هجوم جوي يهز بيروت وإعلام إسرائيلي: يكشف عن المستهدف هو قيادي بارز في حزب للّـه مياة الأمطار تغرق شوارع عدن خفايا التحالفات القادمة بين ترامب والسعودية والإمارات لمواجهة الحوثيين في اليمن .. بنك الاهداف في أول تعليق له على لقاء حزب الإصلاح بعيدروس الزبيدي.. بن دغر يوجه رسائل عميقة لكل شركاء المرحلة ويدعو الى الابتعاد عن وهم التفرد وأطروحات الإقصاء الانتحار يتصاعد بشكل مخيف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.. طفل بعمر 14 عاما ينهي حياته شنقاً تقرير دولي مخيف....الإنذار المبكر يكشف أن اليمن تتصدر المركز الثاني عالميا في الإحتياج للمساعدات الإنسانية حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية ملتقى الموظفين النازحين يتجه لمقاضاة الحكومة في حال عدم إستجابتها لمطالبهم ما الدول التي إذا زارها نتنياهو قد يتعرض فيها للإعتقال بعد قرار الجنائية الدولية؟ خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت
إصدار قانون (الحماية القانونية لمنتسبي الأمن) مخالفٌ للدستور :
وافق مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد بتاريخ 29 / 1 / 2013 م على مشروع قانون ( الحماية القانونية لمنتسبي الأمن ) المقدم من اللجنة المشكلة برئاسة وزير الشئون القانونية وعضوية وزيري الداخلية والدفاع . وكلف المجلس في قراره رقم ( 33 ) لسنة 2013 م الوزراء المذكورين ووزير شئون مجلسي النواب والشورى باستكمال الإجراءات الدستورية لإصدار القانون . وبناء على ذلك تم تقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب . فأحاله المجلس على لجانه المختصة لدراسته تمهيداَ لمناقشته وإقراره من قبل المجلس .
وبعد إطلاعنا على مشروع القانون وتمحيص نصوصه نصاً نصاً واستنباط الغاية منه تبين لنا بأن هذا القانون إذا أقره مجلس النواب وصدر سيكون مخالفاً للدستور نظراً لما يشوبه من عيوب دستورية تتعلق بالأوجه الموضوعية لعدم دستورية القوانين والمعروفة في الفقه والقضاء الدستوري بعيبين رئيسيين وهما :-
العيب الأول/ الإنحراف التشريعي، بسبب الغاية من إصدار القانون : حيث أنه من المعلوم قانوناً إن الغاية من إصدار أي قانون – بشكلٍ عام – يجب أن تستهدف تحقيق الصالح العام ، فإذا انحرف المشرع عن هذه الغاية وأبتغى من القانون غايات أخرى منحرفة عن المصلحة العامة فإن القانون يكون مُعيباً بعيب الإنحراف التشريعي ، مما يعني مخالفة القانون للدستور وهي مخالفة لأحكام الدستور في روحها وفحواها أكثر من ظاهر نصوصها . ويترتب على هذه المخالفة بطلان القانون لعدم دستوريته ، وهو ما سينطبق على قانون (الحماية القانونية لمنتسبي الأمن)
العيب الثاني/ يتعلق بمخالفة نصوص القانون لأحكام الدستور: ويتمثل هذا العيب في مجال المخالفات الدستورية بشكلٍ عام في انتهاك القانون لأحكام الدستور الموضوعية في مجال تنظيمه للحقوق والحريات الأساسية التي يكفلها الدستور، لأنه يشترط في أي قانون لتقرير دستوريته ألا تكون نصوصه مخالفةَ للدستور.
ولذلك يجب أن تلتزم سلطة التشريع بالقيود والضوابط التي يفرضها عليها الدستور وهي بصدد ممارسة إختصاصاتها التشريعية ولا تهدرها وإلا كان عملها باطلاً لمخالفته الصريحة لهذه الضوابط والنصوص الدستورية وفي إطار هذين العيبين فإن المخالفات الدستورية في قانون (الحماية القانونية لمنتسبي الأمن ) في حالة صدوره فهي تتمثل على وجه التحديد في الأوجه الأتي بيانها وبالأدلة التي تؤكدها :-
أولاَ : تعارض الغاية من هذا القانون مع أحكام الدستور:
إن الغاية من وراء إصدار هذا القانون لا تستهدف الصالح العام وإنما تستهدف تحقيق مصلحة خاصة بمنتسبي الأمن وبمن يكلف بمهام أمنية من منتسبي القوات المسلحة ، وهي مصلحه غير مشروعه لأن القصد منها حماية هؤلاء الأفراد من الملاحقة القانونية الجنائية والمحاكمة أمام القضاء عما يرتكبوه من جرائم أثناء أدائهم الواجب كالقتل والإيذاء الجسماني الجسيم نتيجة استخدامهم غير المشروع والمفرط للقوة في قمع الإحتجاجات السلمية للمواطنين في المسيرات والمظاهرات والإعتصامات مما يسفر عنها سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى في صفوف المواطنين ، وهذه الجرائم يرتكبها منتسبو الأمن خارج إطار الحدود القانونية لحالات أداء الواجب المناطة بهم قانوناً وأبرز مثال على ذلك أحداث مجزرة جمعة الكرامة في صنعاء التي وقعت في الثامن عشر من مارس 2011 م التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين شهيداً وما يقرب من مائة جريح ، وغير ذلك من مجازر دموية وقعت في أحداث مماثلة في صنعاء وتعز والحديدة وذمار وغيرها من المدن كان آخرها المجزرة التي ارتكبها جهاز الأمن القومي يوم الأحد 9/6/2013م أمام مبنى الجهاز ضد المتظاهرين السلميين من جماعة أنصار الله التي ذهب ضحيتها 13 شهيداً وأكثر من مائة جريح منهم 10 في حالةٍ حرجه و45 مصاباً بإصابات خطيرة بجانب اعتقال العشرات ، والتي أدانها بشدة مؤتمر الحوار الوطني .أما المحافظات الجنوبية التي تشهد حِراكاً سِلمياً متواصلاً تقوده قوى الحراك الجنوبي السلمي الحامل للقضية الجنوبية منذ عام 2007 م فهي تتعرض لقمعٍ أشدُ ضراوةً من قبل قوات الأمن وأبرز مثال على ذلك مجزرة يوم الكرامة التي وقعت في عدن في 21 فبراير 2013 م التي تصدى فيها منتسبو الأمن للتظاهرات الشعبية السلمية باستخدامهم الأسلحة الفتاكة وإطلاقهم النار بصورة غير مشروعه ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، وما سبق ذلك وما تلاه من أحداث أخرى مماثلة أستشهد فيها أطفال ونساء وحوامل ومرضعات وهن آمنات في بيوتهن . وفي حالات كثيرة وقعت جرائم قتل بواسطة الدهس بالأطقم العسكرية والمصفحات ذهب ضحيتها أعدادٌ من المواطنين المشاركين في المظاهرات ومن المارة في الطرقات .
ففي كل تلك الأحداث التي شهدتها مختلف محافظات الجمهورية لم يُقدم أي فرد من منتسبي الأمن ممن إرتكبوا جرائم قتل أو إصابات جسمانية إلى المحاكمة رغم مطالبات أهالي الضحايا بذلك ، مع أن قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن لم يصدر بعد.
إن الحماية المراد توفيرها لمنتسبي الأمن بهذا القانون هي في الأصل حماية غير قانونية ، فالقانون إذا صدر يكون مخالفاَ للدستور لأن الدستور لا يستثنى من الملاحقة القانونية والمحاكمة أي مواطن مهما كان منصبه السياسي أو وضعه الوظيفي أو مركزه الاجتماعي عن أية جريمة يرتكبها .
ولأجل تأكيد صحة ما ذكرناه من أن الغاية من هذا القانون هي حماية منتسبي الأمن من الملاحقة القانونية والمحاكمة عما يرتكبوه من جرائم أثناء أدائهم الواجب ومخالفتها للدستور ، يتعين علينا معرفة الأسباب التي أدت إلى سن هذا القانون . حيث أنه من المعلوم قانوناً أن أسباب التشريع – بشكلٍ عام – تكشف عن الغاية التي قصد المشرع إلى تحقيقها من إصدار القانون . فمثلاً النص الوارد في قانون الجرائم والعقوبات بتوقيع عقاب مشدد على مرتكب جريمة معينة فإن سببه قد يكون كثرة إرتكاب هذه الجريمة وتأثيرها السلبي على المجتمع ،أما غايته فيجب أن تكون ردع مرتكب هذه الجريمة وغيره كي لا يرتكبها بعد ذلك . ووفقاً لما أجمع عليه فقهاء القانون الدستوري فإن أسباب التشريع التي تكشف عن غايته نجدها في نصوص التشريع بذاته عندما نمحصها نصاً نصاً ، وفي العبارات والأساليب المستخدمة في صياغة نصوصه ، لنتبين من خلال ذلك الغاية من إصدار التشريع . وعلى هذا الأساس ومن خلال الاطلاع على مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن نجد أنه يتكون من ثلاثة فصول أحتوى الفصل الأول منه على ثلاث مواد ، المادة الأولى تتعلق بتسمية القانون والمادة الثانية تتعلق بالمعاني لبعض الألفاظ والعبارات الواردة في القانون ، والمادة الثالثة نصت على سريان القانون على منتسبي الأمن وكل من يكلف بمهام أمنية من منتسبي القوات المسلحة . وتضمن الفصل الثاني تحت عنوان ( أداء الواجب ) ثمان مواد أولها المادة الرابعة التي حددت الحالات التي لا يعتبر الفعل الواقع فيها جريمة ، وجاء فيها ما نصه الأتي :-
(( مع مراعاة ما ورد في قانون الجرائم والعقوبات لا جريمة إذا وقع الفعل من منتسبي الأمن أو القوات المسلحة في الأحوال التاليه :-
1-إذا كان الفعل إستعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون .
2-إذا كان الفعل أداءً لواجب يفرضه القانون .
3-إذا كان الفعل إستعمالاً لسلطة يخولها القانون .
4-إذا كان الفعل تنفيذاً لأمر مشروع صادر إليه من رئيس تجب عليه طاعته )).
فهذه الفقرات الثلاث الأولى من المادة ( 4) في مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن منقولة من نص المادة ( 26 ) من قانون الجرائم والعقوبات وهو الشريعة العامة التي تحدد كافة أنواع الجرائم وعقوباتها والذي يسري على جميع المواطنين مدنيين وعسكريين ، حيث وردت المادة ( 26 ) من هذا القانون بعنوان :- (( أسباب الإباحة – استعمال الحق وأداء الواجب )) ونصت على الأتي :-
(( لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون ، أو استعمالاً لسلطة يخولها )) .
من خلال التمعن في هذا النص يتبين لنا أن الفقرة رقم ( 4 ) من المادة ( 4 ) من مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن التي نصت على سبب رابع من أسباب الإباحة وهو (( تنفيذ أمر مشروع صادر من رئيس تجب طاعته )) لم ترد في النص الأصلي وهو المادة ( 26 ) من قانون الجرائم والعقوبات لأن ما نصت عليه الفقرة رقم ( 4 ) يدخل ضمناَ في نص الفقرة ( 2 ) من نفس المادة التي جاء فيها :- (( إذا كان الفعل أداءً لواجب يفرضه القانون )) لأن تنفيذ منتسب الأمن لأمر مشروع صادر إليه من رئيس تجب عليه طاعته هو أداءٌ لواجب يفرضه عليه القانون. ولدلك فإن هذه الإضافة هي إستحداث لسبب رابع إلى جانب الأسباب الثلاثة للإباحة لم ينص عليه في الأصل قانون الجرائم والعقوبات ، وهذا الأسلوب في صياغة النص يُستشف القصد منه وهو محاولة توسيع نطاق الأسباب التي لا يعتبر الفعل الواقع فيها جريمه بقصد إباحة كل ما يُرتكب من أفعال جنائية من منتسبي الأمن أثناء قيامهم بواجباتهم ، هذا من جهة . ومن جهةٍ أخرى ، فإن أسباب الإباحة التي نص عليها مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن في المادة ( 4 ) منه وهي :- استعمال الحق ، وأداء الواجب ، والسلطة التي يخولها القانون ، وتنفيذ أمر مشروع صادر من رئيس تجب طاعته ، هي أسباب تفترض قيام الجريمة بركنيها المادي والمعنوي في الفعل الذي يقع من منتسب الأمن ولكن يقترن قيام الجريمة بوجود أحد هذه الأسباب فيُبطِل مفعول التجريم ، وتوافر سبب من أسباب الإباحة لا يستبعد المسئولية الجنائية فحسب بل أيضاً المسئولية المدنية والتأديبية. إلا أن الأهم من كل هذا هو أن مجال تطبيق هذا النص هو أن يكون الفعل الصادر من منتسب الأمن قد وقع في إطار الحدود القانونية لاستعمال الحق أو السلطة أو أداء الواجب أو تنفيذ الأمر المشروع . فإذا كان قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن قد حدد أسباب الإباحة للأفعال التي تقع من منتسبي الأمن ولا تعتبر جريمة إلا أن مضمون هذه الأسباب يتوقف على غير هذا القانون . فاستعمال الحق كسبب للإباحة يفترض توافر حق مقرر بمقتضى القانون أياَ كانت طبيعة هذا الحق ، كما أن أداء الواجب الذي يفرضه القانون كسبب للإباحة يفترض تحديد مضمون هذا الواجب وفقاً للقانون ، واستعمال السلطة التي يخولها القانون كسبب للإباحة يفترض تبيان هذه السلطة بمقتضى القانون ، وتنفيذ أمر مشروع صادر لمنتسب الأمن من رئيس تجب عليه طاعته يفترض تحديد مضمون أو ماهية الأمر المشروع وصفة الرئيس مُصدِر الأمر الذي تجب طاعته طبقاً للقانون . وبناء على ذلك فأن الفعل الصادر من منتسب الأمن إذا وقع خارج إطار الحدود القانونية لأي سبب من هذه الأسباب الأربعة ، سواءٌ كان عمداَ أو بطريق الخطأ فأنه في هذه الحالة لا يعد فعلاً مباحاً بل جريمة عمديه أو شبه عمديه حسب الأحوال . أما إذا تجاور منتسبو الأمن بطريق الإهمال حدود أسباب الإباحة أثناء أدائهم الواجب ولم يكن التجاوز بصوره عمديه فأن الأفعال التي تقع منهم في هذه الحالة تعتبر جرائم غير عمديه ، فكان يجب النص على تجريم هذه الأفعال في مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن .
إلا أن مشروع القانون نص فقط على حالات أو أسباب الإباحة الأربعة التي لا تعتبر الأفعال الواقعة فيها جريمة ولم ينص على تجريم أفعال التجاوز لحدود أسباب الإباحة ، مع أن مشروع القانون قبل الموافقه عليه من مجلس الوزراء كان يتضمن نصاً يجرم هذه الأفعال ويعاقب مرتكبيها وذلك في المادة ( 4 ) منه التي كانت تنص على ما يلي :-
(( إذا تجاوز أفراد الأمن أو القـوات المسلحة حدود أداء الواجب فيـعاقـب على فعلهم بوصـفِه جريمـة غير عمديه )) . وهذا النص منقــول في الأصل من نص المـادة ( 30 ) من قانون الجرائم والعقـوبات التي وردت بعنوان :- (تجاوز حدود الإباحة ) ونصت على مايلي: (( إذا تجاوز الشخص بإهماله حدود الإباحة أو الضرورة أو الدفاع الشرعي يعاقب على هذا التـجـاوز إذا كان القانون يجرمه بوصفه جريمة غير عمديه )) إلا أن هذا النص حُذف كلياً من مشروع القانون أثناء مناقشته من قبل مجلس الوزراء ، وهو ما يؤكد أن الغاية من هذا القانون تهدف إلى إباحة كل ما يرتكبه منتسبو الأمن من أفعال جنائية أثناء أدائهم الواجب بقصد حمايتهم من الملاحقة القانونــية والمحاكمة مما يجعل القـانـون في حالة صدوره معيباً بعيـب الإنحراف التــشريعي ويــترتب عـلى ذلـك مخالفته للدستور وبالتالي بطلانه .
وبالإضافة إلى ذلك فإن مشروع القانون قبل عرضه على مجلس الوزراء كان يتضمن نصاً يُجيز رفع الدعوى الجزائية على منتسبي الأمن أو من يكلف من القوات المسلحة بمهام أمنية عن أية جريمة تقع منهم أثناء تأديتهم الواجب ، إذ نص في المادة ( 5 ) منه على ما يلي :-
(( مع مراعاة ما ورد في المادة ( 4 ) لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على منتسبي الأمـن أو القــوات المسلحة لجريمة وقعت منهم أثناء تأديتهم للواجب أو بسببه إلا بإذن النائب العام ))
وبموجب هذه المادة فإن أي فرد من منتسبي الأمن وقعت منه جـريمة أثناء أو بسبب تأديته الواجـــب ستتخذ ضده الإجراءات القانونية بالقبض عليه والتحقيق معه ورفع الدعوى الجزائية ضده عبر النائب العام ومحاكـمته في المحكمة المخـتصة والحكم عليه بما هو مقرر شرعاً وقـانوناً . إلا أن هذه المــادة أيضاً حُذِفت من قبل مجلس الوزراء عندمـا أقر مشروع القانون ، وهذا دليل أخر يؤكد بأن الغــاية من إصدار هذا القانون تهدف إلى حماية منتسبي الأمن ومن يكلف بمهام أمنية من أفراد القوات المسلحة من الملاحـقة القانونية والمحاكـمـة عما يرتكبوه من جرائم أثناء أداء الواجــب . فإذا لم تـكن هذه هـي الغاية التي يستهدفها إصدار القانون لما حُذِفت هاتان المادتان من المشروع .
ولأن هذه الغاية التي يتغياها هذا القانون غير مشروعة ولا تستهدف الصالح العام من جهه ، ولأن القانون من جهةٍ أخرى ، تضمن نصوصاً مُعدِله لنصوص قانونية تضمنتها قوانين سابقه عليه فهذا مايعيب القانون في حالة صدوره بالانحراف التشريعي مما يترتب عليه مخالفة القانون للدستور وبالتالي بطلانه .
ثانيا : إستبدال القانون المسئولية المدنية بالمسئولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها منتسبو الأمن أو من يكلف بمهام أمنيه من منتسبي القوات المسلحة أثناء أدائهم الواجب،هذا من جهه . ومن جهةٍ أخرى، إخلال القانون بمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات الذي كفله الدستور :
نص مشروع القانون في المادة ( 6 ) منه على أن ( تتحمل الوزارة المختصة الداخلية أو الدفاع التعويض عن الضرر الناتج عن الفعل الذي يقع من منتسبي الأمن القوات المسلحة أثناء تأديتهم الواجب أو بسببه ) .
ونص في المادة ( 7 ) على أن ( تتحمل الوزارة المختصة مسئولية تعويض الضرر الواقع على منتسبي الأمن أو القوات المسلحة من الغير إذا كان الضرر ناتجاً عن فعل وقع لأي منهم أثناء تأديتهم للواجب أو بسبب ) .
ونصت المادة ( 8 ) بأن ( للوزارة المختصة الحق برفع الدعوى المدنية على المتسبب بالضرر الذي تحملته تعويضاً للغير أو لمنتسبي الأمن أو القوات المسلحة ) بينما نصت المادة ( 9 ) بعد تعديلها بقرار مجلس الوزراء على الأتي :
( تتحمل الموازنة العامة للدولة تسليم ما يُحكم به من ديات أو تعويضات على منتسبي الأمن أو القوات المسلحــة بسبب أداء الواجـب بموجب حكم قضـائي بات أو بموجـب حكم تصالحي معمد من المحـكـمة الشرعية شريطة ألا تزيد الدية عن الدية الشرعية المقررة قانوناً ) .
ونصت المادة ( 10 ) على ما يلي :( يستحق منتسبو الأمن أو القوات المسلحة تعويضاً نقدياً عن أصابتهم أثناء أداء الواجب وفقاً لقانون المعاشات والمكافآت للقوات المسلحة والأمن وتعديلاته ) .
من خلال التمعن في هذه النصوص يتضح أن مشروع القانون جعل المسئولية المدنية بديلاً عن المسئولية الجنائية كأثر مترتب عن الجرائم التي تقع من منتسبي الأمن أو القوات المسبحة أثناء أدائهم الواجب معتبراً أن ما يقع من جرائم مهما كانت نتيجتها قتل أو إيذاء جسماني هي مجرد ضرر يستوجب التعويض المادي فقط كالضرر الناتج عن الاعتداء على المال أو الملكية بشكلٍ عام ، بينما الأفعال الجنائية التي تقع على النفس هي جرائم إعتداء على حياة الإنسان وسلامة جسمه تستوجب اتخاذ التدابير الجزائية ومحاكمة الفاعل ومعاقبته بالعقوبات المقررة في قانون الجرائم والعقوبات وهي :- القصاص أو الحبس والدية والأرش إلى جانب التعويض المادي .... الخ .
وبما أن قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن تضمن نصوصاً مٌعدِله لنصوص قانونية تضمنتها قوانين أخرى سابقه عليه فلذلك يكون القانون معيباً بعيب الانحراف التشريعي في حالة صدوره مما سيترتب على ذلك مخالفته للدستور ، هذا من جهة .
ومن جهةٍ أخرى ، فإن النصوص القانونية المشار إليها في مشروع القانون إشتملت على تفرقه وتمييز في الحقوق والواجبات بين المواطنين أمام القانون مخالفةً بذلك مبدأ المساواة بينهم الذي كفله الدستور في المادة ( 41 ) منه ، لأنه وفقاً لهذه النصوص فإن أي فرد من منتسبي الأمن أو من يكلف بمهام أمنية إذا أصابه ضرر أثناء أدائه الواجب ( نتيجة فعل وقع عليه ) ففي هذه الحالة فهو يستحق تعويضاً نقدياً بموجب قانون المعاشات والمكافآت للقوات المسلحة والأمن دون الحاجة لحصوله على حكم قضائي ، والوزارة المختصة ( الداخلية أو الدفاع ) هي التي تتولى دفع التعويض له ، وهذا ما نصت عليه المادتان ( 7 و 10 ) من مشروع القانون . بينما المواطن إذا أصابه ضرر نتيجة فعل وقع عليه من منتسبي الأمن أثناء أدائهم الواجب فأن إستحقاقه للتعويض وتسليمه له يتطلب أولاً لجوئهِ للقضاء لإقامة الدعوى وحصوله على حكم قضائي بات أو حكم تصالحي معمد من المحكمة ، وبالإضافة إلى ذلك فإن الموازنة العامة للدولة ( وزارة المالية ) هي التي تتحمل تسليم ما سيُحكم به من تعويض أو ديه للمواطن وليست الوزارة المختصة ( الداخلية أو الدفاع ) وهذا ما نصت عليه المادة ( 9 ) من مشروع القانون المُعدَله من قبل مجلس الوزراء ، وهو ما يتعارض مع النصوص القانونية المتعلقة بالدية والتعويض وكيفية إستحقاقهما والحكم بهما الواردة في قانون الجرائم والعقوبات المواد ( من 70 – 80 ) منه التي بموجبها يُحكم بالدية على القاتل الأصلي ومن في حكمه كعقوبة بديله عن القصاص في أحوال سقوط القصاص على النحو المبين في القانون ، وتعتبر الدية عقوبة أصلية في الأحوال التي ينص عليها القانون . كما تجب الدية في مال الجاني وحده في أحوال سقوط القصاص وإبدالها به . وتكون في الخطأ على الجاني ثلثها ويوزع الباقي على عاقلته ، ويجوز الجمع بين الدية والأرش وبين تعويض المجني عليه أورثته عما اُنفق في علاج المجني عليه وما فاته من كسب أثناء مدة العلاج ، وغير ذلك من أحكام مبينة بالتفصيل في قانون الجرائم والعقوبات التي تتعارض معها النصوص الواردة في مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن ، هذا من جهة .
ومن جهةٍ أخرى ، فأنه وفقاً لما نص عليه مشروع القانون فإنه من غير الممكن قانوناً حصول المواطن على حكم من المحكمة باستحقاقه الديه أو التعويض عما وقع له من منتسبي الأمن إلا إذا طلب ذلك في إطار دعوى جزائية تقيمها النيابة العامة ضد الجاني وهو ما لا يمكن تحققه في ظل هذا القانون لأنه يهدف أساساَ إلى حماية منتسبي الأمن ومن يكلف بمهام أمنية من أفراد القوات المسلحة من الملاحقة القانونية والمحاكمة عما يقع منهم من جرائم أثناء أدائهم الواجب ، فالمواد التي تنص على تجريم أفعال التعدي على المواطنين التي تقع من منتسبي الأمن تجاوزاً منهم لحدود أداء الواجب والمواد التي تُجيز للنيابة العامة إقامة الدعاوى الجزائية ضدهم قد حُذِفت من مشروع القانون من قبل مجلس الوزراء حسبما أوضحناه آنفاً بينما أفعال التعدي التي تقع على منتسبي الأمن فقد نص مشروع القانون في المواد ( من 12 – 15 ) على تجريمها والمعاقبة عليها ومحاكمة مرتكبيها . ولذلك فإن قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن سَيُخلُ بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات الذي كفله الدستور في المادة (41) منه ، لأنه خص الفئه التي تعلق بها مجال تطبيقه وهي ( منتسبو الأمن ومن يكلف بمهام أمنيه من أفراد القوات المسلحة ) بمعاملة إستثنائية لا تستند إلى أسس موضوعية جاوز بها ما تقتضيه الحماية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة .
إن الحق في المساواة هو من الحقوق الأساسية للمواطنين وهو أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي ، لأن الغايه التي يستهدفها مبدأ المساواة تتمثل أصلاَ في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة كافة صور وأشكال التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها . وهذا المبدأ في جوهره هو وسيله لتقرير الحماية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور فحسب ، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي تكفلها القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، مما يعيب القانون لإخلاله بمبدأ المساواة بمخالفته للدستور.
ثالثاً : إهدار القانون حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور في المادة (42) وأقرتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي نص الدستور في المادة (6) على تأكيد العمل بها :-
احتوى الفصل الثالث من مشروع القانون في المواد ( من 12 – 15 ) على العقوبات المتعلقة بالأفعال الواقعة على منتسبي الأمن ومن يكلف بمهام أمنيه من أفراد القوات المسلحة ، فضت المادة ( 12 ) من المشروع على ما يلي :-
(( يعاقب بغرامه لا تقل عن مائتي ألف ولا تزيد على خمسمائة ألف ريال كل من ينسب لأحد منتسبي الأمن أو القوات المسلحة أفعال غير قانونية أو غير صحيحة تتعلق بمهام وظيفته عبر الصحف أو المجلات أو غيرها من الوسائل بغرض الإساءة أو التشهير ))
من خلال التمعن في سياق هذا النص يتبين لنا أنه سيقع تحت طائلة المحاكمة والعقاب – بذريعة الإساءة أو التشهير – كل من يقوم بالكتابة أو النشر عبر الصحف أو المجلات أو غيرها من وسائل الإعلام سواءٌ على شكل أخبار أو مقالات ومواضيع تتضمن انتقادات أو آراء وتعليقات حول ما يرتكبه منتسبو الأمن من جرائم أثناء أدائهم الواجب نتيجة استخدامهم القوه المفرطة والوسائل غير المشروعة في فض المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية مما ينتج عن ذلك سقوط قتلى وجرحى في صفوف المواطنين . وهو ما يُشكل إخلالاً بحرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور في المادة (42) منه وأقرتها المواثيق الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة التي أكد الدستور في المادة ( 6 ) منه على العمل بها . حيث تنص المادة ( 42 ) من الدستور على مايلي :-
( لِكُل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون ) .
فالدستور في هذه المادة بعد أن كفل حرية الرأي ومنح كل مواطن حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير ، قرر أن يتم ذلك في حدود القانون . وبذلك يكون الدستور قد خول السلطة التشريعية أمر تنظيم حرية الرأي بما لا ينتفي معه جوهر هذه الحرية أو ينتقص منها. وسواءٌ كان هذا الانتقاص من الحرية أو الحق أو الإخلال به جسمياً أم كان محدوداً فهو عدوانٌ على الحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق أو لتلك الحرية . وهذه الحماية هي التي يحرص الدستور عليها ليعطي حقوق المواطنين وحرياتهم قيمتها الحقيقية ، لأن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تُعد ركيزةً لكل نظام ديمقراطي سليم يقوم في جوهره على مبدأ السيادة الشعبية ومفاده:
(( الشعب مالك السلطة ومصدرها )) وهو ما أكده الدستور بالنص عليه في المادة ( 4 ) منه .
ولا شك أن هذا المبدأ يقتضي أن تكون للشعب – ممثلاً في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يُعرض عليه من شئون عامه ، وأن تكون للشعب أيضاَ بأحزابه ونقاباته ومنظماته وأفراده رقابه شعبيه فعاله يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء لما تقوم به السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات . وبالإضافة إلى ذلك فإن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها ، وتُعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية ، كحق النقد ، وحرية الصحافة والطباعة والنشر . كما تُعد حرية الرأي ضمانه لازمه لمباشرة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين . ولذلك فإن إخلال القانون بحرية الرأي أو المساس بها أو الانتقاص منها حسبما أوضحناه هو عدوانٌ على الحماية التي كفلها الدستور لحرية الرأي ، مما يعيب القانون في هذه الحالة بمخالفته للدستور وبالتالي بطلانه .
الخلاصة : إن أي سبب من الأسباب المبينة آنفاً يكفي في حد ذاته لتقرير عدم دستورية قانون (( الحماية القانونية لمنتسبي الأمن )) في حالة صدوره مما يتعين على السلطة التشريعية ممثلةً بمجلس النواب أن تلتزم بالقيود والضوابط التي يفرضها عليها الدستور وهي بصدد ممارسة اختصاصاتها التشريعية ولا تهدرها ، وأن تتقيد بمبادئ وأحكام الدستور .
كما أن جميع النصوص التي تضمنها مشروع القانون هي في الأصل منقوله من قانون الجرائم والعقوبات العام وقانون الجرائم والعقوبات العسكرية ، ولكن تم نقل تلك النصوص مع تعديل أو إضافة لمضمونها الأصلي أو إستبعاد نصوص قانونية أخرى مرتبطه بها وتم تجميعها في إطار مشروع قانون وسٌـمّي بقانون (( الحماية القانونية لمنتسبي الأمن )) وذلك بقصد تحقيق الغاية التي يهدف إليها إصدار هذا القانون المتعارضة مع الدستور وهي حماية منتسبي الأمن من الملاحقة القانونية والمحاكمة عما يرتكبوه من جرائم أثناء أدائهم الواجب.
إن الحماية القانونية الحقة بمعناها الشرعي والقانوني الصحيح هي مقرره ومتوافرة أصلاً في القوانين النافذة كقانون الجرائم والعقوبات العام وقانون الجرائم والعقوبات العسكرية وقانون هيئة الشرطة وغير ذلك من قوانين ، مما يستوجب الالتزام بتطبيق هذه القوانين تطبيقاً صحيحاً ، والتقيد بمبادئ وأحكام الدستور بدلاً من مخالفتها .
وفي هذا المضمار فإن للقضاء الدستوري المستقل أهميه كبيره في الرقابة على دستورية القوانين في ضوء مبدأ الفصل بين السلطات . ولذلك سنتناول في مقالات أخرى قادمة – بإذن الله تعالى – الكتابة حول هذا الموضوع ، وفي هذا الإطار حول أهمية إنشاء محكمه دستورية عـليا تتولى النظر والفصل في الدعاوى والدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين والقرارات والأنظمة واللوائح ، وكذلك حول الإصلاح القضائي وما يتطلبه من خطط وبرامج وإجراءات حاسمه لإنهاء كافة الظواهر السلبية والإختلالات والولاءات الحزبية والأمنية التي يعاني منها القضاء ، والتي هي من أسباب فقدان القضاء لإستقلاله وهَيبتهِ وما يتعرض له القضاة ومقرات المحاكم من إعتداءات وإنتهاكات – الأسباب والحلول - ( انتهى )َ