بين الإمامة والزعامة: ماذا يعني انفجار صنعاء الوشيك؟!
بقلم/ يوسف الديني
نشر منذ: 7 سنوات و شهر و 20 يوماً
الأربعاء 04 أكتوبر-تشرين الأول 2017 11:07 ص


على خطى انتزاع الميليشيا من بقايا الدولة المهشمة القائمة على شراء الولاءات، حاول عبد الملك الحوثي انتزاع ورقة التوت من نظام المخلوع صالح الذي يتلاشى رأسماله الرمزي داخل صنعاء بعد مرور قرابة العام من نقل البنك المركزي، وتحولات عميقة في الحالة اليمنية التي يزداد الوضع فيها تعقيداً بسبب إهمال دولي عدا التركيز على الجانب الإغاثي دون الدبلوماسي وعودة اليمن إلى بؤرة توتر مستقبلية في المناطق المهملة غير المحررة من قبل الشرعية، رغم جهود التحالف الذي يقود المعركة على أكثر من صعيد آخرها كان سحب القرار الهولندي بتشكيل لجنة تحقيق دولية، وهو قرار كسابق لا ينظر إلى مسببات الأزمة اليمنية المتمثلة في تفجير الأوضاع في اليمن باستهداف منطقة تعز ومنع المساعدات الإغاثية، إضافة إلى تحويل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وصالح جزئياً في شمال صنعاء والمناطق المتاخمة لها إلى جحيم معيشي للأغلبية، لاستخدامهم ككتل بشرية وضحايا للأعمال العسكرية للتحالف الذي يسعى إلى تخليص اليمن من هيمنة الميليشيا والأذرع الإيرانية التي تتمدد وتغير هويّة اليمن بشكل غير مسبوق ومفاجئ، حتى للمخلوع صالح الذي يعاني حزبه السياسي من اعتداءات مباشرة وصراع على كعكة الخراب والمزيد من سياسة الإفقار ورفع الأسعار لمواجهة استحقاقات اقتصادية أهمها الرواتب، مما يعني أن انفجار الحالة في صنعاء مسألة وقت لا أكثر.
في خضم هذا الخراب الذي يتقاتل عليه الحوثي وصالح يخرج بالأمس عبد الملك على طريقة حسن نصر الله في خطاب بمناسبة عاشوراء يطالب بثبات المواقف فيما وصفه بمناهضة الهجمات الاستعمارية للأميركان والمد التكفيري، متناسياً صفقة من يحاكيه (نصر الله) مع «داعش»، الغامضة والتي أذهلت العالم بقدرة ميليشيات الخراب على التطابق في استثمار الدمار.
ما فعله الحوثي وصالح منذ بداية عاصفة الحزم، التي تأخرت كثيراً ولا يمكن تصور توقفها إلا بتصحيح الحالة اليمنية، هو تفتيت اليمن، ليس كمفهوم دولة وإنما حتى على مستوى الجغرافيا السياسية داخل البلد، حيث باتت مرتعاً لمراكز قوى متصارعة؛ القبائل والإخوان في مأرب، والحوثيون يصارعون صالح على خرائب صنعاء لمحاولة استثمار الدمار في المظلومية الدولية والمناطق المهملة غير المحررة لـ«القاعدة» و«داعش»، وحتى المناطق التي تحظى بالأمن في حضرموت والجنوب باتت تفكر بمنطق الانفصال بسبب ممارسات مركزية صنعاء التي ما زال صالح يتوهمها، فجزء من قبضة الأمن هناك لا يعود إلى التمسك بالشرعية قدر أنه تابع لمشاريع انفصالية للحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي، يرافق ذلك انهيار للمؤسسات الإدارية والاقتصادية إلى الحد الذي حوّل ميليشيا الحوثي إلى عصابات «إتاوة» تمارس القمع أمام الجميع وتفرض هيمنتها بالسلاح وتغير المناهج لتعميم ثقافة مستنبتة لم يعرفها حتى «الزيدية» في اليمن على مدى التاريخ.
على المستوى الأمني لا يثق الحوثيون حتى بالأجهزة الأمنية للمخلوع فقاموا باستبدال اللجان الشعبية بها، وهناك تنافس كبير بينهما في المناطق التي يهيمنون عليها لشراء ولاءات القبائل بما تبقى من الأموال التي يتم نهبها والخدمات التي بلغت أسعارها إلى مستويات قياسية لم تعرفها حتى مناطق التوتر التي كان «داعش» يسيطر عليها في سوريا والعراق، وبالتالي يسعى الطرفان إلى خنق كل المبادرات الإغاثية عبر استهداف الحديّدة ومينائها الذي كان متنفس المساعدات الإنسانية. على المستوى العسكري يتم ضرب تعز بوحشية باعتبارها الثقل السياسي الأهم حتى من صنعاء التي لم يتبقّ فيها إلا أطلال الدمار الحوثي.
إشكالية اليمن اليوم ليست في حرب إعادة الشرعية وعاصفة الحزم التي تحاول أن تكون أسرع من وتيرة الدمار المتسارعة التي يخلقها الحوثي، بل في فشل المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة في التحول في معالجة الحالة اليمنية من الشق الإغاثي الضعيف إلى الدبلوماسية الجادة والحازمة بالضغط على حالة الاختطاف التي يمارسها الحوثيون حتى لفتات الدولة التي كان يسيطر عليها نظام المخلوع، والاستجابة المتكررة لضغوط الحوثيين، وكان منها عدم تغيير المندوب الأممي كجزء من حالة الضعف للمؤسسات الدولية في التعاطي مع الملف اليمني، كما هو الحال في حالة اليأس التي يمكن قراءتها في الدول الغربية الكبرى بسبب الانشغال بملفات إقليمية أخرى وأبرزها الانتهاء من ملف تنظيم داعش في سوريا والعراق.
والمثير للاستغراب هو ذلك التركيز على خلافة «داعش» المنكفئة وإهمال إمامة الحوثيين المتصاعدة والتي في حال قدرتها قريباً على تنحية ما تبقى من سلطة صالح ونظامه السابق في صنعاء سنكون أمام مشروع إيراني مكتمل في المنطقة، وفي بلد مفتت ومنقسم ومن السهل أن يكون مرتعاً لكل التنظيمات المتطرفة والإرهابية بحيث يعود العالم من جديد لمعاينة واقع أكثر فداحة من إهمال الحالة العراقية ما بعد سقوط نظام صدام حسين وإهمال فظاعات نظام الأسد بحق شعبه.
ما تجهله المؤسسات الدولية عن حالة اليمن المعقدة هو بقاء العلاقات المنظمة للسلطات فيها بين صالح وحزبه، المكون الأقوى الذي ينهار لصالح ميليشيا الحوثي، وبين القبائل والحكومة المركزية المدمرة. أدوات الحوثي اليوم هي نفس أدوات صالح بالأمس؛ الانتهازية السياسية، والابتزاز للأطراف المؤثرة في مناطقها.
بقاء هذا النوع من العلاقات هو بسبب قوة السلطة والحماية التي يتم توفيرها من قبل الخارجين على السلطة المركزية، فالحوثيون تحولوا بفعل أنانية المخلوع إلى «خوارج سياسيين» على نظام غير شرعي، والطرفان يلعبان على تأمين مستلزمات العيش البسيطة في المناطق التابعة لنفوذهم، فترهيب أشخاص مهددين بالجوع والفقر ونقص المياه وانقطاع الخدمات الأساسية، لا يمنحك شرعية سياسية، وإنما صمتاً قد يطول، لكنه سيخلف أزمات قد تستمر لعقود.
انفجار صنعاء والدولة المفتتة بين الحوثيين وصالح سيكون كارثياً، فالطرفان لا يكترثان بالضحايا من المدنيين ولا مستقبل اليمن، بل هما أشبه بمقامرين يلعبان بكروت المظلومية واستغلال تثبيت الشرعية من قبل عاصفة الحزم لتأليب المجتمع الدولي دون جدوى، وفي حالة اندلعت الحرب بينهما فهي حرب وجود وتصفية سيعاني منها اليمن طويلاً بسبب مركزية صنعاء وتكدس سكانها من كل مناطق اليمن، الذين شكّل انهيار الأوضاع الاقتصادية في المناطق التي تم إفقارها على مدى عقود طويلة تحولهم إلى صنعاء كمركز للكسب والتحول إلى طبقة عمالة للنخبة المترفة من أهل «مطلع» الذين كشفت حرب اليمن عن شكلانية الدولة اليمنية التي كان يقودها صالح على طريقة المقامرة السياسية وشراء الولاءات أكثر من ترسيخ مفهوم اليمن الواحد لليمنيين.