أمن اليمن من أمن الخليج
بقلم/ الجنرال وفيق السامرائي
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 4 أيام
السبت 21 مارس - آذار 2009 08:41 ص

خلال تخطيطها لعملية اجتياح الكويت وحرب الخليج الثانية، لم تأخذ القيادة العراقية الوضع اليمني بالحسبان، ولم تنتبه الى ما قد يشكله هذا الوضع من خطورة وتهديد على دول الخليج، رغم وجود- في ذاك الوقت- نظام شيوعي في الشطر الجنوبي من اليمن، يكن الولاء والتأييد لبغداد ولا يحسن النيات تجاه الدول الخليجية. إلا ان المعطيات الحالية المتعلقة بالوضع القائم بين إيران ودول الخليج، تفرض أخذ مثل هذا التهديد بعين الاعتبار والحسبان، لما يشكله الموقع الجغرافي لليمن من حيز خطير في فلسفة الأمن الإستراتيجي لعموم دول الجزيرة العربية، ليس بسبب اليمن في جنب وخلف هذه الدول مباشرة فحسب، بل بسبب التعقيدات السياسية والطبيعية والدينية والاقتصادية. لذلك ينبغي الحرص على حالة الاستقرار لدولة اليمن نظاما وبلدا.

برغم التجانس الديني والقومي بين جنوب اليمن ووسطه، وحسم الموقف العسكري منذ عقد ونصف، بقيت المشاكل النفسية والسياسية قائمة نوعا ما، حيث يشعر الجنوبيون ان ما حصل في توحيد اليمن، لم يقدم مكتسبات خاصة لمناطقهم. ويذهب البعض الى القول بوجود تمييز في سلوك الدولة والمخصصات المالية التي ترصدها لمشاريع التنمية والتعمير، حيث تتركز غالبية مصروفات الدولة على مناطق الوسط. كما أن بقايا الحزب الشيوعي لم تتخل عن مفاهيم المعارضة لسياسة الرئيس علي عبد الله الصالح. وربما كانت زيارة الرئيس الصالح الأخيرة الى روسيا الاتحادية علاقة في قطع الطريق أمام احتمالات الاتصالات السرية بين الجنوب وموسكو، نظرا لما تشكله عدن من أهمية في السياسة الروسية كقاعدة بحرية متقدمة في منطقة بالغة الأهمية، خصوصا إذا ما أخذت بعين الاعتبار تصريحات الرئيس ديمتري مدفيدف حيال ما سماه «تمدد حلف الناتو» الى حدود بلاده.

مشكلة الحوثيين

لا ينبغي الاستهانة بمشكلة التمرد الذي يقوده الحوثيون في اليمن، لما يمكن أن يترتب عليه من مشاكل جدية للوضع اليمني لأسباب عدة أهمها:

• استنزاف الموارد المالية للدولة، التي تتطلبها عمليات الانتشار العسكري والمواجهة على الأرض، والحاجة الى التوسع في حجم وتسليح القوات المسلحة.

• التأثير على الأمن العام، في حال انتقال المسلحين الى خارج مناطق تواجدهم الأساسية، أو لجأوا الى عمليات تخريبية تستهدف مواقع عامة أو مؤسساتية، وليس العصيان والتمرد في مناطقهم فقط.

• إمكانية حصول الحوثيين على دعم من فيلق القدس الإيراني، وربما جهات أخرى لها مصلحة في زعزعة استقرار اليمن، بعضها نتيجة قصر نظر. وإذا ما حصل المتمردون من الحوثيين على تجهيزات، كما حصل في العراق، فستكون الحال أكثر تعقيدا، من النواحي الأمنية والعسكرية والسياسية، وأيضا على المستوى الدولي كما هو على الصعيد المحلي والإقليمي. وتبقى سلامة الشوارع انعكاسا مهما لرسم صورة الوضع، مهما كان.

خطر القاعدة

تنظيم القاعدة خطر باق في اليمن، حتى إذا كانت أوراق سجل الأحداث السابقة محدودة العدد حتى الآن، لأن المعطيات تفرض التنبه الى المحيط القابل لتنامي بؤر المعطيات الضارة. ولو أخذت عملية ضرب المدمرة كول، وخروج قيادات في القاعدة من بطن اليمن، بعين الاعتبار، لأمكن التوقف والتمهل كثيرا في دراسة احتمالات تصاعد الخطر.

يعتاش فكر القاعدة على استمرار انتشار حالة العوز والبطالة بين المواطنين، وضعف التواصل بين المناطق الجغرافية، وقلة موارد الدولة، ووجود المؤسسات الدينية غير المنضبطة أو المشاعر الدينية المتعصبة، والتعصب القبلي البعيد عن سيطرة الدولة والمؤسسات الرسمية، وتضخيم الشعور بعدم الإنصاف، وعلى غياب التنمية العامة، وانشغال العالم عن بقعة ما، بأسبقيات ساخنة. ولعل بعض هذه الفقرات متاح وقائم على أرض اليمن، حيث تتوافر الأرضية الصالحة لنمو القاعدة وانتشار الفكر المرتبط بهذا التنظيم.

وطبقا لذلك تحولت عناصر تنفيذية وقيادية للقاعدة من أفغانستان الى العراق، قبل أن تبدأ رحلة الرجوع اليها، بسبب الفشل في العراق والظروف المعقدة على الساحة الباكستانية، وتبقى عين القاعدة شاخصة صوب اليمن.

خطر التلاقي

كما قالت الأمثال وتجارب الحياة، فإن «صاحب الحاجة أهوج لا يروم إلا قضاءها». فبرغم الاختلافات بين توجه القاعدة وتوجه المتمردين من الحوثيين، تبقى متطلبات تأمين الاحتياجات عنصر ربط غير مستغرب بين الطرفين، طالما التقى الطرفان على مبدأ قبول التلاقي عند جهة مستعدة لتقديم دعم لأهداف وغايات باتت معروفة، تتسلط فيها الأضواء على طهران.

ولما كان الالتقاء بين الطرفين متوقعا، ولا غرابة في ذلك، فإن مكامن الخطر ستزداد اتساعا. وإذا ما تزاوجت خبرات وقدرات ومعطيات الطرفين فيمكن توقع حصول تدهور في الوضع الأمني، إن لم يكن وضع الدولة قويا على المستويين الداخلي والخارجي. وعناصر القوة تستلزم توافر عوامل متعددة، لا يمكن من دونها التغلب على المصاعب، وهي عوامل مالية غير متاحة ذاتيا، وسياسية وأمنية، وأن يكون التنسيق الدولي قويا، ولو بطريقة سرية وفق خطط الأجهزة ذات العلاقة.

الخليج معني ومستهدف

حتى في الحروب النظامية، من الخطأ، حصر توقع الضربات على الجبهة الأمامية، فالمناورة البارعة لا تعرف حدودا ولا تلتزم بها، لذلك يبقى الحديث عن خلايا الباسداران النائمة في الخليج ذرا للرماد في العيون، إذا ما أغفلت الاتجاهات الأخرى، وحين تنتظر الضربة من اتجاه محدد يمكن وقوع مفاجأة على اتجاه آخر. وبما أن اليمن يقع في ظهر الخليج وخاصرته، فإنه في النتيجة يشكل منطقة رخوة بحكم التعقيدات، التي تفوق قدرة الدولة ومؤسساتها وامكاناتها الذاتية. وإذا ما جاءت الضربة بتنامي العنف والتمرد والإرهاب من الظهر والخاصرة، فإنها يمكن أن تكون مؤذية وتخل بحالة التوازن الإقليمي، فتنتشر الفوضى الى حد يتطلب قدرات ضخمة. وربما تصبح الحال خطرا يصرف النظر عن خطر أكبر يمثل تهديدا أثقل. ولو تم الرجوع قليلا الى الخلف، فإن ما حصل في سلطنة عمان في سبعينات القرن الماضي، يعكس تعقيدات المنطقة، فيما كان التوجه الإيراني في تلك المرحلة يلبس ثوبا آخر يدعي التعاون في بعض المجالات، فيما كان الموقف العراقي يصب في مصب آخر.

ما المطلوب؟

يمنيا، لا بد من تعزيز توجه الدولة الوحدوي، وهذا يسجل للنظام القائم لا عليه، بتعميم الشعور بالإنصاف، وتبديد مشاعر قلق الجنوبيين، وتشخيص احتمالات عودة الربط بين موسكو وعدن، لجعله ارتباطا موضوعيا معقولا مع مركزية الدولة. ثم دراسة الوضع الحوثي باتباع سياسة لا تعتمد مبدأ القوة أساسا، وتقوية الروابط مع الدول العربية والانفتاح أكثر على الغرب، وتقوية التنسيق الأمني ليأخذ بعدا مهما، يشمل المنطقة ويتخطاها جغرافيا، وتفادي التوجهات المرتبطة بشأن دول أخرى والقضايا المعقدة، حتى عندما يكون الأمر مرتبطا بالمبادئ، لأن كفة المصالح أهم من الحرص على مبادئ خارجية، طالما لا تتقاطع معها سلبا.

عربيا، لا يجوز ترك اليمن، خصوصا لجهة الدعم الاستثماري والمالي، فضلا عن تعزيز الروابط السياسية والأمنية والإعلامية.

وفي كل الأحوال لا بد من التنبه الى اليمن، وتعزيز قدرة الدولة والنظام القائم، لفرض الأمن وإشاعة العدل والاستقرار.

* القبس