الصراع على الحكم بين السلطة والقبيلة 2- 3
بقلم/ عبدالملك العصار
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 10 أيام
الأربعاء 16 يناير-كانون الثاني 2008 08:27 ص

مأرب برس – خاص

عكست الحروب التي تدور رحاها بين القبائل اليمنية والبعض منها دخلت في عقدها الثالث الصورة الحقيقية للسلطة وثبات الحكم.. وصورة واقعية للأمن والأمان والقيمة التي يتمتع بها الانسان اليمني على تراب الوطن.

مئات الحروب تشتعل نيرانها بين قبائل اليمن ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء الذين زُج بهم عنوة في تلك الحروب التي قد يصل حجم مبعثها الى مقتل غنمة أو خلاف على مرعى أو مقتل بقرة أو ناقة أو قطع سائلة ماء أو مشكلة امرأة.. و.. و.. الخ.

كل هذه هي القضايا الأساسية التي تدور عليها رحى حروب القبائل اليمنية وما أشبهها بحرب البسوس.

لمصلحة من؟

الحروب التي تدور في أكثر من مديرية وعزلة وقبيلة من قبائل اليمن نلاحظ أن مبعثها شيء يخجل المرء من ذكره ولكن السؤال هو لمصلحة من اشعال نيران الحروب والفتنة التي تعيشها القبيلة منذ أوائل الثمانينيات حتى اليوم ولماذا السلطة والأمن لا يعير ذلك أي اهتمام مع أن تلك الحروب طالت البشر والشجر والحجر وخلفت على اثرها أرامل وأيتام واعاقات ناهيك عن الضرر الذي لحق بالحرث والنسل أو كما يقال (أهلك الزرع والضرع) وبسببها أغلقت المدارس وهاجر الانسان من الريف الى المدينة ليبحث عن الأمن وقرار العين.. بعد أن شعر أن الحياة في الريف اليمني أصبحت جحيماً لا يطاق.. لأن الشاة أو البقرة أو الناقة أو سائلة الماء أو مشكلة أرض أو مراعي قد خلفت لعنة لثأر مما يجعل ذلك الانسان مطارد يتجرع الهزيمة والخوف في كل وجهة يقصدها؟!

تلمود الشيخ

من المعلوم أن العداءات القبلية عنوان واضح وقرار مخزون في «تلمود الشيخ» ضد أنسنة الانسان يخدم بها مصالح ذاتية أو مصالح تم استيحائها من جهات تريد التمصلح من تلك الحروب مدفوعة الأجر على حساب المواطن والوطن.

من يدعم؟

سؤال احتار في ايجاد اجابة له الكثير من الفلاسفة والمفكرين والمحليين السياسيين حول الجهات الداعمة لتلك الحروب وماذا تستفيد من ورائها؟! وكذلك من أين حصلت تلك القبائل على الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مثل «المدفع، والرشاش، والـ (آر. بي. جي) وصواريخ سام 2».. الخ؟!

لا نستطيع تبرئة قيادات عليا في القوات المسلحة تعمل على مد تلك الأطراف المتناحرة بالأسلحة والذخائر تلبية لرغبات وأهداف معينة.. لكن لا نجد أي دليل يؤكد ذلك.. حتى لو افترضنا أن القبائل هي من تقوم بشراء الأسلحة!! فأين دور الجهات الأمنية في حماية الوطن والمواطن؟! ولو افترضنا أيضاً أن المواطن هو من يقوم بشراء تلك الأسلحة والذخائر، فمن أين له قيمتها التي تصل الي ملايين الدولارات؟!

أسئلة تبحث عن اجابة في سرداب القبيلة.. يعني هل الدولة راضية عما يحدث من حروب بين القبائل وهل هي التي تقوم بدعم الطرفين المتناحرين لغرض ما «الله يعلم»؟!

نستعرض في هذا السياق بعض من قضايا الحروب بين قبائل اليمن والتي لا تذهب بعيداً عن حرب البسوس.

ساقية ماء

أولاً حرب قرضان عنس وبني عُمر التي اشتعلت نيرانها في العام 1981م وخلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى من الرجال والنساء والاطفال ولاتزال رحاها تدور حتى يومنا هذا وكان مبعث السبب شجار على ساقية الماء بين جارين لا يبتعد الواحد عن الآخر سوى 30 متراً وهي السائلة التي تفصل بين حدود القبيلتين، وكما يقول العقيد محمد علي حزام النقيب من أهالي قرضان عنس أن عدد القتلى بلغوا 91 قتيلاً من قبل الطرفين بينهم 6 نساء و5 أطفال اضافة الى المواشي أما الجرحى فيصل عددهم الى أكثر من 220 جريح رجال ونساء وأطفال.. الشيء الأهم من ذلك أنه يقول: رغم الوساطات والتدخلات القبلية التي حضرت لايقاف الحرب إلاّ أنها باءت محاولاتها بالفشل بسبب وجود أشخاص لهم مصلحة في استمرار الحرب بين الطرفين.. وذكر أن الحرب منعت الطرفين من الزراعة وأغلقت بسببها المدارس وهجرت البيوت ودمرت، وهاجر أكثر أبناء القبيلتين الى المدينة.

بقرة الشيخ

ثانياً الحرب الدائرة بين التويتي والبحم كان مبعث سببها هو مقتل بقرة الشيخ التويتي واصابة مرافقها والتي تدور منذ العام 1982م وحتى اليوم، وجاءت بعد حرب قرضان وبني عمر بعام واحد وخلفت هذه الحرب مقتل 37 شخصاً و350 جريحاً من ضمنهم أطفالاً ونساء ودمار قريتين ولاتزال رحاها دائرة حتى اليوم.

ورغم الوساطات والتدخلات القبلية التي سعت لايقاف الحرب وحل الخلاف إلا أن جهودها باءت بالفشل.. يشار الى أن استمرار دوران هذه الحرب هو لخدمة شخوص معينة.

حرب الناقة

يذكر أن حرب نشبت بين قبيلة آل طهيف وآل عقيل جميعهما من قبائل مراد سبب الحرب التي تدور رحاها لحوالي 17-18 عاماً هو اقدام شخص من قبائل آل عقيل على قتل ناقة تابعة لشخص من طهيف وبسبب الناقة خلفت الحرب أكثر من 60 قتيلاً وأكثر من 200 جريح من بينهم أطفالاً ونساءً ولاتزال رحاها تدور حتى اليوم.

بسبب قطعة أرض

اضافة الى حرب أخرى تدور رحاها بين عبيدة ومراد بدأت الحرب بينهما قبل ثمانية عشر عاماً بسبب قطعة أرض زراعية اختلف الطرفان على ملكيتها مما أدى الى نشوب الحرب بينهما وذهب ضحيتها اكثر من 80 شخاً ومائة جريح من ضمنهم أطفال ونساء ناهيك عن قتل المواشي ودمار المساكن، وما تخلفه مثل هذه الحروب من قطع للزرع والضرع، والتهجير الى القرى الأخرى أو المدينة.

سبب مقتل بهيمة

أما حرب نهد والكبس خولان فهي لاتزال دائرة، ورغم الهدنة تم معاودة الحرب وكان مبعث سبب نشوبها هو أن أحد رعاة الأغنام أقدم على رعي أغنامة في احدى اللكام التابعة لحدود الكبس مما جعل أحد الملاك يفقد أعصابه ويطلق عدة أعيرة نارية على راعي الأغنام الذي يعود لقبيلة نهد وجميعهم من خولان فأصابت احدى تلك الأعيرة البهيمة الخاصة بذلك الراعي والتي يحمل عليها الماء لسقي الأغنام فجعله هول ذلك الحدث يعود مسرعاً الى قبيلته ليخبرهم بذلك مما دفعهم للثأر والانتقام.. كما حدث فيما سبق أن يشعلوا نيران الحرب وخلفت الحرب 19 قتيلاً وامرأة وأكثر من 300 جريح من الطرفين والأهم في ذلك أن أحد القتلى كان شيخاً اضافة الى النساء والاطفال من ضمن الجرحى.

حدث ولا حرج

أما حرب وايلة ودهم وآل محمد ودهم وسحار وهمدان بن زيد فحدث ولا حرج وكذلك حرف سفيان وحاشد وكذلك حرب الشولان و....... في محافظة الجوف وحروب عدة لا حصر لها.

حروب في مديرية واحدة6

أما مخلاف منبه فإن هناك ستة حروب في مديرية واحدة الأول حرب بين آل كثير وآل مسعود بدأت العام الماضي بسبب خلاف على حراسة ارسال شبكة سبأفون في قمة جبل العُر وسقط على اثر ذلك 31 قتيلاً من بينهم أكثر من ست نساء.. اضافة الى أن هناك حرب أخرى بين آل كثير وآل محمد بسبب مقتل أحد أمناء القبيلتين وذهب ضحيتها عشرات الأشخاص وعددمن الجرحى من الأطفال والنساء.

وحرب أخرى بين الشامية والفهرتين كان سببها مراعي للأغنام وخلفت عددمن القتلى والجرحى من الرجال والنساء والاطفال من كلا الطرفين ولاتزال نيران الحرب تحاصر المنطقة، الأمر الذي أحرمهم من الزراعة والتعليم وجعل أكثرهم بها جروا الى المدينة.

كما أن هناك حرب بين قبيلتين بطين وعايش بسبب اشاعة تأسيس سوق بين اليمن والسعودية وذهب بحق هذه الحرب عدد من القتلى والجرحى وتعتبر هذه الحرب امتداداً لحرب قديمة بين الطرفين ولايزال الاقتتال مستمراً حتى الآن.

وكذلك هناك حرب بين قبيلتين آل طارق وآل فلعان على مورد ماء للشرب وذهب ضحيته عدد من القتلى والجرحى ولاتزال الحرب دائرة حتى اليوم.. الأمر الغريب أن قبيلة آل طارق فروا جراء الحصار الى مناطق اخرى، وخلفت الحرب مئات القتلى والجرحى.

من بيت الى بيت

أما الشيء الذي يحزن له هو حرب البردون من قبائل الحداء الذين اشتعلت نيران الحرب في قريتهم بين فخذين أو «بطنين».. المحزن في ذلك أن الحرب من بيت الى بيت أي من منزل الى منزل.. كونهم يعيشون في قرية واحدة، وبسبب الخلاف تحولت القرية الى مقبرة يسودها الهدوء ثم تتعالى بعد ذلك أصوات الرصاص.. تحولت شبابيك المنازل الى «مواشيق الحزم المخصص لوضع البندقية» وذهب ضحيتها عدد من القتلى والجرحى من الرجال والاطفال والنساء رغم أن هناك تدخلات لحل الخلاف من قبل الوجاهات القبيلة الأخرى وكذلك من قبل محافظة ذمار لكن دون جدوى.

حروب لم نتعرف على أسبابها

كما أن هناك حروب شتى في قُبل شتى لم نستطع التوصل الى محدثاتها أو أسباب نشوب الحروب فيها، لكن ما نعرفه هو أن الحروب التي تدار رحاها بين القبائل اليمنية ابتدأت رحاها تدور منذ أوائل الثمانينيات ولاتزال مباعث أسبابها غامضة حتى اليوم.

وهذا يؤكد أن ما تناولناه في الحلقة السابقة من العدد الماضي أن السلطة العسكرية استطاعت أن تخلخل تماسك القبيلة لإحداث الفرقة والبغضاء من خلال الحروب والاعتداء والقتل والثأر حتى تكون في مأمن من شر وسطوة القبيلة ضد السلطة وأن زجها في حروب شتى يجعلها بعيدة كل البعد عن التفكير بالوصول الى السلطة أو معادات السلطة العسكرية والتمسك والالتزام بالمعاهدة التي تمت بين السلطة العسكرية والقبيلة.. ولجعل القبيلة مثقلة بالهموم والمشاكل والفزع والخوف لتأتي راكعة تحت أقدام السلطة العسكرية.. في الوقت الذي نتباهى ونتظاهر بالديمقراطية وحقوق الانسان خدمة لأبعاد سياسية بينما لاتزال السلطة العسكرية عاجزة.. بل خائفة من أن تفرض هيمنتها على القبيلة خوفاً من ثورة القبيلة ضد السلطة العسكرية التي تركتها غارقة في همومها ومشاكلها واخراجها من حرب وزجها في حرب أخرى لوأد حلمها في الاستحواذ أو الوصول الى السلطة الى أن يشاء الله.

والشيء الأهم في ذلك أن الأحزاب السياسية تعمل على استكمال الحلقة الثالثة في الصراع بين القبيلة والقبيلة علها تصل الى ما ترجو أن تصل اليه عن طريق طرف من أطراف النزاع.. فقط من خلال البلبلة وعرضها لقضايا الخلاف حسب رؤيتها الساسية المطمورة تحت أنقاض أما أكون أو لا أكون.. وللحديث بقية في العدد القادم.