رؤية مختلفة لحل أزمة المغتربين في السعودية
بقلم/ عادل الاحمدي
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 24 يوماً
الأربعاء 03 إبريل-نيسان 2013 11:23 ص

في فترة قياسية استطاعت قضية المغتربين ان تضع نفسها في صدارة اهتمامات الشارع اليمني متجاوزة دائرة الجدل المصاحبة لمؤتمر الحوار الوطني بما يشكله من قضايا مصيرية حساسة، بل واستطاعت قضية المغتربين ان تقتحم أسوار مؤتمر الحوار ذاته وان تشغل حيزا من كلام المتحدثين. ومن خلال الملاحظة فإن ثمة سمات ثلاثا للمواكَبة الإعلامية الأخيرة حول موضوع المغتربين الأولى ان اغلب التناولات الإعلامية مبنية على الشائعات لا على المعلومات وعلى العواطف لا على الحقائق بل إن كثيرا منها لم ياخذ من القصة الا خلاصة واحدة جاهزة وهي ان "السعودية تضايق المغتربين اليمنيين وتريد التخلص منهم"، وراح يبني على هذه الخلاصة تحليلات وتأويلات تدخل الى القضية من غير أبوابها.

السمة الثانية هو ان هذه المواكَبة لموضوع المغتربين توازَنَ فيها، لأول مرة، الحضور بين من يثير القضية اثارة سلبيه ناتجة عن موقفه الخاص كشخص أو كمجموعة، تجاه السعودية لا على حرصه على مصلحة المغتربين وهذا الطرف عادة هو الحاضر بشكل دائم حينما يتم إثارة اي موضوع يتعلق بالسعودية. ومن يحاول ان يتناول الأمر بطريقة ايجابية يهدف فيها الى الإسهام في حل المشكلة وليس الصيد في الماء العكر والسعي لإدانة السعودية وتسديد الأهداف في مرماها حقا وباطلا.

وهناك سمة ثالثة صبغت المواكَبة الإعلامية تجاه موضوع المغتربين وهو ان معظم التناولات، الايجابي منها والسلبي، انطلق في قراءته للدوافع السعودية في القرارات الأخيرة من افتراض وجود دوافع سياسية محضة من السعودية تجاه اليمن دون محاولة الغوص في حقيقة هذه الدوافع من عدمها، ودون ملامسة جادة لفرضية وجود دوافع أخرى غير سياسية وراء هذه القرارات تتعلق بالتحديات الداخلية السعودية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ولعل هذه السمة بالذات هي ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع رغم انني ارى ان مثل هذه القضايا لا تعالج بواسطة الإعلام وذلك بسبب امتلاء الساحة الإعلامية اليمنية بأقلام متعددة الأهواء لا تتعامل للأسف، بحس وطني مسؤول حينما يتعلق الأمر بالسعودية، وكذلك بسبب حساسية أشقائنا في المملكة تجاه ما يكتب في الإعلام اليمني غير المنضبط.

ولعل اعتماد المواكَبة الإعلامية على فرضية وجود بعد سياسي وراء القرارات السعودية له ما يبرره لأنه كما يقول المثل المصري "اللي يلتسع من الشربة ينفخ في الزبادي" واليمنيون اصيبوا بلسعة كبيرة من قرار 1990 الذي كانت تقف وراءه دوافع سياسية بسبب الموقف اليمني من أزمة الخليج، والخلاصة التي توصلت اليها بعد بحث لا بأس به، هو ان حضور العامل السياسي اضعف ما يكون هذه المرة وان التحديات الداخلية السعودية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية هي ما يقف وراء هذه القرارات التي اتخذها الأشقاء في المملكة على وجه العموم وليس ضد المغتربين اليمنيين فقط. مع التسليم ان المغتربين اليمنيين هم المتضرر الأكبر من هذه القرارات وبالتالي الاقتصاد اليمني والواقع اليمني ككل. ومن هنا فان معالجة هذه القضية معالجة هادفة لتفادي هذا الضرر الكارثي بكل معنى الكلمة، لا تستوجب تحليلات مطولة للأبعاد السياسية السعودية المحتمل وقوفها وراء هذه القرارات، ولا بالهجوم العنيف على حكومتي اليمن والسعودية، ولا باستخدام اللغة التخويفية تجاه أشقائنا في المملكة التي تلوح بإمكانية انضمام المغتربين المرحّلين من المملكة، للحوثي والقاعدة (لان هذه ليست اخلاق اليمنيين حتى وان رُحِّلوا عن بكرة أبيهم)، ولا بالتسابق السياسي على إحراز شعبية في أوساط المغتربين بواسطة تلهيب مشاعرهم، ولكن المعالجة الصائبة لهذه القضية تقتضي أولا فهم المبررات الحقيقية الواقفة وراء القرارات من ثم السعي عبر العمل الدبلوماسي والخبراء الاقتصاديين من اجل المواءمة بين المصالح السعودية المتوخاة من وراء هذه القرارات والمخاطر اليمنية جراءها ،بطريقة نتفادى فيها مخاطر هذه القرارات على اقتصادنا ومغتربينا، ونسلم في نفس الوقت، بحق المملكة في تحقيق مصالحها المرجوة من وراء هذه القرارات.

فمثلا، ينطلق المُشرِّع السعودي من إدراكه لحجم البطالة داخل المملكة ويسعى لإدماج الأجيال الجديدة في مجالات العمل المختلفة، وينطلق هذا المشرع، كما هو واضح من الخطاب الداخلي السعودي، ايضا، من إحساسه بضرورة التخلص التدريجي من نظام الكفالة وإيجاد نظام بديل ينظم العمالة الوافدة ولا يحتوي على العيوب والمضار الكامنة في نظام الكفالة سواء المضار المتعلقة بالجانب الحقوقي الدولي الذي ينتقد السعودية لاستمرارها في اعتماد هذا النظام، او المتعلقة بالجانب الاجتماعي والاقتصادي حيث عزز نظام الكفالة معدلات البطالة في السعودية وفتح المجال واسعا أمام الخروقات المتمثلة في التستر والاستقدام غير المنضبط والمشاريع الوهمية، او من جهة اعتماد جزء من شريحة الكفلاء على ريع مكفوليهم وسوء معاملة بعضهم للمكفولين.. مضافا إليها المخاطر الامنية الناتجة عن العمالة السائبة. وهي مشاكل أنجزت لحلها عشرات الدراسات في مجلس الشورى السعودي ووزارتي العمل والداخلية وتمخضت بعض هذه الدراسات عن توصيات عدة يتمثل بعضها في القرارات الأخيرة التي تضع قيودا عديدة على نظام الكفالة سواء برفع رسومها او بحصار العمالة السائبة او بسعودة بعض المجالات الخدمية. وهو برنامج يتم تنفيذه منذ سنوات بالتدريج ولعل المتضررين من الكفلاء السعوديين من هذه القرارات يمثلون عددا ليس بالقليل وهذا بظني هو ما كان يشغل بال المشرع السعودي اثناء اتخاذه هذه القرارات، لهذا نجد ان السلطات السعودية لم تصاحب قراراتها بأجوبة مقنعة يخاطب بها المتضرر غير السعودي اللهم إلا بعض الجهود الامتصاصية التي تحدثها تصريحات رموز سعوديين من الدعاة والكتاب أمثال العريفي والعمري وغيرهما.

إزاء هذه القراءة التي تستثني الدوافع السياسية المحضة وراء القرارات الأخيرة وتحاول النظر للمشكلة من زاويتي نظر يمنية وسعودية، فان منطق المعالجة سيكون أسهل على الجانب اليمني في التعاطي مع هذه القضية وذلك بإنتاج الحلول والمقترحات المبدعة والخلاقة وليس بتحليل الدوافع السياسية وتأويل المقاصد غير الواقعية. وفي تقديري اننا حينما نستبعد العامل السياسي من القضية فإننا لن نعدم اقتراح الحلول وتقديمها بصوت مسموع، عبر الأطر الرسمية المعنية بحيث نتجنب المخاطر الكارثية لهذه القرارات على مغتربينا واقتصادنا اليمني، في نفس الوقت الذي لا تصطدم فيه حلولنا ومصالحنا مع ما تتوخاه السلطات السعودية من مصالح اجتماعية وامنية واقتصادية من وراء هذه القرارات. ولعل الحل الاسعافي الأول برأيي، يتمثل في ضرورة إعطاء اليمنيين المغتربين في المملكة، مهلة كافية لتكييف أوضاعهم وفقا للقانون ومساعدتهم على ذلك، وايقاف المداهمات والملاحقات والترحيل القسري. مع السعي الى إيجاد غرفة عمليات يمنية سعودية مشتركة تعمل على تحقيق المواءمة بين مصالح البلدين وإيجاد المخارج العملية تجاه اية عوائق تعترض تحقيق هذه المصالح. وفي يقيني ان المملكة باقتصادها الضخم واتساعها الجغرافي وآفاقها المستقبلية الواعدة قادرة على تحقيق ما تتوخاه من مصالح جراء هذه القرارات دون أن تلحق الضرر بمغترب يمني واحد.