ربيع اليمن وربيع الشام .... مفارقات ومقاربات
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 30 يوماً
الثلاثاء 25 يونيو-حزيران 2013 05:04 م

المقارنة بين ثورتي اليمن وسوريا في بدايتهما كان فيهما من التشابه ما يشبع رغبة المحللين في أيجاد أسباب وتحليل مألاتهما ، فكلا المؤسستين العسكريتين تدينان بالولاء لقادتهما ، ولو اختلفتا  في بعض التفاصيل ، في حين مؤسسة الجيش في مصر وتونس مستقلتان وهو الأمر الذي جعلهما على الحياد من بداية الثورة وسرّْعتّ بنهاية النظامين فيهما ، وفي رأيي المتواضع وبرأي عدد من المتابعين والمحللين بأن المقارنة في أسباب اندلاع الثورات وسيرها ونتائجها هو لمجرد عرض إنطباعات لبعض التشابه  وليس  في المجمل وعلمياً يجافي الحقيقة وغير منطقي البتة ، فبداهة ان لكل بلد انطلقت فيه الاحتجاجات خاصة وفي كل الأحوال ماهي إلا إفرازات وتراكمات لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية ، إضافة إلى انه رغم ذلك لم تكن المؤسستان العسكريتان في سوريا واليمن متطابقة بالمطلق فانشِقاق بعض فرق الجيش في اليمن يختلف عما حصل في سوريا فبينما تمترُس جزء من الجيش اليمني في مقارعة وتهديد خصمه وفرض توازن رعب فعلي ، فضلاً عن دخول المؤسسة القبلية وبعض الأحزاب ومجموع الثوار في خندق واحد ضد رئيس النظام وهو الأمر الذي لم يكن على هذا النحو في الثورة السورية ، فالعماد منيف طلاس كان قد فرّ بجلده بعد شهور من الأزمة ، ولم يتخندق داخل بلاده ،الأمر الذي لم تستفد منه المعارضة شيئا ماعدا ضجة إعلامية انتهت بفقاعاتها بعد أيام قلائل ، ولكن بعد أكثر من عامين اصبح من الصعوبة المقارنة بين مستقبل الثورتين اليمنية والسورية ، فاليمن قد دخل في معمعة التجاذبات السياسية بعيدا عن قعقعة أصوات الرصاص وهذا بحد ذاته بداية حسنة رغم سلبيات وإرهاصات وحساسية المرحلة ، إلا إنها على الأقل أبعدت شبح الانزلاق لحرب أهلية وغدت العملية السياسية برمتها برعاية إقليمية ودولية وتحت المجهر ، بينما الوضع في سوريا زاد تعقيدا بتمترُس الأطراف الخارجية في موقفهما سوى المؤيدة للنظام او المتحالفة مع المعارضة.

في الثورة اليمنية لاعتبارات اجتماعية ووجود هامش من حرية التعبير بصورة أفضل مقارنة بما هو في سوريا قد هُيئت الظروف لقوة دفع داخلية أكثر منها خارجية كما هو في سوريا وأمدها بعناصر ومرتكزات أساسية ساهمت للحد من تفوق النظام الذي أتى ببعض آلاته الإعلامية متأخرا بعد ان حسمت الأمور لصالح المعارضة ، ولا زالت بعض قنواته وصحفه الي اليوم ،كما لا يعود الفضل لرئيس النظام اليمني المخلوع فهو قد أجبر وبعد مماطلة للرضوخ للضغوط الخارجية أكثر منها لاعتبارات داخلية فهو بدهائه معروف عنه الانحناء أمام العواصف التي مرت به في حياته السياسية لأنه يدرك بأن عواقب ذلك وخيمة له ، قبل أن يفكر بمصير شعبه! بدليل أن الصراع بين لازال بين الإرادتين بغض النظر عن خروج الحاكم إلا انه يريد أن يعود بصيغة وواجهة أخرى ! 

بينما يختلف الأمر في الثورة السورية تماما بعد أكثر من عامين من ثورة البلدين ، فتسارعت التطورات وتزايد العنف المتبادل في أكثر من مكان ، لاسيما في العام الثاني للثورة زادها تعقيداً ، وأبعاداً إقليمية ودولية ، وبداهة فأن الثورة السورية قد اتِتّ على تراكم جملة قضايا داخلية سياسية واقتصادية وتوقاً للحرية ونحو ذلك ، ، وكما يبدو ظاهريا على الأقل الأبعاد الإستراتيجية قضايا سوريا فيما يتعلق بالجولان تحديداً وملف التسوية مع الكيان الصهيوني ، وتبدو التطورات المأساوية في سوريا ملتحفة بالطائفية المُقيتة بتداخل المحلي بالإقليمي والتأثر والتأثير بهذا الجانب مع دول الجوار السوري لبنان والعراق وما ورائهما من العرب العجم وسواهم ! وهى في نهاية المطاف قد اُسْتُغِلتّ للأسف إقليمياً ودولياً لحسابات خاصة متذرعة بقيم تتغدغ الرأي العام.

والنظرة الأممية قبيل إيجاد حلول سريعة وفق جنيف 2 فيبدو بأن الأطراف الدولية شبه متفقة سلفاً بعد لقاء ماعُرف بمؤتمر الثمانية الكبار في ايرلندا المتزامن بتداعي وتراجع المعارضة بعد انتصارات النظام الأخيرة في القصير تحديداً وجبهات أخرى ، حيث لم يحسم الأمر في إزاحة الرئيس الأسد وفي نفس الوقت رؤية المشاركين في بقاء الجيش والأمن السوريين بغرض دحر( الإرهاب).. فالأمر في مألات ربيع سوريا يختلف عما هو في تونس ومصر على سبيل المثال حيث يبدو من الصعوبة فك الارتباط بين المؤسسة العسكرية والقيادة السورية على الأقل في الوقت الحالي.

هذا فضلا بأن القوى المستند إليها النظام السوري تبدو متماسكة بأوراقها التفاوضية بعد تقدم الجيش السوري وتحقيقه بعض الانتصارات الأخيرة مدعوما بمشاركة حزب الله الذي غامر بكل أوراقه ومستقبلة في قضية يعتبرها مصيرية ، ولذا فأن تفسير وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير لجنيف 2 هو من اجل الشراكة مع الطرف الآخر وليس تسليم السلطة ، كما ان الآلة الإعلامية العربية والغربية لم تحقق شيئا ضد النظام السوري سوى بالزعم بعدم شعبيته او ما سمى باستخدام السلاح الكيمائي ، ويعتقد الكثيرون بأن الرأي العام السوري يبدو مهمشاً ولا يأخذ بتوجهاته فهو آخر من يستشير تماما كما حصل في ثورة اليمن ، وتقف الأغلبية الصامتة في حيرة من أمرها وفي موقف المتفرج اللبيب ، رغم الهرج والمرج لدى أعلام المعارضة والنظام ، إلا إني أرى بأن قطاعات واسعة من الشعب السوري تأمل الخلاص لأي جهة .

كما أن إيران بعد أن حققت نجاحاً ملحوظا بفوز الإصلاحيين في جولة أولى أذهلت المراقبين بما يعنى إعطاء شرعية جديدة لإيران وشكّل فوز الرئيس الإصلاحي حسن روحاني بفوزه في هذه الظروف مدخلاً لإراحة البلد وتشكيل رؤية إيرانية موحدة لرئيس مقبول محلياً وإقليمياً ودولياً، انتخبه الاصلاحيون ويدعمه المحافظون، فغدا الرهان على نيروز فارسي مجرد خيال لأعداء إيران ! لقد جنب ذلك متاعب إضافية لإيران سوى في احتمال تخفيف الحصار عليها او تقديم تنازلات بشأن ملفها النووي او حتى قضايا إقليمية كسوريا والملف الفلسطيني .

بل الذي حدث بالعكس من ذلك فقد تزامن ذلك بإخفاقات في المعسكر المقابل المؤيد للمعارضة وهى أنقرة التي تتعارك مع معارضيها في ميدان التقسيم ضاربة انجازات تركيا الاقتصادية عرض الحائط واشّفِتّ غليل خصومها . أنها سياسة الأمر الواقع ولعبة الأمم فيوم لك ويوم عليك!

ويبدو ان كل الأمور التي يعول عليها البعض قد تراجعت فالنموذج الإسلامي التركي يتراجع بريقه ، والتجربة الأخوانية في مصر وتونس غدت موضع تساؤل وتلقى معارضة وعدم توافق داخلي.

ولهذا فأن الإدارة الأمريكية تدرك لاشك هذه المتغيرات والتداخلات وتدرسها جيداً فهي لا تريد التورط في المستنقع السوري فنموذج فشلها في العراق درساً قاسيا لأجيال أمريكية قادمة بعد ان أعطت أمريكا العراق لقمة سائغة لإيران ، فلا يعقل بأن نتائج حرب العراق تنتهي على هذا النحو في غير صالح واشنطن والتساؤل الساذج هنا ...هل هي رغبة وإستراتيجية أمريكية ام أنها من مفارقات الزمن وحماقات سياسة القوى العظمى... الزمن كفيل بالإجابة على مثل هذه التساؤلات !

مشاهدة المزيد