الرسالة الملكية لثورات الربيع العربية
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 16 يوماً
السبت 26 أكتوبر-تشرين الأول 2013 05:54 م

تتمتع المملكةَ العربية السعودية بمكانة خاصة في قلوب المسلمين لما لها من قدسية المكان ولأهلها وحكامها من سبق فيما يقدمونه من خدمات للحرمين الشريفين ولزوارهما حجاجا ومعتمرين , كما ولها مواقف طيبة في نصرة الإسلام ضد الطغاة المستبدين في كشمير وبورما وسوريا وغيرها من بلاد وشعوب الإسلام . ولكن كم فاجأ محبيها ومواطنيها موقفُها الأخيرُ بدعم انقلاب مصر الذي أعلنه وزير الدفاع \" عبد الفتاح السيسي \" يوم 3 يوليو ضد الحكم الشرعي المتمثل في الرئيس المنتخب محمد مرسي ! حيث كانت المملكة أول المهنئين مؤكدة أن الجيش أنقذ البلاد من نفق مظلم ! وقدم الملك سريعا خمسة ملايين دولار دعما للنظام الجديد وخلال استقباله مؤخرا رئيس مصر المؤقت المستشار عدلي منصور أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز \" وقوف بلاده حكومة وشعبا مع الأشقاء في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة ! \" . لقد عهدنا المملكة تنصر الحق وتدعم كل كيان إسلامي معتدل يريد خدمة الدين . فما لها اليوم تقف موقفا مغايرا لما نعرفه منها وخاصة أن الإخوان ليسوا بالكيان المتشدد المتعصب ولا بمن يسعى لعداوة الآخرين , ولم يحدث أن كانوا خطرا على الأمن القومي السعودي , بل كانوا في أوج عصر القوميات من المدافعين عن الإسلام والمملكة . كما أن وجود نظائرهم في السعودية نادر وليس له ذلك الوجود المؤثر والقادر على إحداث شغب مدرسي ناهيك عن ثورة ميدانية تضم الملايين كمصر واليمن وتونس , بل أثق أن الشيعة ودعاة التغريب والليبرالية أشد خطرا من جماعة الإخوان على النظام السعودي . فما هي دوافع هذا الموقف المفاجئ ؟!

أظنها تكمن في أربعة محاور \" التنافس ـ التخوف ـ الضغوط ـ الحيطة \" :

ـ التنافس : لقد كانت مصر حتى منتصف سبعينات القرن الماضي محط أنظار العرب والمسلمين في كل المجالات , دينيا بمرجعية الأزهر الشريف وعلمائها الكبار كرشيد رضا ومحمد عبده وقراءها المشهورين كعبد الباسط والمنشاوي . وسياسيا كانت قلعة الحرية وملجأ الخائفين الفارين من ظلم بلدانهم , وعلميا كانت جامعات مصر حلم كل طالب علم يسعى لنيل شهادته منها , وإعلاميا كانت مصر أم الدنيا صحافة وثقافة . إجمالا كان قرار مصر مؤثرا على كل المستويات والأصعدة . ولكنها بعد ذلك تنازلت عن هذه المنزلة لصالح المملكة بالذات التي ربما رأت أن حكم الإخوان سيعيد مصر للصدارة , فكان موقفها ينبع من موقف يتعلق بالمكانة وشد الرحال , ولاسيما في مجالي الشريعة والسياسة وما يلحقهما من قوة التأثير وصنع القرار .

ـ التخوف : ربما كانت ثورات الربيع العربي ونجاح الإخوان بالوصول جزئيا للحكم في بعض البلدان وكاملا في مصر قد سبب تخوفا سياسيا للمملكة , فقديما كانت الثورات والانقلابات تمثل نهجا علمانيا أو اشتراكيا و كان يتحقق للملكة في ذلك فائدة من كسب حلفاء يؤيدون موقفها المناصر للدين وحكم الشريعة , وأما اليوم فكان المتفوق \"الإخوان \" وهم يمثلون حركة إسلامية عالمية لها منهاجها في كافة شئون الحياة ولها رجالها الثقات في كل تخصص وعلم وثقافة . كما أن النجاح والتمكين التام لثورات اليمن ومصر وسوريا يعني انتقال العدوى الثورية إلى دول الجوار وأولها السعودية لما فيها من دعوات ليبرالية تحررية وشيعية مذهبية . فكان لا بد من تعطيل ثورة اليمن وإفشال ثورة مصر وإزهاق ثورة سوريا واثبات عدم أهلية الجماعات الإسلامية في إدارة شئون الحكم وضبط أمور البلاد . وبهذا ستبقى هذه الثورات في محيط حدودها تكافح لإثبات وجودها وسيكف تلقائيا أي طرف داخلي عن الطموح في تحقيق ما يصبو إليه من أمور الحكم والشراكة السياسية .

الضغوط : وهي خارجية وداخلية تتعرض بواسطتها المملكة لتقديم المزيد من التنازلات في ثوابت العقيدة والدين وفي شموخ التراث الإسلامي والعرف العربي الأصيل , وتتخذ هذه الضغوطات شكل تقارير دولية عن خرق المملكة لكثير من حقوق الإنسان وكبتها لحرية الرأي والمرأة والصحافة , ويساعدها داخليا طابور طويل من دعاة التغريب والانفتاح والليبرالية المتغلغلة بقوة في أوساط الدولة والتي أصبحت مؤثرة في تسيير قرارات السياسة الخارجية والداخلية لها وتمارس ضغوطا فاعلة على الحكم مطالبة بالحرية والانفتاح التام بعيدا عن رقابة الدين الحنيف وقيد العرف الكريم والعادات الاجتماعية الطيبة . وهذه الضغوطات تجعل المملكة تتخذ مواقفا مغايرة لقناعتها تجنبا لفتح جبهة داخلية بسيطة ينفذ منها خطر عظيم لا تستطيع احتواءه .

الحيطة : تتخوف المملكة ( تخوفا ليس في محله ) من احتمال تعاون مصري إيراني في مجالات اقتصادية وتنموية مما قد يقوي عليها شيعة الشرقية والجنوب , والواقع يؤكد وجود خطر يحيط بها من دول تريد خلخلة بناءها المتماسك أو ترد لها صفعة تلقتها سابقا منها , أو من جماعات متطرفة وأفكار متحررة تريد فرصتها في هز منظومتها القوية الثابتة . ولذا فالمملكة تستبق الأحداث لتصنع لنفسها درعا يقيها قدوم ذلك اليوم . وربما قد يكون تحليل الأمر بسيطا وسهلا فالمملكة دعمت الانقلاب تنفيذا لأمر صادر وفق أجندة مسبقة متفق عليها تحدد الأدوار والخطوات لكل مشارك والفوائد والمصالح لكل منفذ والعواقب والأضرار لكل مخالف

الرسالة الملكية : إلى من يهمه الأمر / \" لن أسمح مطلقا بالترويج لمسمى الثورة في الأرجاء أو أن يقترب نسيم الثورات من حدودي وسأظل مدافعا عن عرشي بمهاجمتها وتعطيلها وحبسها داخل أسوار بلادها . لا مقام لحرية الشعوب وحق اختيار حكامها إلا وفق رغباتنا . لقد تحولت ثورة شباب اليمن إلى مبادرة وثورة ربيع سوريا إلى منافسة وثورة مصر إلى نكسة , فهاهو الحاكم المنتخب أسير وينتظره مصير خطير , ومبارك يخرج من السجن وينتظره رد اعتبار على اقل تقدير . أليس من حقنا أن ندرأ الخطر عن ملكنا ؟ \" والسلام .

النصيحة : ـ مهما كان حجم المبرر والعذر الذي رأته المملكة كافيا لدعم انقلاب العسكر على الشرعية فهو لا يصل إلى أن تسكت عما يجري حاليا من إبادة وتسلط وقتل وتنكيل ضد فئة سلمية لا تحمل سلاحا تدافع به عن نفسها , ولم تستغل سلطتها السابقة لتثبيت حكمها عبر قتل المعارضين لها . كما أعجب كيف تصمت المملكة راضية عما تسمعه وتراه من تهكم الإعلام المصري اليوم على الإسلام وآدابه وعباداته ورجاله وهي حامية العقيدة والتوحيد والمدافعة عن حومة الدين . وعليها أن تدرك أن موقفها الداعم للانقلاب وما يمارسه من قهر وقتل ومن حرب على الإسلام وأخلاق المسلمين يجعلها تتخلى تدريجيا عن مواقفها السامية ومبادئها الكريمة , وهو أمر خطير قد يعود غدا على الحاكم السعودي بنتيجة عكسية مؤلمة . ومن منطلق الحب للملكة ومليكها وشعبها أتمنى ناصحا أن تسارع بتعديل موقفها بما يحقق استقامة منهاجها وعدالة حكمها وسمو مواقفها . ولئن لم يحسب الحكيم السعودي حسابه جيدا في عدد من قراراته ومواقفه الأخيرة داخليا وخارجيا , سياسيا واجتماعيا فقد يكون ذلك بداية خريفه المتناثر بديلا عن ربيعه الزاهر . وهو ما لا نتمناه لها مطلقا .

مشاهدة المزيد