المرتزقة في العراق... مهمات قذرة
بقلم/ محمد علي حريصي
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 11 إبريل-نيسان 2007 05:08 م

مأرب برس ـ محمد علي حريصي

لا أحد يعرف بالضبط من هم هؤلاء، ولا عددهم. يأتون من كل مكان من العالم إلى العراق.. من أميركا ويتقاضى الواحد منهم مقابل ذلك آلاف الدولارات. 
 في العام 2004 أصدر الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر القرار رقم 17 الذي نص على أن يكون للمتعاقدين الأمنيين (الحصانة من الإجراءات القانونية العراقية في ما يتعلق بالأعمال التي يقومون بها بموجب شروط عقد مباشر أو غير مباشر).

 العراق تحول إلى مرتع للشركات الأمنية المتخصصة، ولمرتزقتها 
 ومع اتساع الفجوة الأمنية، تطور الأمر حتى بلغت الشركات الأمنية العاملة في العراق، بحسب مدير عام رابطة شركات الأمن الخاصة، أندرو بيريارك، عشرات أضعاف ما كانت عليه إبان فترة حرب الخليج الثانية. وقد ذكر تقرير لمكتب المحاسبة الحكومية الأميركية أن هناك حوالي 100 ألف متعهد في العراق حاليا، يعمل 48 ألفا منهم كمرتزقة، من دون مراقبة أو قيود قانونية فعالة.

 وأكدت الأمم المتحدة هذا الأمر في تقرير أصدرته مؤخراً واعتبرت فيه أن المرتزقة باتوا يشكلون القوة العسكرية الثانية بعد الجنود الأميركيين. وذكرت أن هناك عنصرا أمنيا خاصا واحدا تقريبا مقابل كل أربعة جنود أميركيين في العراق، بينما كانت النسبة واحدا مقابل خمسين خلال حرب الخليج الأولى.

 وقال عضو مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المسؤولة عن ملف المرتزقة خوسيه لويس غوميز برادو: إن هناك 160 شركة على الأقل تعاقدت مع حوالي 30 إلى 50 ألف رجل من كافة أنحاء العالم للقيام بمهمات أمنية محفوفة بالمخاطر في العراق.

 وتعتبر أميركا اللاتينية مصدرا مهما لتجنيد العاملين في هذه الشركات، حيث تكتظ بلدان مثل تشيلي وكولومبيا وغواتي مالا بمقاتلين ذوي خبرات قتالية، يمكن استدراجهم بالأجور المغرية. لكن الأمر لا يقتصر على أميركا الجنوبية، حيث يقول برادو: إنها ظاهرة عالمية. هناك مجندون من الفلبين ومن جزر فيجي وبلدان أخرى كثيرة. لا أحد يعرف بالضبط من هم هؤلاء الناس وكم عددهم. لا تعطي شركات الحماية أي معلومات عنهم. 

 مهمات قذرة

 وتخضع عملية التعاقد مع الشركات الأمنية هذه إلى سلسلة من الخطوات.. يكلف البنتاغون شركات الحماية بتنفيذ مهمات معينة.. تتعاقد هذه الشركات بدورها مع وكلاء أصغر يقومون بتجنيد أشخاص.. الشركات الصغرى غالبا ما تكون شركات غير مسجلة لكن الراغبين بالعمل يتم تحويلهم إلى شركات أخرى مسجلة رسميا حيث تتم مقابلتهم قبل تكليف شركة متخصصة بنقلهم إلى العراق.. يتضمن العقد موافقة على التخلي عن حقوق أساسية مثل حق الحياة، على اعتبار أن (المهمات القذرة) غالبا ما تترك على عاتق المرتزقة.

 وتشير الأمم المتحدة إلى أن العقد الذي يوقعه هؤلاء ينطوي أحيانا على أمور غير واضحة. والنسخة الأصلية للعقد هي باللغة الإنكليزية التي لا يتكلمها غالبية المرتزقة، كما أن القانون المطبق في العقد هو قانون الدولة التي تنحدر منها قوات الاحتلال.

 ويتقاضى المرتزقة رواتب تتراوح ما بين 1000 و1500 دولار في اليوم الواحد بالنسبة إلى القيادات، وما بين 300 إلى 500 دولار للمجند المرتزق العادي، وتتغير الأرقام تبعا لطبيعة المهمة المكلف بها والمنطقة التي يعمل فيها، حتى أن البعض قدر قيمة التعاقد السنوي مع المرتزق المحترف في العراق بحوالي 190 ألف دولار، وقد يصل أجره اليومي في حال التعاقدات القصيرة الأمد في المناطق الصعبة مثلا إلى 1000 دولار يوميا.

 وتتلخص طبيعة مهام المرتزقة في انتزاع الاعترافات من العراقيين باستخدام أنواع التعذيب أو حماية الشخصيات العراقية والأجنبية المهمة وتنفيذ اغتيالات ضد شخصيات، إضافة إلى تقديم خدمات قتالية لجيوش الاحتلال في الأماكن الساخنة، مثل الفلوجة والأنبار. غير أن هذه الشركات تساهم بشكل كبير في انهيار الأمن في العراق في ظل تورطها في العديد من الجرائم في مختلف المناطق. ويشتبه كثيرون بأنها تقوم بعمليات اغتيالات متبادلة بين صفوف القوى العراقية المختلفة، بغرض تحقيق أهداف سياسية معينة. كما يشتبه البعض بان هناك بين هؤلاء المرتزقة من يشارك في مجازر تقيد ضد مجهول.

 وقد عمدت بعض الصحف العراقية إلى الكشف عن بعض هذه الجرائم. وذكرت مثلا أن جماعات من الجنود المرتزقة أسسوا عصابات للجريمة المنظمة ومارسوا تجارة المخدرات والرقيق الأبيض وإدارة بيوت الدعارة. حتى أن بعضهم أسس شبكات تقوم باختطاف الأشخاص وخاصة الأطفال لاستئصال الأعضاء البشرية مثل الكلى والكبد للمتاجرة بها، فيما أتقن بعضهم الآخر تجارة الآثار.

 وتعتبر أستاذة العلوم السياسية في جامعة واشنطن ديبورا أفانت أن مقتل المتعاقدين، أقل كلفة سياسية من مقتل الجندي النظامي. وتقول: في كل مرة تكون هناك مهمة جديد تريد الحكومة الأميركية من الجيش القيام بها ولا تجد العدد الكافي لها، تلجأ إلى المرتزقة.. وتضيف: إلى جانب قتلى الجيش الأميركي الـ(3000) هناك ألف قتيل آخر لا نعرفهم.

 وفيما تشير الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 400 من المرتزقة في العراق منذ العام 2003 أحصت وكالة أسوشييتد برس حوالي 800 متعاقد قتيل إضافة إلى أكثر من 3300 جريح تم توظيفهم بموجب عقود موقعة مع البنتاغون.

 إشراف أميركي بريطاني

 يعتبر الفرنسي جان فيليب لافون، الجندي السابق في البحرية الفرنسية والذي خدم مرتزقا في عدد من الدول، من أوائل الذين أسسوا شركة أمنية في بغداد. واليوم، تقع معظم الشركات الأمنية تحت إشراف أميركي وبريطاني. وقد ذكرت نيويورك تايمز في نيسان العام 2004 أن أميركا وحدها جندت من 20 إلى 30 ألف مرتزق ما بين العسكريين السابقين والمدنيين.

 ويأتي على رأس شركات الأمن الخاصة (ريسك إستراتيجي غلو بال) البريطانية، التي تقوم بتأمين المواقع الرئيسة في العراق وعلى رأسها مقار سلطات الاحتلال. وهناك المنظمة الاستشارية للرقابة على الأخطار ومقرها لندن، وكذلك شركة (إجيس) للخدمات الدفاعية، التي تقوم بدور التنسيق بين أكثر من شركة أمن خاصة تعمل في العراق.

 وهناك شركات أميركية عديدة تقدم خدمات مماثلة، بينها (سوفان) و(هاليبرتون) و(واكنهات) و(بلاكووتر يو إس ايه) التي تحاول العمل بشكل سري. ومن الشركات المهمة من خارج بريطانيا والولايات المتحدة (ميتييوريك تاكتيكيل سوليوشنز) الجنوب أفريقية التي تهتم بحماية السفارات.

 وكانت (بلاكووتر) قد تصدرت العناوين في مطلع العام 2004 عندما قتل 4 من عناصرها وأحرقوا في مدينة الفلوجة. وعادت إلى الواجهة مؤخرا بعدما تم إسقاط إحدى مروحياتها في بغداد. وكان الرجال الذين قتلوا يوفرون الأمن لدبلوماسيين بموجب عقد مع وزارة الخارجية الأميركية قيمته 300 مليون دولار يعود إلى العام 2003 علما أن العقد الأول الذي حصلت عليه الشركة كان لحراسة بول بريمر. وتوفر الشركة ذاتها الأمن الخاص للسفير الأميركي زلماي خليل زاد.

 منجم ذهب

 تشير بعض التقديرات إلى أن هذه التجارة تدر أكثر من 100 مليار في العراق. ويقول مدير الشركة الأمنية البريطانية جانوسيان، ديفيد كلاريدج، لصحيفة ذي ستار: إن الشركات البريطانية وحدها حققت حوالي المليار ونصف المليار دولار أرباحا بعد عام ونصف عام فقط على غزو العراق.

 غير أنه مع تصاعد أعمال المقاومة وارتفاع أعداد قتلى المرتزقة وأرقام التعويضات التي تدفع لذوي هؤلاء المرتزقة إضافة إلى السوق المشبع وتراجع عدد عقود المقاولين، بدا أن تدفق الذهب يبلغ نهايته يوما بعد يوم، حتى باتت هذه الشركات تفكر بتصفية أعمالها في العراق والعودة إلى بلادها. ويأتي على رأس الشركات التي صفت أعمالها (كومبانيا) الرومانية و(أكزكيوتيف أوف كومس) الجنوب أفريقية.اللاتينية، من آسيا، أفريقيا، وحتى من الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عموما. مهمتهم الأساسية تقديم (الخدمات الأمنية)، لكنهم في واقع الأمر ينفذون اغتيالات، يتاجرون بالمخدرات، يديرون بيوت الدعارة..