا صبيان من ضوران أو بعدان. أبناء عدن لا يريدون صناع قرار في مدينتهم قادمين إليها من خارجها.

ولا يهم العدنيون إن كان العابثون قادمين من الحوطة أو الخوخة من بيحان أو حيفان من الصبيحة أو القبيطة، من خدار أو جعار، فكلهم دخلاء على المدينة الرائعة، ولا مانع لدى المدينة من دخول الزوار إليها من أية منطقة، ولكن المدينة الجميلة تكره دخول أي بشر إليها دخول فاتحين حتى لو كانوا إنجليز.

أهالي عدن يريدون أن يحافظوا على جمال مدينتهم على ذوقهم هم وليس على ذوق العوذلي أو العوبلي، ولا على ذوق البيشي أو القيسي، ولا الجفري أو الوشلي.. يريدون أن يشرفوا على موارد مينائهم بكوادر مدربة منهم، وأن يستقدموا لإدارة الميناء الشركات التي تروق لهم بالشروط التي تدر الخير لأحفاد أحفاد أحفادهم وليس لجيوب خبراء موانئ صعدة وذمار ورداع. وباختصار شديد فإن أبناء عدن يريدون أن يجربوا حكماً جديداً رشيداً أو حتى قمعياً بشرط واحد فقط هو أن يمارس القمع عليهم جلادون من أبناء المعلا وكريتر أو البريقة وخور مكسر، فقد ملوا من قيران وخولان وسنحان وردفان، حتى وإن تجاهلهم وضاح خنفر.

- محافظة صعدة - كمثال ثالث - تريد أن يتحول أبناء قبائلها الذين نسميهم نحن حوثيين إلى رجال شرطة معترف بهم رسمياً يكافحون تجارة المخدرات ويحفظون الأمن في محافظتهم، ويجمعون الزكاة لصالح المحافظة، ويصبحون حماة للنظام والقانون وسنداً للدولة بدلاً من متمردين ضدها.

وتريد صعدة أن يتضمن الأذان في مساجدها “حيا على خير العمل” بكل حرية وأن يحتفلوا بيوم الغدير وجمعة النهدين أو بأية جمعة يرونها مناسبة لهم دون خوف من عقاب أو إرهاب. ولا يريد أبناء المحافظة أي وادعي جديد في محافظتهم مهما كانت وداعته؛ لأن حساسية أبناء المحافظة ضد السلفيين أقوى من حساسيتهم ضد البنسلين، وهذا شيء يخصهم، فما دخل صنعاء وتعز وعدن به.

ولا مانع لديهم أن تهديهم الشقيقة أبين الحضرمي حسين زيد بن يحيى، ولكن الأهم من ذلك أن تبادر أبين إلى نقل مركز دماج السلفي إلى شقرة أو مكيراس لضرب عصفورين بحجر واحدة. والعصفوران هما بن يحيى وأبناء السلف الصالح.

ـ أبناء كندة في حضرموت هم رجال أعمال يجري الاقتصاد الحر في عروقهم مثلما يجري الفيد في دمائنا، ولهذا فهم يدركون أهمية الأسواق المليئة بالبشر، وبالتالي أهمية الوحدة، ومطالب الحضرمي بسيطة جداً، وهي الفرص المتكافئة خصوصاً داخل حدود إقليمهم.

الحضرمي يريد أن يكون له الحق أن يفتح مصنعاً أو متجراً أو معملاً في بلاد آبائه وأجداده دون أن يسافر إلى صنعاء أو عدن للحصول على ترخيص، وتريد حضرموت أن يكون من حق ابنها العزيز بقشان مشاركة البنك الدولي في بناء مصنع اسمنت لتعمير حضرموت دون أن يدفع عشرة في المائة لأحد النافذين، ولا أن يضطر قسراً لشراكة آخر كي يحميه.

الحضرمي يا سادة هو ابن الشرق يعشق الوحدة ويعشق الجنوب والشمال ولا يريد أن ينظر إليه الشمالي والجنوبي بأنه يسعى للانفصال أو الاستئثار بثرواتهم الموجودة في أرضه.

الحضرمي ليس لديه مصلحة في الانفصال عن جلده، ولكننا يجب أن نتوقف عن سلخ جلده، وإذا ما توقفنا عن نهب حضرموت وتخوين أهلها بأنهم يسعون لفك الارتباط عنا فإن الحضرمي لن يمانع أبداً من تحويل عاصمته المكلا إلى عاصمة جديدة لليمن الطبيعي والسياسي بدلاً من صنعاء التي يمكن أن تتحول إلى مدينة أشباح؛ بسبب نضوب المياه واستمرار الحروب داخلها.

ولو كنا أذكياء ونقلنا عاصمتنا إلى المكلا وتركنا إدارتها لأبناء حضرموت لتحولت دولتنا إلى عاصمة كبيرة للأمة الإسلامية كلها من جاوة شرقاً إلى نواكشوط غرباً.

الحضرمي يا سادة يعاني بصمت وألم كبيرين من اضطهاد السلفيين له في كل الأراضي الخاضعة لهيمنة القصيم، وينتظر في أية لحظة أن يعود لممارسة اليوغا والرياضة الصوفية بحرية في بلاده حضرموت دون أن يخشى تكفير مطوع أو سخرية حامل عصا.

الحضرمي يا سادة يجمعه بالحوثي حب آل البيت ويجمعه بغيرهم حب الصحابة، ويجمعه بالغرب الصدق والأمانة، ويجمعه بالشرق حب العمل والإجادة، ويجمعه بتوكل كرمان حب السلام والسلمية، ولهذا فهو كائن يجمع في أعماقه كل جميل وينبذ من أعماقه كل قبيح، وأمله هو أن يدير شؤونه في حضرموت بنفسه دون أن يتدخل في شأنه لا الماوري ولا العوامي ولا حتى باسندوة، وهو مستعد أن يترك لنا الريادة في إدارة الشأن الخارجي والشأن الدفاعي شريطة أن نترك له ما دون ذلك.

والحضرمي لا يسره أن يتعامل اليمنيون مع إقليم حضرموت الأكبر كما يتعاملون مع المحويت أو أبين أو شبوة، فالحضارم مهما صمتوا إلا أن انقباضهم لن يطول من مساواة إقليمهم الكبير الضارب في عمق التاريخ والجغرافيا مع محافظات مستحدثة لا يدرون كيف جاد بها الزمن.

فلا يوجد في التاريخ شيء اسمه شبوة إلا تلك المدينة الأثرية المندثرة التي كانت يوماً ما عاصمة لحضرموت نفسها، أما ما يقال عنها شبوة حالياً فهي نتاج دمج قسري بين أرض العوالق العليا وبيحان، وغيرها.

وأما أبين فهي سلطنة الفضلي وجمهورية دثينة وضموا إليهما أيضاً أجزاء من أراضي حضرموت التاريخية ومن بلاد العواذل وغيرها، ولعبوا بالتركيبة الوراثية للبشر مثلما يلعب الأميركان بالتركيبة الوراثية للقمح والشعير.

لقد غيروا الخارطة الاجتماعية والقبلية لأسباب سياسية، وأيديولوجية خائبة، ولكنهم عجزوا عن إلغاء هوية حضرموت الوادي والساحل أو تحويلهما إلى دائرة صغيرة تشبه الرقم خمسة.

باختصار شديد يا سادة يا كرام: حضرموت ليست تابعة لعدن ولا تابعة لصنعاء وإنما تشكل مع صنعاء وعدن الأضلاع الرئيسية للدولة اليمنية الفيدرالية المنشودة الحديثة.