قراءة في شخصية علي عبدالله صالح
بقلم/ أحمد غراب
نشر منذ: 18 سنة و 3 أسابيع و يوم واحد
الثلاثاء 17 أكتوبر-تشرين الأول 2006 02:30 م

أن تجلس مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وتتجاذب معه أطراف الحديث فذلك يعني أن تكتشف الكثير من الصفات والأبعاد والدلالات الشخصية التي يتميز بها هذا الزعيم العربي. فتلقائيته الواضحة والمباشرة في الحديث وجرأته غير العادية في تغليب الصدق والواقعية على السياسة والدبلوماسية في أحيان كثيرة تجعل من تجربة اللقاء الصحفي معه فرصة ذهبية ممتعة قلما أن تتكرر.

ولعل ما يثير إستغراب الكثير من الصحفيين العرب والعالميين الذين التقوا بالرئيس صالح هو أن الاخير يمتلك سرعة قياسية في البديهية والتفكير والتحضير للإجابات والكشف عن خلفيات ودوافع الاسئلة الموجهة اليه بطريقة تلقائية تجعل الصحفي الواقف امامه يبدو مبتسما ومحرجا في نفس الوقت.

ورغم ان البساطة والتقائية والهدوء النفسي تعد من أبرز الملامح الشخصية المميزة لصالح إلا ان هناك الكثير من السمات الشخصية التي جعلت منه الرجل الاقوى في اليمن منذ تسعة وعشرين عاما. وحتى فوزه بولاية رئاسية جديدة من سبع سنوات تضاف الى السنوات الطويلة السابقة التي ظهر فيها صالح بصفات قيادية وشخصية تمثل جميع الصفات والملامح الايجابية القوية لجميع فئات المجتمع اليمني: المدنية والقبلية والعسكرية والدينية كذلك.

الرئيس اليمني مثقف واسع الاطلاع يحرص على تطوير قدراته وامكانياته الشخصية قبل السياسية ولعل طموحه العلمي والثقافي مكنه من السعي الى دراسة مشروع الوحدة اليمنية علميا ونظريا وتاريخيا ثم تطبيقها بشكل عملي وواقعي في الثاني والعشرين من مايو 1990. وعبر إنجاز الوحدة اليمنية استطاع صالح ان يوحد التعليم في جميع أنحاء اليمن بعد ان وحد الشطرين السابقين في كتلة جغرافية وسياسية واقتصادية وامنية واحدة كما تمكن صالح من نشر التعليم الحديث ليطال كل شبر على الخارطة اليمنية وكان له الفضل الاول في انهاء عصور الامية النسائية من خلال فتح ابواب المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية الحديثة امام النساء مثلما هي امام الرجال ومن خلال منجز الوحدة اليمنية استطاع صالح ايضا ان يصوغ تجربة الوحدة اليمنية الناجحة بشكل نموذجي واستثنائي على المستوى العربي في رسالة علمية منهجية واكاديمية استطاع من خلالها نيل شهادة الدكتوراه بامتياز عن الوحدة اليمنية من جامعة سيول العالمية.

ويتميز صالح بقوة شخصية نافذة تظهر واضحة من خلال نظراته الثاقبة ونبرة صوته القوية فهو عسكري ماهر ومتمرس يجيد استخدام جميع الاسلحة العسكرية ويحرص على تطوير قدراته القيادية العسكرية ومعروف عنه عشقه للفروسية وحرصه على تولي قيادة أي شيء يركبه ابتداء من سيارته الشخصية الخاصة التي يخوض بها جبال اليمن الوعرة وسهولة الصحراوية دون كلل او ملل ووصولا الى قيادة الدبابات والاليات العسكرية والطائرات المروحية.

وعرف عن صالح قبل توليه الحكم بلقب "تيس الضباط" وهذه هي الصفة التي يطلقها القادة العسكريون في اليمن على العقل العسكري الشجاع والمغامر والماهر بفنون القتال. ويحكى ان احد رؤساء اليمن السابقين وهو عبدالله الحمدي تنامى الى سمعه صفات الشجاعة العسكرية التي يتميز بها صالح فاستدعاه وقال له "يقولون عنك انك تيس الضباط. ثم اضاف متحديا ومراهنا: اذا كنت كذلك حقا فأنا اتحداك ان تتخطى غدا الحراسات العسكرية وتصل الى المنصة الرئيسية في ميدان السبعين وهو المكان الذي تقام فيه الاحتفالات الرسمية للبلد". بعد ذلك أعطى الرئيس الحمدي تعليماته المشددة الى القوات العسكرية في العاصمة صنعاء ومنافذها بعدم دخول الضابط علي عبدالله صالح وكانت المفاجأة المذهلة عندما ذهب الرئيس الحمدي للاحتفال الرسمي المقام في السبعين فوجد على عبدالله صالح جالسا امامه على المنصة الرسمية عندها ادرك الحمدي ان الرجل ادهى واذكى واشجع مما يتصور.

ولأهمية الخبرة العسكرية الفذة التي صاحبت صالح منذ مطلع شبابه فقد حرص رؤساء اليمن السابقين على الاستعانة بقوة هذا الرجل وحزمه وخبرته العسكرية والقبلية لمواجهة أي طارئ او تهديد امني لاستقرار البلد خصوصا وان قدرات صالح في القيادة العسكرية ساعدته في ترقي المناصب والرتب العسكرية الى ان صبح قائدا عسكريا للواء تعز الذي كان يمثل محورا عسكريا هاما في البلاد وجعل من صالح شخصية قيادية مهمة لها دورها الكبير في المحافظة على أمن واستقرار البلد.

من ناحية اخرى فإن صالح يعتبر رمزا قويا للقبائل اليمنية. فهو رجل قبلي اكتسب جميع عناصر القوة والشجاعة والشهامة القبلية ويعرف بحرصه على المحافظة على الاعراف والتقاليد الايجابية القبلية فهو رجل قبيلي ينتمي الى واحدة من اكبر واقوى القبائل اليمنية وهي قبيلة حاشد ويعتز صالح ويفاخر بجميع القبائل اليمنية وكثيرا ما يتصرف بطريقة تجعل منه نموذجا قبليا مثاليا بالنسبة للقبائل اليمنية من خلال حرصه على المحافظة على اصول وعادات اعراف القبائل الحسنة شكلا ومضمونا حيث يحرص على اظهار ثقافته القبلية ومعرفته بجميع القبائل وعلاقاته بأفرادها ومشايخها بالاضافة الى يحرص على ممارسة جميع الطقوس الايجابية للقبيلة في عادات الاعراس والعزاء والاعياد كما انه يحرص على ارتداء الزي القبلي في المناسبات الداخلية والخارجية حتى اثناء زيارته لواشنطن حرص على ارتداء الزي القبلي الامر الذي يجعله دائما مبعث فخر لجميع القبائل اليمنية ويمكنه من الحصول على الدعم القبلي وقد استطاع صالح ان يحظى بهذه المكانه الكبيرة بين القبائل اليمنية من خلال ايجاده لمؤسسة مدنية خاصة بشؤون القبائل اليمنية وحرصه على تعليم جميع ابناء القبائل وتزويد مناطقهم بالمدارس والمستشفيات ومؤسسات الدولة الحديثة وحرصه على تعليم ابناءهم وابتعاثهم الى الخارج والاهم من هذا وذاك هو دوره في فض النزاعات القبلية وانهاء ظاهرة الثأر القبلي.

وتبدو المهارة والحنكة والذكاء السياسي هو الصفة الابرز والغالبة على الرئيس اليمني حيث تخلى صالح المولود في 1942 سريعا عن الزي العسكري لارتداء البدلات الانيقة وفي المناسبات اللباس اليمني التقليدي مع جنبية (خنجر معقوف الحد) في الحزام. وكان صالح التحق بالجيش بعد فترة دراسة قصيرة وشارك في 1962 في الاطاحة بنظام الامامة واقامة النظام الجمهوري. واتاحت له قدراته القيادية الترقي سريعا في المراتب العسكرية كما ان براعته السياسية تتضح من خلال منجز الوحدة اليمنية الذي يعتبر اهم انجاز حققه وقد اصبح رئيسا لليمن الموحد بعد دمج شطريه عام 1990.

وتجتمع الصفات القيادية السياسية في صالح مع الصفات العسكرية القوية حيث حرص على قيادة معركة المحافظة على الوحدة اليمنية من خطر الانفصال في عام 1994م حيث حافظ صالح على وحدة اليمن ليس بقوة السلاح فقط بل وبالدهاء السياسي والعسكري الذي مكنه على حسم معركة حربية لصالحه في ايام قياسية ومعدودة وذلك بعد ان سحق بمساعدة قوة من الاسلاميين محاولة جنوبية للانفصال واتاح له هذا الانتصار التفرد بالسلطة في اليمن بعد ان كان يتقاسمها مع القادة الجنوبيين السابقين.

 

 

كما ان صالح استطاع بصفاته السياسية القوية ان يتجاوز مصاعب اخرى خاصة الازمة التي سببها الغزو العراقي للكويت في 1990 واستطاع ايضا ان يفتح صفحة ذهبية جديدة من العلاقات بينه وبين الدول الخليجية وخصوصا السعودية واستطاع ان يضع بلاده على خطوات هامة باتجاه تأهيلها للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي.

بالاضافة الى ذلك فإن المرونة السياسية التي يتمتع بها صالح مكنته من اطلا ق مسارا ديموقراطيا بعد الوحدة حيث اتاح التعددية وحرية الصحافة كما نظم انتخابات تشريعية عامي 1993 و1997 اضافة الى انتخابات رئاسية في 1999. وكان منافسه الوحيد في الانتخابات الرئاسية نجيب قحطان الشعبي وهو عضو في الحزب الحاكم ايضا ونجل رئيس اليمن الجنوبي سابقا، غير انه لم يحصل الا على 7.3 بالمئة من الاصوات.

عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
علي محمود يامن
عبدالفتاح … المفكر القائد والاديب المنظر
علي محمود يامن
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
د. محمد معافى المهدلي
سباعياتٌ في بعض أحكام الفقه الواجب كتمها
د. محمد معافى المهدلي
كتابات
ماذا لو مات الرئيس ؟
لطفي شطارة
مشاهدة المزيد