محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد
ليس هناك إنسان بكامل عقله طبعاً يمكن أن يعارض إسقاط الأنظمة الديكتاتورية وحكامها من طواغيت ومستبدين سافلين، فذلك النوع من الأنظمة أصبح وصمة عار في جبين البشرية، ولم يعد موجوداً حتى في مجاهل إفريقيا، لكنه، ولشديد الأسف، مازال موجودا بدرجات متفاوتة في هذا الجزء التعيس من العالم، ألا وهو العالم العربي، لأن القوى الكبرى لا تمانع في وجوده، لأنه يخدم الثابتين الرئيسيين في استراتيجياتها، ألا وهما النفط وإسرائيل. لهذا السبب سقط هذا الصنف القميء من الأنظمة في أوروبا الشرقية وحتى في الاتحاد السوفيتي الذي كان الداعم الأول للديكتاتوريات في العالم، وظل قائماً في البلدان العربية التي كانت مرتبطة به. ومن سخرية الزمن، أن روسيا ناضلت وتخلصت من الطغيان، لكنها، مع ذلك ظلت تدعم محمياتها الديكتاتورية القديمة مثل كوريا الشمالية، وكوبا وليبيا وسوريا وغيرها، رغم انتفاض الشعوب عليها.
لا أحد أبداً يمكن أن يجادل في ضرورة أن تلحق المحميات السوفيتية القديمة بالاتحاد السوفيتي البائد، لكن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها بعض الثوار. ولا يتعلق الأمر فقط بأن تلك المحميات جندت كل طاقات بلادها على مدى عقود لتثبيت حكمها بالدرجة الأولى بالحديد والنار وإهمال التنمية وحقوق الشعوب، وبالتالي ليس من السهولة إسقاطها بثورات سلمية كما في سوريا، بل يتعلق الأمر في أن سقوط مثل تلك الأنظمة عن طريق ثورات شعبية سيجلب على الشعوب أهوالاً مرعبة، لو تم دفعة واحدة. فالاتحاد السوفيتي نفسه الذي كان قوة سياسية وعسكرية واقتصادية عالمية سقط في أتون الفوضى والتفكك والانهيار لفترة ليست قصيرة بعد سقوط نظامه الشيوعي الاستبدادي، فما بالك بمحمياته المتخلفة سياسياً ومؤسساتياً واقتصادياً. لقد لاحظنا كيف حكمت عصابات المافيا روسيا لسنوات بعد سقوط النظام، مع العلم أن الشعب الروسي، بالمقارنة مع شعوب المحميات السوفيتية السابقة في الشرق الأوسط، شعب متقدم ثقافياً واجتماعياً، مع ذلك تعرض لهزة كبيرة، وعانى كثيراً بعد انهيار الشيوعية، وأمضى وقتاً ليس قصيراً حتى بنى نظامه الجديد. فكيف إذاً ببعض البلدان العربية التي تعاني تخلفاً على معظم الأصعدة؟ لا شك أنها ستعاني أكثر، ولفترة أطول، خاصة أنها، أيضاً على عكس الاتحاد السوفيتي، لا تمتلك أي مؤسسات حقيقية يمكن أن تعتمد عليها لإدارة الدولة بعد سقوط النظام.
لماذا تنهار الدولة الديكتاتورية العربية عندما يسقط الطاغية، خاصة في الجمهوريات العسكرية الأمنية؟ لأن المؤسستين الوحيدتين الفاعلتين في الديكتاتورية هما المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية، وباقي مؤسسات الدولة معطلة، أو بلا حول ولا قوة، ناهيك عن أن كل المؤسسات، الفاعل منها والمعطل، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالديكتاتور. لهذا عندما يسقط الطاغية تسقط الدولة. ولا عجب، فهو كان على الدوام يرفع شعار: أنا الدولة والدولة أنا. فلو كان هناك مؤسسات لما تأثرت الدولة، جاء من جاء وذهب من ذهب. أما في دولة الديكتاتور، فإن كل شيء مرتبط به، فما أن يسقط الرأس حتى يتداعى الجسم.
وكما لاحظنا، كلما كانت الدولة أقرب إلى دولة المؤسسات، كان مقدار الفوضى بعد نفوق الطاغية أقل. لاحظوا الفرق بين مصر وليبيا مثلاً، ففي مصر تضررت الدولة بسقوط الديكتاتور، لكنها لم تنهر تماماً، لأن هناك بقايا مؤسسات. أما في ليبيا، فقد أوشكت الدولة على السقوط، لأن القذافي ربط حتى مصلحة الصرف الصحي التي قضى أخيراً في أحد بواليعها، ربطها بشخصه أثناء فترة حكمه كي يحتكر كل السلطات في يده، فما بالك بالمؤسسات الحيوية، لهذا تعاني ليبيا الآن من الفوضى العارمة والفلتان، لأن كل شيء سقط مع الطاغية، ولا بد من بناء هياكل مؤسساتية من جديد. وكم كان بعض الليبيين محقون عندما رفعوا شعارات تقول: الشعب يريد بناء النظام.
من الخطأ الفادح حتى إسقاط المؤسستين الأمنية والعسكرية في الديكتاتوريات. فقد شاهدنا كيف انهار العراق بعد تفكيك الجيش العراقي، ولم يعد إلى وضعه الطبيعي بعد عشر سنوات على الغزو. لهذا لابد من فحص مؤسسات الدولة الديكتاتورية جيداً قبل الشروع بإسقاط النظام، لأن الطاغية بنى نظامه على أن يكون وبالاً على الشعب أثناء فترة حكمه وبعد نفوقه. قد يفرح الكثيرون بسقوط نظام الطاغية، لكن مرحلة ما بعد السقوط ستكون وخيمة بسبب انتشار الفوضى. هل عاد الصومال إلى وضعه بعد سقوط الديكتاتورية رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على اقتلاع سياد بري؟ بالطبع لا.
من المفضل أن يفكر الثوار بتدعيم بعض المؤسسات التي يمكن أن تحمي البلاد من الفوضى والانهيار قبل اقتلاع أي نظام. ومن الخطأ الفادح تفكيك الجيش وقوى الأمن حتى لو كانت مجرد عتلة في يد الطاغية. الأفضل إصلاحها فوراً وتطهيرها من القتلة والمجرمين الذين كانوا يساعدون الطواغيت. لكن لا لتفكيكها لإرضاء انتقام مرحلي. في الديمقراطيات، يذهب الزعيم دون أن يحدث أي اضطراب في الدولة، لأن الزعيم مجرد عتلة صغيرة، بينما السلطة الحقيقية للمؤسسات. أما في الديكتاتوريات ينفق الديكتاتور، فتنفق دولته. لهذا من المفضل في الديكتاتوريات، حتى لو كان صعباً، أن يتأنوا حتى في إسقاط الطاغية قبل أن يضمنوا آليات تحفظ الدولة من الانهيار كي لا تذهب البلاد "في ستين ألف داهية" بعد سقوط الديكتاتور.