عُذراً قطر .. عُذراً قناة الجزيرة
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 14 يوماً
الأحد 10 إبريل-نيسان 2011 06:53 م

من المعلوم والبديهي .. أن أي نظام حكم في العالم - لديه ولو قدراً بسيطاً من الوعي والإدراك لأبجديات السياسة - يملك حتماً من الأوراق السياسية المختلفة ما تكفيه للمناورة واللعب بها ، في خوض أي معركة سياسية محتملة مع خصومه من الداخل ، أو حتى عسكرية مع أي عدو محتمل من الخارج .

ومن أهم تلك الأوراق هي الورقة الإعلامية ، أو ما يسمى بـ "السلاح الناعم " ، والتي تُعد – برأيي - أهم ورقة على الإطلاق ، بل لا أبالغ إن قلت بأنها السلاح الأقوى في عالم اليوم للانتصار على الخصم ، ومن يجيد اللعب بها بمهارة فائقة سيكون هو الرابح في النهاية حتماً ، هذا إذا ما افترضنا أن كلا الطرفين يدعي امتلاك الحقائق على الأرض والواقع ، كما يدعي امتلاك المعلومات التي تثبت وتؤكد صحة ما يدعيه .

والنظام اليمني – كغيره من النُظم العربية القمعية – يمتلك أوراقاً للمناورة ، لكنها أوراق قديمة وعتيقة عفى عليها الزمن وتجاوزها ، فقد ظلت حبيسة في عقل الحاكم ومن يديرون نظامه لأكثر من ثلاثة عقود حتى انتهت فترة صلاحيتها ، ولذلك فاحت رائحة النتن منها عند أول محاولة لاستخدامها ، ولم يُطقها أحد من أفراد الشعب ، الذين تجاوزوا بوعيهم وبإدراكهم عقلية الحاكم وعقلية من يديرون نظامه المهترئ ، وباتوا اكثر ذكاءَ منه في المناورة ، وأكثر وعياً في قراءة المشهد السياسي وتحولاته في اليمن اليوم .

إن أكبر خطأ قاتل ارتكبه نظام صالح المتهاوي ولا يزال يرتكبه إلى اليوم ، بل لربما كانت "خطيئته" الكبرى في حق نفسه ، وهي اختياره لتلك الأصوات ، التي يُقال لنا أنها إعلامية ، والتي يقدمها للعالم على أنها متحدثة وناطقة رسمية باسمه في كافة المنابر الإعلامية ، وبالأخص منها ذاك " المهبِّش" المسمى " عبده الجندي " الذي لا أعلم حتى الآن ماهي المؤهلات التي جعلته يستحق ذاك المنصب الذي يشغله ، وما هي تلك الكفاءة الخارقة التي يتمتع بها ليكون ناطقاً رسمياً باسم نظام يُفترض أنه نظام دولة لها قيمتها ووزنها .

كم أشفقت على السيد " عبده الجَندي" وعلى رئيسه الذي لا زال مستميتاً في الدفاع عنه ، وكم شعرت كـ"يمني" بالخزي والحرج وأنا أتابع ذاك المشهد الفكاهي والهزلي من طرف السيد " الجَنَدي" في مداخلته الهاتفية مع قناة الجزيرة في حصاد الخميس أو الجمعة الفائت على ما اتذكر ، حين طلبت المذيعة منه أن يعلق على المبادرة الخليجية التي قضت بتنحي صالح مقابل ضمانات يحصل عليها بعدم ملاحقته قضائياً ، فاشتاط غيضاً من سؤالها وبدأ بمهاجمة الجزيرة ومراسليها ثم مهاجمة قطر ، ولم يتح حتى الفرصة للمذيعة كي تذكره بأن وزارته قد أغلقت المكتب وأوقفت المراسلين ، وخرج عن الموضوع بأكمله ، بل الأدهى من ذلك مهاجمته للمذيعة نفسها ، بطريقة سخيفة وفجَّة عكست رداءة وسطحية وعيه ، وكان حديثه لها بلكنة يمنية متنصلاً من كل مسئولياته ، وكأنه " يُشارع " أحد الأشخاص في سوق القات ، أو في أحد الدواوين اليمنية ساعة المقيل ، ونسي الرجل أنه على الهواء في قناة يشاهدها الملايين من البشر ، وأن القناة تُعَرفه في شريطها على الشاشة على أنه نائب وزير للإعلام " سع يوم الله " يفترض أن يكون لديه أدنى مستوى من اللباقة ومن الدبلوماسية في الحديث ، وباختصار كان كما قال المثل البلدي " ثور ينطح كُدُّومَه ".

وزاد الطين بلة المسمى " أحمد الصوفي" وهو المتحدث الصحفي باسم رئيس الجمهورية ، حين ظهر على الجزيرة من خلال ندوة خُصِّصت لليمن نهاية الأسبوع الفائت ، ليكيل الاتهامات يمنة ويسرة ، واصفاً المبادرة الخليجية بأنها تتحدث بلغة فوقية واستعلائية ، وأنها بذلك قد أهانت اليمنيين ، لأنها طالبت صراحة في أحد بنودها بتنحي الرئيس صالح ، وأنا أتساءل ؟! طالما وأن " أحمد الصوفي" يستطيع قراءة النوايا إلى هذه الدرجة ويستنتج كل هذه الاستنتاجات ، فلماذا لا يعتبر أن الذي يواجه شعبه بالرصاص الحي في سبيل بقائه في الكرسي مدى الحياة ، فقط لأن شعبه خرج يطالب بحقوقه المشروعة ، لماذا لا يعتبر ذلك هو التعالي بعينه ، على الشعب الذي يقول – زيفاً - بأنه يكن له كل الاحترام .

واكتمل المشهد الدراماتيكي بظهور صاحب الفخامة - الذي عودنا على الارتجال في خطاباته ، والتي لطالما أوقعته في أخطاء تجبره على الاعتذار في نهاية المطاف – ظهر على الملأ ليُخرج كل ما في جعبته تجاه قطر ، التي يبدو أنها لم تستجب لمطالبه في إسكات الصوت الذي أزعجه والمنبعث من محطة الجزيرة ، ولم يكن حصيفاً - بتقديري - حين اختزل المبادرة الخليجية وصورها وكأنها مبادرة قطرية فقط ، ثم وصفه لموقف قطر " بالتدخل السافر " وكذلك سحب السفير اليمني من قطر ، كل ذلك حتماً سينعكس سلباً عليه بالدرجة الأساس ، وسيغدو : كناطح صخرة يوماً ليوهنها * * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

الشقيقة قطر .. هي - بكل تأكيد - أكبر بكثير من أن تتأثر بمثل تلك الإساءات على فداحتها ، لأنها تعلم أن فترة الصلاحية لمرتكبيها وقائليها قد انتهت ، وانها لا تعبر إلا عن ذوات قائليها وحسب ، اما المشاعر الحقيقية لليمنيين تجاه قطر وقناة الجزيرة ، فهي ما يشاهده الشعب القطري في كل يوم على ساحات وميادين التغيير في اليمن عبر الشاشات ، حيث يرتفع إلى جانب العلم اليمني العلم القطري وكذا شعار قناة الجزيرة .

ونحن نكرر اعتذارنا بالقول : " عذراَ قطر .. عذراً قناة الجزيرة " .