يمنيه تتحدث ست لغات أجنبية
بقلم/ ليلى الفهيدي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الجمعة 06 إبريل-نيسان 2007 10:35 م

مأرب برس - ليلى الفهيدي

حظيت الطفلة فاطمة ذات الأربعة عشر ربيعاً والتي لم يحالفها الحظ في التعليم بإعجاب السياح الأجانب، وشدت انتباه الوافدين إلى مدينتها السياحية الجميلة "ثلا" لإجادتها التحدث بست لغات أجنبية بمستويات مختلفة.

فاطمة علي القطاع نشأت وبرزت موهبتها في حفظ الكلمات الأجنبية واستيعابها منذ تسع سنوات تقريباً بعد أن وجدت نفسها وسط عدد من السياح الذين يأتون إلى مدينتها،فشدها إعوجاج الألسن الناطقة بلغات لم تألفها، وظلت تترقب هذا وتتبع ذاك، مما جعلها تحفظ من اللغة الإيطالية كلمة ومن الفرنسية والإنجليزية أخرى ومن الألمانية رابعة.

كانت طفولتها المتلهفة للتعلم، وشغف التعرف أكثر، وحب الاستطلاع، حافزاً مثمراً للتقرب من السياح مما مكنها من حفظ كلمات وجمل استطاعت استيعاب معانيها لتجد نفسها في الأخير المرشدة السياحية الأولى لوفود تتحدث الإنجليزية ، والفرنسية ، والألمانية ، والإيطالية ،والإسبانية، واليابانية خلال تجوالهم للتعرف على معالم المدينة وأيضاَ أثناء تسوقهم، ومع مرور السنين أصبحت فاطمه قاموس بشري متحرك لأكثر من لغة أجنبية في اليمن .

* ( أصغر مرشدة سياحية في اليمن )

ببساطة وخفة أبناء مدينة ثلاء، وبراءة الطفولة، ونبوغ التعامل مع السياح الأجانب جعل من فاطمة أصغر مرشدة سياحية في اليمن،وأن تتحول إلى صديق حميم للسياح الأجانب حتى بعد سفرهم إلى بلدانهم ، لتجعل من التواصل الإنساني بها شرطاً من شروط التواصل مع واحدة من أهم معالمنا الآثارية في اليمن مدينة ثلا السياحية... وما أن يزور السياح الأجانب ومن جنسيات مختلفة مدينة ثلا حتى يباشروا بالسؤال عن فاطمة.

العديد من السياح الذين عادوا إلى مدينة ثلا السياحية بعد زيارتهم الأولى لها .. عبروا عن عمق صداقتهم بفاطمة وبمعالم مدينتها.. فلايأتون إلا وهم يحملون الهدايا من بلدانهم تعبيراً عن الحب والإعجاب بالطفلة المعجزة التي تمكنت وعلى الرغم من النظرة العامة لعمل الفتاة في مدينتها لا سيما مع الأجانب من جذب انتباه الجميع، والعمل على خلق التواصل بين الثقافة اليمنية من خلالها مع مختلف الثقافات الغربية الأخرى من كافة الأجناس واللغات منذ كانت في الخامسة من عمرها.

ولشدة إعجاب السياح بفاطمة وبذكائها عرض عليها الكثير منهم المساعدات والمنح الدراسية إلى كل من إيطاليا ، وألمانيا ، وفرنسا ، وأمريكا ، ورغم رغبتها في الحصول على تلك الفرص والمنح لتقوية لغتها ، وشغفها الكبير بالتعلم إلا أن رفض أبوها سفرها للخارج كان العامل الأكبر في عدم حصولها على تلك العروض المغرية كونها لا تزال في سنٍ صغير لا يؤهلها للسفر، بالإضافة إلى عادات وتقاليد مدينتها الصغيرة التي تمنع فاطمة من السفر خارج إطار متجرها الصغير الواقع إلى جوار بيتها الخاص ببيع المشغولات اليدوية والذي يعد محطتها الأولي لتعلم اللغات الست.

تتحدث فاطمة " كما تقول" ست لغات أجنبية لكنها لا تستطيع كتابة أي منها إلا بعض الكلمات باللغة الإنجليزية ورغم أمنياتها وطموحها في التعلم أكثر إلا أنها حسبما أضافت " لست متأكدة ماذا سأعمل فيما بعد".

وكالة الأنباء اليمنية /سبأ/ التقت الطفلة فاطمة القطاع في متجرها الصغير بمدينة ثلا وأبحرت معها في حديث ودي لتروي بعض فصول من حياتها وطموحها المستقبلي.

* متجري الصغير كان محطتي الأولى

أشارت الطفلة فاطمه القطاع للمراحل الأولى من تعلمها للغات الأجنبية بالقول "لقد توقفت عن الدراسة وأنا في الصف الخامس من التعليم الأساسي بسبب إنشغالي بالعمل في متجر والدي لبيع الفضة وبعض المشغولات اليدوية والحرفية نظراً للظروف المالية الصعبة التي تعانيها أسرتي , حيث يعمل والدي مزارعاً بسيط ولدينا ستة أخوة ذكور صغار السن، وثلاثة أخوات، وقد كان المدرسة يصادف موعد زيارة السياح إلى مدينتي، وغالباً ما كانت فترة الصباح هي ذروة إقبال السياح إلى المدينة فكان من الصعب علي أن أترك المتجر الصغير مقفلاً ، ومع مرور الأيام لم أعد راغبة في مواصلة الدراسة أوالذهاب إليها لذا كان متجري الصغير هو محطتي الأولى في تعلم اللغات الأجنبية ".

وتضيف بالقول " لقد تعلمت اللغات بطلاقة تدهش من يصغي إلي من خلال مواصلتي العمل في متجري بعد أن تركته أختي الكبيره، وكنت حينها التقط بعض الكلمات من أختي التي تتحدث سبع لغات هي الأخرى ، ومع مرور الأيام وإستمرار إقبال السياح لمتجري لشراء بعض والمشغولات اليدوية التقليدية تولدت لدي رغبة التعلم للغات ، وحرصت أن أتخاطب مع السياح بلغتهم من خلال بضع كلمات كنت أحفظها لتوسيع مداركي وحفظ أكبر عدد من الكلمات الأجنبية .

وقد حصلت بعدها على بطاقة كمرشدة سياحية للسياح من داخل مدينة ثلا التاريخية ولقيت من مختلف الأجانب التشجيع والترحيب وحرصوا على تعليمي لغاتهم" .

* الإيطالية أول لغة نطقت بها

الإيطالية ، الإنجليزية ، الفرنسية ، الألمانية ، الإسبانية ، وقليل من اللغة اليابانية هي لغات تجيدها فاطمة مع السياح القادمين إلى مدينتها الجميلة وكانت أولى الكلمات التي نطقتها هي " كيف حالك باللغة الإيطالية".. مشيرةً إلى أنه مع مرور الأيام والسنين استطاعت أن تميز وتفرق بين تلك اللغات الست التي كانت في بداية تعلمها لها لا تستطيع التفريق بين لغة وأخرى.

وتقول " كنت اجمع واخلط بينهما ، أما الآن فالحمد لله تحسنت لغتي و يعود الفضل في ذلك من بعد الله لعدد من السياح الذين كانوا يخصصون يوميا ما بين ربع إلى نصف ساعة لتعليمي نطق الكلمات بشكل صحيح ودقيق".

وأضافت الطفلة فاطمة " كما أن الاحتكاك بالسياح وبالمحادثة والحديث معهم يوميا ومن الساعة العاشرة صباحا وحتى الخامسة مساء جعلتني أتحسن كثيرا وتقويت بحصولي على مزيد من المصطلحات في تلك اللغات الست" .

أما الآن فأنها تشعر بتحسن اللغة وبشكل جيد، لافتةً إلى أن اللغة الإيطالية الأقرب إلى نفسها والأحب إليها وتجيدها بشكل كبير، تليها الفرنسية ، فالإنجليزية ، وبعدها الألمانية والأسبانية إلا أن اللغة الإيطالية أوضح وسلسلة بالنسبة لها ،أما اللغة اليابانية فقليل ما تتحدث بها .

وتفسر حبها للغة الإيطالية بالقول:" إن الإيطاليين دمثي الأخلاق ومحترمين ودائما ما يحرصون على تعليمي لغتهم وتخصيص وقت لي كي يعلموني . أما بالنسبة للغة اليابانية فتقول :" أنا ضعيفة نوع ما مقارنة باللغات الأخرى فاليابانيين غير سلسين في التعامل معي ولذلك لا أجيد لغتهم بالإضافة إلى أن عملي معهم ليس كثيراً ولغتي معهم معظمها باللغة الإنجليزية".

وأكدت فاطمة أنها لم تلتحق بأي معهد أو مدرسة لتعليم اللغات أو تلقي دروس ولم يعلمها أحد في المنزل أو في المدرسة هذه اللغات ، وإنما تعلمتها وهي تعمل في متجرها لبيع الفضة و الشيلان والطروح وغيرها من المشغولات اليدوية وبالتواصل اليومي مع السياح الذين يأتون إلى محلها بشكل دائم استطاعت أن تجيدها الحديث بهذه اللغات .

وتقول فاطمة " ان تواجد السياح رجالا ونساء وبشكل مستمر ويومي في مدينة ( ثلا ) التاريخية وزيارتهم لي في متجري وعملي معهم كمرشدة سياحية ساعدني كثيرا على تعلم لغاتهم " .

وتابعت " أكون على علم بالوقت الذي يأتون فيه السياح إلى ثلا، وفي بداية الأمر كان شكل السياح وملبسهم ولونهم هو ما يبهرني ويحوز على اهتمامي وأنا أتتبع سيرهم خاصة النساء لكن بعد ذلك شدني حديثهم وطريقة كلامهم مع بعضهم البعض أو حديثهم مع المرشدين السياحيين .

وبعد ذلك كنت أسير مع السياح إلى أي مكان في منطقة ثلا، حيث كنت استمتع كثيراً وأنا استمع إلى كلام المرشدين السياحيين وهم يترجمون أحاديث السياح".

ووجدت فاطمة نفسها تلتقط بعض الكلمات في بداية الأمر لتظل بعد ذلك ترددها في المدرسة وفي البيت أو في أي مكان تذهب إليه حتى تترسخ وتحفظ في ذهنها..

وتضيف" واجهتني العديد من الصعوبات في بداية محاولتي لتعلم هذه اللغات، حيث كنت أخلط بين جميع اللغات ولا أستطيع التفريق بين هذه اللغة وتلك كما أني لم أكن استطيع ببداية الأمر ترتيب الكلمات بشكل مضبوط ، لكن مع مرور الوقت وتكرار سماعي لأحاديث السياح بدأت أدرك حينها بأن هذه المشكلة سوف اتخلص منها قريباً".

و بعد مضي الأيام والشهور وجدت أن الكلمات التي لم أستطع ترتيبها فيما مضى قد تحولت إلى جمل مترابطة وأنا الآن بحمد الله أتحدث أكثر من لغة خاصة الإيطالية والفرنسية، دون وسيط أو مترجم.

*عروض أجنبية للسفر إلى الخارج

وتروي الطفلة فاطمة علي القطاع في حديثها ما لاحظته من علامات استغراب واندهاش على وجوه السياح حينما كانت تتحدث إليهم عن بعض العادات والتقاليد في ثلا.. مشيرةً إلى أنها تلقت العديد من العروض من قبل السياح للسفر معهم إلى بلادهم..وقالت " فيما البعض الآخر قدم لي العديد من الهدايا.

ولفتت إلى أنها كانت منذ الخامسة من عمرها تحب مشاهدة السياح الذين كانوا يأتون إلى مدينة ثلا التي تقيم فيها وكانت تكتفي بمشاهدتهم المشاهدة، والاهتمام بكل ما يقولونه أو يرددونه.. وقالت فاطمة " بدأت أتحدث مع بعض السياح، وبدأ الكثير بعد ذلك يقترب مني وينظرون إلي بإهتمام بالغ، حيث وجدت العديد من السياح يبدون اندهاشهم واستغرابهم عندما يشاهدوني وأنا أتحدث لغاتهم لأول مرة، فهناك من يبتسم ويقترب مني وينادي آخرين بالحضور والاستماع لكلامي ومنهم من يسألني عن اسمي وعمري، وأين تعلمت هذه اللغات ، وكيف ، والكثير من الأسئلة الأخرى التي لا أتذكرها الآن" .

* الإيطاليون شعب رقيقي الطباع

وضمن ملاحظاتها الكثيرة أشادت فاطمة بالإيطاليين لأنها ترى طباعهم رقيقة ويحبون الإختلاط بالآخرين كما أن لغتهم سهلة. أما بالنسبة لمسألة تفكيرها في تعلم كتابة تلك اللغات قالت " أنا أجيد هذه اللغات نطقاً فقط ، وأفكر في تعلم كتابة كل اللغات وبالذات الإيطالية إذا سنحت لي الظروف" .

وأشارت إلى الدعم الكبير الذي وجدته من أكثر السياح عندما كانت تنطق الكلمات بشكل غير صحيح والذين ساعدوها وعلموها بترديد الكلمات..

وتقول فاطمة :" بالرغم من أن عروضهم كانت بالنسبة لي مغرية جدا خاصة وأنهم سيتكفلون بالسكن وغيرها من أمور ومتطلبات الدراسة في الخارج وقد تركوا لي عناوينهم كي اتصل بهم في حال وافقت أسرتي السفر إلى بلدانهم إلا أنني لا أفكر بالسفر نظراً لطبيعة تكوين مجتمعنا بالإضافة إلى عدم موافقة والديّ السفر للخارج باعتباري لا أزال صغيرة".

* عرض وزير السياحة لم يكن كافياً

أما بالنسبة لعرض وزير السياحة التكفل بتقديم مخصص شهري للدراسة في صنعاء مقداره عشرين ألف ريال قالت :" إنها غير كافية وكان العرض أن أدرس في معهد فرنسي أو انجليزي وكنت أتمني أن أدرس فرنسي ولكني لم أوفق بسبب السكن الذي لم يحدد لي خاصة وان العشرين الألف لا تكفي لإقامتي في صنعاء فهناك المعيشة غالية جدا ولذلك رفضتها .. وأضافت " كثير من صديقاتي يباركن علاقاتي الطيبة بالأجانب.. مشيرةً إلى تشجيع ودعم والدتها لها فقالت":أمي دائما ما تشجعني بالرغم من أنها لم تتعلم لكنها شجاعة وقوية كما أن والدي المزارع وقف إلى جواري وأنا سعيدة جدا بوالديّ".

وتتمنى فاطمة أن تواصل تعليمها التي تري بأنه أفضل من بقائها في متجرها الصغير بحيث نستطيع أن تجيد التحدث والكتابة لتلك اللغات..

فاطمة الوحيدة التي تعمل كمرشدة سياحية منذ سن مبكرة وهي الآن تعد أصغر مرشدة سياحية في اليمن.

وأشارت فاطمة إلى وجود فتاة أخري لا تزال في طور تعلم بعض اللغات إلا أن هناك الكثير من الأولاد الذكور.. حيث قالت:" لقد حصلت على بطاقة سياحية وأعمل كمرشدة سياحية داخل ثلا لكثير من السياح الذين يأتون من السفارات وغيرها من الدول الأوروبية لزيارة مدينة ثلا التاريخية".مضيفةً " إن هناك الكثير ممن يشجعني والبعض الأخر ينظر إلي كمنافس خاصة عندما يأتي السياح إلى محلي".

*حصلت على بطاقة الإرشاد السياحي وأنتظر الدعم

وتؤكد فاطمة حبها للسياح الذين يأتون إلى اليمن لمشاهدة جمالها وحضارتها وتقول:"سوف استمر في ممارسة هوايتي هذه وأتمنى من الجهات المختصة أن تدعمني خاصة وأنني قد حصلت على بطاقة الإرشاد السياحي فأنا البنت الوحيدة في السوق تبيع وتشتري ويفضلون السياح الشراء مني والحمد لله وخاصة العاملين في السفارات في صنعاء ومن الشركات الأجنبية العاملة في صنعاء يأتون إلى عندي للمحل وأتحدث معهم دائماً ".

وما زالت فاطمة حتى الآن ترتبط بعلاقات واسعة مع عدد كبير من السياح الأجانب الذين زاروا منطقة ثلا حيث تقول:" كل من يزور منطقتنا من السياح يخبر السياح الجدد عن المدينة وعني، ولهذا يسألون عني عند مجيئهم، بعد أن يكون من سبقهم أوصاهم بالتعرف إلي وأخذي دليلاً لهم".. منوهةً بوجود عدد كبير من الصور التذكارية لها مع السياح.

وعن كيفية استمرار تواصلها مع السياح تقول:" عندما أتعرف إليهم أخذ عناوينهم البريدية وأحياناً يتم التواصل معهم هاتفيا، حيث أرسل لهم رسائل بلغاتهم، ولأنني لا أجيد الكتابة أطلب من السياح الموجودين الكتابة نيابة عني لأرسال رسائلي عبر البريد".

المصدر: سبأنت