في الذكرى الثانية والأربعين لاستقلال الجنوب
بقلم/ علي ناصر محمد
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 21 يوماً
الأربعاء 02 ديسمبر-كانون الأول 2009 01:12 م

بهذه المناسبة يطيب لي أن أتقدم بأحر التهاني القلبية لأبناء شعبنا بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين لاستقلال الجنوب وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة المناضل قحطان محمد الشعبي .. إنه النصر العظيم الذي صنعه نضال الشعب بمختلف قواه الوطنية والسياسية عقب اندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة والتي تعتبر امتداداً لسلسلة الانتفاضات الشعبية التي قادها شعبنا منذ الاحتلال وحتى الاستقلال.

كان زماننا صعباً، لكنه كان جميلاً ونقياً ومليئاً بالتفاؤل والثقة بالمستقبل، ففي مثل هذه الأيام قبل ستة وأربعين عاماً كان جنوب اليمن كله يغلي حماسةَ وإرادة، العمال والطلاب والفلاحون وتنظيم القبائل ورجال الدين والشعراء والفنانون والصحفيون والضباط وكل الجماهير كانت تقف صفاً واحداً خلف الثورة.. أحالتهم وطنيتهم صقوراً ونسوراً..، فصورهم الشاعر محمد سعيد جرادة عندما كانو يناضلون في الجبال والسهول والوديان قائلاً:

أفلاذ أكـباد الجنوب تجمعوا فرقاً كأسراب النسور الحوّم

سـكتوا فأعلنت البنادق منطقاً هو فوق سـحر بلاغة المتكلم

انطلقت الثورة من جبال ردفان الشمّاء في 14 أكتوبر عام 1963م، بقيادة الجبهة القومية بعد استشهاد البطل راجح بن غالب لبوزة، ومعه كوكبة من شهداء الثورة ، وسط تأييد شعبي في كل أنحاء الوطن شاركت فيه كل القوى الوطنية.

إننا إذ نستحضر اليوم ذكرى الاستقلال نترحم على شهدائنا الذين انتقلوا إلى الرفيق الأعلى فهم في سبيل الله بعد أن طبعوا أسماءهم في قلوب وعقول كل أبناء شعبنا ونقشوا تاريخهم المشرف في أنصع صفحات التاريخ الذي ما يفتأ يبرهن على حقيقة قوله تعالى :(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

تطل علينا ذكرى الاستقلال هذا العام وبلادنا تعيش ظروفاً استثنائية عنوانها دق ناقوس الخطر وهذه ليست لغة تشاؤمية –وكنا قد حذرنا قبل ذلك مراراً ولم يجد اذاناً صاغية- ولكنه الواقع الذي فرض معطيات غير مسبوقة مردّها جملة من الإخفاقات السياسية المنظمة وغير المنظمة التي أوصلت البلاد والعباد إلى هذه الحالة من الانهيار على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية والاجتماعية، والتي جعلت اليمن العنوان الأبرز في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة سواء لجهة ما يحصل في الجنوب من حراك سلمي متصاعد لأكثر من ثلاث سنوات والذي انطلق بإرادة شعبية ضد الظلم والذل ونهب الأراضي ومصادرة المنازل وتسريح عشرات الآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية من عسكريين ومدنيين وحرمان الشباب من حقهم في التوظيف، وهذا ماحذرنا منه وماحذر منه أيضاً "تقرير هلال باصره"، أم لجهة ما يحصل هنا وهناك من احتقانات مختلفة الأبعاد فضلاً عن الانتهاكات التي يتعرض لها الناشطون السياسيون والصحفيون والتي تبدأ بالاعتقال ولا تنتهي بالضرب والاختطاف والإخفاء القسري كماحصل مع الصحفي محمد المقالح، والمحاكمات الصورية الغير عادلة لكل من المناضلين السفير قاسم عسكر جبران وبامعلم ,وحقيس والداعري ومحمد على السعدي والدكتور العاقل وغيرهم ومن سبقهم في ذلك، الأمر الذي يثير مخاوف محلية ودولية بما يمثله من تحدٍ صارخ للحياة السياسية والهامش الديمقراطي واتفاقيات الوحدة التي قامت على أساس الحريات والتعددية والشراكة والتداول السلمي للسلطة وكان آخرها منع عدد من الصحف من الصدور وإحالة عدد من الصحفيين إلى المحاكمة وتهديد بعضهم وخطف البعض الآخر كما حصل لصحيفة المصدر ورئيس تحريرها والصحفي منير الماوري، وصحيفة الطريق التي تتعرض اليوم للمضايقات وتهديد رئيس تحريرها الأستاذ أيمن محمد ناصر محمد بالمحاكمة واخيراً ما تتعرض له صحيفة النداء ورئيس تحريرها ومحرريها، وغيرهم من الصحف الوطنية المستقلة، والجميع أصبح يعرف ما حصل لصحيفة الأيام الغراء وناشراها الاستاذان هشام وتمام باشراحيل واسرتهما وأسرة تحرير الايام من حصار عسكري لمقر الصحيفة وقصف بنائها بالنيران .

ناهيك عن الفساد الذي طالت أيديهم به إلى كافة مرافق الدولة من حقول الذهب الأسود إلى حقول الذهب الأبيض وما بين هذه الحقول من مقاولات واستيلاء على الأراضي بالكيلو مترات في الجبال والوديان وحتى الساحل ، وخصخصة (أو مصمصة) القطاع العام (الرافد الأهم لاقتصاد الدولة) لصالحهم وصالح وكلائهم.

وكل تلك الهموم من مرض وفقر وجهل وغيرها التي تطبق على كاهل الموطن وكأنها لا تكفيه، إضافة إلى عسكرة الحياة المدنية والتي حولت مدينة عدن والمدن والقرى المسالمة الهادئة إلى ثكنات عسكرية.

إننا إذ نتابع ما يحصل على طول البلاد وعرضها واخرها ما حصل من اعتقالات عشوئية وحصار عسكري وامني لمدينة عدن بمناسبة عيد الاستقلال نعبر عن أسفنا لكل هذه المستجدات المتعاظمة والتي تعبر عن أزمة عميقة تضع الوطن على حافة الانهيار وتستدعي من الجميع استشعار الخطر المتفاقم والتعامل بمسؤولية عالية، ومن هنا فإننا نكرر قناعتنا القديمة المتجددة والتي سبق أن أعلناها عام 1994م عندما ضرب من ضرب وهرب من هرب ونهب من نهب وقلت في حينه بان الامورحسمت عسكريا ولم تحسم سياسيا و بأن : "الحوار ولغة العقل والمنطق هو السبيل الأوحد والأمثل لحل كل مشكلاتنا" ، ولدينا تجارب مريرة في الشمال والجنوب تؤكد بأن لغه السلاح و الحرب لا تحل مشكلة بل تعمق الجراح وتعزز الشعور بالفرقة والتشرذم.

الحوار المنشود ذلك الذي يؤكد دوماً على أولوية القضية الجنوبية وعدالتها والتي ستنتصر مهما تم تجاهلها لأن إرادة الحياة على أساس العدل والمساواة هي إرادة إلهية قبل أن تكون إرادة إنسانية. من هنا فإننا نرى بأنه بات من الحتمي أن يجري إعادة الاعتبار للحياة السياسية والمدنية على كل صعيد ونعتقد بأن شعار التغيير الذي رفعناه مؤخراً خير سبيل إلى تحقيق ذلك ..

كما إنه من المؤكد أن ما يتعرض له الناشطون السياسيون والإعلاميون من ممارسات باتجاه عسكرة الحياة وترك الحبل على الغارب لعناصر مختلفة الهويات، من شأن ذلك أن يضاعف الأزمة الراهنة وتضع السلم الأهلي في مرحلة خطيرة وهو الأمر الذي حذرنا وغيرنا من الوصول إليه لأنه يُعد مقدمة طبيعية للحرب الأهلية لاسمح الله. ويجب عدم المراهنه على الوقت لمعالجه الازمه والجروح العميقه في جسم الوحده اليمنيه والوطنيه.

واننا ندين ونستنكر ما جرى مؤخراً من قمع وقتل وارهاب في مدينة عتق بمحافظة شبوة والذي هو امتداد لاعمال القمع الهمجي المتواصل الذي تقوم به السلطة واجهزتها تجاه الحراك السلمي منذ انطلاقته من جمعية ردفان بملتقيات التصالح والتسامح وحتى اليوم وغيرها من الاعمال الغير المسؤولة التي شهدتها المحافظات الجنوبية الاخرى ضد الحراك السلمي وراح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى الابرياء. واننا نقدم تعازينا ومواساتنا لاسر الشهداء والجرحى ضحابا الحرك السلمي في الجنوب

وعليه فإننا ومن واقع استشعارنا بمخاطر ما يحصل من انتهاكات ندعو إلى الإفراج فوراً ودون شروط عن كافة المعتقلين على ذمة الحراك الجنوبي السلمي ومعتقلي الرأي وإلغاء المحاكمات الاستثنائية والأحكام الجائرة ووقف الملاحقات لنشطاء الحراك السياسي السلمي التي تعكس حالة الضيق بالآخر.

ولجهة الحرب التي تدور رحاها في محافظة صعدة للمرة السادسة منذ العام 2004م وحتى اليوم، حيث جرى ويجري تصعيد العمليات العسكرية التي نتج عنها نزوح أكثر من 200 ألف من المواطنين الأبرياء ومئات من الشهداء والجرحى من الطرفين فإننا نعبر عن قلقنا واستيائنا لأوضاع النازحين والمشردين الذين يعيشون ويعانون من ظروف معيشية صعبة ناهيك عن أحوال الطقس ونحن على مشارف أجواء شتوية صعبة في هذه المنطقة في ظل غياب ملحوظ للجهد الإنساني نتيجة الحصار المفروض، كما نشاهد في الفضائيات من صرخات الاطفال والنساء والشيوخ في منا طق النزوح في ووطنهم.

ونأمل الاستجابة إلى المبادرات المحلية والعربية والدولية التي تطالب بوقف إطلاق النار والعودة إلى الحوار لكي تضع الحرب أوزارها. وندعو إلى اللجوء إلى الحوار الوطني الشامل والكامل والذي ينبغي أن يلقى مساندة من قبل دول الجوار وأن يسند بدعم عربي ودولي بدلاً من إسناد آلة الحرب.

والأمل في أن تمارس المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والدولية ضغوطاً فعالة لوقف الانتهاكات والمضايقات وممارسات العنف التي تضاعفت في الآونة الأخيرة بصورة غير مسبوقة الأمر الذي يرفع مؤشر الخطر ويضع الجميع أمام مسؤولية جسيمة ينبغي الاضطلاع بها قبل فوات الأوان ..

أحيي في الختام أرواح شهدائنا ، والخلود لهم جميعاً.

كل عام وأنتم ووطننا الحبيب وأهله الطيبين بألف خير بمناسبة عيد الأضحى المبارك وذكرى الاستقلال المجيدة.