البتراء مدينة بعمر الزمن
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأحد 06 فبراير-شباط 2011 07:59 م
 

المدينة الوردية: مدينة الأنباط، أثمن كنوز الأردن، أجمل المواقع السياحية، أحدى عجائب الدنيا السبعة كل هذه الأسماء والألقاب التي اطلقت عليها رغم عمق معانيها فأنها لا تساوي حالة الأعجاب والانبهار التي يشعر بمن تكتحل عيناه بمظرها الساحر الذي يأسر اللب ويثير الدهشة والأنبهار عند رؤيتها والوقوف أمام عظمة هذا الأنجاز الحضاري الباهر. إنها البتراء التي نحتها العرب الأنباط في الصخر وجعلوا منها موقعاً إستراتيجياً هاماً شكل صلة وصل ونقطة تلاق بين شبه الجزيرة العربية جنوباً وبلاد الشام شمالاً إلى قلب أوروبا وحتى الصين على طريق تجارة الحرير والتوابل. الدخول إلى قلب هذه المدينة مدهش ومثير ولا يتم إلا بالمسير عبر (السيق) وهو شق صخري هائل يصل ارتفاع جانبه أكثر من 80 متراً من الصخور الملونة والمتنوعة الأشكال، وأرضية من الحصى ويمتد نحو كيلومتر يقطعه السائح سيراً على الأقدام اذ لا يسمح بإستخدام السيارات أياً كان نوعها وفي حالات خاصة يمكن لكبار السن والذين يتعذرعليهم السير عبر هذا السيق المدهش يسمح لإستئجار الخيل أو الجمال أو عربة تجرها الخيول للوصول إلى قلب المدينة المبهر.

 وفي نهاية السيق ينكشف امام الناظر مشهد يثير الدهشة ويأخذ بالألباب لجماله وسحره وروعة تكوينه إنها الخزنة المشهورة، لوحة فنية مدهشة إرتفاعها 43 متراً وعرضا 30 متراً منحوتة في الصخر الوردي الذي حين تشرق عليه الشمس تعكس ألواناً ساحرة لهذه اللوحة الفريدة التي تعلوها الخزنة الشهيرة. ويمتد تاريخ انجازها إلى القرن الأول للميلاد حيث صممت لتكون قبراً لواحد من أهم ملوك الأنباط ولتكون شاهداً على عظمة المكان التي تنطق بعبقرية الإنسان الذي نحت هذه المدينة في الصخر وقدرته الهندسية الدقيقة والمبدعة ذلك العصر. ولتكون تحفة فنية نادرة تشهد على عظمة وحضارة من نحتوها وأبدعوا انجازها.

هكذا تشكل الخزنة بكل روعتها ودقة نقشها بوابة المدينة ونقطة البداية لإستكشاف البتراء بكل البدائع والنفائس التي تخترقها هذه المدينة الرائعة، حيث الطبيعة تتجلى بأجمل صورها وما تقع عليه العين من انجازات هندسية على درجة عالية من الفن والدقة كل ذلك منحوت في الصخر الوردي الجميل. حيث المدافن المحفورة بالصخر والمزينة بالنقوش الغريبة والتي رغم عوادي الزمان وآثار الزالزل ما زال يتوفر منها أكثر من مدفن، هذا إلى جانب المسرح والمدرج الذي يتسع لأكثر من ثلاثة الآف متفرج وهو مبنى على الطراز الروماني، وتنتشر في انحاء المدينة المعابد واماكن تقديم القرابين والشوارع المبلطة المحفوفة بالاعمدة كل ذلك منحوت في الصخر الذي يتميز باللون الوردي الجميل.

ولعل "الدير" يعد من أبرز المواقع المثيرة والجميلة في البتراء، حيث يقوم على مرتفع عال وقد نحت من الصخر باشكال فنية مبدعة ويمكن الوصول إليه عبر سلالم ودرج يبلغ عددها 800 درجة واذا تسنى الصعود إلى قمته يبدو امام العيون مشهد فريد يكشف أية منظر يأخذ باللب ويلقي السحر في النفوس حيث الأفق والفضاء يطير حدود للتعرف على بعض ذخائر ونفائس هذه المدينة المدهشة يحتاج الزائر إلى يومين أو اكثر ليكتشف

معاني الدهشة والآثارة والأنبهار حيث يوجد في هذا الموقع التاريخي الفريد متحفان الأول هو متحف البتراء الآثري والثاني هو متحف البتراء النبطي، وكلا المتحفين يعرضان نماذج من الأدوات والقطع الآثرية المكتشفةمن خلال عمليات البحث والتنقيب التي جرت وتجري في البتراء وما حولها من المناطق كذلك تدل هذه القطع التي يحتوها المتحفان على عراقة المدينة الصخرية الوردية وعلى قمة جبل عال وعر المسالك يصعب الوصول إليه إلا سيراً على الأقدام غير مغامرة مثيرة يقع جبل هارون والذي يتوسطه مقام بناه السلطان المملوكي الناصر محمد تكريماً لسيدنا هارون أخي موسى عليهما السلام. وعلى مشارف السيق المفضي إلى البتراء تقوم مدينة وادي موسى، وعلى ابواب البتراء اقام السكان المحليون اكشاكاً تبيع صناعات يدوية تراثية كالفخار والحلي والزجاجات الملونة التي تصلح تذكارات جميلة لرحلة مدهشة وزيارة فريدة.

والبتراء مدينة موغلة في القدم اذ يعود تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد وتشير البحوث التاريخية ان العرب الأنباط هم الذين استوطنوها وجعلوا منها آية في الفن والنحت والتكوين وحصناً يصعب اختراقه وموقعاً تجارياً مهماً يربط الجزيرة العرية بشمال بلاد الشام عبر رحلة القوافل التجارية التي كانت تسلك طريق الحرير في تجارة القوافل.

شهدت هذه المدينة محاولات تكررة من السلوفين والبيزنطين والرومان للسيطرة عليها واخضاعها ولكنها ظلت عصية على الخضوع حتى عام 100 م. حيث استطاع الرومان بالحيلة دخولها والسيطرة عليها وظلت مركزاً مهماً للامبراطورية الرومانية إلى ان انكفأ

 الرومان إلى القسطنينة، فغابت هذه المدينة في زوايا النسيان بعد ان دخلها الصليبيون وخربوا فيها بعد فترة وجيزة. وظل هذا الكنز الآثري الثمين في زوايا النسيان حتى اعاد اكتشافها وخرجت إلى العالم ثانية الرحالة السويسري المستكشف جوهان بيركهارد عام 1812م.