يكذبون كما يتنفسون
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 9 سنوات و 5 أشهر و يومين
الخميس 14 مايو 2015 08:53 ص
منذ سنوات ونحن نقول، الحوثي مخلب إيران في جنوب الجزيرة العربية. قال المدافعون عنه إنه مظلوم، وقال هو إنه يدافع عن نفسه، وإنه جزء من محور المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل، وإن عداوته منصبة على الأمريكيين، لا على اليمنيين.
أخذتُ عبارة الحوثي وشعاره، وفي حوار مع السفير الأمريكي السابق في اليمن جوناثان فايرستاين، قلت له: يقول الحوثيون إنكم أعداؤهم. ما زالت ضحكة فايرستاين المجلجلة في أذني حتى اللحظة، قال لي: لسنا أعداء للحوثيين. قلت فلماذا يهتفون بموتكم في شعارهم؟ قال: أنت أدرى مني لماذا يرددون هذا الشعار.
الحوثي كذب كثيراً، تعلم الكذب من الإيرانيين، وقبل سنوات قال مسؤول خليجي سابق إن الإيرانيين يكذبون، ونحن نعلم إنهم يكذبون. قلت مرة إن الحوثي بعد أن وضع يده على صعدة كعاصمة روحية، ينظر إلى صنعاء التي يعتبرها العاصمة السياسية، ويخطط لدخولها. قال لي أحد القياديين الحوثيين إنني أبالغ لتشويه سمعة أنصار عبدالملك.
ويوم 21 سبتمبر 2014 دخل الحوثي صنعاء، وحضر العضو الذي اتهمني بمحاولة تشويه سمعة جماعة أنصار إيران لقاء تلفزيونياً، وذكرته بما قال لي سابقاً من أن الحوثيين لا يفكرون في دخول صنعاء. رد عليّ بأنهم دخلوا صنعاء لأن أحد ضباط الجنرال علي محسن الأحمر اعتدى على أحد أنصارهم في إحدى المناطق شمال العاصمة، مما تسبب في معركة انتهت بدخول صنعاء. وهكذا علينا أن نصدق ما يقول هؤلاء الأنصار الرائعون، الذين أسقطوا البلد كلها، تحت ذريعة إسقاط جرعة سعرية رفعتها الحكومة في أسعار صفيحة البنزين، بمقدار 1000 ريال يمني (ما يعادل 5 دولارات).
وعندما كان الحوثيون يخوضون حروبهم ضد الجيش والدولة في اليمن قبل سنوات، على أيام نظام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كان الحوثيون يقولون إن علي عبدالله صالح «رأس الفساد» في اليمن، وبعد دخول صنعاء وقبل ذلك بكثير تحالف الحوثيون مع «رأس الفساد»، وها هم اليوم يخوضون حربهم المدمرة ضد أبناء البلاد في كل منطقة، خاصة تعز وعدن.
كان الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني، الذي انتهى في يناير 2014، ينسقون مع «الحراك الجنوبي»، وكانوا يؤيدون حق «تقرير المصير» للجنوبيين، وبعد أن استولوا على صنعاء، قلبوا للحراك ظهر المجن، ونزلوا كجموع قادمة من مجاهل التاريخ لإخضاع عدن بقوة السلاح، وأعلنوا الجهاد ضد الجنوبيين على اعتبار أنهم دواعش وتكفيريون.
كتب أحد الحوثيين يوماً منشورا يتوعد فيه أبناء مأرب، الذين وصفهم بالدواعش على الفيسبوك. مرت عليه الناشطة السياسية الجنوبية، والزميلة في مؤتمر الحوار الوطني، ليزا الحسني، وعلقت عليه باستحسان. خدع الحوثيون ليزا، التي كانت أنبل من قياداتهم في جوهرها، رغم تأييدها لهم في الماضي. لم تمض سوى شهور حتى قتل الحوثيون أخاً لليزا، وهو يحاول إسعاف مصابين في عدن، لم تدرك ليزا أن الحوثي الذي كان يبتسم لها في مؤتمر الحوار مجرم، إلا بعد أن قتل أخاها الذي لم يكن يحمل السلاح. لم تستوعب ليزا الفاجعة، صرخت صرخة رددت أصداءها جبال صعدة : «الله يحرق قلبك يا عبدالملك الحوثي». عبدالملك الحوثي لا يسمع إلا «صرخة الشعار»، لذا صم أذنيه عن صرخات ليزا وغيرها من اليمنيين.
قال الحوثيون لدول الجوار إن دخولهم صنعاء هو لمجرد التخلص من الإخوان المسلمين، وغازلوا الولايات المتحدة بأنهم الوكيل الحصري للحرب على الإرهاب في اليمن، راق الأمر للبعض، أعطي الضوء الأخضر لصاحب «ضحيان» الذي ما فتئ يقلد صاحب «الضاحية»، اجتاح الحوثي صنعاء، فجر المنازل ودور العبادة وعبأ المدارس بالسلاح، وجعل ثلث مقاتليه من الأطفال حسب تقرير «هيومن رايتس ووتش». اتجه «صاحب الكهف» جنوب صنعاء، إلى ذمار وإب والضالع ولحج وتعز، ووصل عدن تحت ذرائع شتى. خدع الحوثي الكل، كان الرئيس السابق يقول عن الحوثيين الشرذمة، وكان يقول إنهم يريدون إعادة التاريخ الى الوراء، وإن أفكارهم ظلامية. ومرة لقيته في لندن فأثنى على «دوري البطولي» مع الوطن وضد الحوثيين. قال لي: «أنت بطل، تدافع عن الوطن»، قبل أن أدرك بعد ذلك أن الحروب الست كانت للابتزاز والمتاجرة بدماء الناس، وأن الذين سفكوا دماء آلاف اليمنيين في «تحاربهم» أمس، يسفكونها في «تحالفهم» اليوم.
ويوم أن هاجم الحوثيون منزل الرئيس هادي ووضعوه تحت الإقامة الجبرية وقتلوا بعض حراسه، قال الحوثيون إنهم فعلوا ذلك حماية له، ويوم أن أطلقوا النار على مجموعة من المتظاهرين في صنعاء، وقتلوا منهم بعض الشباب، خرج أحد ناطقيهم ليقول: فرقنا المظاهرة حرصاً على حياة المتظاهرين، لأن تنظيم «القاعدة» كان سيرسل بعض الانتحاريين ليقتل منهم المئات.وعندما فتحوا مطار صنعاء أمام عشرات الرحلات الإيرانية، قالوا إن الطائرات كانت تحمل مساعدات طبية وإنسانية، وقال مسؤولون في المطار إن الطائرات الايرانية كانت تحمل أسلحة. ظل الحوثي «يستهبل» الجميع، ويكذب على الجميع إلى أن جاءت الطامة، قام الحوثي بمناورات عسكرية على حدود جارته الشمالية، وبدأ بعض أنصاره يبشر بفتح مكة والمدينة، وأعلنت طهران أن «طريق القدس يمر عبر مكة والمدينة»، وتحمس الحوثي، وقرر أن يبدأ مشوار القدس بالمناورة العسكرية.
لم يتأخر الرد، وجاءت «عاصفة الحزم»، ومن بعدها «إعادة الأمل»، شيء لا عهد لليمن به، وورط الحوثي الجيش اليمني في مواجهة عسكرية مع أبناء وطنه في الداخل، ومع أشقائه في حرب غير متكافئة في الخارج، انتقاماً للحروب الست الماضية. اشتدت وطأة الحرب اشتدت على الحوثي الذي تعامل مع الإقليم والعالم بالمعايير ذاتها التي تعامل بها مع الداخل اليمني. ظن الحوثي أن السعودية هي التجمع اليمني للإصلاح، إلى أن جاءته الصفعة القوية التي أفقدته توازنه، وجعلت أحلام السلطة تتبخر. 
وبدلاً من أن يدرك الحوثي جريرته على اليمن، ذهب يتوعد، ويقول إننا نبرر لـ»العدوان»، ورفع ضدنا دعوى قضائية بتهمة «الخيانة العظمى»، ناسياً أن من برر للعدوان، هو من قال إن الحج سيكون في مكة لليمنيين من دون تأشيرة دخول العام المقبل، لأن الكعبة ستكون حينئذ تحت سيطرة عبدالملك الحوثي وأنصاره.
هذه يا سادة قصة أحد مغامري الحروب العبثية، أحد الممثلين على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط، قصة الكذبة التي بدأت في «ضحيان- صعدة»، وتضخمت إلى أن انفجرت، ووصلت شظاياها سواحل جنوب العربية السعيدة.