آخر الاخبار

تشمل تعيينات وإعفاءات.. الملك سلمان يصدر أوامر ملكية “عاجلة” في السعودية فرار عشرات التجّار من صنعاء رفقة نشاطهم التجاري بصورة نهائية الى مناطق الشرعية عاجل : ثلاثة من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي يصلون المنامة وبمعيتهم وفد رفيع رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق يوجه انتقادا ساخرا  للإدارة الأمريكية بخصوص تعاملها مع الحوثي... من كانوا يحثونا على الانخراط مع الحوثيين لصنع السلام معهم  هم الآن في صراع مع الحوثي وزير العدل يدشن إصدار البطاقة الشخصية الذكية لمنتسبي الوزارة ناطق جماعة الحوثي فليته يثير شكوكا في حقيقة السلطة المطلقة لعبد الملك الحوثي ويرفض توجيهات مباشرة وصريحة .. تفاصيل تمرد داخلي لجنة الأراضي بمأرب: عمليات البيع والشراء في الاراضي والمنازل المؤقتة في مخيمات النزوح غير صحيحة وغير قانونية كونها املاك خاصة مليشيا الحوثي تمنع مرور المواطنين من طريق مارب الجوبة - البيضاء بعد أيام من إعلانهم فتحها من جانبهم .. تركيا تعلن منح اليمن مقاعد في الدراسات العلمية والشرعية .. لقاء يمني تركي على هامش القمة التشاورية لعلماء العالم الإسلامي بإسطنبول وزير المالية السعودي: حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر تضررت ونجحنا في سياسات الاستمرارية واستدامة الاقتصاد

مأرب برس ينشر تفاصيل مؤامرة إعدام الرئيس سالم ربيع علي

الثلاثاء 25 يونيو-حزيران 2013 الساعة 12 مساءً / صحيفة مأرب برس - محمد الحاج سالم
عدد القراءات 26280


مضت أكثر من ثلاثة عقود ونصف، ولا يذكر اليمنيون من رؤسائهم وزعمائهم، إلا الرئيسين الحمدي وسالمين، والاثنان استطاعا بتواضعهما ونباهتهما وعدالة حكمهما أن يصنعا لهما شعبية غير عادية وحضور في أوساط جماهير الشعب اليمني، خاصة في أوساط المثقفين والشباب والطلاب والفقراء والناس البسطاء، وخلال فترة حكمهما المتزامنين، شهد اليمن- جنوبه وشماله- رخاء وازدهاراً اقتصادياً وأمناً واستقراراً وحكماً منصفاً وعادلاً والاقتصاص للمظلومين من الجبابرة الظالمين، فتساوى بسطاء الناس وطغاتهم لأول مرة أمام القانون.. لكن على حد قول إخواننا في صنعاء( المليح ما يكملش)، فقد تكالبت القوى الإقليمية والدولية وعبر القوى المحلية التي لا تزال تعمل حارسة وأمينة على تنفيذ أجندة التآمر على اليمن وأبنائه لإبقائه كما هو عليه الحال اليوم- أرض ممزقة وشعب متناحر ومتصارع، فأجهضت المشروع الوطني الوحدوي لليمن، واغتالت الرئيسين في فترة متزامنة. 

والرئيسان الوحيدان اللذان بعظمتهما وحكمهما العادل لا يزالان مستحوذان منذ استشهادهما، على أحاديث عامة اليمنيين في كل وقت وحين، نظرا لما وصل باليمن والمواطن اليوم من وضع مؤلم، لو كان قدر لهما أو لأحدهما البقاء على قيد الحياة لما كنا وصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم.. لكن( لو) من أدوات شياطين الاغتيالات والتصفيات الذين بقتلهم رجلين عظيمين لم يعرف اليمن زعيمين مثلهما.. حيث شكل الاثنان معاً- الرئيس سالمين مع صديقه الرئيس الحمدي مشروع وطني للوحدة وسط معارضة قوية للقوى التقليدية المستبدة في عدن وصنعاء، والتي نجحت في التحالف مع قوى خارجية في القضاء عليهما اولا وعلى مشروعهما الوحدوي ثانياً..

أرباب التآمرات قتلوا سالمين وصديقه الحمدي، فقتلوا بذلك حلم وآمال الشعب اليمني في قيام الدولة المدنية اليمنية، ولم يقف الأمر عند هذا، وإنما سعت النخب السياسية والأنظمة المتعاقبة في شطري الوطن على تغيبهما الرجلين عن المشهد السياسي، ولم يذكرا رسميًا إلا في وقت متأخر، حيث ظل ذكر الرئيس الحمدي في الشمال محرمًا في الإعلام الرسمي حتى الأيام لبدء الإجراءات التنفيذية الفعلية لنقل السلطة عقب احتجاجات شهدتها البلد. بينما كان أول ذكر للرئيس سالمين رسمياً في الجنوب عام 1990م، عندما انعقد مجلس الشعب الأعلى قبيل إعلان الوحدة بعدة ساعات تم فيه رد الاعتبار للشهيد سالمين , سيناريو سياسي يخدم ذلك النظام في الجنوب, لكن ومن وقت ذلك رد الاعتبار لم تطرق النخب ولا اصدقاء سالمين عن مختلف جوانب مسيرة حياته النضالية والعملية والاجتماعية.

بل ان الرئيس الشهيد سالمين لا تزال النخب تعمل جاهدة على تغييب التاريخ السياسي والنضالي له، الذي سأحاول من موقع معاصرتي المتواضعة جداً لحكم الرئيس سالمين ومرافقتي في بعض زيارته الميدانية لبعض المحافظات الجنوبية ابان حكمه الذي غاب عن المواطن اليمني مع أول لحظة غيبت فيها روح وبسمة وصورة الرئيس سالمين..

*سأحاول هنا ابراز مناقب الشهيد الحي والرئيس الإنسان المرحوم سالمين، الذي يصادف غداً الاربعاء استقبال الشعب اليمني- شماله وجنوبه- الحزين الذكرى الـ35 ليوم استشهاد الرئيس سالم ربيع علي(سالمين)، في مؤامرة إعدام دنيئة وحقيرة- نفذها رفاق النضال في السلطة وفي تحرير جنوب الوطن من الاستعمار البريطاني- في إعدام الرئيس سالمين ورفاقه في الـ26 من يونيو 1978م، وكان هذا اليوم بحق يوم مأساة اليمن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لا زال اليمن يجر احزانه وآلامه وصراعاته الى اليوم.

سالم ربيع علي(سالمين)- الرئيس اليمني المتفرد في تواضعه وطبائعه التي لم توجد في أي رئيس يمني قبله أو بعده، وقلما تجتمع في الإنسان كل تلك الصفات والخصال الحميدة التي تمثلت في شخصية الشهيد سالمين، لقد جابه كل التحديات ولم يبالي بالمشاريع القادمة من الخارج.. انه القائد البارز والنمر الساحلي، الذي خرج من بين حبيبات رمال ساحل ابين وتغذى من تربة واديي بناء ووادي حسان وتمرس في بحر العرب على فنون الفروسية والقتال لطرد المستعمر البريطاني من أرضه، واتخذ من جبال ابين ولحج عرين يأوي اليه بعد معارك طاحنة مع جيوش المحتل البريطاني المغتصب.

سالمين.. هو الشخص الوحيد الذي اسمه حمل السلامة مرتين، لكن يبدو ان اسمه المتكفل بحراسته من المرتزقة الدمويين، لم يستطع ان يصد عنه كيد الحاسدين لشعبيته وشخصيته الكاريزمية، ولم يسلمه أسمه، كذلك شر المتآمرين والمتسلطين وأعداء الكادحين والفقراء والمزارعين والعمال والفلاحين والطلاب.. لم يتركوا مصاصي الدماء وآكل لحوم البشر، لهذه الشرائح من الشعب اليمني ان تنعم بسالمين- الرئيس والقائد والإنسان- عهد الرخاء والاستقرار والانتعاش في شتى مجالات الحياة، عندما طالته مع رفاقه في الـ26 من يونيو1978م، إلى القصر الجمهوري في التواهي، نيران الطغاة والسفاحين بحراً وبراً وجواً..

سالمين.. أنت الشهيد الحي في وجدان كل يمني، لأنك عملت من وقت مبكر على إيجاد دولة المؤسسات والقانون، التي لا نزال منذ ان فارقتنا وحتى اللحظة والساعة نفتقدها، ونتحسسها اليوم في مؤتمر حوار وطني لنخب جعلت غيابك هو الحضور الأبرز فيه، كما غيبتك عنا في الماضي القريب، لعل وعسى ان تبعث انتما الاثنين معاً- أنت وهي- الدولة المدنية من مكان مرقدكما المجهولين حتى اللحظة.

سالمين القائد الثوري الذي خرج من صفوف الشعب، فحمل همومه ومعاناته، المجسد للحرية والعدالة والمساواة لكافة شرائح المجتمع.. المحب بجنون للفقراء، العدو لكافة مظاهر الاستعباد والاضطهاد واستغلال الناس.. سالمين العاشق لرفاهية ورقي شعبه.. سالمين الرئيس الإنسان، عنوان البساطة ورمز التواضع- نذر حياته فداء لحياة أبناء شعبه، ومن أجل أن يعيش المواطن في رفاهية وكرامة وعزة وشموخ وكبرياء.

سالمين، ذاك الرئيس اليمني، الذي نجح في كسر الحصار والعزلة السياسية على النظام في ذلك الوقت، حيث دعا الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وصلى الاثنين مع المواطنين في مسجد النور في مدينة الشيخ عثمان وسط الحشود الشعبية من عامة الناس والمواطنين البسطاء، ثم جاء بعد ذلك الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ومنجستو هلا ماريام الرئيس الاثيوبي ومعمر القذافي، وجميعهم ذهلوا خلال تجوالهم ومعهم الرئيس سالمين في شوارع واحياء مدينة دون حراسة او اجراءات رسمية المتعارف عليها في مثل هذه الحالة، فاندهشوا بحب الشعب اليمني لزعيمهم سالمين وبساطته.

سالمين.. انه الرئيس والزعيم الوحدوي، الذي حرص ان يزور القاهرة في وفد رئاسي واحد مع الرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني، وعندما استقبلهما الزعيم جمال عبدالناصر، في المطار، حرص الرئيس سالمين ان يدفع بأخيه القاضي الارياني لمصافحة الزعيم ناصر أولا، لكن القاضي الارياني رفض ودفع بسالمين بان يكون هو من يسلم على عبدالناصر اولا.. وعندما شاهدهما ناصر والاثنين كلا منهما يدفع بالآخر، فتدخل وقال عبدالناصر وهو يضحك: "تعالوا نسلم عليكما الاثنين معا ومع بعض، فأنتما يمن واحد لا يقبل القسمة".

سالمين.. فرض هيبة الدولة وسلطة القانون في كل ربوع البلاد، وساهم في ان يكون للمرأة دورا بارزا في الحياة السياسية، ليحبه شعبه، فكان الاب الحنون الذي ينحني بكل تواضع أمام الكبير والصغير، متجرد من كل مظاهر التكبر والتعالي، وبقدر ما كان متواضعا، كان حاسماً بإجراءاته الشجاعة وقراراته الجريئة في وجه المظاهر السلبية والاختلالات بشتى أنواعها وأيا كان مصدرها، أكانت اجتماعية او اخلاقية او سياسية تحدث نتيجة افعال وتصرفات بعض القيادات والمسئولين الحكوميين، التي كانت تستغل الوظيفة العامة ومواقعها السياسية لتحقيق مكاسب شخصية.

سالمين.. انتشل الفقراء والمعدمين من الشباب وتولى شخصيا الاشراف على تحصيلهم العملي وتأهيلهم التأهيل العلمي المتطور، ففتح أمامهم آفاق واسعة لم يكنوا يتوقعون الوصول إليه، وذلك عندما فتح قنوات التحصيل العلمي من خلال ابتعاث الطلاب الفقراء والمعدمين للدراسة في مختلف الجامعات العربية.. تميز سالمين بوطنيته وعروبته، الأمر الذي كان لا يروق لقوى دولية وأنصارها في السلطة في عدن.

سالمين مؤسس مدارس ابناء البدو الرحل التي انتشرت في سفوح الجبال والوديان والصحاري والسواحل لتعليم الاطفال في تلك المناطق النائية التي تخرج منها قادة سياسيون وعسكريين وأطباء وسفراء وأساتذة جامعة، لذلك اشرف على بناء المدارس والمعاهد في كل المناطق النائية والجزر..سالمين، وهو من أسس ووضع حجر الأساس لأول جامعة في عدن( جامعة عدن).

الرئيس سالمين.. اعتمد في دعم الخزينة العامة للدولة من قطاع الثروة السمكية كمصدر وحيد بعد محصول القطن، فشجع على سن قوانين تضمن العيش الكريم لأبناء الشعب، وجسد أن الوطن والشعب أولا قبل أية ولاءات. كما شجع شرائح المجتمع اليمني في تأسيس النقابات المهنية والاتحادات والجمعيات التعاونية، ليصبح منتسبوها في فترة وجيزة من صناع القرار السياسي والاقتصادي في أرجاء الجزء الجنوبي من الوطن اليمني سابقا، ونجحت تلك الفكرة الجبارة لسالمين لتصل النقابات والاتحادات والجمعيات الى مستويات رفيعة في إدارتها شؤون الحياة العامة للناس وتفوقت الجمعيات الاقتصادية والزراعية على هيئات ومؤسسات الدولة في الإنتاج والتسويق.

سالمين- ذاك الرئيس الذي تعامل مع الناس كبيرهم وصغيرهم بإنسانية أولا ومسئولية ثانيا، فكان من أبرز السباقين الى فتح الباب على مصراعيه لمشاركة القوى السياسية التي كانت تمارس العمل السياسي سرا كمنظمة البعث واتحاد الشعب الديمقراطي في اطار فصائل العمل الوطني التي توحدت في إطار التنظيم السياسي الموحد- الجبهة القومية أكتوبر 1975م.

سالمين- أيها الشهيد الحي أنت الاسم الذي حفرته في ذاكرة الشعب اليمني تسع سنوات رخاء تبعتها ثلاثة ونصف عقود عجاف.. سالمين انت الرئيس المخلد في مخيلة كادحي وفقراء اليمن، والمغيب عمدا في ذاكرة نخبه ومشهدهم السياسي الملبد بغيوم مشاريعهم الصغيرة وأجندتهم الممزقة لوحدة الأرض والإنسان اليمني، الذي طالما جعلتها على رأس أجندتك وأولويات نضالاته الوطنية.

سالمين حكم الجنوب أكثر من تسع سنوات لم يبني لنفسه منزلا ولم يكن لديه حساب او رصيد بنكي او يملك عقاراً على الإطلاق، وهذه سابقة الأولى من نوعها، بأن يحكم زعيم عربي بلد قرابة العقد لم يورث لأبنائه قوت يومهم أو ما يعينهم على الحياة عدا تاريخ النضالي الناصع وذكراه العطرة وسط الشعب اليمني.

سالمين كان محباً ووفياً ومخلصاً لكل من يعمل معه وإلى جانبه، في حين معظم رفاقه كانوا يحسدونه على شعبيته الجارفة ليتآمروا على تصفيته يوم 26يونيو 1978م، في مسرحية ومؤامرة دنيئة، لينزل نبأ فاجعة استشهاده غير المصدقة حتى اللحظة كالصاعقة على عامة أفراد الشعب اليمني، والناس البسطاء منهم على وجه الخصوص الذين دخلوا في حالة ما يشبه الغيبوبة السريرة من هول الصدمة وفقدانهم للأب الحنون والراعي الصادق والوفي لمصالحهم، والأمين على حياتهم والمأمون على أمنهم واستقرارهم..

سالمين ايها الشهيد المأمون على أمان حياة شعبك.. شعبك التواق الى الأمان الذي غاب عنه منذ لحظة رحيلك، وهو لم يعرف له طريق، ولم يذق أو يطعم أو يشم له رائحة، عدا ما يسمع من دوي مدافع صراع الرفاق، ورائحة بارود اقتتال رفاق الرفاق، فلم يشم شعبك منذ أن غيبوك عنه، سوى الروائح النتنة المنبعثة من جثث قتلى صراعات وتصفيات وحروب الرفاق، تلك الجثث المرمية على قارعة الطريق وأزقة الحواري او المدفونة في رمال الساحل وحاويات السفن وأحواش المعتقلات والزنازين.

سالمين.. أيها القائد المسالم والرئيس المثابر والزعيم المقارب.. تسعة سنوات ونيف حكمت فعدلت فاستشهدت فنمت خالداً في وجدان وذاكرة شعبك، الذي أرهق من مآتم ونواح التصفيات والصراعات المتوالية لقتلتك الجبناء.. ثمانية أشهر فقط من مغادرتك دنيانا، فانفجر الصراع في مطلع عام 1969م بين قتلتك المتكالبين على السلطة وكرسي الحكم، وتكرر سيناريو الاقتتال في 20 ابريل 1980م، نفي رئيس الحزب وأمينه العام عبدالفتاح إسماعيل، الذي أجبر على الخروج من عدن إلى موسكو، وأعقبتها بأشهر جريمة قتل وزير الخارجية محمد صالح مطيع، أيضا بتهمة دنيئة لفقها له الرفاق ومحاكمة صورية سخيفة لم يعرف التاريخ لها مثيل..

هكذا ظلت لعنة دمك تلاحق القتلة الماهرين من الرفاق على مؤامرتهم وتقودهم إلى حظيرة الصراع الدموي الواحد تلو الآخر، دون توقف، إلى أن جاء انعقاد المؤتمر العام الخامس في أكتوبر 75م، لتصل الى أعلى مستويات العنف الدموي والحرب الأهلية التي صحت العاصمة عدن ومدن الشطر الجنوبي على انفجارها صبيحة الـ13 من يناير1986م، والتي ادت الى هروب احد فصائلها بقيادة علي ناصر محمد الى عاصمة الشطر الشمالي صنعاء..

بعد هذا الخروج غير المحبذ من السلطة والإقامة الجبرية في صنعاء لفصيل علي ناصر محمد.. عندها تذكروا انهم ارتكبوا جرماً لا يغتفر بإعدام سالمين، الذي ظل ولا يزال مسكونا في قلوب أبناء الشعب، بينما القتلة مشردين في الشتات والمنفى.

 انطباعات شخصية:

*في أحد الأيام المشمسة من شهر مارس عام 1976م، سمحت لي الظروف أن اكون مرافقا للشهيد سالمين والوزير السابق- عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل الاخ المناضل احمد مساعد حسين- أطال الله في عمره- في زيارة ميدانية تفقدية للمحافظة الثالثة- ابين- فتفقد الشهيد سالمين مركز الأبحاث بمنطقة الكود، وقرية السمَه الزراعية..

وتناولت معهما وجبة الغداء في ذاك اليوم بدار الضيافة هناك بالكود، حيث تحدث سالمين عن منتوج القطن ومحصول فاكهة الموز والأسماك، قائلاَ: "هذه ثروتنا يجب علينا ان نعمل على تنميتها والحفاظ عليها والاهتمام برعايتها وخدمتها، وبالتالي يجب علينا ان نعمل على فتح أسواق لتسويقها إلى جيراننا العرب".

وكان يتكلم بمرارة عن سفن الصيد السوفيتية لما كانت تقوم به من أعمال الجرف لمزارع الأسماك في أعماق البحر وتدميرها.. وفي سياق حديثه حكى قصة الطالبة التي اساءت الادب مع مدرستها لأن أباها مسؤول في السلطة، وقال سالمين للحاضرين" وصلني الخبر في مساء ذاك اليوم، وجئت صباح اليوم التالي إلى المدرسة وكنت قد دعيت وزير التربية والتعليم دكتور سعيد الخير النوبان وآخرين، وطلبت بأن يظل طلاب المدرسة وطاقم التدريس والمسئولين الإداريين في الإدارة التعليمية.. وحتى أعطى درساَ للمسؤولين وأبنائهم في المدرسة، طلبت من الطالبة بان تتقدم الى ساحة الطابور والعلم الوطني وتركع على الارض وتقبل قدمي مديرة المدرسة أمام الجميع، لأنني أؤمن بان رسالة المعلم والعلم والتعليم رسالة مقدسة"..

حتى قصة هذه الطالبة التي اساءت التخاطب مع مديرة مدرستها، لم يفوتها سالمين دون التعامل معها.. فأصبحت القصة حديث العامة في الشارع، وزادت سالمين رصيد الى رصيده الشعبي، وفضلا الى انها أعطت التربويين اولاَ شجاعة وجرأة في التعامل بحسم مع الطلاب الفوضويين من أبناء المسئولين الحكوميين والحزبيين، وأوقفت في نفس الوقت المسئولين من التدخلات في شؤون العملية التعليمية والإدارة المدرسية التي اصبحت من اليوم التالي حازمة في تعاملها مع الطلاب الفوضويين من أبناء المسئولين، وبمجرد أن يرتكب مخالفة للقواعد التعليم ولوائح المدرسة، يتم فصل الطالب من المدرسة بعد ان تقوم المدرسة بالختم على ملفه بالختم الاحمر الذي يحرمه دخول أي مدرسة اخرى في المدينة لذاك العام.

ومن يومها صار الجميع كبيرا وصغيرا، يقدسون العملية التعليمية ويبجلون المعلم والمدرس وإدارة المدرسة، الأمر الذي رفع مستوى التحصيل العلمي الى درجة لم يتصورها المرء.

*هذه شذرات بسيطة، من حياة الشهيد سالمين رحمه الله واسكنه فسيح جناته وشآبيب رحمته، والهم شعبه الطيب الصبر والسلوان- بينما هناك صفحات عظيمة في مسيرة حياته الوطنية والإنسانية لا زالت في ذاكرة التاريخ.. يتوجب على الساسة والمفكرين والمثقفين الذين يحتفظون للمناضل سالمين مخزون هائل من الوفاء والمعروف الجميل، بان عليهم واجب اخلاقي ودين تاريخيين بان يقولوا كلمة حق للحاكم العادل والعملاق المناضل والزعيم الشعبي الذي سكن القلوب والوجدان والمشاعر لأكثر من خمسين عاماَ... انه الشهيد سالمين ولا أحد غيره..

كما لا ننسى التذكير بأن لكل رجل عظيم سلبيات وأخطاء ترافق فترة حكمه تكون للظروف والمراحل العصيبة التي مر بها تدخلات فيها، وسالمين خطؤه الثقة المفرطة بالجماهير الجارفة من الشعب والهالة الشعبية التي أحاطه بها المواطن البسيط، الأمر أثار غيرة وحسد في نفوس رفاقه فتآمروا على إزاحته من طريقهم إلى كرسي السلطة والحكم.