أسير حوثي في ضيافة محافظ الجوف

الخميس 18 فبراير-شباط 2016 الساعة 05 مساءً / مأرب برس -يوسف حازب
عدد القراءات 4151

في جبهات القتال الدائرة حاليا بمنطقة خب والشعف شمال شرق محافظة الجوف، يقع عشرات الاسرى من مليشيا الحوثي والمخلوع بأيدي قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.

يستسلم أولئك تحت ضغط نيران الجيش والمقاومة، رغم خشيتهم من مصير القتل ذبحا كما يقول لهم قادتهم الذين يلقون في مسامعهم ليل نهار انهم في مهمة تحرير اليمن من الدواعش والامريكيين وجهاديين من باكستان وافغانستان.

يكتشف الأسرى الحوثيين - وهم أطفال في غالبيتهم ومعهم كبار نادرا - أنهم في ورطة بعد معرفتهم أن من سلموا انفسهم لهم هم يمنيين، بعد سيل من عبارات الطمأنة والسلوان يتلقاها الاسرى من اخوانهم ابناء المقاومة والجيش الوطني.

يقف اخواننا الاسرى حيارى في لحظات استغراب يتخللها حسرة المذهول.. هل نحن أسرى أم ضيوف لدى أعز الناس لنا؟.

يقول الاسير ببساطة القبيلي مستغربا " هوذا يقولوا لنا انكم تذبحوا الناس" .. يرد عليه احد المقاومين: نحن اخوانكم فقط نحن دافعنا عن انفسنا نريد ان نستعيد حقوقنا ونأخذها ممن قتلوا اخواننا وفجروا بيوتنا وهجرونا وهدموا مساجدنا.

يصمت الاسير مستغربا.. ثم ينطق بكلمة" انا بارد".. فتنهال عليه الجاكتات العسكرية ويرمي اليه احدهم بطانيته "انت بين اخوانك"فيتنفس الاسير الصعداء " الحمدلله".

في موقف انساني بحت يستضيف محافظ محافظة الجوف اللواء حسين العجي العواضي (طفلا) أسيرا حوثيا في مقر عمله بالمجمع الحكومي بالحزم، ويتجاذب معه اطراف الحديث في لقاء ودي يعبر عن اخلاق الكبار وصفات القادة وعن اخلاق ممثلي الشرعية ومسانديها.

وفي الجلسة الودية، يجلس محافظ الجوف على كرسي مجاور ومماثل لذلك الكرسي الذي يجلس عليه الأسير الطفل الذي وقع في شراك جماعة تنتهج التطرف دينا والموت وسيلة لتواصل بكل جفاء وغلظة حرق الطفولة البريئة كوقود لمعركتها الخاسرة ضد الوطن الكبير وابنائه.

يتحدث الاسير بنفسية عالية اعلتها الحالة التي عاشها خلال الساعات الاولى بجوار ابطال الجيش والمقاومة حيث عاش وكأنه ضيفا لا مقاتلا او عدوا.

يكشف المحافظ عن سوءات جماعة الحوثي وما جلبته للوطن ولليمنيين من شر محض وما اوصلت البلد اليه من حالة رداءة ودمار يصعب معالجتها الا بعد سنوات طويلة، بينما يرقب الاسير بعيني طفل سرقه الحوثيون من اسرته، مشهد ذلك الدمار، الذي خلفته المليشيات وجعلته هو شخصيا جزءا من ادوات ذلك الفعل المشين.

يقول المحافظ ان الحوثيين والمخلوع اضطرونا لحمل السلاح للدفاع عن ماتبقى من كرامة لليمنيين وعن ما تبقى ايضا من وطن كان على وشك تسليمه لدولة فارس التي تعيش حالة ثأر معنا نحن العرب منذ مئات السنين.

وعلى مائدة الغداء، يرفض العواضي الأب إلا ان يظل الأسير (الطفل) الى جواره، كأنه يقول للحضور " هؤلاء ابناؤنا الذين اضاعهم المخلوع ودولته الهشة، وشردهم وجعل منهم قرابين واشياع لجهلة لا يعرفون شيئا سوى سحق اجساد الغلابى وسفك دماء الابرياء" .

يعترف ذلك الطفل بوقوعه في خطأ - ربما انه لم يدرك بعد فداحته - وعن هذا يكتفي بالقول " ودفوا بنا".

لا يخفي بعض الأسرى الحوثيين اعتقادهم بأنهم يقاتلون في أراضي المملكة العربية السعودية، بينما لا يعرف بعضهم في اي ارض هم، فالمهم لديهم هو قتال "مرتزقة العدوان" الكلمتان اللتان ترددتا على اسماعهم آلاف المرات، فمجرد ارسالهم الى جبهات القتال يأخذ قادتهم منهم هواتفهم وكل أدوات الاتصال والتواصل، ليبقى الجميع أسرى لدى (أبو مدري من) الذي يملك جهاز اتصال عسكري لا سلكي.

هؤلاء منذ أن خرجو من بين أهلهم لم يتواصلوا بهم ولو لمرة واحدة.. فقدوا الشعور بكل شيء جميل ولطيف.. واخرجتهم المليشيات من اطار الانسان البريء الى حاقدين ومجرمين وقتلة ووحوش بشرية".

يأمر المحافظ بالسماح لأخينا الصغير بالتواصل مع أسرته، وهو ما يعيد الى الاذهان مشهدا مماثلا للمحافظ مع اسرى حوثيين قبل عدة اسابيع خلال مشاركة المحافظ في عملية تحرير مناطق واسعة في جبهة خب والشعف.

وقف المحافظ حينها بعد ان علم بوجود اسرى حوثيين ليستمع منهم وليسمعهم حديث الدولة التي حاول الحوثبون وعفاش ان يختطفوها ثم يسلموها لايران.

أكد المحافظ حينها ان الدولة حاضن للناس جميعهم لكنها لن تسمح بالتمرد عليها وأن كل من ظن ان الدولة ضعيفة فهو واهم ولم يع الحقيقة، فالدولة هي الشعب الذي استهتر به الحوثيون والمخلوع لكنه اذاقهم الويلات وعرفهم انه يجب على كل الجماعات كائنة من تكون احترام الدولة ومؤسساتها.

طمأن المحافظ جميع الاسرى سابقهم ولاحقهم بأنهم في أمان وأمر بالسماح لهم بالبقاء على اتصال مستمر مع اسرهم واهليهم للاطمئنان عليهم.. مؤكدا انه لم يكن يريد ان يراهم في هذا الوضع الذي ورطتهم ووضعتهم فيه قيادتهم الانقلابية.

يتبادل الجميع مع الجميع الحديث والكلام دون بنادق ™>ڈژخنادق ليكتشف المغرر بهم انهم خدعوا وان هؤلاء (المقاومون والدولة ممثلة بالمحافظ) هم اهلهم الحقيقيون وانهم احرص عليهم من اولئك (المليشيات الانقلابية وقادتها) الذين يرسلونهم الى حتفهم، قبل ان تتداركهم عناية الله بوقوعهم اسرى لا قتلى.

يسعف المقاومون والجيش، الجرحى من اسرى الانقلابيين ويقدمون لهم ما يلزم كواجب انساني واخلاقي يتمتع به كل من ينضوي تحت لواء السرعية.

هؤلاء (المقاومون جنود الشرعية وممثلوها) ابطال الوطن الاحرار يعيشون اجواء الحرية ويشعرون الاخرين بها حتى من قاتلهم ووقف ضدهم، لأنها ديدنهم الذي لا يستطيعون الفكاك منه او الانقلاب عليه.

وبقدر الفخر بالتصرفات الانسانية للمقاومة والجيش الوطني، فإنه ينتابك الحزن ايضا وانت تستمع الى أسير حوثي لتكتشف حجم التدمير النفسي الذي ارتكبته المليشيات بحق المواطن المدني البسيط وحولته الى ما يشبه روبوتا لا يستطيع التحكم بشيء حتى في نفسه.

وهنا فإنه يقع على عاتق الدولة ومؤسساتها والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني القيام بعمليات تأهيل مكثفة لإعادة روح الانسان الى هؤلاء لينخرطوا من جديد في المجتمع اليمني الذي لم يعرف التطرف الا بظهور جماعات الموت الذي باتت قاب قوسين او ادنى من حتفها.