من فجّر مرفأ بيروت؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 4 سنوات و شهرين و 17 يوماً
السبت 15 أغسطس-آب 2020 07:20 م
 

دعونا نعترف أولاً أن الرواية الأولى التي رافقت زلزال بيروت ما زالت هي الأكثر رواجاً إعلامياً وسياسياً، لأنها الرواية الرسمية الداخلية والدولية، أو بالأحرى هذا ما يُراد ترويجه وتعميمه عن انفجار بيروت الذي في الحقيقة هو أكبر بمئات المرات من انفجار. ومن السخف وصفه بالانفجار لأن هذا الوصف يقلل كثيراً من قيمته وحقيقته.

وقد سألت بعد الحادث بقليل خبيراً عسكرياً مخضرماً، فقال لي حرفياً: «هذا أشبه بانفجار نووي تكتيكي لضخامته وشدة تأثيره، بدليل أن شكله يشبه تماماً الانفجار النووي الذي يكون عادة على هيئة فطر. وفعلاً كلنا شاهد شكل الفطر عندما انفجر المرفأ. طبعاً، لا نقول هنا إن الحادث نووي، بل إن قوته تعادل تأثير القنبلة النووية التكتيكية حسب خبراء المتفجرات لأن حجم المواد المتفجرة مهول جداً. لكن هل يا ترى الذي انفجر فعلاً هي نترات الأمونيا أو الأمونيوم كما يُشاع منذ بداية الحدث؟ وهل تنفجر النترات بهذا الشكل؟ الخبراء يؤكدون أنه من المستحيل لأي كمية من النترات أن تنفجر بهذه السهولة وهذا الشكل، فلا بد أن تكون ممزوجة بمواد مشتعلة كثيرة أخرى كي تنفجر، ويجب أن يكون هناك صاعق. وقد أكد بعض الخبراء أنك لو جلبت كمية من النترات وحاولت إشعالها لوجدت صعوبة كبيرة، لأنها لا تشتعل بسهولة مطلقاً، فكيف يمكن إذاً أن تُحدث تأثيراً نووياً بالشكل الذي شاهدناه في مرفأ بيروت؟

أما حكاية السفينة المليئة بكميات هائلة من النترات والمتروكة في المرفأ منذ فترة طويلة، فهذه إحدى روايات التضليل والضحك على الذقون لإبعاد التهمة عن المجرمين الحقيقيين. وبصراحة فإن أي كلام عن نترات الأمونيوم هو تغميس خارج الصحن ومحاولة مفضوحة للفلفة القضية وتسجيلها في خانة غير خانتها الأصلية. لهذا عندما ترى البعض يتحدث عن انفجار الأمونيوم أو ما شابه ذلك لا تعره أي اهتمام، لا بل بإمكانك أن تبصق على «الحدوتة» وتمشي لأنها محاولة بائسة لاستحمار البشر واستغبائهم.

وبما أن رواية الأمونيوم ساقطة أصلاً تعالوا نتساءل: من له مصلحة في امتلاك هذه المواد الخطرة والاحتفاظ بها وتخبئتها في مرفأ مدني؟ هل يمكن أن تُقدم الدولة اللبنانية على مثل هذا العمل؟ وما هي مصلحتها؟ لماذا تريد الدولة الاحتفاظ أو إخفاء هذه الكميات الرهيبة في مينائها؟ وما حاجتها لها؟ ومنذ متى والجيش اللبناني مثلاً يمتلك الأطنان من المواد المتفجرة أو ترسانات الأسلحة العملاقة؟ لا يمكن لعاقل أن يربط هذه الشحنات الهائلة بالجيش اللبناني، لأنه بالأصل لا يمتلك بعض أساسيات الدفاع العادية، فما بالك أن يمتلك كميات من المتفجرات يمكن أن تحرق مدينة عالمية كبيروت. إذاً باختصار فإن المواد الرهيبة التي انفجرت تعود بالضرورة إلى قوى أكبر من لبنان كإيران وميليشياتها، خاصة وأن أيران كما كتب إدوار حشوة بدأت تعمل على صناعة الصواريخ في لبنان بعد أن أصبح تصدير السلاح للحزب صعباً عبر سوريا. ولا يُستبعد أن يخبئ نظام الأسد بعضاً من سلاحه ومتفجراته في لبنان بالتنسيق مع إيران بعد أن طارده المجتمع الدولي عقب استخدام السلاح الكيماوي. لقد اعتقد هؤلاء أن لا أحد يمكن أن يقصف مرفأ مدنياً، فهذا خط أحمر دولياً. لكن يبدو أن العتمة لم تأت على قدر يد الحرامي. وحصل غير المتوقع.

موشي يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي السابق للطرافة يزعم أن الذي انفجر في ميناء بيروت ليس الأمونيوم بل مخازن أسلحة رهيبة. أما وليد جنبلاط فقد قال إن الانفجار بحاجة لصاعق ولا يمكن لهذه المواد أن تنفجر بقوتها الذاتية. إذاً هناك المواد المتفجرة وهناك المُفجر. وكي تتضح الصورة أكثر، بين من ومن يدور الصراع في لبنان؟ إنه بين إيران وميليشياتها من جهة وبين إسرائيل من جهة أخرى. صحيح أن إسرائيل نفت أي مسؤولية لها عن الانفجار. طبعاً ومن هو المجنون الذي سيعلن مسؤوليته عن حادث كهذا إلا بعد عشرات السنين؟

لكن الإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو ظهر على منبر الأمم المتحدة وهو يحمل خرائط لمخازن أسلحة حزب الله في أكثر من مكان في بيروت، وخاصة الموانئ والأنفاق. وبالمناسبة حزب الله نفسه يتفاخر بأنه أفضل من حفر المخابئ والأنفاق. وقد أصبح لديه مئات الأنفاق في سوريا وخاصة في الزبداني بعد أن أحرق غابات بأكملها وحوّل أرضها إلى مناطق عسكرية. وبالمقابل، لا ننسى أن إسرائيل قصفت من قبل مواقع ومخابئ للأسلحة الإيرانية في سوريا وخاصة في مطار دمشق الدولي. وللغرابة، فقد كان شكل أحد الانفجارات التي حدثت بعد القصف الإسرائيلي في سوريا مشابهاً تماماً لشكل انفجار مرفأ بيروت. وهناك فيديوهات كثيرة منتشرة على الانترنت. والغريب أن الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين لم يتردد في القول حرفياً في تغريدة له على «تويتر» إن «أي مكان يديره حزب الله سينهار…اليوم المرفأ وغداً المطار». فهل يا ترى سنرى دماراً مشابهاً قريباً في مطار بيروت ومحيطه؟

طبعاً لسنا محكمة كي نصدر الأحكام القضائية والاتهامات على أحد، لكن من حقنا أن نتساءل ونحلل وألا نبتلع الرواية الرسمية التي تكون عادة بعيدة عن الحقيقة بعد الشمس عن الأرض. ويقول أحدهم: «هناك دائماً روايتان لكل حادث: الرواية الصحيحة والرواية الرسمية» يعني الكاذبة. وفي حادثة بيروت تحديداً، لا مصلحة مطلقاً للضارب والمضروب أن يعترفا بشيء، فلو اعترف الضارب فهذا سيجلب له إدانة دولية وسيُطلب منه تعويضات بالمليارات، فلماذا يعترف طالما أنه حقق هدفه. أما المضروب فهو في القارب نفسه، فلو هاجم الضارب لأكد على نفسه أنه يمتلك ويحتفظ بمخازن أسلحة ومواد متفجرة في ميناء مدني، وهو بالتالي مسؤول عن هذه الكارثة التاريخية التي حلت بلبنان. ويقول الساخر اللبناني بلال مواس: «في حرامي فات يسرق فيلا.. التقى داخلها بصاحب الفيلا مع عشيقته أثناء غياب زوجته.. فتناقشا أنه لا أنت إلك مصلحة تحكي ولا أنا إلي مصلحة أحكي.. فاتفقا أنه لا الحرامي بيخبر عن الخائن ولا صاحب الفيلا بيخبر عن السارق.. وصار الحرامي يقول عن الخاين إنه أطهر إنسان.. والخاين يقول عن الحرامي إنه أنظف كف وعاشا في سباتٍ ونبات وفجروا أمونيوم ونيترات».

الجميع يعلم ويتحدث الآن داخل ما يسمى حلف المقاومة أن الحلف تعرض لضربة تاريخية في مرفأ بيروت. لكن ليس من مصلحة أحد أن يعترف بذلك إعلامياً. وفي حديث لي مع أحد المحسوبين على الحلف قال حرفياً: «نحن في وضع سيئ جداً، وإسرائيل وجهت لنا ضربة لا يمكن أن نرد عليها، فإيران في حال يرثى له، وسوريا في الوحل، وحزب الله وضعه الداخلي مأساوي، ولا يمكن أن نرد على إسرائيل بعد ضربة بيروت». ومن الواضح أن الهجوم غير المسبوق بقوته وتأثيره كان رسالة تاريخية لإيران وحلفائها بأن تقبل بالشروط الإسرائيلية وتعقد صفقة جديدة مع إسرائيل حسب كفة الميزان. وللعلم ليس هناك صراع وجود بين الإسرائيلي والإيراني بل مجرد صراع حدود ومصالح يمكن تسويته بالدبلوماسية أو بالقوة. ويبدو أن الضربة بداية لتسوية من نوع ما. وفعلاً لاحظنا بعد زيارة الرئيس الفرنسي للبنان مطالبة فرنسية لأمريكا برفع العقوبات عن حزب الله». وكأن التسوية بدأت. وكتب الدكتور إبراهيم حمامي معلقاً: «إن التهافت الدولي على دعم لبنان وسرعة الاجتماع ووعود الدعم من كل حدب وصوب هل هي لسواد عيون اللبنانيين وحباً لهم؟ هل هي حنية زائدة لم تنتبه لإدلب والموصل واليمن لكنها استيقظت لبيروت؟ أم إنها للتغطية على المسؤول الحقيقي لتفجير بيروت ومحاولة رشوة جماعية للسكوت عنه» تمهيداً لتسوية ما؟ يكاد المريب أن يقول خذوني».