الوحدة اليمنية.. وحملة تزييف الوعي!
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 9 سنوات و 4 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 02 يونيو-حزيران 2015 02:55 ص
ددقول المثل الشعبي اليمني: «إذا سقط الثور كثرت السكاكين»، وللثور في النقوش اليمنية دلالة رمزية مهمة، فهو يرمز إلى القوة ويرمز إلى الرخاء أيضا، وهو إلى جانب الفلاح الذي أبدع في بناء وتشييد أعجوبة المدرجات الزراعية حوَّل السهول والجبال المعلقة في السماء إلى مروج خضراء، فنشطت الفلاحة وازدهرت الزراعة، فكانت اليمن الخضراء، وكان «اليمن السعيد». ولذلك، وللتعبير عن هذه القوة وهذا الرخاء في الثور، قيلت فيه أمثال كثيرة من ضمنها هذا المثل الشائع في معظم بلداننا العربية.
هذا المثل الشعبي ينطبق على ما يجري اليوم من هجمة محمومة شرسة ضد الوحدة اليمنية، التي كانت ولا تزال عند اليمنيين مصدر أمن ورخاء وعزة وقوة. فبعد ربع قرن على قيام دولتها في مايو (أيار) 1990، وفي ظل التمزق السياسي والحرب المدمرة التي يشهدها اليمنيون اليوم، تكاثر البائعون وسقطت الأقنعة وكثرت السكاكين التي تذبح فيها، والكل يريد نصيبا من اللحمة، مع أن الوحدة لا تزال أحد أبرز الضمانات لوقف الحرب واستمرار الحوار وبقاء الدولة.
كان ولا يزال الهدف من المبالغة والتهويل بشأن القضية الجنوبية ومظلومية الجنوبيين هو المزايدات السياسية التي تحولت في ما بعد إلى مشروع للتسويق الخارجي، على حساب القضية الوطنية، وعلى حساب إضعاف انتماء أبناء الجنوب إلى الوحدة، خدمة لمشروع التشطير الجديد الذي تبنته القيادات الانفصالية منذ حرب عام 1994.
لكن، في المقابل، لا يستطيع أحد أن ينكر أن مسيرة الوحدة اليمنية رافقتها منذ عام 1990 أخطاء كثيرة طالت القضية الجنوبية، وطالت بصورة خاصة البسطاء من أبناء الجنوب، الذين ضاعت آمالهم وحقوقهم في زحمة فساد الدولة، وتسابق بعض قياداتهم على السلطة والثروة قبل وبعد حرب 1994، التي حدثت بنتيجتها تجاوزات كبيرة كان من أبرزها تدمير ونهب ما تبقى من مؤسسات وأملاك الدولة في الجنوب تحت تسميات ومبررات مختلقة، كان منها ابتداع وتنفيذ مشروع «الخصخصة»، الذي رتب له خلال الفترة ما بين 2001 - 2007، وطال أكثر من 185 وحدة اقتصادية ومنشأة حيوية بيعت بأسعار بخسة، وترتب على بيعها انعكاسات كارثية على آلاف العمال والموظفين الشماليين والجنوبيين، الذين تم الاستغناء عنهم وطردهم من المرافق العامة، التي عملوا فيها لسنوات طويلة، ثم فقدوا مصادر عيشهم ودخولهم اليومية الأساسية.
والحقيقة المرة التي لا يريد أن يفهمها دعاة الانفصال أن هذه الإشكالية التي حدثت في الجنوب، وحدثت وتحدث أيضا في الشمال، ليست بفعل «الوحدة»، وإنما هي بفعل سطوة غول الفساد الذي سيطر على النظام، وبفعل الإدارة الفاشلة للوحدة، والتصرفات الهمجية التي مارسها كثير من القيادات الإدارية المدنية والعسكرية في المحافظات الجنوبية والشرقية، والتي ولدت حالة من الشعور بالظلم لدى قطاع واسع من أبناء الجنوب.
غير أنه وقد حدثت كل تلك التجاوزات فمن غير المنطقي ولا من الإنصاف القول بأنها تمت على أيدي فاسدين «شماليين» فقط، بل هي تمت بأيدي قيادات «جنوبية وشمالية» نافذة وفاسدة، لا تزال تعبث حتى اليوم، وغدا، وهو ما لم تكن تأثيراته وانعكاساته على الجنوب فقط وإنما كانت على الوطن بأكمله.
لقد شهدت الوحدة اليمنية في العصر الراهن أخطر حملة تزييف في تاريخها القديم والمعاصر، وسخر دعاة الانفصال كل إمكانات الدولة بعد 2011 وحولوا مؤتمر الحوار الوطني إلى منبر للترويج للانفصال، وعملوا على تخديش صورة الوحدة وتشويه قيمها، وحاولوا التنكر لفضلها وصنيعها على المستويين الشخصي والعام، بحيث وصل تزييف الوعي باسم القضية الجنوبية إلى حد التشكيك بوحدوية أبناء الجنوب وبنضالاتهم وتضحياتهم من أجل تحقيقها، رغم أن أبناء الجنوب كانوا القوة الأكثر فاعلية وتأثيرا في الضغط من أجل تحقيق الوحدة عام 1990، وكانوا هم من قاوم حركة الانفصال في 1994 ومنع الانفصاليين من العودة بالوطن إلى زمن التشطير. ثم كان أبناء الجنوب هم من أدرك خير الوحدة، إذ بفضل الوحدة انطلقوا إلى رحاب العصر، وبفضلها عُمِّرَ وبُنِيَ الجنوب - مقارنة بما كان عليه الوضع من قبل - وتحققت فيه مشاريع مهمة لم يكن لها أن ترى النور لولا الوحدة، وبفضل الوحدة انطلق الوطن بأكمله نحو آفاق جديدة من حرية التعبير والرأي والتفكير، واستطاع الإخوة «الأعداء» أن يلتئموا تحت سقف واحد وشعار واحد ودولة واحدة بعد أن كانوا يقتلون على الحدود كمتسللين وجواسيس «شيوعيين ملحدين»، أو «إمبرياليين عملاء للرجعية العالمية».
هذه هي الحقائق التي غُيِّبتْ وتُغيَّبُ عمدًا عن جيل وشباب الوحدة، ويحاول الانفصاليون طمس حقائق التاريخ، ليس فقط من ذاكرتهم وإنما أيضا من ذاكرة من تبقى من جيل المستنيرين الذين عاشوا وتربوا على منهج ووطنية ووحدوية الرواد الكبار من أمثال عبد الله عبد الرزاق باذيب، وعبد الفتاح إسماعيل، وقحطان الشعبي، ومحمد علي هيثم، وعلي ناصر محمد، وسالم ربيع علي، وعمر الجاوي صاحب «الحكمة اليمانية»، المجلة التي خاضت بقلمه وبأقلام زملائه نضالاً مريرًا من أجل الوحدة حتى قامت دولتها.
المشكلة أن دعاة الانفصال - إذا ما استثنينا البيض، وباعوم، والعطاس، ومسدوس - يروجون للانفصال ويثيرون نوازع الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد باسم «هذا شمالي» و«هذا جنوبي»، وهم في حقيقة الأمر قد غرقوا حتى آذانهم في صنعاء في فساد لم يسبقهم إليه أحد، وعاشوا ويعيشون حياة رغدة، ويرفلون في نعيم لا يقوون على مفارقته، فلديهم القصور الفخمة التي تعج بالخدم والحشم، ولديهم المزارع الواسعة الغناء في المناطق التهامية (شمالية وجنوبية)، وينعمون باعتمادات مالية وعينية كبيرة من خزينة ومخازن الدولة، وهم وأولادهم وشغالاتهم يركبون أفخم السيارات المدرعة، وهم في ذات الوقت يمارسون تزييفا لا مثيل له باسم القضية الجنوبية، ويبتزون الدولة ومؤسساتها في مئات الملايين من الريالات ويخربونها باسم الجنوب، بينما «الغلابة» من أبناء الجنوب الذين يتحدثون باسمهم يتضورون جوعا بل ويذبحون في الساحات.
لكن هؤلاء الساسة - الذين حكموا في صنعاء، وسيطروا على كامل مؤسسات الدولة المالية، والأمنية، والدفاعية، والاستخباراتية - لماذا لم يسألوا أنفسهم يوما عن سبب تقاعسهم عن معالجة القضية الجنوبية على مدى السنوات الأربع الماضية التي حكموا فيها وهم مدعومون شعبيا ودوليا وإقليميا؟!! ولماذا لم يصلحوا ما أفسده الآخرون من قبلهم؟!! ولماذا لم يجبروا ضرر المواطن الجنوبي ويعيدوا له حقوقه وما سلب منه؟!! ثم لماذا ظل هؤلاء - وما زالوا - حبيسي الترويج للأقلمة والفدرلة، وفك الارتباط، والانفصال، ولم يكلفوا أنفسهم يوما عناء البحث عن حلول جذرية وجادة للقضية الجنوبية في إطار الحفاظ على الوحدة التي أكدت عليها المبادرة الخليجية والقرارات الأممية؟!!
أسئلة محيرة فعلا.. ولعلها جديرة بدعوة المعنيين للتأمل والتفكير فيها جيدًا.. خصوصا أن الوحدة اليمنية هي فعل تاريخي صنعه اليمنيون، وهي ملكهم، ولا علاقة لها بفشل هؤلاء الحكام وفشل من سبقهم في إدارتها وإدارة الشأن العام في البلاد.. ثم إن الوحدة قد أثبتت خلال الـ25 عاما من عمرها المديد - إن شاء الله - أنها عامل أمن واستقرار للمنطقة ولدول الخليج بصورة خاصة، ولا تشكل خطرًا على أحد.
وعليه فالوحدة اليمنية رغم ما يجري من اقتتال وتدمير في البلاد، لا بد أن تظل هي خيار الشعب وأمله في حياة مدنية آمنة ومستقرة، والحفاظ عليها يجب أن يكون مسؤولية وطنية بدعم إقليمي ودولي، لما لها من أهمية في تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة.