في القابلية العربية لاستقبال حوار اليمن وجهاده
بقلم/ حسام عيتاني
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 15 يوماً
السبت 05 سبتمبر-أيلول 2009 11:38 م

مصير اليمن لا يعني أهله وجيرانه الاقربين وحدهم. تعدد أوجه الشبه بين الازمات التي يعيشها اليمن وتلك التي تعاني منها اكثرية الدول العربية، على درجات متفاوتة من الحدة، يجعل من اليمن مؤشراً لمستقبل قابل للتكرار والنسخ في غير مكان.

تقارير المؤسسات الدولية، التابعة للأمم المتحدة او التي تمولها جهات مدنية (او اهلية، بحسب الاختلافات في التعبير)، تُجمع على رسم صورة كارثية للاوضاع الانسانية عموماً في اليمن: فساد يفوق الوصف يخترق الادارة العامة أفقياً وعمودياً ليصل الى الأجهزة العسكرية والامنية. فقر يضع اليمن في قائمة الدول الأشد حاجة في العالم، وهو موقع لم يبارحه اليمن في تقارير التنمية منذ اعوام طوال. تمييز جندري قاس يظهر اكثر ما يظهر في ارتفاع مستوى تسرب التلميذات من المدارس. هذا ناهيك عن جملة مشكلات اقتصادية وبيئية واجتماعية، تتضافر جميعاً لترسم المشهد اليمني الحالي ولتسمه بميسمها الاسود.

فاقم سوء الاحوال عجزٌ مزمنٌ عن ايجاد وظيفة اقتصادية في التقاسم الدولي الحالي للعمل، باستثناء دور المستهلك والمستورد المنتظر تحويلات الابناء العاملين في الخارج في المقام الأول. يرفد ذلك تدهور حصة الزراعة التي تعتمد عليها شريحة كبيرة من اليمنيين في معاشها، من الناتج الوطني، وتراجع اسعار النفط الذي عُول عليه وعلى شقيقه الغاز كثيراً في احلام النهوض الاقتصادي التي اتضح انها لا تزيد عن انها أوهام او أضغاثها.

يعضد هذه الأجواء ويحيط بها ويغذيها، في الآن عينه، «توافق» على توزيع السلطات بين الدولة المركزية والمكونات الاساسية للمجتمع اليمني، أي قبائله، التي لا تني توسع حدود سلطاتها وصلاحياتها على حساب الدولة الى ان لامست حدود الغاء هذه وحذف مظاهر سيادتها من الصورة العامة للبلاد.

بدايات انقلاب الازمة اليمنية، تكمن في موقع البلاد الذي يبدو فضفاضاً عليها بمعنى حمله لقيمة استراتيجية تتطلب وجود سلطة راسخة القدم في الداخل لمنع اختراقه وتحويله الى ساحة للحروب الاقليمية الباردة. وهذه صفة أولى مشتركة مع دول عربية كثيرة.

لكن هذا ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. العثور على الوظيفة الاقتصادية على المستوى العالمي، مهمة لم تفلح فيها أيضاً الدول العربية، في معزل عن تصدير المواد الاولية والأيدي العاملة المتدنية والمتوسطة الكفاءة، أو الإصرار على أدوار خدمية باتت تتطلب اعادة تقويم جذرية، على الاقل، وسط التغيرات الاقتصادية الدولية. أوضاع التعليم في العالم العربي تسير من سيِّئ الى اسوأ، ولا تفعل مئات الجامعات والمعاهد التعليمية العليا سوى انتاج اجيال من حملة الشهادات التي يصعب ان تجد من يأخذها على محمل الجد في أسواق العمل وفي مواقع البحث العلمي سواء بسواء. هذا من دون ذكر الاحباط الذي يحمله مئات الآلاف من الخريجين العاطلين من العمل والباحثين في الوقت ذاته عن مخارج من الانسداد الذي يحمّلون مسؤوليته، عن حق، لعقود من اللامبالاة الرسمية بمصائر الاجيال الشابة.

أوضاع النساء والشبان في اليمن وفي العديد من الدول العربية تتشابه في اكثر من جانب. الفساد ليس حكراً على اليمن كذلك.

وبقفزة صغيرة واحدة يمكن الانتقال من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، الى ما يجوز الاعتقاد انه القاعدة التي نشبت الصراعات الحالية فيها ونشأت عليها. الفشل في مشاريع التنمية العربية لا يقف بعيداً من تصاعد الوعي بالانتماءات الجزئية، ما دون الوطنية، (إذا جاز التعبير) والانطلاق «لاستعادة» حقوق الطائفة والجهة او للتبشير بمشاريع خلاصية تستند الى رؤى فئوية تبيح نفي الآخر قتلاً وتهميشاً.

لبنان والعراق والسودان دول عاشت هذه التجارب وتعيشها في السياسة والاقتصاد والاجتماع. الصومال، بمعنى ما، يندرج في اللائحة ذاتها التي تشمل أيضاً مناطق السلطة الفلسطينية. ويبدو اليمن، مع الاخذ في الاعتبار الاختلافات في الاسباب المباشرة، كمن يسير على طريق سبقه عليها كثر من الاشقاء والجيران. وهذا لا يمنع بحال من تمتع بعض «المفكرين» العرب بخيال فيه من الخصوبة ما يكفي لتوجيه النصيحة باعتماد الحل القومي بعدما ثبت فشل الدولة الوطنية «القُطرية».

أما الحلول الواقعية، أي تلك التي يفرزها الواقع العربي، فتتراوح بين الدعوة الهزيلة التي وجهتها جامعة الدول العربية الى اعتماد الحوار في اليمن كسبيل مفضٍ الى التسوية السياسية، وبين تلويح عبدالملك الحوثي بإعلان الجهاد واللجوء الى المفاجآت رداً على رفض سلطات صنعاء عرضه بوقف اطلاق النار، وهي (الحوار والجهاد والمفاجآت) مما خبره مواطنون عرب كثر وعاينوا آثاره على اجسادهم وبيوتهم نزوحاً وموتاً ودماراً. وبين هاتين الدعوتين ترتفع علامة استفهام تمتد ليغطي ظلها فراغ المستقبل العربي وإمكان وجوده من الأصل.
*نقلاً عن الحياة اللندنية