مأرب .. لا صوت يعلو فوق صوت القصف

الأربعاء 12 ديسمبر-كانون الأول 2012 الساعة 05 مساءً / مأرب برس - علي الغليسي
عدد القراءات 4621

لا يمكن فهم الوضع الحالي بشكل سليم، وتفسير ما تشهده مأرب الآن يزداد صعوبة... كلما استتب الأمن واتسع الهدوء، كلما يتعقد أكثر عندما تنفجر أنابيب النفط أو تندلع مواجهات مسلحة كما يحدث هذه الأيام.

كانت الأحداث التي شهدتها منطقة وادي عبيدة يوم السبت الماضي والتي راح ضحيتها 17جندياً من أفراد القوات المسلحة و14 جريحاً هي الأشرس بكل المقاييس.. الرصاصة الأولى التي بددت الهدوء السائد في المنطقة منذ عامين تقريباً انطلقت من فوهات بنادق عناصر تنتمي إلى تنظيم القاعدة في مفرق الضمين بالوادي وأودت بحياة أركان حرب المنطقة الوسطى ناصر مهدي فريد ورئيس شعبة التسليح ليخوض الجيش معركة برية وجوية ضد تلك العناصر لا زالت مستمرة حتى كتابة هذا الخبر مساء الثلاثاء.

بالطبع..فإن مهمة الحملة العسكرية كانت إصلاح أنابيب النفط في منطقة الدماشقة بالوادي ، غير أن نيران القاعدة خلطت الأوراق ، وصار أبناء قبائل عبيدة بين فكي كماشة وأنياب كلها قاسية وحادة ، الجيش والقاعدة، الدولة والمخربين، وكلما أصرت السلطات على الحل العسكري ضد تلك الفئات ارتفع منسوب الخوف والقلق لدى السكان في تلك المناطق،لكن مشائخ القبائل لم يتخذوا موقفاً محدداً حتى اللحظة.

يبدو أن القاعدة سعت من خلال تلك العملية إلى العودة إلى واجهة الأحداث واستعراض مهارتها العسكرية بعد انتكاستها في أبين قبل عدة شهور ، وتبتدع في ذلك السياق أساليب جديدة مع التنويع بشكل مستمر(اشتباكات مع مواقع عسكرية ،قنص ضباط وجنود، كمائن لقيادات بارزة) وذلك بما يضمن لها الخروج بكثير من المكاسب ، منها بث رسالة إلى الرأي العام مفادها:نحن هنا!!..وبهكذا استراتيجية ينطبع في أذهان الناس احتفاظ القاعدة بقوتها وحضورها بقوة في المناطق التي تتواجد فيها.

منذ مساء الأحد الماضي لجأت قوات الجيش إلى استخدام الطيران والضرب بالمدفعية لقصف أهداف معينة غير أن الإحداثيات الخاطئة والمعلومات المضللة التي اعتمدت عليها الأجهزة العسكرية طالت أرواح ومنازل ومزارع مدنيين وأبرياء حيث بلغ تعداد ضحايا تلك الغارات سبعة قتلى بينهم إمرأة وجرح 12شخص بينهم سبعة أطفالوقد بعث محافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة بتحكيماً قبلياً لأهالي الضحايا.

تلك الأخطاء العسكرية تم استغلالها من عدة أطراف تسعى لتوظيف سلبيات السلطة وابتكرت وسائل عديدة لتأليب الرأي العام ضد أخطاء الطرف الرسمي، بالتوازي مع ارتباك الإدارةالعسكرية العليا في طريقة التعامل الصائب مع ملف مأرب الأمني ، حيث أدى ارتكاب تلك الغلطات الفظيعة، إلى توسيع الهوة بين المواطن والدولة وأربكت رمانة الثقة حد الاهتزاز.

المواقف التي صدرت حيال تلك الغارات الجوية والخسائر البشرية الفادحة ركزت على محوري الجيش والقبائل حيث قال شباب الثورة في بيان صدر عنهم الاثنين الماضي أن ما يجري في المحافظة من أحداث يقف ورائها المخلوع وقادة الجيش ، مشيرين إلى أن استمرار بقايا العائلة على رأس قيادة الجيش عمل مشجع للمخربين... بينما دان تحالف قبائل مأرب والجوف "العملية الارهابية" التي استهدفت اركان حرب المنطقة الوسطى ومرافقيه ، واستهداف المنشآت العامة ومساكن المواطنين، وأكد التحالف في بيان له،على أن أبناء محافظة مارب يرفضون استهداف المصالح العامة والجيش ويرفضون استهداف مساكن المواطنين، ودعا التحالف إلى سرعة تشكيل لجنة عسكرية للنزول لمأرب برئاسة اللواء علي صلاح بحكم خبرته بالمنطقة وأن ترفد هذه اللجنة بلجنة وساطة قبلية للمساعدة في احتواء ما يحدث..وحذر التحالف مما وصفه "مخطط لجر محافظة مأرب إلى مربع العنف" داعياً الحكومة لحماية المنشآت النفطية والغازية بشكل عاجل للتصدي للمخاطر المحتملة.

كما نفذ ناشطون شباب من أبناء محافظة مأرب صباح أمس الثلاثاء وقفة أمام رئاسة مجلس الوزراء بصنعاء، للتنديد بقصف مساكن مدنيين أبرياء بمنطقة الوادي ، واستنكاراً للأعمال التخريبية التي تستهدف المصالح العامة.

وأوضح الناشط أحمد الروقي أن شعار الوقفة "وجئتك من سبأ بنبأ يقين" لايصال رسالة شباب وأبناء مأرب الى الحكومة في اجتماعها الاسبوعي للتنديد بكل عمل يستهدف أرواح الابرياء او قصف المساكن والسكان ، والتبرؤ من كل عمل إجرامي لا ينتمي الي قيم ابناء المحافظة.

يمكن القول أن قبائل عبيدة مطالبة بوضع حد لتحركات العناصر الإرهابية والمخربين وتنقلاتهم في ديارهم ولا طريق آخر يكفل إخراج مأرب من مستنقع الدم وإنقاذ البلاد من أزمة تكبر فداحة أضرارها الجسيمة كلما استمر إهمالها أو تركها سوقاً لخدمة نزعات معينة تثمر مكاسب آنية مقابل خسائر وطنية لا يمكن تعويضها على المدى القصير...شياطين القتل وتجار الحروب وحدهم المرابطون عند أسوار المقابر وخزائن العبث بأرواح الأبرياء وعلى الجميع الكف عن خدمة نزواتهم.

لا صوت في وادي عبيدة هذه الأيام يعلو فوق صوت القصف ،غير أن الواقع الراهن لم يعد يحتمل مزيداً من المآسي الإنسانية، صار الحل هو المطلب، وأصبحت وزارة الدفاع مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاستماع بعناية لتوصيات السلطة المحلية ، كما أن بقاء المعالجات المطروحة حالياً رهينة إجراءات روتينية وحلول تم تجريبها في فترات سابقة يتحكم فيها عنصر التربص رغبة في إفشال خطوات الاستقرار.. سيظل المشهد وفقاً لذلك مغلفا بالضبابية تستحضر فيه صوراً متضاربة التفاصيل من نماذج التيه التي تفرض ظلالاً كئيبة على ساحة معجونة برماد البارود وطحين الجماجم.

محافظة مأرب ما إن تحظى بهدوء نسبي في فترات معينة حتى تأتي التداعيات أسوأ مما كان يخشاه أكثر المتابعين تشاؤماً وتتحكم الأعمال التخريبية والإرهابية في عملية المد والجزر التي تطال ترمومتر السكينة العامة لمحافظة غريبة الأطوار ، هي أحوج ما تكون إلى الهدوء والسكينة والسير باتجاه الحصول على تنمية حقيقية مستدامة والتخلص من مسلسل الحرمان، وأي أخطاء جديدة من شأنها إضافة أحزمة ناسفة جديدة إلى صفوف القاعدة وانضمام عمالقة جدد للتخريب والدمار، وقد تتحول المحافظة إلى حقل مفخخ بالعبوات الناسفة مع خروج الوضع عن السيطرة ، ولن ينحصر الضرر على مأرب فقط بل ستعم كافة محافظات الجمهورية .

أسماء القتلى المدنيين ضحايا الغارات الجوية

عبدالله محمد المصري العقيلي   85عاماً              

على ناصر الراشدي   80 عاماً                  

حمدة علي حسن ركنة

عسكر الحر                                          

صالح بن علي ناصر شنيتر

محمد بن علي ناجي معيلي                            

*المصدر - صحيفة "مأرب برس".

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن