القطاع الخاص يحاور نفسه

السبت 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 الساعة 12 صباحاً / مأرب برس - علي الفقيه: المصدر
عدد القراءات 4870

غادر محمد عبده سعيد، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية ومعه ما يزيد عن مائة من رجال الأعمال قاعة فندق الموفنببيك السبت الماضي في وقت مبكر بعد أن أعلنوا إلغاء مؤتمر الحوار والشراكة بين القطاع الخاص والحكومة احتجاجا على مقاطعة حكومية مفاجئة للمؤتمر.

لكن مؤتمرا بهذا الحجم، قالوا إنهم أمضوا شهرين في الإعداد له، تم تجاوزه بهدوء، واكتفى رجل الأعمال محمد عبده سعيد بالتعبير عن أسفه لغياب الحكومة التي وعد رئيسها بالحضور واعتذر قبل ساعات مكلفا نائبه الأرحبي الذي غاب هو الآخر.

أسف هادئ عبر عنه رئيس الاتحاد، مؤكدا أن "القطاع الخاص يمد يده للحكومة دائماً في الحاضر والمستقبل".

قال اتحاد الغرف أنه تلقى اعتذارا من رئيس الحكومة عشية انعقاد المؤتمر وأبلغهم أنه كلف نائبه للشؤون الاقتصادية بالمهمة، لكن الأرحبي هو الآخر غاب عن الفعالية وكذلك وزير الصناعة، ولم يحضر من الجانب الحكومي سوى صلاح العطار رئيس هيئة الاستثمار بينما احتشد جمع كبير من رجال الأعمال فاق عددهم المئة.

 ظل الأمل قائما. وظل منظمو المؤتمر يؤجلون البدء لأكثر من ساعة. لكن التأجيل لم يكن مجديا. ليصعد بعدها ممثلو اتحاد الغرف التجارية ومعهم شركاؤهم ممثلو المنظمات الدولية المهتمة، وبدأت الفعالية بكلمة رئيس اللجنة التحضيرية د.محمد الميتمي لتبقى عيون المنظمين على بوابة القاعة فلم يكونوا قادرين على استيعاب أنهم وقعوا "ضحية فرك حكومي رفيع المستوى" على حد تعبير أحد المشاركين.

 الميتمي في كلمته ذكر الحكومة بأزمات عدة تحيط بها من الداخل والخارج أهمها الأزمة المالية العالمية، وانخفاض سعر النفط، وكارثة السيول التي دمرت البنية التحتية في حضرموت، وأن مخاطر بهذا الحجم تستدعي تظافر الجهود، ومزيداً من التلاحم بين الحكومة والقطاع الخاص.

نسف شهرين من التجهيزات والجهود بذلها اتحاد الغرف في التحضير لهذا المؤتمر بالتعاون مع مشروع تطوير القطاع الخاص التابع لمكتب التعاون الفني الألماني (جي تي زد) بدا أمرا ثقيلا على اتحاد الغرف التجارية ومحرجا لهم أمام المنظمات الدولية، لكن أحدا منهم لم يكن قادرا على توجيه نقد قوي للجانب الحكومي.

مما جعل كثيراً من المشاركين والصحفيين يتذكرون الراحل محفوظ شماخ رئيس غرفة تجارة الأمانة وأي قذائف كان سيوجهها للحكومة.. لكنه غير موجود اليوم ولا وجود لمن يمكنه لعب نفس الدور ما جعل القطاع الخاص يظهر في موقف الطرف الضعيف فاقد الحيلة.

ولقطع اللغط فضل مكتب رئيس الوزراء نفي أي وعد بالحضور كان قدمه مجور للقطاع الخاص ليبدو القطاع الخاص متحاورا مع نفسه وباحثا عن شراكة في وقت بدت الحكومة عازفة عن مسميات من هذا القبيل.

وبعد أن كان مدير الاتحاد قال لـ"نيوز يمن" أن غياب الحكومة يعني رفضها للمؤتمر وما يهدف إليه، قال خالد طه مصطفى نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية لـ"المصدر" إنه وزملاءه في قيادة الاتحاد يجهلون أسباب مقاطعة الحكومة للمؤتمر، وأن معرفة السبب تتطلب وقتا طويلا، وأضاف في حديث هاتفي مقتضب لـ"المصدر" "نحن نعقد اجتماعات هذه الأيام ونشتي أسبوع أو عشرة أيام حتى نعرف سبب غياب الحكومة"، مفضلا عدم الاسترسال في الموضوع.

لكن مصادر مطلعة أكدت أن مقاطعة الحكومة لهذا المؤتمر جاءت ترجمة لعدم رغبتها للجلوس مع رجال أعمال يرغبون في تحقيق مكاسب غير آبهين بمشاكل جمه تواجهها الحكومة ليس أقلها انخفاض سعر النفط.

"حوار وشراكة" يتحدث عنها الطرفان، لكن أيا منهما غير مستعد لتحمل تبعاتها، خاصة وأن قضية ضريبة المبيعات لا تزال مجمدة في إرشيف الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وقوانين ضريبية أخرى يسعى التجار إلى تعديلها.

قبيل كل انتخابات يسعى القطاع الخاص وكبار البيوت التجارية إلى تحقيق مكاسب من الحكومة، ويتمكنون من ذلك في أغلب الأحيان، لكن مكاسبهم تنحصر في تأجيل استحقاقات قانونية وإعفاءات جمركية يدفعون ثمنها غاليا، وطموحهم يكبر في الوقت الذي تطورت قناعة كثير من المسؤولين لإيقاف هذه اللعبة والتعامل بجدية مع قطاع يفكر فقط كيف يكسب، وظهر موقفهم جليا في الوقوف بقوة مع تطبيق قانون ضريبة المبيعات.

أجل قانون ضريبة المبيعات أكثر من مرة، ونشبت المواجهة بين الجانبين بقوة حوله بعد أن أٌقر في البرلمان في 2005م لتنتقل بعدها المواجهة إلى ساحة القضاء.

وكان اقتراب موسم انتخابات الرئاسة 2006 كفيلا بتجميد القانون في إرشيف المحكمة العليا، ليتأجل بعدها تنفيذ القانون الجديد على أساس إعطاء مهلة للقطاع الخاص ليطور من آلياته ويؤهل نفسه لتنفيذ قانون قالت الحكومة إنه الوسيلة الأنجع لضبط التجار المتهربين ضريبيا وكشف سجلاتهم المخبأة، خاصة أن مسؤولين حكوميين أبدوا تبرما صريحا من تجار أسهموا في إفساد محصلي الضرائب والجمارك من خلال استعدادهم لدفع إتاوات مغرية للإفلات من القانون ملحقين بالخزينة العامة خسائر فادحة.

وكخطوة رمزية لرد الجميل على تأجيل قانون ضريبة المبيعات أعلن رجال الأعمال في الانتخابات الرئاسية الماضية تأييدهم للرئيس صالح، وإلى جانب آلاف اللافتات الدعائية التي علقوها على محلاتهم وفي الشوارع الرئيسية جمعوا لحملته الانتخابية مليار ريال، إلا أن تململاً حكومياً يوحي بنفاد صبر تجاه رغبة التجار في استمرار لعبة دفع الإتاوات مقابل التهرب من القانون.

مصادر حكومية قالت إن حساسيات نشبت بين إدارة اتحاد الغرف التجارية ومسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة ومحاولة الاتحاد الانفراد بالإعداد لهذا المؤتمر كان لها الدور في الدفع باتجاه المقاطعة الحكومية، إلا أن ذلك ربما كان ذريعة وفرت للحكومة الجو للغياب.

ويبقى السبب الأكبر أن مسؤولين كثر سئموا تملص رجال الأعمال عن الوفاء بالتزاماتهم واستغلالهم المواسم السياسية لكسب مزيد من الفرص، ووجدوا في مقاطعة مؤتمر الحوار والشراكة فرصة لتوجيه رسالة مفادها أن على القطاع الخاص أن يكف عن المناورة ويهيء نفسه لتنفيذ استحقاقات قانونية أفلت منها طويلا، ليرد الجميل لبلد تنمو فيه رؤوس الأموال بصورة خيالية دون أن ينال المجتمع أو الخزينة العامة نصيبه منها، وتحمى تلك الأموال بشراكات مشبوهة مع نافذين وجدوا في هذه اللعبة ضالتهم المنشودة.