آخر الاخبار

بلا حياء.. الحرس الثوري الإيراني: أيدينا مكبلة ولسنا في وضع يسمح باتخاذ إجراء ضد إسرائيل تقرير أممي :8 % من الأسر بمناطق سيطرة الحوثيين تعتمد على التسول من أجل الحصول على الغذاء واشنطن تتحدث عن اصطياد هدفاً حوثياً إضراب شامل يشل مصانع المياة المعدنية في صنعاء ومصادر مأرب برس تؤكد : إضراب مرتقب لمصانع أخرى دعاية الحوثي فرط صوتية ..تقرير أمريكي ينسف رواية المليشيات:دولة عظمى أرسلت للحوثيين صواريخ كروز مضادة للسفن حملة عسكرية من قوات العمالقة ودفاع شبوة تصل الصعيد لإيقاف حرب قبلية تدور رحاها بين قبائل المقارحة والعوالق كيان موالي للمجلس الانتقال الجنوبي يعلن اعتزامه إنشاء شبكة حوالات موازية للشبكة الموحدة التي أسسها البنك المركزي مركز سعودي عالمي ينجح في إزالة أكثر من 18 مليون محتوى متطرف من «التلغرام» وزير الدفاع السعودي يصل تركيا وأردوغان يعقد معه لقاء مغلقا في المجمع الرئاسي . ملفات الأمن والتعاون المشترك .. تفاصيل الملك سلمان بن عبدالعزيز يصدر توجيهات ملكية بمنح 60 مواطناً ومواطنة بينهم أميرة وقيادات عسكرية ومواطنيين ميدالية الاستحقاق لتبرعهم بالدم

لأول مرة في التاريخ
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: سنتين و 8 أشهر و يوم واحد
الأحد 31 أكتوبر-تشرين الأول 2021 07:18 م
 

احمد عايض: ليس صحيحاً أن الأمريكيين يحيكون المؤامرات ضد العرب. لا أبداً، ومن السخف أن نتهم أمريكا بأنها متآمرة علينا وعلى قضايانا، لأن المؤامرات تحاك عادة في الغرف المظلمة سراً ولا أحد يعلن عنها مسبقاً كي يتيسر لها كل مقومات النجاح والتنفيذ. أما أمريكا فتفصح عادة عن مشاريعها التدميرية، وإذا شئت سمها التآمرية على رؤوس الأشهاد، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية غوندوليزا رايس صريحة جداً أمام وسائل الإعلام العربية والدولية عندما أماطت اللثام عن المشروع الأمريكي الشهير للمنطقة العربية ألا وهو «الفوضى الخلاقة». وقد استخدمت رايس كلمة «الخلاقة» كنوع من المؤامرة المكشوفة، بينما الفوضى التي كانوا يحضرون لها كانت «هلاكة» بكل المقاييس. لكن قبل أن نتمادى في كيل الاتهامات لأمريكا، تعالوا نعود إلى الوراء قليلاً لنكتشف أن أمريكا لم تفعل شيئاً في واقع الأمر سوى الإعلان عن مشروعها التدميري، ثم تركت التطبيق والتدمير للعرب أنفسهم كي ينفذوا الفوضى الهلاكة على بلادهم وشعوبهم وبأيديهم. ولا حاجة الأمريكان. من الذي أتى بالجيوش الغربية والدولية إلى المنطقة العربية في تسعينيات القرن الماضي؟

ألم يكن الغزو العراقي للكويت الشرارة التي أطلقت الغول الذي التهم منذ ذلك الحين العديد من الدول والشعوب العربية؟ ألم يمهد ذلك الغزو التاريخي الغارق في الغباء والعنجهية لمشروع الفوضى الهلاكة التي كانت تعده أمريكا للمنطقة العربية منذ عقود وعقود؟ لا تنسوا أنه عندما أطلقت رايس المشروع، فهذا لا يعني أنه كان طازجاً وقد خرج من الفرن الأمريكي للتو، لا أبداً، فالأمريكان يضعون مخططاتهم قبل عشرات السنين من الإعلان عنها والبدء في تطبيقها. بعبارة أخرى، فقد كان الغزو العراقي للكويت بداية المشروع الذي انطلق لاحقاً كانتشار النار في الهشيم.

وكي لا يصطاد أحد في الماء العكر، لا يمكن أن نعتبر الانتفاضات الشعبية التي حدثت فيما يسمى بالربيع العربي على أنها كانت جزءاً من المخطط الأمريكي، لا أبداً، بل إن المخط استغل تلك الثورات الحالمة بقليل من أوكسجين الحرية والخبز لينفذ المخطط الشرير وللأسف بأيد عربية، فبدل أن تحقق الثورات قليلاً من آمالها، تحولت على أيدي قوى الشر إلى حروب أتت على الأخضر واليابس في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان ضمن المشروع الأمريكي المعلن، وهي تستمر الآن بأشكال مختلفة في تونس والسودان والجزائر والحبل «عالجرار».

. ولو أخذنا سوريا مثالاً، فقد نجح المشروع التدميري الفوضوي في تدمير البلد وتهجير شعبه وإعادته عشرات السنين إلى الوراء، وللأسف بأيدي السوريين أنفسهم، وقد تحول السوريون بعد انتهاء مظاهر الانتفاضة الشعبية التي لم تستمر سوى بضعة أشهر إلى مجرد أدوات في أيدي المخططين للفوضى الهلاكة على الأرض السورية، وقد تقاسم العالم الأدوار في إضرام النار بسوريا والسوريين، فهذا دعم النظام وذاك دعم قوى المعارضة، فكانت النتيجة حرباً وفوضى بأيدي السوريين أنفسهم وعلى أرضهم وأشلاء ومعاناة شعبهم الذي تحول إلى ضحايا لذلك المشروع الجهنمي. لقد انتهت الثورة الشعبية بلمح البصر، وصارت من الماضي ومنذ عشر سنوات تواجه سوريا حرباً بالوكالة أدواتها السوريون أنفسهم وفي ليبيا بدل أن يستجيب القذافي لمطالب الشعب بقليل من الإصلاحات خرج على الليبيين ووصفهم بالجرذان والكلاب الضالة كما حدث في سوريا تماماً، وبدأ بالحرب عليهم، وقد استغلت قوى الشر الوضع وراحت تغذي الطرفين كما في سوريا أيضاً. وقد تمكن القذافي ومعارضون من تنفيذ الفوضى الهلاكة في ليبيا بأشلاء وأموال الليبيين دون أن يدفع أصحاب المشروع دولاراً واحداً. لقد فعل الجيل الرابع من الحروب فعله في سوريا وليبيا واليمن وقريباً لبنان وربما السودان والجزائر وتونس.

وقد كان اليمن من أهم المسارح التي دارت عليها رحى الفوضى الهلاكة، فتحول الحراك الشعبي الذي كان يطالب بأبسط الحقوق الإنسانية إلى حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس، وفسحت المجال للقاصي والداني كي يتدخل في اليمن لتصفية حساباته مع الآخرين على أرض اليمن وبأشلاء ومعاناة شعبه تماماً كما حدث في ليبيا وسوريا حيث أصبحت الساحتان السورية والليبية مرتعاً للقاصي والداني، وكل طرف يريد أن يقتطع قسماً من الكعكة. وكما نفذ السوريون والليبيون مخططات الآخرين في بلادهم بالتناحر والتقاتل، كذلك فعل اليمنيون ليصبحوا جميعاً مجرد أدوات في مشروع الفوضى الهلاكة المنشود. لا شك أن الفوضى كانت «خلاقة» تماماً للأمريكي كما وصفتها غوندوليزا رايس، لكنها كما أسلفت كانت هدامة مدمرة للمنطقة العربية.

ويبدو أن المشروع لم يكتمل بعد والحبل «عالجرار». وكما يقول أحد المحللين فإن: «اللافت في الموضوع أن المشروع الأمريكي في الفوضى الخلاقة وُلدت فكرته من إدراك المخططين لمدى عبودية الحكام العرب للكرسي وتالياً كان مفيداً لنجاح المشروع اندلاع الثورات عليهم لمطالبتهم بالرحيل والوصول من دون أي تكلفة للهدف العميق من الفوضى وهو دول فاشلة ومدمرة». وقد حصل ذلك تماماً. نعم لقد كان التخطيط لمشروع الفوضى أمريكياً كما اعترفت رايس بعظمة لسانها، لكن للأسف الشديد، فقد تسابق العرب على تنفيذه بأيديهم موفرين على المخططين مليارات الدولارات، فالأدوات كانت الجيوش العربية وترسانتها العسكرية التي كلفت مليارات الدولارات من قوت الشعوب. هذه الجيوش لعبت الدور القذر في تنفيذ الفوضى لكن طبعاً بمساعدة قوى المعارضة المزعومة التي كانت بدورها أدوات ومرتزقة في أيدي كل من أراد لهذه المنطقة أن تتحول إلى ركام وحطام. لا تنسوا أن فصائل المعارضة السورية مثلاً كانت تتخذ من قلب المدن مكاناً لساحة حروبها مع النظام، فكانت النتيجة تدميراً للمدن وتهجيراً لسكانها. باختصار فقد شاركت الأنظمة ومعارضوها في أكثر من بلد في تنفيذ المشروع التدميري المسمى «الفوضى الخلاقة»..

لم يحدث في التاريخ أن أنظمة وشعوباً ومعارضات نفذت مخططات الآخرين في بلادها كما فعل العرب على مدى العقد الماضي. (لا تخلطوا ما يحدث اليوم بما كان سائداً أيام الغساسنة والمناذرة). لقد كان الاستعمار في الماضي يدفع تكاليف حروبه وحملاته الاستعمارية، لكن العرب، وربما لأول مرة في التاريخ، وفروا عليه حتى تكاليف الغزو والاحتلال والتخريب والنهب والسلب.