عاجل : غدا الأحد أول أيام عيد الفطر في اليمن وييدأ العيد يوم الإثنين في هذه الدول
الجيش السوداني يعلن السيطرة على مواقع جديدة في أم درمان
أطعمة تحارب الشيب المبكّر
برشلونة ضد جيرونا.. موعد المباراة والتشكيل المتوقع والقناة الناقلة
النفط يسجل مكاسب متتالية للأسبوع الثالث وسط ضغوط على الإمدادات
الغارات الأميركية تفتح أبواب الجحيم على الحوثيين في اليمن
الجيش السوداني يعلن عن ضبط أسلحة ومنظومات التشويش ..تفاصيل
قصف متواصل وعمليات جديدة للطيران الأمريكي في 6 محافظات يمنية ..تفاصيل
مقترح جديد لصفقة التبادل في غزة يتضمن إصدار ترامب تصريحا رسميا
حيث الإنسان يزرع الأمل في حياة إيمان وينقلها الى مصاف رائدات الأعمال بجزيرة سقطرى ... حكاية شابة غادرت دائرة الهموم لتلتحق بمضمار النجاح والمستقبل
قليل في عالم البشر تكون لحظة موتهم معراجا للخلود
كأمين الجمهورية وقائد رجالها البواسل الفريق الركن / أمين عبدالله الوائلي.
وقد قدم البطل روحه الزكية ليبقى ألق سبتمبر وروح الجمهورية وشرف المؤسسة العسكرية، وأمل الشعب بالحرية والكرامة التي لا يأس معها ولا قنوط.
تحتاج حروب تحرير الأوطان ومعارك الكرامة الوطنية ومواجهة المخاطر الوجودية للشعوب إلى أن تتولى مركز الصدارة فيها قيادات عسكرية محترفة ومخلصة ومؤمنة بقضاياها العادلة.
وفي إعداد الدولة للدفاع في العلوم العسكرية بكل المدارس المعتمدة لمناهج الدفاع الحديثة والقديمة يعطى الحق والأولوية للقائد العسكري، في توظيف كل الإمكانات وإدارة كل قطاعات الدولة، في خدمة المعركة، حتى تحقيق النصر وتثبيت الأمن والاستقرار.
وثمة حكمة بالغة التعبير والمعنى في التاريخ العسكري ورددت على مسامعنا في الكليات العسكرية ربما مئات المرات، تقول
( لا توجد وحدة رديئة ولكن يوجد قائد رديء ).
وبقراءة أخرى فاالقائد الناجح العظيم يصنع جيشا من الأبطال ويبني مؤسسة دفاعية، قوية البنيان، راسخة الجذور، وهذا بالضبط من أتقن صنعه وتمرس على فنونه القائد العسكري المتميز والضابط المحترف الفريق الركن / أمين بن عبدالله الوائلي رحمة الله تغشاه.
وفي هذه السطور نقف مع قراءة لهذه الشخصية الاستثنائية من خلال المحاور الآتية:
أولا : النشأة والميلاد :
من مواليد 1962م، وصاب العالي - ومن تخوم قرى كبود الناطقة بالجمال والخضرة وأنسام الهواء العلي أتى هذا الشهيد البطل.
ليبدأ بواكير حياته طالبا في محراب العلم والفضيلة، فأخذ العلوم والمعارف وتشبع بالأخلاق والقيم، على يد كوكبة من العلماء الأفاضل.
وتناغم مع حركة الكون فسبح معه لله منذ نعومة أظفاره
، سالكا دروب الرجال وهو لما يزل طفلا صغيرا، وتسنم ذرى المجد فتىً يافعا، ثم حمل المجد رجلا، كملت به صفات الرجال.
لبى البطل الوائلي نداء الوطن في كل المراحل وانتصر للقيم في كل الأوقات والأماكن، متمنطقا بالعلم وعاملا من أجل دينه وطنه بتفان.
بلدته وصاب -بحسب المؤرخين القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتاب مخاليف اليمن، وتاريخ اليعقوبي، مؤرخ جغرافي بغدادي، ویاقوت الحموی في معجم البلدان-
تنتمي تاريخيا إلى مخلاف جبلان الحميري أحد المخاليف اليمنية القديمة، التي كان معمولا بها في تسمية تقاسيم المناطق اليمنية، قبل الوجود العثماني في اليمن عام 1538م، و هذا المخلاف يقع حالياً في محافظة ريمة ومديريات وصاب وعتمة من محافظة ذمار.
ووصاب بقعة جغرافية غاية في الجمال وآية من آيات الرحمن في بديع صنع الخالق المنان، جبال باسقة الجنان، تكسوها الخضرة أبد الزمان وتتناثر في روابيها الشلالات الدائمة الجريان، وتحتزم بها الأودية المليئة بالخيرات والعامرة بما تجود به الأرض من كل أنعم الله الحسان.
في رباها العامرة استوطن الجمال وتفنن في تفاصيل الدهشة حتى لكأن الله جلت قدرته وتعالى في عليائه وضع فيها شيئا من روحه ومسحة من جلال صنعه وعظيم خلقه ، ليس مثلها في الارض سواها.
وهي مع ذلك أحد أهم مناطق اليمن ثورة على الظلم ونزوعاً نحو الحرية ومقاومة للاستبداد، وعشق صناعة الحياة وحسن الاستخلاف في الأرض، وتعمير الكون، بما يصلح حياة البشر ويصنع حضارة الإنسان.
والى وصاب بن سهل الذي يمتد نسبه الى أيمن بن الهميسع ابن حمير بن سبا يمتد نسب الهمام أمين الوائلي والذي تعرفه وصاب، شعابها والوديان، تلالها والتباب، جبالها
والسهول.
ونحن نكتب عنه وندرس سيرته للأجيال فمن المنهجية العلمية أن نعرج على بيئة المنشأ ومراتع الصبا وأرض التكوين العقلي والجسمي المبتكر لشخصية الدراسة، كيف لا ؟ إنها وصاب وحسبها من هي، عراقة وأصالة وجمال وبهاء.
ثانيا : الحياة العسكرية :
الوائلي عسكري صهرته الميادين وعركته الخبرات العلمية والعملية، هو احد قادة معارك الكرامة الوطنية والجمهورية، ضد مليشيات الانقلاب الإمامي المدعومة من إيران.
حصل على بكالوريوس علوم عسكرية، تخصص: سلاح المدفعية.. من الكلية الحربية عام 1984م. ثم ماجستير علوم عسكرية (العراق) عام 1999م. والتحق بالأكاديمية العسكرية العليا - كلية الحرب العليا (الدورة الرابعة حرب عليا) صنعاء. ولديه ليسانس شريعة وقانون.. جامعة صنعاء.
وتدرج في المناصب القيادية:
- قائد فصيلة دروع وحتى قائد كتيبة دروع.
- ثم تولى قيادة كتيبة مدفعية.
- أركان حرب اللواء السابع حرس جمهوري.
- أركان حرب اللواء 14 حرس جمهوري.
- نائب القائد لشؤون التدريب في مدرسة الحرس الجمهوري.
- نائب القائد للشؤون الإدارية في مدرسة الحرس.
- ركن ثاني لعمليات محور الحديدة.
- أثناء حروب صعدة الستة شغل منصب قائد المعسكر الصيفي بصعدة.
- ثم قائداً للواء 122 مشاه بصعدة.
- رئيس عمليات المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع.
- مساعد مدير دائرة العمليات الحربية بوزارة الدفاع.
- أركان حرب المنطقة العسكرية الثالثة.
- قائد المنطقة العسكرية السادسة
ثالثاً : الصفات القيادية
تميز القائد الوائلي بالعديد من الصفات والمواهب والقدرات نجملها بشيء من القراءة والتمحيص في هذه العجالة وأهمها :-
(١)
القائد الأمين شديد المركزية، يقظ الإحساس، قوي المتابعة، بنفسه يتأكد من كل شيء ويتابع جاهزية وحداته، من أقوى سلاح وحتى أدنى عيار، مستمدا فلسفته هذه من عظمة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في متابعة تفاصيل المعارك وإقرار جميع الخطط الحربية .
هذه الصفة التي أزعجت البعض لكنها صبت في مصلحة المعركة وقوة وتماسك وحدات الجيش، خصوصا في فترات بناء وتأسيس الجيوش واستعادة الأنظمة والدول تحتاج الى قائد يهتم بالتفاصيل ويتأكد بنفسه من كل شيء .
(٢) :
شديد الحرص على التراتبية العسكرية واحترام التسلسل القيادي، وهي من أهم أسس بناء الجيوش الحديثة وأهم عوامل الانضباط والضبط والربط العسكري وتحديد المسؤليات والحقوق والواجبات، وتحافظ على تماسك الوحدات العسكرية وسد الفراغ القيادي إذا ما حصل لأي سبب من الأسباب ويقوي تماسك التشكيلات العسكرية .
(٣)
شديد الانضباط والتواجد في الوحدات العسكرية والالتحام بأفراده ومرؤوسيه.
لا يغادر ثكنته ومركز القيادة والسيطرة إلا للضرورات التي تفرضها المعركة. فلسفته قائمة على أن النصر يرتكز على اليقظة والحضور والالتحام بالميدان، فكان مترسه هو مكتبه وغرفة عملياته ومشفاه.
لم يغادر القائد الوائلي الميدان حتى وهو في أشد حالة المرض فأعطى الأولوية لمواجهة أعداء الوطن وترك لعدوه من مرض السرطان ميدان المعركة خاليا، وآثر البقاء على الأرض لحفظ كرامة اليمن .
(٤) :
وكان الشهيد الوائلي يمارس بنفسه القيادة في كل المستويات وفي مختلف المواقع، ويقوم بعمل القيادات التي تتغيب لأي سبب وهو يغطي الثغرات المهمة والاختلالات التي تصاحب المعارك.
و حتى في الأوضاع الطبيعية لا يسمح بالفراغ القيادي على أي مستوى كان، وفي أي ظرف يهتم بالاتصال والتواصل مع المستويات القيادية الأدنى، حتى أول المستويات في القيادات الفاصل مع الاحتفاظ بالاتصال مع القيادات العليا وغرف العمليات، بفاعلية وسرعة وسهولة تحقق أهداف المعركة.
(٥):
شديد الحرص على متابعة وتنفيذ الجاهزية القتالية بشكل شخصي.
وهي الصفة التي تمثل أهم مهام القائد والأولى بالاهتمام على ما سواها، لأنها العنصر الأهم في الدفاع النشط والهجوم الناجح، وتشكل أهم عوامل الردع للعدو ويعطي اهتماما خاصا بالتدريب في كافة التخصصات ويشجع الكفاءات ويؤمن بالقاعدة الذهبية ( قطرة العرق في ميدان التدريب تحافظ على قطرات الدم في ميدان المعركة ) .
(٦) :
يعتمد إداريا وعملياتيا على تطبيق مبدأ الرقابة بأصنافها الثلاثة السابقة والمصاحبة واللاحقة، وهو ما حقق درجة كبيرة من النزاهة والانضباط في كافة الوحدات التي قادها وحافظ فيها على ممتلكات الدولة وجاهزية القوات من الأسلحة والمعدات والمؤن، وكان قدوة في نظافة اليد وبراءة الذمة وعفاف النفس عن المال العام وحقوق منتسبي الوحدات العسكرية والمؤسسات المدنية.
ويعتني شخصيا بكل شيء في وحداته العسكرية بصرامة القائد وروح الأب ومسؤلية رجل الدولة.
(٧) :
شديد الصرامة في التعاطي مع الحقوق والمستحقات المالية للأفراد وامكانيات الوحدات، فقد حرص عند كل حركة نقل له في المواقع القيادية على الحفاظ على كافة العهد والأسلحة والمعدات والأموال والمؤن، وتوريد تلك العهد كاملة الى القيادات التي تخلفه، بكل أمانة وحرص على براءة الذمة والحفاظ على مقدرات المؤسسة العسكرية والأمنية .
عفيف اليد يعطي كل ذي حقِ حقه وتميز بالتواضع والقرب من أفراده ومعايشتهم في الوحدات العسكرية والمواقع القتاليّة ومشاركتهم في برامجهم اليومية ومعيشتهم ولا يعطي لنفسه أي تمييز، فكان بصفاته الإنسانية الراقية قريبا من الجميع محبوبا من الكل.
وهو ما حقق درجة عالية من الانضباط في الوحدات العسكرية التي تولى قيادتها وأدى ذلك السلوك القيادي الوطني والمسؤول إلى رفع معنويات الوحدات العسكرية واستلهام القدرات الحسنة .
(٨) :
يحرص دائما على تحقيق النصر من خلال التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق والدراسة الاحترافية لمسرح العمليات والاستخدام الأمثل للقوات والوسائط والأسلحة والمعدات وتحقيق الانضباط العالي والسيطرة الصارمة وتحقيق كل عوامل النجاح، تخطيطاً وإعداداً وتنفيذاً، ويحرص على درجة عالية من تعاون القوات .
(٩ ) : هزم المرض وتسامى في خدمة الوطن
كانت بداياته مشرقة وحياته بالإنجازات حافلة وبالتضحية والفداء مترعة،و أكمل مشوار العمر بنهاية مشرقة وإرادة من الفولاذ أقوى.
سبق أن أصيب القائد الوائلي أكثر من مرة، ونجا من موت محقق عدة مرات، إحداها في قصف صاروخي على مبنى حكومي بمدينة الحزم عاصمة الجوف، في أبريل/ نيسان من عام 2017.
هزم كل عوامل الضعف واستعصى على أشرس الأمراض
عندما ناداه الوطن وهو في أصعب حالاته، وقد أنهك جسمه النحيل مرض السرطان اللعين، فأخذ نفسه بالعزائم ولبى نداء الواجب وقد أعذره الله.
لكنه أبى إلا أن يكون في مقدمة الصفوف مخترقا ساحات الوغى، ليلقن العالم أسمى دروس الوطنية و أبلغ مواقف التضحية والفداء.
ثالثاً :الجانب الوطني والإنساني في حياة الوائلي
كتب الكثير عن أمين الوائلي الفدائي المحارب الذي لا يشق له غبار ،الذي ما فكر ان يلتفت الى الخلف يوما مهما اشتد أوار المعارك ، وما تهيب أبداً سدود النار وهي تسد وجه الأفق وتشعل تراب الارض نارا وشرارا .
أمين القائد الأسطوري المبدع في فنون الحرب ، الذي خاض مئات المعارك ببسالة كخالد ابن الوليد لم يهزم في معركة قط، وما غاب يوما عن تلبية نداء الوطن وقد أعذره الله وقيده المرض واحتضنته الرحاب الطاهرة بين الحجر والمقام، عابدا لله، ففضل نداء اليمن ليخوض النزال من جديد، مودعا بيت الله الحرام ليبدأ من الرويك رحلة التحرير من جديد .
لكن ليعذرني القارئ الكريم فسأقف معكم لنقرأ سطورا من حياة أمين الإنسان الطيب والصديق الوفي ورفيق السفر المحب وزميل الرحلة المتواضع، وأخ الجوار الكريم ومجايل رفقاء الدرب بالفداء والتضحية.
عندما يعطي الله فلا حدود لعطائه، وهو ما ظفر به الشهيد الأمين في مضمار الإنسانية وهو يحمل عنك أعباء السفر وتكاليف الراحلة ويكون في موضع المتفاني بخدمة المجموع، وهو القائد الأقدم رتبة ومكانة والأكبر سنا ومنزلة والأوسع علما ومعرفة، ويمدك بدماثة الأخلاق طوال الرفقة، مهما كانت صعوبة مراحل السفر ومشقة الطريق ويقدم الجميع عن نفسه في المأكل والمشرب والراحة، ويتحمل وحده مشقة الطريق، وعناء السفر لا يؤثر في خلقه الرفيع ما تحمله الأسفار في طبائع البشر .
وهو في الحضر ومقر عمله وبين أفراده لا تجد فرقا بينه وبينهم ، في الغذاء والدواء والسكن والمعيشة وبقية الحقوق،
لأنه الإنسان الذي لم تحمله القيادة إلى مستوى أعلى إلا في التكاليف والوجبات، فعاش نضيف القلب واليد واللسان .
هو الأخ الأكبر الذي يحنو عليك أن جارت عليك ملمات الدهر أو غدرت بك ليالي الزمن الحالكة.
الإنسان التقي النقي الزاهد العابد الذي يأخذ نفسه بالعزائم ويرهق ضعفك إن جاريته في العبادة أو امتثلت لرغباته في شدة البأس.
أشهر عدة عشتها معه وفي كنفه قريبا فيها إلى نفسه ومنسجما فيها مع طبعه، فكان الإنسان البسيط في السمت القريب إلى النفس، الواعي إلى العقل، المحب إلى الروح، ابن الريف السمح المكافح، ذا القلب الطيب والفطرة السليمة
الذي يتودد للجميع ويعطف على من هم دونه ومن أعلى منه وفي مستواه، بقلب الأب وعاطفة الأخ ومحبة الصديق وروح الزاهد.
كأنك تعيش مع القوم الذي قرأنا عنهم في الكتب ودرسنا سيرتهم في حياة الصحابة وروح عظماء الإنسانية.
رابعا : اليوم الأخير في حياة الشهيد المجاهد أمين الوائلي
ثمة قاسم مشترك في حياة الشهيد اللواء الركن أمين بن عبدالله الوائلي يتمثل في الجدية والانضباط وأخذ نفسه بالعزائم في كل شيء وتوزيع الاهتمامات والأعمال بشكل متوازن بين العمل والبيت وواجبات الزمان والمكان وإعطاء جزء من وقته للالتزامات الإنسانية ورعاية القلوب الطيبة وصناعة الابتسامات في وجوه كل من يستطيع في محيطه ومن تضعه طيبات الأقدار في طريقهؤ ويعطي لبناء الشخصية القيادية، علما وتجربة وممارسة، حيزا يتناسب وشخصيته القيادية الفذة .
لكنه في الفترة الأخيرة من حياته خصوصا بعد عودته لقيادة المنطقةً العسكرية السادسة ركز جهده وحياته ووجدانه وكل وقته للجهاد دون سواه ليله والنهار، ليس في قاموسه احتياجات الراحة وصحة الجسم واحتياجات البدن الضرورية أو توازنات الاهتمامات بين الأسرة والمجتمع والعمل، نسي كل شيء وأذاب نفسه ووقته وعواطفه وصحته وكل حقوق عليه في قلب المعركة،تخطيطا وتجهيزا ومتابعة، وفعل قتالي وروح ترفرف في سماء المعركة دون سواها.
هذا الذي عشق الجهاد واستلذ العناء والمشقة في خدمة دينه ووطنه.
كلما لاح في الأفق حي على الجهاد لبى البطل الوائلي كمجاهد فرد ومحارب فريد، يجد إلخطى نحو مهاوي الردى دون أدنى وجل.
إنه البطل الشجاع الذي قدت ارادته من أشد صخور الأرض قوة، وكتبت مسيرة حياته على نقش سبئي،شديد الصلابة أبيض اللون ناعم الملمس، وعلى خطى إقيال حمير شد مئزره واعتلى صهوة المجد وخط في التاريخ سفره المشرق، لتطاول به السعيدة كل أقطار الارض فخرا وآباء
وللوقوف على تفاصيل اليوم الأخير من حياة الوائلي البطل فقد استفتح الشهيد يومه باكرا كعادته بصلاة الفجر وتلاوة آيات من الذكر الحكيم وجواهر الذكر والدعاء ومتابعة واجبات الأسرة والأولاد، ومن ثم انطلق لأداء واجبه الوطني والقيمي في زيارة مواقع الوحدات العسكرية المرابطة في مواقع الكسارة، وعلى خطوط التماس وفي الخطوط الأمامية تفقد الشهيد تلك الوحدات ووقف على احتياجاتها وقدم حزمة من التوجيهات، لتعزيز كفاءة القتال واستكمال عناصر الاستعداد القتالي العالي، وقدم خواطر تعبوية للمقاتلين ترفع الروح المعنوية وتعزز روح التضحية والفداء في معركة الكرامة الوطنية.
واستمر في كل موقع يزوره بتقديم النصائح التكتيكية ويوجه بسد الثغرات وتعزيز الدفاعات والاستفادة من الهيئات الحاكمة ورفع الروح المعنوية والتحريض على القتال حتى شارف الوقت على صلاة العصر، فقام باستقبال التعزيزات القادمة من العديد من الوحدات العسكرية، من الحماية الرئاسية وقوات العمالقة ووحدات أخرى ،وبدأ اللقاء بكلمة توجيهية تعبوية حث فيها الجميع على الصدق مع الله والثبات عند لقاء العدو وحث القادة على القيام بواجباتهم والالتحام بالمقاتلين الأحرار ومن ثم قام بتوزيع التعزيزات بما يسد الثغرات ويحقق أعلى درجات الاستعداد القتالي والاستفادة من الطاقات المتوفرة لتحقيق النصر.
بعد عناء يوم جهادي شاق، وقبيل غروب شمس يوم الجمعه؛ ساعة إجابة الدعاء المرجوة، طلب ماء للوضوء وتنحى في زاوية بعيدة عن مرافقيه يتوضأ ..
أتم وضوءه ونهض ، لتسقط عليه مباشرة قذيفة هاون ويقضي إلى الله مجاهدا متوضئا، شهيدا إلى الله، في أرجى يوم وأرجى ساعة!
وظل يردد كلمة التوحيد وشهادة الخلود ويوصي الجميع بالثبات على الحق ومواجهة الفئة الضالة الباغية، حتى فاضت روحه إلى الله شهيدا مجيدا، مقبلا غير مدبر، ثابتا على الحق
خامساً: قراءة في وصايا الشهيد الوائلي
وصايا الشهداء وإن كانت معطيات شخصية تتعلق بالحقوق وقد تتعداها إلى موجهات للدوائر القريبة من الشهيد أو حتى الأجزاء المتعلقة منها بالشأن العام، لكنها تظل حقا عاما وموروثا نضاليا مشاعا للأجيال القادمة وموجهات عامة جديرة بالاتباع، ومشاعل من نور تضيء ما أوقدتها دماء قائليها ، وضخت فيها الحياة إذا ماتت في سبيلها الأرواح
فالشهداء الذين يقدمون أرواحهم قرابين بين يدي أوطانهم هم أكرم ما على وجه الارض وباطنها، هم عناوين العزة والكرامة ودعاة الحرية والعدالة وبناة المجد الخالد والإرث النضالي التليد ، هؤلاء الذين يقدمون أثمن ما يملكون فداء لأعز ما يعشقون أوطانهم والمبادئ التي آمنوا بها، وحملتها أرواحهم واستوطنتها قلوبهم، ومن أجلها عاشوا وفي سبيلها قدموا أرواحهم وكانت في أعناقهم عهدا أبروه، وكانوا أوفى الناس للأوطان ذماما.
في هذه العجالة سنقف على قراءة في أعماق هذه النفوس من خلال تناول وصية الشهيد الفريق الركن / أمين بن عبدالله الوائلي
هذا العملاق الذي غادر الدنيا برصيد حافل بالتضحية والفداء مليء بالإنجاز الوطني والنضالي .
فكانت حياته جهادا لا ينقطع وبرٍا لا يتوقف ومسيرة علم لا تفتر وروحا وقادة في ميادين العطاء الوطني.
ما يتميز به الشهيد الوائلي أنه كان على استعداد دائم للحظة مغادرة الحياة الدنيا، فلم يكن يغفل بالعادة تسجيل ما له أو عليه من التزامات وحقوق مالية أو عينية.
وفي المقدمة من ذلك عهد وممتلكات وآليات القوات المسلحة التي بعهدته، فبمجرد الاستشهاد كانت كل العهد المالية والمادية التي بحوزته كقائد منطقة قد سلمت للمنطقة كاملة غير منقوصة، والتي لا رقيب عليه فيها إلا من إيمانه الصادق ويقينه الراس وضميره الوطني الحي.
وعلى غير العادة لا ديون ولا التزامات على المنطقة العسكرية السادسة في عهد الوائلي تثقل كاهل المعركة وتشتت أفكار القائد الخلف.
بل رصيد من الإمكانيات المالية والتسليحية والعينية بالقدر الذي تمكن من المحافظة عليه وتوجيهه في خدمة المعركة وجعله ضمن استراتيجية الصمود.
حتى العهد البسيطة لزملائه ومعارفه وأقرانه كانت حاضرة في وصاياه ومقيدة في سجلاته، بما فيها بذلة أرسلت من أحد الضباط السودانيين الدارسين في العراق لأحد زملاء الوائلي، كانا معا في كلية القيادة والأركان العراقية، و تعاقب عليها الزمن وتقادمت في حقها الأيام قد وجدت مكتوبا بغلافها إنها لفلان مرسلة من الضابط السوداني فلان الذي تزامل معه في كلية القيادة والأركان العراقية، في تسعينيات القرن الماضي.
قليلة هي ثقافة التحري الدقيق للحقوق مهما صغرت في مجتمعاتنا النزاهة وطهارة اليد والتورع عن المال العام والخاص، وهي سمات عزيزة المنال لكنها تظل موجودة في الأمة الى قيام الساعة.
ودائما ما كان يوصي زملاءه ومرؤوسيه وكل من يعرفه بالثبات على الحق والصمود في وجه الباطل والانتصار للوطن وجمهوريته وشعبه.
رحم الله الأمين الشهيد حتى في وصاياه كان أميناً وصادقا حيا وميتا، حفظ حق الله وصان حرمة الوطن وحقوقه حتى لقي الله مقبلا غير مدبر، ثابتا على الحق ،صلبا أمام الباطل
نحتاج إلى قراءات متأنية لوصاياه المستمرة في كل لقاءاته ومحاضراته لمنتسبي الوحدات العسكرية التي كان يقودها ولكل من كان يقرب منه أو يستمع إليه.
سادساً: مكانة الشهيد في وجدان القيادة
نعاه الفريق أول ركن / علي محسن صالح نائب رئيس الجمهورية السابق حيث قال :
" بشرف وأسى بالغ تلقينا نبأ استشهاد البطل المناضل الجسور اللواء الركن/ أمين عبدالله الوائلي قائد المنطقة العسكرية السادسة وهو يخوض مستبسلاً معارك الوفاء والحرية دفاعاً عن الدين والوطن والأرض والعرض من ميليشيا الكهنوت الانقلابية الإيرانية ودجلها وكذبها على أبناء الشعب اليمني.
إن الشهيد البطل وهو يترجل عن دنيانا فارساً مغواراً مناضلاً، ترك لأبناء اليمن وللمؤسسة العسكرية على وجه الخصوص بصمات ومآثر خالدة لا تفنى برحيله، وسطّر بدمائه الزكية ملاحم الفداء والتضحية، ورسم مستقبل الأجيال اليمنية المدافعة عن قيم الحق والعدل والجمهورية والرافضة بكل عنفوان لكل أشكال العبودية والتخلف والكهنوت.
وفي خدمته العسكرية الوطنية، فقد شَهِدْتُ انتسابه للسلك العسكري وتنقلاته في الوحدات العسكرية، مذ كان جندياً ثم صف ضابط ثم ضابطا ثم قائداً لوحدة ووحدات عسكرية، وفي كل مرحلة من هذه المراحل، كان الشهيد اللواء أمين الوائلي ذلك الجندي الوفي والقائد المتمرّس المتجرد، صابراً جَلِداً في تأدية المهام وصنع المعجزات، في أحلك الظروف.
وللشهيد البطل - رحمه الله - أدوارٌ نضالية ومواقف وطنية خالدة، في مختلف المراحل المفصلية التي مرت بها اليمن والتي كان آخرها الانقلاب الحوثي وما تلاه من مقاومة ورفض شعبي وعسكري، حيث كان للواء الوائلي دور بارز في الترتيب والتأسيس ولملمة صفوف منتسبي الجيش والمقاومة وقاد معارك التحرير أميناً مؤتمناً، حسُنَ القيادة والجندية وصادق الولاء والانتماء."
وقال بيان صادر عن وزارة الدفاع ورئاسة الأركان،
" إن البطل الجسور والقائد الأمين، الذي عاش مخلصاً للثورة والجمهورية، وحارساً أميناً للمكتسبات، والثوابت الوطنية والأهداف السامية، كان واحداً من أصدق وأشجع القادة والضباط الذين جسدوا أسمى معاني الولاء والوفاء للوطن وللشرف العسكري ونذروا حياتهم دفاعاً عن الحرية، والكرامة ووهبوا أرواحهم الزكية، فداء للتراب الغالي.
وأكد البيان، أنّ الشهيد الوائلي، كان مثالاً متميزاً في القيادة والجندية، والمهنية والاحترافية، في كل المواقع والميادين، التي تنقل فيها والمهام التي أوكلت إليه تنفيذها والمراتب والمستويات التي تدرج فيها، وكانت له بصمات فريدة في بناء وتطوير المؤسسة العسكرية، خلال حياته الحافلة بالعطاء والتضحية والمواقف الشجاعة.
وأضاف البيان، أن القوات المسلحة وهي تنعي اليوم واحداً، من رجالاتها البارزين، لتجدد العهد للشعب والقيادة بمواصلة الكفاح والتضحية والسير على دروب الأبطال العظماء، حتى استكمال تحرير كل ذرة من تراب الوطن، واستعادة الدولة والكرامة.
وأكد البيان، أن تلك التضحيات الغالية ستزيد الأحرار عزماً وإصراراً على المضي نحو تطهير اليمن من المشاريع والشعارات الإيرانية ومليشياتها التخريبية ومحاربة الإرهاب والتطرف".
استشهد يوم السبت 27 مارس 2021. م خلال معارك مع الحوثيين، في جبهة الكسارة، شمال غرب محافظة مأرب.
رضي الله عن القائد الشهيد أمين الوائلي وأرضاه ورحمه وتولاه .
إنه ولي ذلك والقادر عليه ،،،،،،
حفظ الله اليمن من كل سوء ومكروه ،،،